جابر عبد الهادي الشافعي
مقدمة
يعتبر محمد الطاهر بن عاشور في نظر كثير من العلماء هو المعلم الثاني لعلم مقاصد الشريعة الإسلامية بعد الإمام الشاطبي، ويعتبر كتاب ابن عاشور «مقاصد الشريعة الإسلامية« بحق من أهم كتب ومراجع مقاصد الشريعة الإسلامية، إن الكتاب يشتمل على مقدمة وثلاثة أقسام؛ المقدمة أشار فيها لأهمية مقاصد الشريعة الإسلامية والحاجة لمعرفة هذه المقاصد، وأن علم أصول الفقه لا يغني عن معرفة علم المقاصد.
والقسم الأول: تحدث فيه عن إثبات مقاصد الشريعة الإسلامية وحاجة الفقيه لمعرفتها، وطرق إثباتها، وطرق السلف للرجوع إليها، إلى غير ذلك من الموضوعات التي تناولها في القسم الأول.
القسم الثاني: تكلم فيه عن المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، وتكلم عن الصفة الجامعة لمقاصد الشريعة، وابتناء هذه المقاصد على الفطرة ومبدأ مقصد الفطرة ومقصد المصلحة، وعموم الشريعة الإسلامية، ومقصد المساواة، ومقصد سد الذرائع، إلى غير ذلك من مقاصد الشريعة الإسلامية.
القسم الثالث: تحدث الطاهر بن عاشور عن المقاصد الخاصة للشريعة الإسلامية، فتحدث عن مقاصد أحكام العائلة، وتحدث عن مقصد التصرفات المالية، ومقاصد الشريعة الإسلامية في المعاملات المنعقدة على معاملات الأبدان، ومقاصد أحكام التبرعات، ومقاصد أحكام القضاء والشهادة، والمقصد من العقوبات.
وسنركز على مقاصد أحكام العائلة، فهذا القسم ركز على المقاصد الخاصة.
إن كتاب الطاهر بن عاشور ألف بسببه كثير من الكتب حول هذا الكتاب، وأفضل كتاب تحدث عن الطاهر بن عاشور هو كتاب «محمد الطاهر بن عاشور وكتابه مقاصد الشريعة الإسلامية« لمحمد الحبيب، وهو أفضل ما قرأت عن الطاهر بن عاشور وكتابه من وجهة نظري الشخصية.
هذا الكتاب يقع في ثلاث مجلدات: المجلد الأول تناول فيه ترجمة الشيخ الطاهر بن عاشور وذكر كل حياته تقريبًا.
والجزء الثاني عمل فيه موازنة بين أصول الفقه ومقاصد الشريعة، واشتمل هذا الجزء على مجموعة من القواعد ومجموعة من المقاصد العامة والخاصة.
والجزء الثالث خصصه لتحقيق نص كتاب «مقاصد الشريعة« لابن عاشور، وأيضًا في خاتمة الجزء الثالث جاء بجميع المقاصد التي جاء بها الطاهر بن عاشور في كتابه.
ولقد أسهم كتاب محمد الحبيب إسهامًا كبيرًا ي علم المقاصد، وأعطى للإمام الطاهر بن عاشور حقه كمعلم ثان لعلم المقاصد.
ماهية أحكام الأسرة:
هي مجموعة من الأحكام نعطيها خصوصية معينة ضمن أحكام الشريعة الإسلامية التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فهناك أحكام خاصة بالعقائد، وأحكام خاصة بالأخلاق، وهناك أحكام عملية، أي الفقه الإسلامي الذي هو مجموعة الأحكام العملية التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، ولابد أن تكون هذه الأحكام مستندة إلى دليل من أدلة الأحكام المعروفة.
إن الأحكام العملية التي نعمل بها منذ سنين صنفها العلماء تصنيفات مختلفة، فبعضهم يقسمها إلى ثنائي وبعضهم إلى ثلاثي وبعضهم إلى سدادسي.. وهكذا.
ومن وجهة نظري أن الأربعة الأقسام من تقسيمات الفقه الإسلامي، تعطي معاني واضحة جدًا؛ القسم الأول العبادات التي تنظم علاقة الإنسان بخالقه، والقسم الثاني المعاملات التي تنظم علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، والقسم الثالث هو تنظيم علاقة الإنسان بالدولة. وتبقى مجموعة الأحكام الخاصة بالأسرة، الزواج، والطلاق، وحقوق الأولاد، والمواريث، والوصايا، وغير ذلك من الموضوعات، هذه تسمى أحكام الأسرة، أو أحكام مجتمع. وهناك من يدخل هذه الأمور جانب العبادات، وآخرون يدخلونها جانب المعاملات.
وأرى أن نعطيها تقسيمًا خاصًا بها أفضل من خلطها مع غيرهما؛ لأنها لها طبيعة خاصة، وهو يتفق مع طبيعة العصر عصر التخصصات، وطبيعة هذه الأحكام.
ويطلق بعض الناس على هذه الأحكام «الأحوال الشخصية«، وهذا مصطلح غربي، ولكننا نفضل مصطلح «أحكام الأسرة« فما الموضوعات التي تندرج تحت هذا المصطلح؟
نحن نعلم أن كثيرًا من الناس عرفوا هذا المصطلح ولكن كان دائمًا يجد انتقادات من أنه غير جامع وغير مانع؛ لأن هذه الأمور كثيرة جدًا ومتشابكة ومتداخلة، ولا يوجد لها طبيعة واحدة فتكون صعبة على الفقيه أن يضع لها تعريفًا دقيقًا.
ويقول العلماء: طالما أن لدينا مصطلحًا صعب التعريف إذن نقسم أو نعدد أو ننوه. والمالكية يعملون كثيرًا في هذا الإطار حينما يجدون تعريفًا صعبًا يقومون بتقسيم التعريف، ويعرف كل قسم على حدة.
ومعظم الفقهاء اليوم، ويتبعهم القضاء، والقوانين في الأحوال الشخصية، بدأوا يميلون إلى اتجاه تعدد المسائل التي تندرج تحت مصطلح الأحوال الشخصية، بدلًا من أن يضع لها تعريفًا، فهو عندما يضع لها تعريفًا تتفلت منه أشياء، فيجعلون هذا المصطلح يندرج تحته عدة مسائل نعددها.
ولو تأملنا هذا الاتجاه نجد أن تحت هذا المصطلح مسائل كثيرة، مثل المسائل الخاصة بأهلية الشخص (الجنسية الديانة...) كلها أحوال شخصية، المسائل المتعلقة بالخطبة والزواج، والمهر، والطلاق، والخلع، والنسب، والحضانة، والرضاع، ونفقة الأقارب، والمواريث، والوصايا، وأيضًا لدينا الولاية والقيام والحجر... إلخ كلها أحوال شخصية، فهذه الأمور منها شخصي بحت ومنها مالي بحت، وهناك أمور شخصي ومالية في وقت واحد.
وهذه هي التي أوجدت الصعوبة في التعريف، فأخذنا نعدد المسائل.
وهذا الاتجاه هو الراجح من وجهة نظري.
وجاء المشرع المصري في القانون رقم 1 لسنة 2000م وتبني فكرة نظر الفقه الذي لا يعرف، ولذلك في المادة التاسعة والعاشرة عدد المسائل التي تندرج تحت مصطلح الأحوال الشخصية والتي تختص بها الآن محاكم الأسرة، وكأن المشرع مال إلى التعداد ولم يضع تعريفًا، فالمشرع أساسًا ليس مهمته التعريفات ولكن مهمته وضع القواعد والأحكام. والقضاء المصري يميل إلى هذا التجاه، وهناك أحكام من محكمة النقض تميل ذلك.
ومعروف أن مسائل الأحوال الشخصية يخضع الإنسان فيها لقانون دينه، إن كان مسلمًا فيحتكم لشريعة الإسلام، والمسيحي يخضع للشريعة المسيحية، واليهودي للديانة اليهودية، هذا مستقر ومعروف لدى دول العالم، ولكن بعض الدول تريد أن تكون قوية، ومن مظاهر قوة الدولة على الأفراد أن يكون هناك قانون واحد يطبق على الجميع، وهذه الجزئية لا تغيب عن المشرع المصري، فهو يحاول أن يوحد القوانين حتى يكون قويًا، فيجمع بين نظرية: كل إنسان حسب دينه. وفي نفس الوقت يضيق نطاق التعدد، فبدأ يضع أشياء من صميم الأحوال لشخصية ويعضها في قوانين أخرى غير قوانين الأحوال الشخصية، مثل الأهلية في القانون المدني حتى يضمن أن تطبق على الجميع، رغم أنها مسألة تندرج تحت الأحوال الشخصية، والهبة أيضًا في القانون المدني وهي من الأحوال الشخصية، فيأخذ بعض المسائل ويضعها في قوانين عامة حتى لا تثار مسألة التعدد بشأنها، ولو وضعها في الأحوال الشخصية سيطلب المسلمون جزءًا ويرفضون جزءًا والمسيحيون كذلك.
وفي بعض الأحيان يجعل المسألة مسألة شخصية ويصدر قانونًا من قوانين الأحوال الشخصية ويطبق على الجميع، مثل قانون 70 لسنة 77 الخاص بالميراث والوصية يطبق على المسلمين والمسيحيين، فهناك مسائل وضعها في قوانين عامة حتى لا تثار مسألة اختلاف الدين، ومسائل أخرى جعلها أحوالًا شخصية يجبر الجميع عليها، وحصر التعدد في أضيق الحدود مثل الزواج والطلاق، وفي بعض حقوق الأولاد، ولم يترك حقوق الأولاد كلها للتعدد، فوحد بعض المسائل على الجميع، مثل المسائل المتعلقة بالمهر أو الشبكة، وكل الأمور التي بها جانب مالي وحّدها على الجميع، وترك التعدد في الأمور التي تخص أصل العقائد مثل التطليق والزواج.
نخلص من ذلك إلى أن المسائل التالية في مصر هي التي من أحكام الأسرة أو من الأحوال الشخصية وهي: الزواج بكل جوانبه، الفرقة بكافة أنواعها، حقوق الأولاد بكافة صورها، والمواريث والوصايا، والأوقاف. هذه هي أحكام الأسرة كما هي موجودة في مصر.
وكل ما ذكرناه سابقًا، وبعد ما أصبح لدينا تصور شبه كامل عن معنى مصطلح أحكام الأسرة، لكي ندرك هل الطاهر بن عاشور قد غطى كل هذه الجوانب أم أن هناك ما تفلت منه؟ وما هي الموضوعات التي تدخل فيه؟ وما الموضوعات التي لم يذكرها؟
مقاصد الشريعة الإسلامية:
مصطلحات وتعريفات وتقسيمات:
عندما يأتي الدارس أو القارئ لتعريف مقاصد الشريعة الإسلامية يجد هناك عدة مصطلحات متشابهة تقريبًا، أحيانًا يجد كلمة المقاصد، وأحيانًا كلمة العلل، وأحيانًا يجد كلمة الحكم، وأحيانًا يجد كلمة المصالح، وأحيانًا يجد كلمة الغايات، والأسرار، والمعاني، والأهداف... هذه كلها معانٍ ومصطلحات عندما تقرأ كتب المقاصد تجدها متداولة.
ولو نظرنا لاتجاهات العلماء في تعريفات المقاصد الذين تحدثوا عن المقاصد والمختلفين في الفكر والمدارس، يمكن ردها لعدة اتجاهات:
الاتجاه الأول: يعبر عن المقاصد بالحكم فيقول أحدهم في تعريف المقاصد: إنها المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال الشرائع. ومعنى ذلك أنه يعرف المقصد بالحكمة، والذي يعرف هذا التعريف هو الإمام الطاهر بن عاشور.
ويقول الدكتور محمد بن سعيد بن أحمد اليوبي عندما عرف المقاصد: إنها المعاني والحكم والأحوال التي يرعاها الشارع في التشريع عمومًا وخصوصًا من أجل تحقيق مصالح العباد. وغير ذلك كثير.
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي في تعريف المقاصد: إنها جلب المصالح للناس ودرء المضار والمفاسد عنهم.
ويقول حسام إبراهيم حسين: المقاصد هي جلب المصالح وأسبابها للخلق، ودرء المفاسد وأسبابها عنهم في الدارين، أو الجمع بين الأمرين.
وفي تعريف آخر للدكتور مصطفى بن كرامة الله يقول: إن المقاصد عبارة عن المصالح التي قصد الشارع بتشريع الأحكام.
إذن هناك اتجاه يقول: إن المقاصد حكم. واتجاه آخر يقول: إنها مصالح.
وهناك اتجاه ثالث يعبر عنها بالغايات والأسرار، أو المعاني، أو الأهداف. ويعبر عن ذلك الدكتور أحمد الريسوني: بأن المقاصد هي الغايات التي وضعت الشريعة من أجل تحقيقها لمصلحة العباد، سواء كانت مصلحة عامة أو مصلحة خاصة أو جزئية.
ويقول علال الفاسي: إن الشريعة الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع لكل حكم شرعي.
وقال بعضهم: إن المقاصد هي الغايات والأهداف والنتائج والمعاني التي أتت بها الشريعة، وأثبتتها في الأحكام، وسعت إلى تحقيقها والوصول إليها في كل زمان ومكان.
إذن لدينا الآن ثلاثة اتجاهات لمعرفة المقاصد، بعضهم عرفها بالحكم، وبعض عرفها بالمصالح، وبعضهم عرفها بالأهداف والأسرار والمعاني... إلخ.
وباستقراء هذه التعريفات نقول: إنه لا يجوز التعبير عن المقاصد بالعلل بأي حال من الأحوال، وهذا تعبير خطأ، ولقد قرأت في بعض التعريفات أن بعضهم يعرف المقاصد بالعلل. وهو أيضًا خطأ كبير؛ لأن العلة شيء والمقصد شيء مختلف تمامًا، وسنثبت خطأه في أمثلة قادمة.
وأرى أن التعبير عن المقاصد بالمصالح من التعبير بالبعض وإرادة الكل؛ لأن أهم مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية هي المصالح في أكثرها وتمثل أغلبيتها، وهذه يمكن قبولها.
ولكن أقول: إن المصالح ليست وحدها المقاصد، لأن هناك مقاصد أخرى كثيرة، مثل المساواة، والفطرة، والعدل، وغير ذلك، تلك كلها مقاصد عامة، وقد عدد الطاهر بن عاشور حوالي ثلاثة عشر مقصدًا وعدد منها المصالح، إذن فإن المصلحة جزء من المقاصد.
نأتي لمن يعبر عن المقاصد بالحكم ويلحق بها الغايات والأسرار والأهداف والمعاني... لأنها كلها معنى واحد تقريبًا، نقول لهم: هذا الكلام يحتاج إلى توضيح وتفسير، فلابد من توضيح.
نخلص إلى أنه يوجد اتجاه مقبول واتجاه مرفوض واتجاه يحتاج لتوضيح فلابد من توضيح الفرق بين العلة والحكمة والمقصد فلا يجوز الخلط بينهم.
فالعلة: هي الوصف الظاهر المنضبط المناسب للحكم الشرعي. وهذا التعريف وفقًا للراجح عند العلماء، لأن هناك تعريفات كثيرة لوصف العلة، فهذا المعنى هو الراجح منها، وهذا أيضًا مقبول من وجهة نظرنا.
ونضيف أيضًا أن هذا التعريف لا يتغير باختلاف الزمان والمكان.
ونأخذ مثالًا لذلك بالحكم الشرعي بقطع يد السارق، وهذا حد من الحدود، فما هي علة هذا الحكم؟ هي السرقة، والسرقة في كل زمان ومكان، فهي أمر ظاهر منضبط.
نأتي للحكمة على الرأي الراجح: هي الباعث على تشريع الحكم أو الغاية منه. وبمعنى آخر فإن الحكمة قد تكون وصفًا ظاهرًا أو غير ظاهر، وقد تكون منضبطة وقد تكون غير منضبطة، وقد تختلف باختلاف الزمان والمكان.
وإذا ما رجعنا لما سبق من مثال قطع يد السارق فنجد أن الحكمة هنا حفظ أموال الناس. ولو نظرنا للحكم الشرعي من حيث ربطه على الحكمة أو العلة، نجد أن العلماء يقسمون الحكم الشرعي من حيث علته لقسمين: قسم أحكامه معقولة المعنى، وقسم أحكامه غير معقولة المعنى، والأحكام معقولة المعنى هي التي نستطيع أن نأتي بحكمتها وعلتها، وتسمى الأحكام العقلية، والأحكام غير معقولة المعنى تسمى التعبدية، وقد يدرك العقل علتها وحكمتها، وقد لا يدرك علتها ولا حكمتها.
ومعنى ذلك أن الأحكام التعبدية بحسب الأصل غير معقولة العلة ولا الحكمة، وهذا لا يمنع أن المجتهد يجتهد فيها، فإن توصل لعلتها أو حكمتها فبها ونعمت، وإن لم يتوصل فهي تظل كما هي تعبدية، بخلاف الأحكام معقولة المعنى فإن لها علة ولها حكمة، ولا نستطيع منع المجتهد أن يجتهد فيها، فقد يأتي بعلتها وحكمتها وقد لا يأتي لا بعلتها ولا حكمتها، فإذا اكتشف علة أو حكمة وجاء زمن آخر وانتفت هذه العلة والحكمة تبقى كما هي تعبدية. ومثال ذلك القصر في الصلاة علته السفر، وحكمته رفع المشقة، وكذلك الإفطار في السفر.
أما مقاصد الشريعة الإسلامية في رأينا فهي: مجموعة من الأهداف العامة أو الخاصة أو الجزئية التي تراعيها الشريعة الإسلامية وتعمل على تحقيقها من خلال حكم معين، أو أحكام معينة، أو حكم عام، أو حكم جزئي.
وهذا التعريف سنتعرف عليه جيدًا عندما نتعرف لأقسام المقاصد، فعندما نقرأ في أقسام المقاصد نجد أن العلماء لهم مذاهب متعددة منها: مقاصد الشارع ومقاصد المكلف. ومنهم من يقسمها لمقاصد ضرورية ومقاصد حاجية ومقاصد تحسينية. ومنهم من يقسمها لمقاصد قطعية ومقاصد ظنية، وفقيه آخر يقسمها لمقاصد كلية ومقاصد بعضية، وآخر لمقاصد أصلية ومقاصد فرعية، وآخر يقسمها لمقاصد عامة ومقاصد خاصة ومقاصد جزئية.
وأرى أن الذي قسم المقاصد لمقاصد عامة ومقاصد خاصة ومقاصد جزئية، هو الأقرب للصواب، وأقرب للدقة، وهو من يعلم الفرق بين الحكمة والعلة والمقصد وكيف ينسجم بينهما.
فالمقصد العام هو عبارة عن مجموعة المقاصد التي تراعيها الشريعة الإسلامية وتعمل على تحقيقها في كل أبواب الفقه الإسلامي، فعندما نقوم بحصر بعضها فنقول: تحقيق مصالح الناس. فنجده محققًا في كل مقاصد الشريعة بصفة عامة، تحقيق العدل والمساواة بين الناس نجده عامًا، التيسير والتخفيف على المكلفين نجده عامًا، مبدأ «الأعمال بالنيات« نجده عامًا إلى غير ذلك، هذه أقسام راعتها الشريعة الإسلامية في أقسامها بالكامل.
فالمواريث معظمها تعبدية حسب الأصل، وليس لها مقاصد ولا حكم ولا علل، ولكن الميراث ضمن أنظمة النظام الإسلامي له مقاصد عامة، مثل مقصد حفظ النفس، فمنع القاتل من الميراث فظهر معنى المقصد العام في باب كله أحكام تعبدية، مقصد حفظ الدين، منع اختلاف الدين من الميراث، منع المرتد من الميراث، وكأن المقصد العام معك في الميراث والصلاة، فالصلاة محافظ على مقصد عام وهو الحفاظ على الدين، والصوم، والزكاة، والحج... إلخ. فعندما تدخل في التفاصيل والأحكام الجزئية تجد لها مقاصد عامة.
نأتي للمقاصد الخاصة هذه فالمشرع يراعيها في باب من الأبواب مثل الزواج، الطلاق، الميراث، هذه مقاصد خاصة في أبواب معينة ولكن لا تجدها في جميع أبواب الشريعة الإسلامية غير المقصد العام الذي تجده في كل الأبواب، الميراث له مقصد خاص، والزواج له مقصد خاص، والطلاق له مقصد خاص كباب وليس بجزئيات.
نأتي للجزئيات وهو ما ليس خاصًا بكل الشريعة، ولا خاصًا بالباب، ولكن هو خاص بجزئية خاصة، وهنا قد يختلط المقصد والحكمة معًا في معنى واحد. وقد يختلفان فيكون لك مقصد ولك حكمة. فهذه الدائرة التي يحدث فيها تقارب بين المقصد والحكمة؛ مثل اشتراط الشهادة في عقد الزواج للاحتياط في الأنساب وحتى لا يرمى الزوجان بالزنى، وحتى لا ينكر عقد الزواج، هذه حكمة ومقصد في ذات الوقت، وتحريم الزواج من أم الزوجة أيضاً اختلط مقصده بحكمته.
في هذا التقسيم تثار فيه مسألة الاجتهاد والتعبدي، بينما لا تثار في المقصد العام ولا في الخاص، في الأحكام الاجتهادية التي يكون للعقل دور فيها نحاول أن نعرف حكمتها وأن نعرف مقصدها فقد يتفقان وقد يختلفان، والحكم التعبدي كما ذكرنا لا يدخل في مسألة الحكمة ولا المقصد، ولكن الإسلام لا يمنع من الاجتهاد فيه لتصل لحكمة أو مقصد، وإلا فإنه يطبق الحكم التعبدي كما هو.
ومثال ذلك أن صلاة الجنازة مختلفة عن الصلاة المفروضة أو السنة، وهي من الأحكام التعبدية التي لا يبحث فيها، ولكن هناك من اجتهد وأخرج حكمة، وهي أن هذه الصلاة مختلفة حتى لا يظن غير المسلم أن المسلمين يركعون ويسجدون للميت أو أي أحد غير الله سبحانه وتعالى، لذلك نؤكد أن الحكم التعبدي لا يمنع المجتهد من الاجتهاد في علته وحكمته.
ومثال آخر أن المرأة إذا طلقت فلابد لها من عدة، ومعروف أن العدة كحكم جزئي من الأمور التعبدية، حيث لا يبحث عن علتها ولا مقصودها ولا حكمتها، ولكن علماء الشريعة اجتهدوا فأخرجوا لنا حكمًا كثيرة، ومن هذه الحكم سنأخذ واحدة فقط، وهي أهم حكمة، وهي معرفة براءة الرحم لمنع اختلاط الأنساب.
ونشير هنا إلى أمر هام وهو أن العلم الحديث يستطيع بالتحاليل والأشعة الضوئية معرفة هل هذه المرأة حامل أم لا في الحال؟ فالحكمة قد تكون ظاهرة أو غير ظاهرة، أو تكون منضبطة أو غير منضبطة، أو تكون في زمان وقد لا تكون في زمان، فاختلفت الحكمة هنا لاختلاف الزمان، ولكن يبقى الأمر التعبدي والحكم الشرعي وتعتد المرأة وتلتزم بالمدة المقررة في الأمر التعبدي.
وبناء على ذلك نستطيع أن نقول: إن العلة شيء، والمقصد شيء، والحكمة شيء، وإن دائرة اختلاط مصطلح الحكمة بالمقصد في دائرة الحكم الجزئي فقط، أما في دائرة الأهداف العامة أو الخاصة فإنها لا تثار ولا يوجد لخط؛ لأنه يوجد أحكام كثيرة تعبدية لها مقاصد عامة ومقاصد خاصة وليس لها مقصد جزئي واحد ولا حكمة، فالذين يعرفون المقاصد بأن لها مقاصد عامة ومقاصد خاصة ومقاصد جزئية فيها ضبط للمصطلح قليلًا.
مقاصد أحكام العائلة عند الطاهر بن عاشور: لقد اهتم الشيخ بأحكام العائلة في كتابه، حتى في المقدمة تكلم عن مقاصد أحكام العائلة، فإذا تصفحنا كتابه من أوله إلى آخره نجد أن مقاصد أحكام العائلة لم تغب عنه، ولقد تكلم في المقدمة في الصفحة السابعة عن مقاصد أحكام العائلة عندما ذكر حديث: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه1«. وقال: لأن ذلك من باب ما يدخل على الناس من الضغائن والحقد بين الناس.
وفي القسم الأول من الكتاب تكلم عن مقاصد أحكام العائلة رغم أنه خصص القسم الثالث للمقاصد الخاصة، ومنها أحكام العائلة، تجده تكلم في القسم الأول عن أحكام العائلة في المقاصد العامة عندما ذكر آية تعدد الزوجات وقال: إنه توجد مصلحة في مقصد هذه الآية. وجعله مقصدًا عامًا، ونبه على أن المقصد الذي ذكره في المقدمة يختلف عن المقصد الذي ذكره في القسم الأول، في القسم الأول خصصه للمقاصد العامة، وفي المقدمة تحدث عن مقصد جزئي فقهي من المقاصد الجزئية.
وفي القسم الثالث الخاص بأحكام الأسرة قسمه لتمهيد وأربع نقاط، في أول نقطة تكلم عن آصرة النكاح أي رابطة النكاح أو مقاصد الزواج بشكل عام، وبعد ذلك تكلم عن آصرة النسب والقرابة، أي مقاصد النسب والقرابة، ثم تحدث عن آصرة الصهر، ثم تحدث عن طرق انحلال هذه الأواصر الثلاثة.
هذه النقاط الأربعة تحدث فيها الطاهر بن عاشور طوال حديثه عن أحكام العائلة، وهناك من يسميها أحكام الأسرة، وبعضهم يسميها أحكام المجتمع، فالمسمى واحد والاختلاف في الألفاظ، وقد قصر حديثه في أحكام العائلة على الزواج وعلى طرق انحلال هذه الأواصر الثلاثة وعن صلة المصاهرة والقرابة.
فهذه أول ملاحظة أنه قصر الحديث عنها واستخرج منه بعضها، فهو لم يهمله مطلقا مثل المواريث، والوصايا، والأوقاف، وهي من أحكام الأسرة، هو لم يمس هذه النقاط بالتفصيل ولكنه أشار لها في موضع واحد فقط ومسها مسًا خفيفًا جدا وقال: إنه ينتقل إلى الأولاد، وعندما تحدث عن نظام المال والمقاصد المالية تكلم بصورة مختصرة لا تفي بالمطلوب.
وعندما نتكلم عن النقاط التي ركز فيها ابن عاشور بصورة عامة نجد أن هناك سمة رابطة بين النقاط الأربعة، فلقد تحدث عن هذه المقاصد بأسلوب فلسفي يحتوي على مجموعة أحكام فقهية، وبعض أدلتها، ثم يستخرج منها قاعدة عامة ـ ومقصدًا. فعندما تحدث ابن عاشور في دائرة المقاصد، رغم أنه من أوائل الناس الذين قسموا المقاصد لمقاصد عامة، ومقاصد خاصة، عندما تحدث هم مقاصد الأسرة تكلم عنها بشكل متداخل ولم يقسمها، وهناك من العلماء من يقول: إن الطاهر بن عاشور لم يتحدث عن فكرة المقاصد الجزئية.
ولكنني أرى أنه تحدث عن فكرة المقاصد بشكل جزئي، ولكنه لم يسمها، بدليل أنه في المقدمة تكلم عن الخطبة وهذا مقصد جزئي، وهو قد تحدث عن الولي، والشهادة، والمهر، وهذه كلها مقاصد جزئية، فهي لم تغب عن ذهنه.
فمن نسب إليه أنه تحدث عن المقاصد العامة والخاصة ولم يتحدث عن المقاصد الجزئية – لم يتعمق جيدًا في الكتاب، فهو تكلم عن المقاصد العامة والخاصة وجعل لها عنوانًا، وتكلم عن المقاصد الجزئية ولكنه لم يجعل لها عنوانًا، مما جعل البعض يقول: إنه لم يتحدث عن المقاصد الجزئية.
فنستطيع أن نقول – ونحن مطمئنون -: إن محمد الطاهر بن عاشور في ك كتابه «مقاصد الشريعة الإسلامية« تكلم عن المقاصد العامة والمقاصد الخاصة والمقاصد الجزئية.
نجد ابن عاشور عندما تحدث عن مقاصد الشريعة الإسلامية في أحكام العائلة بدأ بمقصد عام – فهو يبدأ بمقصد عام، ثم مقصد خاص، ثم مقصد جزئي، غير مرتبة، ليس لأنه لم يدركها ولكنه يتبنى تقسيمًا مختلفًا، فعندما تكلم عن آصرة النكاح قال: إن الزوج نظام فطري ونظام جبلي، وهذا مقصد عام من مقاصد الشريعة الإسلامية. وقال: هو نظام فطري، فهو داعية جبلية تدفع أفراد النوع إلى تحصيله بدافع من أنفسها، وإن اختلفت الأزمان والأحوال، وتلك الداعية هي داعية ميل ذكور النوع إلى إناثه، فهو يريد أن يقول: إن مقاصد الزواج مقصد عام فهو نظام طبيعي فطري.
بعد هذه النقطة جاء بمقصد خاص وقال: إن نظام الزواج هذا نظام حضاري يؤدي إلى رقي المجتمعات وإلى الحضارة، ويؤدي بالإنسان إلى الفضائل والكرامات، وهذا مقصد خاص. ويكون الإنسان حضاريًا عندما يحب الغير أكثر من نفسه، وهذا يتحقق بالزواج، والآيات القرآنية واضحة في الود والرحمة، والتعاون والتماسك والاتحاد، وإقامة نظام العائلة، وما إلى ذلك، فهو تحدث هنا عن مقصد خاص.
ثم تحدث عن أن الزوج نظام اجتماعي، وهذا مقصد خاص، واهتم بتكوين الأسرة، وأن هذه الأسرة تؤدي إلى العائلة، والعائلة إلى القبيلة، ثم إلى المجتمع.
ثم تكلم عن الولي، وهذا مقصد جزئي، وقال: لماذا اشترطنا الولي؟ حتى لا تركن المرأة وحدها إلى الرجل، فقد تخدع وحتى يكون ذووها على علم بأحوالها. فهو هنا يتحدث عن مقصد جزئي.
ونخلص إلى أننا – الآن – قد اقتنعنا بأن الشيخ ابن عاشور نوّع في المقاصد فمنها العام ومنها الخاص ومنها الجزئي، يمكن أن تجدها جميعًا في النقطة الواحدة. ولو حصرنا، على سبيل المثال، بعض المقاصد العامة التي تحدث عنها، ولقد ركز تمامًا في كل صفحة وفي النقاط الأربع على أن الزوج يؤدي إلى مقصد ضروري وهو مقصد حفظ الأنساب، وهذا كان مقصده الأهم، وشغله الشاغل في الكتاب، وهو مقصد عام من المقاصد الضرورية، وهو حفظ الأنساب من التعطيل، والزواج شرع لبقاء النوع وبقاء النسل البشري. ويأتي بدليل، ولكنه يأتي بصياغة على أنها من الناحية الفقهية، ثم يذكر المقصد منه، وهو لا يقول هذا الكلام في جزئية واحدة، فهو تحدث عن حفظ النسب كمقصد ثم يأتي بمظاهر حفظ النسب في هذا النظام.
على سبيل المثال ذكر أنه شرع لحفظ النوع الإنساني، واختصاص الرجل بالمرأة يؤدي لحفظ النسل، ومنع التبني.
معنى هذا أنني لا أستطيع أن آخذ – كما فعل بعض العلماء – كل هذه المظاهر وأجعلها مقصدًا وحدها، فبعضهم يقول: إن اختصاص الرجل بالمرأة في نظام الزواج يؤدي إلى ثبوت الانتساب؛ لا أستطيع أن آخذها مقصدًا وحده، ولكنها مظهر من مظاهر المقصد العام، وهو حفظ النسل أو حفظ الأنساب.
نعرف جميعًا أن المقاصد الضرورية العامة هي حفظ النفس حفظ المال وحفظ العقل وحفظ النسل أو العرض، حفظ النسل وحفظ العرض بعض العلماء يجعلها واحدًا، وبعضهم يفصل بينهما، وابن عاشور فصل بينهما وجاء ببعض مظاهر حفظ النسب وبعض مظاهر حفظ العرض، فعندما تكلم عن صور الزواج المحرمة قبل ذلك، وأخذت جزءًا كبيرًا من كلامه، كلها داخلة في حفظ الأعراض، فتكلم عن تحريم الاستبضاع، والشغار، والزواج المؤقت، وغير ذلك وقال: كل هذه صور كانت موجودة ومحرمة، وجاء الإسلام بصورة للزواج لحماية الأعراض والأنساب.
وتكلم عن مقصد حفظ النفس كمقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، وجاء بمظهر من مظاهره، وهو: وجوب نفقة المرأة ونفقة الأولاد على الزوج، وفي هذا حفظ النفس من الضياع.
وتحدث عن مراعاة التشريع الإسلامي للنظام الفطري، وجاء بمظهر من المظاهر في المحرمات من النساء، فكان يتحدث بصيغة الحكم الفقهي، وأن الإنسان لا يميل بفطرته للنساء المحرمات بالنسب أو الرضاع أو المصاهرة. وهو وإن جاء بالمقصد الجزئي الخاص بكل واحدة منها، ولكنه تحدث عنها، من وجهة نظري، على أنها مقصد عام، فعندما ذكر المحرمات من النسب ذكر مقصدًا عامًا ثم ذكر مقصدًا جزئيًا، فتحدث عن أن ذلك يؤدي إلى عدم الحشمة والوقار وما إلى ذلك.
فنجد أنه ركز على المقاصد الضرورية فقط ولم يتحدث عنها كلها، فلم يتحدث عن مقصد حفظ الدين، رغم وجود هذا المقصد في الزواج، مثل عدم زواج المسلم بالكافرة، والمرأة المسلمة لا تتزوج الرجل غير المسلم، هذا من الحفاظ على الدين، وهو لم يمس هذه المسألة، فهي لم تغب عن ذهنه، ولكنه ربما يكون يكتفي بمقاصد معينة.
وأرى أن هناك مقاصد هامة لم يتعرض إليها بالقدر الكافي. وفكرة المقاصد الحاجية والتحسينية لم تكن بالقدر المعقول، فهو ركز على حفظ الأنساب وحفظ الأعراض، وأنه نظام فطري، وأنه نظام جبلي، وذكرها بالتفصيل.
ولو نظرنا للمقاصد الخاصة في الشريعة الإسلامية في نظام أحكام الأسرة عند الطاهر بن عاشور فإننا نجده تكلم عن النظام الحضاري، وأنه نظام اجتماعي، وأيضًا فكرة العائلة كانت قائمة لديه، وتحدث عن النظام الاقتصادي، حيث يسعى الرجل ويعمل ليوفر لأولاده المال.
ونحن نعلم جميعًا أن الزواج له منفعة أخروية ودنيوية للإنسان، فالإنسان يقوى بأبنائه في الدنيا، وبعد الممات يدعوا لك، كما في الحديث: «ولد صالح يدعو له2«. فهذه منفعة أخروية، ومنفعة افتخار النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث: «تناكحوا تكاثروا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة3«. هذه لم تكن واضحة عند الشيخ محمد بن طاهر بن عاشور.
نأتي للمقاصد الجزئية، وهو بصفة عامة تحدث عن المهر وقال: شرع المهر حتى يتميز عن البيع والإجارة. وتكلم عن الصور المحرمة، وتستطيع وأنت تبحث عن المقاصد أن تقول: إنه تكلم عن حكمة المهر وقال: إنه يميز عقد الزواج عن عقد البيع والإجارة، عند الذين يقولون: إن عقد الزواج فيه معاوضة، حيث إن المهر لا حد له ولكن المعاوضات فيها توازن، والمهر يمكن أن يكون خدمة.
وفي موضوع الشهادة تكلم عن الشهرة، ويبدو أنه تأثر بالمذهب المالكي، وبعد ما انتهى عن الشهرة تكلم عن الشهادة مرة أخرى، وهناك تمايز بين الاثنين، فالشهادة شرط من شروط الصحة، أما الإشهار وفقًا للراجح فهو مستحب. فتحدث عن الشهادة وقال: إن هذه الشهادة تحمي الزوجين من الرمي بالزنى. وقال: إن فيها حفظًا للنسب والأولاد من الإنكار، وتحدث عن الشهرة وقال: إنها تميز الزواج عن السفاح والرمي بالزنى، وما إلى ذلك. ونستطيع أن نقول: إنها في إطار المقاصد الجزئية في هذا الموضوع.
ولما تكلم عن النقطة الثانية وهي النسب ركز في نفس الشيء، وهو حفظ الأنساب والأعراض ودار في نفس فلك المقصد العام لمقاصد الشريعة الإسلامية، وهي حفظ الأنساب وحفظ الأعراض، ولما تكلم عن القرابة تكلم عن الميراث والنفقة فيهم.
وفي موضوع المصاهرة، وصيغة الصهر، تكلم عن المحرمات من النساء وذكر المقصد العام فيها وجاء بالمقصد الجزئي فيها.
ومن وجهة نظري أرى أنه يميل إلى أن يأتي بالحكم الفقهي والأدلة عليه ثم يشير إلى المقصد.
ولما تكلم عن طرق انحلال هذه الأواصر الثلاثة تكلم عن طرق الانحلال ما عدا الوفاة فذكر الطلاق وذكر التطليق والفسخ واللعان والإيلاء، ذكرها في إطار فقهي، وذكر مقصدين من المقاصد وقال: إن الطلاق يؤدي إلى رفع الضرر عن الزوجين إن لم تستحكم العشرة بينهما، وسماه ارتكاب أخف الضررين، ودار في نفس إطار هذين السببين، ويمكن أن نلحق مقصد رفع الضرر بالمقصد العام، وكذلك مقصد ارتكاب أخف الضررين.
وفي النهاية أستطيع أن أقول: إن الطاهر بن عاشور كانت لديه الفكرة الكاملة للمقاصد وهو يتكلم عن مقاصد الأسرة، فقد كانت المقاصد العامة موجودة في ذهنه وذكرها بالتفصيل، وذكر أمثلة عليها، وذكر أكثر من مثل في المقاصد الخاصة، من مقاصد الزواج، وأيضًا ذكر مقاصد كثيرة جزئية.
وهناك نوع من المقاصد لم يشر إليه ليس من تقصير ولكن طبيعة العمل، حيث لا يمكن حصر جميع مقاصد الشريعة الإسلامية في كتاب كهذا، ولكنه فتح الطريق للدارسين والباحثين.
ملاحظة: نشر هذا النص في الكتاب التالي: مقاصد الشريعة عند الطاهر بن عاشور: مجموعة بحوث، 2013، مؤسسة الفرقان بالتراث الإسلامي، لندن، ص 131-154 . يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني. |