إيراج أفشار
محتويات المقال: عنوان المؤلَّف المؤلّف تاريخ المؤلف الشخصية المُهدَى إليه الكتاب ترتيب المخطوطات حسب اهميتها المحتويات الجديد في كتاب ((جواهر نامه نظامي)) أسماء الجواهر المنْحول المراجع |
حسب ثبت المصادر المرفقة، ثَمَّة ستة وثلاثون نصًا بالعربية، وعشرة بالفارسية كُتبت حول الجواهر وعلم الجواهر وعلم المعادن حتى بدايات القرن الحادي عشرة/ الهجري، السابع عشرة الميلادي. علمًا بأن هذا الثبت لا يورد سوى أهم ما أُلّف من أعمال في هذه المجالات. وأقدّم في هذه الورقة النص الفارسي لكتاب جواهر نامه نظامي الذي أُلّف عام 592هـ بوصفه أقدم المؤلفات بالفارسية، وهو كتاب ما زال غير منشور، ولما كان يستند إلى تجربة واستنتاجات مؤلّف كان يحترف مهنة صقل وهندمة الحجارة الكريمة وصياغة الذهب، فإنني أقوم بتحقيق هذا الكتاب معتمدًا على خمسة مخطوطات، آملا أن أتمكن من نشره في السنة أو السنتين المقبلتين.
وهذا الكتاب الذي يأتي ثابتًا بعد كتاب (( الجماهر في الجواهر)) لأبي الريحان البيروني (ت 440م) بالغة العربية، هو أول مؤلَّف معروف بالغة الفارسية عن الحجارة الكريمة والجواهر والمعادن والممزوجات والتلاويح (المينا والمواد التي يمكن تليينُها بها وتطلي بها السطوح المعدنية، وخاصة الذهب والفضة).
ولكتاب ((جواهر نامه نظامي)) أهمية كبيرة لأن المؤلف وأباه وابنه كانوا جواهريين يعملون في صقل الحجارة الكريمة وصياغة الذهب. وقد سجل المؤلف في كتابه قدرًا كبيرًا من تجاربه الشخصية ومعلوماته، إضافة إلى ما سمعه من تجار الجواهر يين، كما ورد في كتابه تحت مادة (( بجاد)) Bijade، وهي مادت الياقوت الأحمر الذي يشبه البلخش ( الياقوت الأحمر الوردي) حيث كتب : (( روى أحد السادة [ الذين ينحدرون من سلالة النبي محمدﷺ ] من منطقة بدخشان)). ومثل هذه العبارات الأصيلة تعطي النص قيمة رفيعة. وقد روى هذه التفاصيل والإفادات المؤلفان الفارسيان الآخران اللذان كتبا عن الجواهر بعد عصر النيسابوري مؤلف كتاب جواهر نامه نظامي دون ذكر للمصادر (انظر القسم المتعلق بكتب الجواهر المنْحولة). أما النيسابوري فإنه عندما كان يعرض تجاربه وما توصل إليه، فقد استعمل عبارات مهذبة تدل على التواضع الجمّ مثل (( هذا المسكين الوضيع )) أو (( هذا العبد الذليل)).
وقبل أن أبدأ مناقشتي ودراسة هذا الكتاب وعرضه ثم تحقيقه1، أذكر إنه كان هناك مصدران يشيران إلى كتاب (( جواهر نامه نظامي))، أما الأول فهو مقال عن الألماس كتبه محمد علي تربيت عام 1312هـ/1937م، يقتبس من كتاب (( جواهر نامه نظامي)) الذي ذكره بإسم (( جواهر نامه)) مضيفًا إلى ذلك عبارة ((كُتب في عام 592هـ، يوجد مخطوط منه))2، أما المصدر الثاني فهو وصف موجز للمؤلف كتبه الشيخ آغا برزك طهراني في كتابه (( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ))3 1323هـ/1944م تحت مَدْخل (( جواهر نامه)) دون نسبة نظامي التي ترد تحديدًا في أربعة من المخطوطات الخمسة الموجودة4 وقد انتقلت الإفادة الى كتاب (( الأدب الفارسي ))5 من هذا المصدر.
وبعد التوقف عند هذين المصدرين وقفت على نسخة من الكتاب في مكتبة ملك بطهران أثناء قيامي بفهرسة مخطوطاتها ،ولما كنت في وقت نفسه أقوم بتحقيق وطباعة (( عرائس الجواهر ونفائس الأطايب )) الذي ألفه أبو القاسم القاشاني6عام 800 هـ ،لاحظت تماثلاً وأوجه شبه محيّرة في الموضوع وفي صياغة العبارات بين النّصين إلى جانب ذلك أصبح واضحًا لي أن محتوى كتاب ((تنسوخ نامه )) بقلم خواجه نصير الدين الطوسي7 مأخود من كتاب (( جواهر نامه نظامي)). ولذلك فإنه عندما ثبت أن المصدر الرئيس لهذين المؤلفين المرموقين كان جواهر نامه نظامي، كتبتُ عن هذا الانتحال الصرف8 وفي ذلك الوقت لم يكن متوفراً ومعروفًا لديّ سوى مخطوط مكتبة ملك9. وهو مخطوط رديء التجليد، غير مكتمل وأثرت فيه الرطوبة، ومفتقر إلى اسم المؤلف. أما العنوان كما هو مكتوب فهو (( جواهر نامه)) وليس جواهر نامه. وعثرت فيما بعد على أربع مخطوطات أخرى، يعاني كل منها من عيوب وفراغات، وإن كان كل منها يملأ بعض فراغات الآخر، ميسّرًا إمكانية تحرير النصّ وتحقيقه؛ وبذلك أمكن أن نعرض هنا معلومات جديدةً قيّمة عن المخطوطات الخمس.
عنوان المؤلَّف:
إن العناوين في المخطوطات الثلاثة الموجودة في (تركيا وقُمْ وطشقند) هي ((جواهر نامه نظامي)). أما في مخطوط (مكتبة) ملك بطهران، فإن العنوان المكتوب خطأ هو (( جوهر نامه نظامي))، والسبب كما يبدو هو في إعادة كتابة العنوان خطأ، وأن الرطوبة قد شوّهته، وأما مخطوط لاهور فيفتقر غلى العنوان. ولا بد من ملاحظة أن النسبة إلى (( نظامي))تشير إلى إسم الوزير الذي أُهدِيَ غليه هذا الكتاب.
المؤلّف:
واسم المؤلّف في مخطوطي تركيا وطشقند مع المقدمة الموجودة حدّد على أنه فريد الملّة والدّين ... محمد بن أبي بركات الجوهري النيسابوري10. كما أن الاسم نفسه مدوّن في كتاب (( الذريعة)). ولم تبقى سوى بعض الألقاب للمؤلف موجودة في مخطوط مالك في حين أن الإسم بقي مفقودا.
والجدير بالذكر أن اسم هذا الجواهري ورد في مصدرين اثنين؛ الأول: هو (( عرائس الجواهر ونفائس الأطاليب)) لأبي القاسم القاشاني الذي كتِب سنة 700 هجرية، راويًا منه إحدى النوادر في القسم الذي عنوانه مرواريد أو اللؤلؤ. غير المؤلّف لم يحدّد أنه يتحدّث عن محمد بن أبي البركات الجوهري مؤلف كتا (( جواهر نامه نظامي))، الذي كان المصدر الرئيسي للقاشاني في كتابه مؤلِّفه11.
أما المصدر الثاني فهو كتاب (( غرائب الدنيا)) المنظوم شعرًا للشيخ آذري الإسفراييني المتوفي عام 866هـ، والذي يقول في هذا الصدد: (( يروي بركات في كتابه ((الجواهر)) عن الثقاة العدول، أنه في أقاصي حدود الهند وفي تخوم الصين، هناك صحراء في أعماق سحيقة من الأرض .... وعندما وصل الإسكندر إلى الشرق جرى إعلامه عن المَنْجَم (المعدن) وموقعه)).
وقد عرّف محمد علي تربيت الذي يروي أبيات الشعر هذه12، (( بركات)) هذا بأنه طبيب للخليفة المستنجد بالله، أي أبو البركات هبة الله بن علي بن ملك البلد فيلسوف العراقيين، توفي عام 560هـ13، في حين أنه لم يُنْسب إليه أي كتاب في موضوع الأحجار الكريمة. ولاشك في أن ما قصده الشيخ آذري بـ (( جواهر بركات)) هو كتاب (( جواهر نامه نظامي))هذا، وذلك عن طريق الحدس والتخمين، استنادًا إلى:
1- أن جميع الشعر تمّ العثور عليه في القسم الذي عنوانه (( ألماس)) في كتاب (( جواهر نامه نظامي))
2- ممّا لا شك فيه أن محمد بن أبي البركات ألف كتابًا في علم الأحجار الكريمة. وأن إعطاء اسم الأب بدلاً من اسم الابن كان من الاستعمالات غير المستغرية المتبعة في ذلك الوقت كقولنا على سبيل المثال منصور الحلاج، بدلاً من الحسين بن منصور الحلاج، وجرير الطبري بدلاً من محمد بن جرير الطبري. ولا شك في أن الرخصة الشعرية يمكن أن تفسّر الاقتصاد على اسم والد المؤلف بدلاً من اسمه الكامل ونسبته.
تاريخ المؤلف:
هناك ستة تواريخ في نص كتاب جواهر نامه نظامي- حسب الترتيب الزمني التالي-يمكن أن تلقي الضوء على الحقبة التي عاش فيها المؤلف:
أ-555هـ، في هذا العام كان في كرمان تاجر يروي نادرة للمؤلف عن دورق من البلور [مادة 1بلّور]
ب-566هـ، في هذا العام كان في يد أحد من التجار قطعة من جزع بشكل سفينة [مادة: جزع]
ج-588هـ، في هذه السنة أحضر علاء الدين تكش إلى سَرَخْس من أجل تغيير الخطوط والمعالم الرئيسية في زمرّد ريحاني به صورة لرجل وطير، ولتحويلها إلى عبارة لا إله إلا الله [مادة زمرد]
د-588هـ، في هذه السنة، أمره السلطان الغوري محمد ابن سام بنقش اسمه على خاتم من الياقوت [مادة الياقوت]
هـ-592هـ، سنة تأليف الكتاب كما حدّدها المؤلف في مقدمته.
و-593هـ، يقول النص ما يلي: في شهور عام 593هـ، روى لي أحد أصدقائي الأكفاء وكان تاجرًا بأنّ...3. وفيما يتعلق بالوضع والسياق فإن كلمة خمسمائة ربما تكون قد أُسْقِطتْ [مادة زمرد].
ففيما يتعلق بالتاريخ الأقدم 555هـ، لا بد أن عُمْر المؤلِّف لم يكن ليقل عن عشرين سنة ليتمكن من الدخول في مفاوضات مع تاجر. ولذا فقد يكون وِلد عام 535هـ، وأن عمره كان يزيد عن السنتين سنة عند تأليف الكتاب.
وكان هذا الجوهري معاصرًا لبعض الملوك والحكام الذين أشار إليهم [إذا ما حانت الفرصة لذلك] وهم:
1-الملك السلجوقي سنْجر بن ملكشاه (511-558)
2-الملك الغُري محمد بن سام (558-599) الذي أتى المؤلف على ذكره ثلاث مرات: مرّتينباسم محمد بن سام ومرة واحد باسم السلطان الغوري.
3-علاء الدين تكش الخوارزمشاهي (568-596)، وكما سبق أن قلنا، فقد أمره هذا الملك بالحضور إلى سرخس.
4-الملك المؤيد اي ابه Ayebe أحد قادة السلطان سنجر الذي فتح نيسابور وضواحيها عام 548هـ، والذي هُزِمَ وقُتِلَ فيما بعد على يد تكش في عام 596هـ، وكان الملك المؤيد في كرمان عام 558هـ.
5-طغان شاه ابن الملك المؤيد.
6-ملكة خاتون أم سلطان شاه، أحد حكام خوارزم، التي كانت قد جاءت كانت قد جاءت إلى مسقط رأس الجوهري.
ومن بين المغامرات التي خاضها في حياته، رحلاته التي لا يكاد يُعرف عنها شيء يذكر. ونحن على يقين من أنه ذهب في رحلة إلى سرخس بناءً على علاء الدين تكش، حيث أشار إليها هو نفسه. كما ذهب في رحلة أخري إلى كرمان. وعلى الأقل فإن رحلته مع علاء الدين تكش الذي كان في كرمان عام 558هـحدثت بها؛ إضافة إلى ذلك-وكما سبق وأن قلنا- فقد تحدث الجوهري عن لقائه مع تاجر من كرمان عام 558هـ.
كذلك زار مناطق مثل كيش (قيس) والبحرين، وبصورة خاصة شيلاف (سيراف) وذلك بالنظر إلى كون المعلومات المنفصلة غير العادية التي قدمها عن اللؤلؤ والمواضيع المتعلقة به أظهرت أنه كان هناك لمدة من الزمن ودوّن معلومات عن أسعار الآلىء والشروط الخاصة المتداولة هناك من الخبراء المحليين بالذات. وربما يكون قد سافر أيضا إلى مسقط كما يتبيّن من طابع ما دونّه.
الشخصية المُهدَى إليه الكتاب:
أُهديَ المؤلّف إلى صدر الدين أبي الفتح مسعود بن بهاء الدين علي ابن القاسم الأبهري، وزير علاء الدين تكش، الذي كان عدوًا لدودًا للإسماعليين الذين اغتالوه14، وأن الألقاب التكريمية المغولية قتلغ بلكا ألغ التي وردت في المقدمة معناها (( مدبر الأمور السعيد الموثوق العظيم الحكيم)).
ترتيب المخطوطات حسب اهميتها:
1-مخطوط قُم في مكتبة مرعشي (150 صفحة). عند اطلاعي على نسخته الفوتوغرافية لأول مرة، لاحظت أنها تعود إلى السيد باقر ترقّي (رقّت) الذي كان جامع كتب ومصادر في طهران. وهو الآن ملك لمكتبة أية الله مرعشي15. وقد تم نسخ المخطوط في القرن السابع هـ/ الثالث عشر م، بخط أشبه بخط التعليق. وهو نسبيًا قليل الأخطاء وبه فراغات في البداية والوسط والنهاية، تجليده رديء. تتوقف نهايته في القسم الخاص بالمينا. وقد اتخذت هذه النسخة أساسًا للتحقيق الذي قُمتُ به.
2-مخطوط تركيا: مكتبة بايزيد رقم 1944/1، (194 صفحة)، خطه أشبه بخطوط النسخ، في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي16. وقد أكملت الفراغات في أجزء منه بخطوط تعود إلى القرنين /15-16م. أما الفراغ في النهاية فهو في قسم ((ختو)) وهو مصطلح يعني إما القرن لنوع من البقر في عزب الصين أو البقرة نفسها.
3-مخطوط طهران: مكتبة مالك الوطنية رقم 3209، (156 صفحة)17، وخطها من النسخ والتي تعود إلى القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي. وقد أثّرت الرطوبة في صفحاتها وأعيدت كتابة في قراءة وأغلاط بسسب عدم معرفة الناسخ بالموضوع وبالمصطلحات الفنية، وكذلك بسبب عجزه عن قراءة الأجزاء من هذا الضرر لأمكن اختياره أساسًا للتحقيق،وقد دوّنت مقالتي التي سبق ذكرها استنادًا إلى هذه النسخة، لأنها كانت أول النسخ التي وقعت عيني عليها، غير أنني لم أُغفل الإشارة إلى نواحي النقص. الفراغ في النهاية في قسم التلاويح ( المينا وما شاكلها من مكونات الطلاء )، ومن مزايا هذا المخطوط أنه يحوي صورة توضيحية لعملية (( دون دان))، أي عملية الحرق البطيء في فرن بهدف الطلاء بالميناء وما شابهها، ولا توجد هذه الصورة في المخطوطات الأخرى. وهناك ختم على الصفحات 11(b)، و20(b)، و32(b)، و43(b)، و58(b)، و72(b)، و75(b)، و90(b)، و101(b)، و102(b)، و134(b)، و155(b)، وهي مطموسة لسوء الحظ18.
4-مخطوط طشقند، مكتبة معهد المخطوطات رقم 1423، (165صفحة). منسوخ بخط النستعليق. وهناك انقطاع مفاجيء في مادة (( ختو))، وبه أخطاء عديدة في القراءة والرسم. وهو مكتمل في الأجزاء الوسطى، ويمكن أن يكون ذا فائدة للمخطوطات غير المكتملة19.
5-مخطوط لاهور: مجموعة محمود شيراني رقم 3107/ 1656 وقد أهديت لجامعة البنجاب. ويتألف من 195 صفحة. وهو منسوخ في القرن الحادي عشرة الهجري/ السادس عشرة الميلادي. وبه فراغات (في الفصل الأول من المقدمة)، وفي الأجزاء الوسطى، وينتهي بالمادة (( زئبق)). وتفيد الجملة الختامية: ((تمّ الكتاب بعون الملك الوهاب))؛ أنه قد انتسخ من نسخة تنتهي بهذا القسم20.
6-مخطوط محمد علي تربية. وفي مقالته عن (( الألماس)) لم يقدّم تربيت أي معلومات حول نوعيّة مخطوطه. ويقتصر على تقديم اقتباس قصير عن الألماس من كتاب جواهر نامه. ولا نعرف شيئًا على الإطلاق عن مكان وجود المخطوط. وقد رأى محمد أمين رياحي في تعليقاته على الفصل الخامس على سبيل التخمين، أنه قد يكون مخطوط مالك. ولدى مقارنة اقتباس تربيت اتضح أنّ الاختلاف اختلاف في قراءة النصوص. وبناء على ذلك فإن مخطوط تربيت مختلف عن مخطوط مالك، وأن صاحب المخطوط الأول ما زال غير معروف21.
7-مخطوط الذريعة، وهو نسخة راجعها الشيخ آغابزرك طهراني في كتابه الشامل الموسوم بـ (( الذريعة إلى تصانيف الشيعة)) وقدّم لها وصفًا موجزًا، ولكنه لم يخبرنا عن المكان الذي رأى فيه المخطوط.
المحتويات:
يبدأ النيسابوري كتاب (( جواهر نامه نظامي)) بتعميمات حول الكائنات وأنواع وطبيعة ميلادها وبقائها. ويورد في المقدمة سبب تأليف الكتاب وإهدائه إلى الوزير المذكور. ويشرح الكيفية التي جمع بها مادة الكتاب وألّفه على وجه التالي: (( ليس ثمة من خدمة تليق بمقام الوزير إلا خدمة علمية تحمل من النفع ما يؤهلها للتشريف والتقدير والجدارة بالتقدم لجنابه، وسأحاول بذل قصارى جهدي في تحقيق هذه الخدمة المتواضعة كل التواضع. وبالنظر لما أسلفت شرحه، فقد حاولت تأليف كتاب علمي. وعندما حاز هذا الجهد البالغ التواضع على رغبة جنابه ورضاه، أصبح لزامًا عليّ تصنيف كتاب مختصر جامع لما توصل إليه أهل العلم السابقون حول دراسة الأحجار الكريمة، إضافة إلى ما اكتسبته أنا من خلال تجارتي الشخصية في المجوهرات وصقل الحجارة الكريمة ونقشها، مضيفًا إليها طرائف ومُلَحًا سمعتها من التّقاة ومن التجار)).
وبناءً على ذلك فإن عملية التأليف هذه مبنية على:
1-ما توصل إليه العلماء السابقين من النتائج
2-تجارب المؤلف الشخصية في علم الجواهر، وصقل الحجارة الكريمة ونقشها، ومما كان قد تناهى إلى سمعه من ثقاة التجار.
أما ما قصده من عبارة (( العلماء السابقين))،فهو اقتباسات استخلصها وترجمها من كتاب (( الجماهر)) للبيروني، الذي ذكر بدوره مرارًا أسماء جابر بن حيان، ويعقوب الكندي، ونصْر الجواهري بأنها موارد للمعلومات. ويتضح بجلاء من محتوى كتاب (( جواهر نامه نظامي)) وترتيبه أن النيسابوري كان قد استخلص وترجم قدرًا كبيرًا من كتاب (( الجماهر)). ويمكن القول أن ثلث الكتاب مأخود منه. وفي معرض ترجمة المواد واقتباسها، ذكر المؤلّف مرات تولّى توضيحها أن (( الأستاذ أبي الريحان)). وذكر كتاب (( الجماهر)) ثلاث مرات، غير أنه تنبغي الإشارة إلى أن الجوهري النيسابوري أحدث كثيرًا من التغيير لترتيب البيروني، في كل فصل، وقسم حسب ذوقه ونواحي الملاحظة المباشرة وعلى الأرجح حسب درجات أهمية المواضيع. زد على ذلك أنه أضاف معلومات شتى وما سمعه من الآخرين وذلك في ثنايا ما اقتبسه عن (( الجماهر)).
ويقسم كتاب (( جواهر نامه)) إلى أربع مقالات:
1- المقالة الأولى في خصائص العناصر المعدنية وبها أربع مقالات.
2-المقالة الثانية: في اللآلىء والجواهر وما شابهها، وأسعارها والمعلومات والنوادر والطرائف التي تدور حولها. وقد تناول البيروني 32 نوعًا من الحجارة الكريمة، إضافة إلى وصف موجز للطلاء بالمينا في نظام موازي. لكن كتاب (( جواهر نامه)) تحدث عن 52 من الجواهر، إلى جانب فصلين في نهاية هذه المقالة عن خصائص الحجارة الكريمة مقتبسة من أرسطو، مع تقديم جواهر ذات قيم تشخيصية خاصة، وقد اقتبس المؤلف بعضًا من هذه النقاط من الجماهر في الجواهر مضيفًا إليها ما توصل إليه شخصيًا من نتائج.
3-المقالة الثالثة: قسمها إلى عشرة أقسام، حول المعادن مثل الكبريت والزئبق والذهب والفضة والنحاس والقصدير والرصاص والحديد والخارصين (أحد المعادن السبعة) والحديد الصيني (وهو وهو سبيكة تستعمل في صنع المرايا). ويذكر أن الكبريت والحديد الصيني مفقودان في كتاب البيروني. أما كتاب (( جواهر نامه نظامي)) فقد تحدث في هذا القسم عن المعمولات والممزوجات وهما عمليتان لصنع السبائك، وأتى على ذكر سياق النحاس والقصدير، والرصاص والنحاس، ومزيج من جميع المعادن الرئيسية. وقد سبق أن بحث البيروني هذه في مقالته الثالثة. وأضاف كتاب جواهر نامه (( الشبه)) وهو المرجان الأسود، مع أن البيروني بحثها في مقالةه الأولى تحت اسم السَّيج. ومن الجدير بالذكر أن مؤلف (( جواهر نامه)) أورد عنوان هذه المقالة باللغة العربية في صيغة (( المقالة الثالثة في شرح الفلزّات)).
4-المقالة الرابعة: وموضوعها أنواع المينا والطلاء وتصنيع كل منها ومركباته. وينطوي الجزء الرئيسي لهذه المقالات على وصف التلاويح. ويقع وصف البيروني الذي يدور حول (( المينا وفي ذكر القطاع الصينية)) في ما مجموعه أربع صفحات غير أن الجزء المناظر في كتاب (( جواهر نامه نظامي)) لا يقل عن عشر صفحات في كل من المخطوطات المتوفرة.
الجديد في كتاب ((جواهر نامه نظامي)):
ذكرت إن النيسابوري أورد في المقالات الأربع ما تمت مناقشته في المقالات الثلاث من كتاب البيروني،مغيّرًا في محتويات كل قسم حسب رؤيته. وننظر على سبيل المثال، إلى عناوين ترتيب الموضوع في المؤلّفَيْن (انظر الملحق/3). فقد حذف النيسابوري بشكل كليّ أحيانًا بعض الموضوعات أو اختصرها. حيث أنه لم يضمّن كتاب (( جواهر نامه نظامي)) أيه أشعار أو شذرات أدبية من قبيل ضمّنها البيروني مؤلفه. بل أن النيسابوري أغفل بيتين من الشعر ذكرهما البيروني حول الياقوت مع أنهما مناسبان للترجمة الفارسية. ولم ينتبه المؤلف للنواحي الحرفية وغير البارزة اللهم تلك التي تتعلق مباشرة بتلك الجواهر ومعادنها. ولم يلتفت إلا للمناقشات العلمية ذات العلاقة الدقيقة بدراسة المواد دون الاهتمام بغير ذلك. ومؤلف النيسابوري حافل بالأشياء الجديرة والمعلومات الفريدة تمامًا في بابها ويمكن تصنيف هذه ضمن الفئات التالية:
لقد قدملمعرفته علمه الشخصي بعبارة (( العبد الضعيف))، (( الفقير)) و(( الأضعف)) التي كُرِّرت زهاء عشرين مرة. وكانت هذه المعلومات حصيلة تجاربه الشخصية، إضافة إلى الخبرات التي اكتسبها من رحلاته بما فيها تلك الخبرة المتصلة بالآلىء وأثمانها، حيث عرفها من أسفاره إلى كيش وقلغتو. وكان عمل البيروني يفتقر إلى المعلومات عن اللآلىء في هذين المكانين. كما تُعْرض معرفة البيروني باللؤلؤ في كتابه، طبعة كرنكوف، في حوالي خمسين صفحة، بينما جاء الموضوع نفسه في جواهر نظامي في ما يقارب من تسعين صفحة.
ومن مزايا النيسابوري في هذا القسم سرده لأربعين نوعًا من اللآلىء.وقد وصف شرح أنواعها وأحجامها وأوزارها. واشتمل على قدر من المعلومات أكثر مما أورده البيروني وخاصة حول أثمانها. وكتاب (( جواهر نامه نظامي)) تَريٌّ بالمصطلحات الفارسية عنها. وفيه عرض بالتفصيل لأساليب ثقلها، مختتمًا قوله فيها بما يلي:
(( ومن المعتاد في بغداد ممارسة عمليات ثقب اللآلىء ونظمها في خيوط. وجرت العادة في السابق على القيام بذلك في خوزستان وسيلاف (سيراف). وفي سالف الأيام كان التجار يبتاعون اللآلىء من كيش والبحرين ويجلبونها إلى خوزستان وسيراف، ونظم اللآلىء في خيوط إلى قطع أخرى من الحليّ مع إدخال أية تعديلات ضرورية وممكنة عليها. وفي تاريخ كيش والبحرين القديم لم يوجد ثقابون ونظاميون لخيوط اللآلىء))
وتوجد مجموعة من هذه الإفادات التاريخية والفنية في كتاب (( جواهر نامه نظامي))، ولنا أن نقارن بين كتابي (( جواهر نامه)) و((الجماهر)) بعد نشرهما. ولا مشاحة في أن هذا النص الفارسي قد يقدّم عونًا لا يقدر لأيّ طبعة جديدة من كتاب (( الجماهر)) وهو مصدر موثوق بصوره خاصة حول المصطلحات الفارسية التي استخدمها البيروني.
ومن المصطلحات الفارسية المستخدمة في كتاب (( جواهر نامه نظامي)) كلمات عاميّة من مناطق نيسابور ومدن خراسان، مثل داش (فرن)، ودا شخال (فخّار صلب) وكِشته (قطع مجففة من الفواكه). وفي مناقشة للفظ داشخال أشار إلى صناعة أباريق الفُقاع أو البيرة. وفي ذلك فائدة لأولئك المهتمين بتاريخ هذه المخلفات التاريخية وصناعتها، وقد كتب يقول:
(( إذا شُوي الصلصال على درجة حرارة عالية، فإنه سيتحول إلى قطعة من الفخار. وإذا ما شُوي على درجة حرارة مرتفعة جدًا فإنه سيتحول إلى قطعة من الفخار شديد الصلابة كالحجارة تسمى الدشخال في نيسابور، ويتخد منها أباريق للبيرة)).
وفي رأيي أن منم أهم الأقسام في كتاب (( جواهر نامه)) تلك التي تتحدث عن اللآلىء والفيروز. وتمكن النيسابوري من جمع قدر كبير من المعلومات من الأشخاص الذين يعملون في مهنة الغوص وثقب اللآلىء ونظمها والمتاجرة بها في سيراف وكيش وخارْك والبحرين، وتقييمهم حسب نظرة خبير ضليع بالجواهر. وكانت نيسابور-وهي أهم مصدر للفيروز بمناجمها الكثيرة-مسقط رأس المؤلف، ولذلك نجح في تقديم اسم كل منجم من مناجم الفيروز، موضحًا الفروق بين فيروز ونيسابور وفيروز الأماكن الأخرى مثل خُجند، ذاكرًا أسعارها بالتفصيل.
وكان النيسابوري جواهريًا وصاقلاً للأحجار الكريمة، فمكّنه ذلك من امتلاك السيطرة على الحجارة الكريمة من الناحية العلمية، كما يُثبت ذلك جيدًا محتوى كتابه. وكان ضليعًا إلى حد بعيد في جواهر كل منطقة حتى تلك الآتية من تركستان وسجستان والهن وسيلان. غير أن المكان الذي كان يركّز عليه هو خراسان، وبخاصة نيسابور وكرْمان وسيراف. وفي هذا النص نجده يقدم من المعلومات عن خرسان ما يقارب خمسين مرة، سواء تلك التي يقتبسها من البيروني أويقدمها بنفسه.
أسماء الجواهر المنْحول:
كما سبق لي أن قلت، هناك كتابان عن دراسة الجواهر تم تدوينها بعد ظهور كتاب (( جواهر نامه نظامي)) وكانا يستندان إلى مؤلَّف النيسابوري دون أية إشارة إليه، أو إشارة اعتراف وشكر لمؤلفه. وقد سبق لي أن بحثت ذلك بتفصيل في إحدى المقالات. أما الكتاب الأول فهو (( تنسوخ نامه إيلخاني)) الذي كتبه خواجه نصير الطوسي (663هـ)، والثاني هو (( عرائس الجراهرنفائس الأطايب)) للمؤرخ الشهير أبي القاسم عام 700هـ، وتم تحقيق كل كل من المؤلفين وقد قام محمد تقيّ مدرّس رضوي بنشر الأول بينما قمتُ بنشر الثاني. ويتضح أن محتوى مؤلف النيسابوري دخل إلى مؤلفات لاحقة في علم دراسة الجواهر إما مباشر أو من خلال هذين الكتابين. الأمر الذي لا نتحدث فيه بالتفصيل هنا.
المراجع:
-حكيم محمد سعيد: كتاب البيروني عن المعادن. وهو من أكثر الكتب شمولاً في المعرفة بالأحجار الكريمة. إسهام خاصة في سلسلة المشروع، بقلم حكيم محمد سعيد، إسلام آباد، 1989م.
-كين، م. لوم. جنكنز: جواهر الموسوعة الإسلامية. ملحق ليفريزون 3-4، 1981م،ص ص 250-262.
-بورتر إيف: (( نصوص فارسية حول الخزف ))، علوم العالم الإيراني في العهد الإسلامي دراسات جمعها وقدمها ز- فيسل و هـ. بيكباغبان وب ثييري دي كريسول دي إليبيس. طهران 1998م ص ص 165-189.
-ريتر، هلموت: بحث (( كتاب الأحجار الشرقية ))من(( كتب الأحجار الشرقية وطرق صناعة الفسيفساء الفارسية)) تأليف ريتر، وج. روسكا، وف.سار، وأ. ويندرليش، إستانبول 1935م.
-روسْكا جوليوس: كتاب الأحجار لأرسطو، مشفوعًا بدراسة نقدية تحقيقية بحسب المخطوطة العربية في المكتبة الوطنية، تحقيق وترجمة، هيدلبرغ، 1912، 208س (ترجمة لوقا، ص93-125).
-روسكا جوليوس: علم المعادن والأدبيات العربية
-ستوري س . أ: الأدب الفارسي، لندن 1977، المجلد2، الجزء 3، ص ص 449-455.
الملحق/1
الأعمال المهمّة حول علم الجواهر والمعادن
مرتبة حسب تواريخ تأليفها مائعتين من الصفراء والبضاء
1-يحي بن ماسويه، كتاب الجواهر وصفتها، وفي أي بلد هي، وصفات الغواصين والتجار، تحقيق عماد عبد السلام رؤوف، القاهرة، 1976م.
2-أريطو: كتاب الأحجار، ترجمة لوقا ابن إسرافيون ص ص93-125 (انظر ثبت المراجع تحت باب رشا)
3-الحين بن أحمد الهمداني، أبو محمد: الجوهرتين العتيقتين المائعتين من الصفراء والبيضاء
أ-طبعة ش تول Ch. Toll ظهرت تحت عنوان:
Die Beiden edelmetalle Gold und sihber, Herausgegeben und Ubersetzt ch. Toll, Uppsala 1968.
ب-تحقيق حمد الجاسر (الرياض) 1987
4-البيروني، أبو الريحان: الجماهر في الجواهر
أ-تحقيق أ. كرنكوف، حيدر آبار 1933ظم
ب-تحقيق يوسف الهادي، طهران 1998م
5-أحمد التيفاشي: أزهار الأفكار في جواهر الأحجار، تحقيق محمد يوسف حسن ومحمود بسيوني خفاجي، القاهرة، 1977م.
6-نصير الدين الطوسي: كتاب تنسوخ نامه، تحقيق محمد تقي مدرس رضوي، طهران 1348ش/1969م
7-أبو القاسم القاشاني: عرائس الجواهر ونفائس الأطاليب، تحقيق إيراج أفشار،طهران 1345ش/1966م
8-محمد بن إبراهيم بن سعيد الأنصاري السنجاري، ابن الأكفاني: نُخب الذخائر في أحوال الجواهر، تحقيق أنستاس ماري الكرملي، القاهرة 1939م
9-مجهول 828-923: جواهر نامه، تحقيق تقي الدين بينش، طهران 1343ش/1964 10-علاء بن حسن البيهقي: معدن النوادر في معرفة الجواهر، تحقيق محمد عيسى صالحية، الكويت 1985م.
ملاحظة: نشر هذا النص في الكتاب التالي: علوم الأرض في المخطوطات الإسلامية: أعمال المؤتمر الخامس لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي– 24-25 نوفمبر 1999 – النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص 273-304. يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني. |