المساواة بين المرأة والرجل في ميزان الإسلام

شارك:

الشيخ أحمد زكي يماني

محتويات المقال:
الأول: عن وضع المرأة في العهد النبوي
الثاني: عن دور المرأة المسلمة في العصور الـلاحقة
الثـالـث: عن المـرأة في نطاق الزوجية ومقارنتها بالرجل
أ – إبرام الزواج
ب – الحقوق والواجبات
جـ – تعدّد الزوجات
د – الطلاق والحضانة
الـرابـع: عن حقّ المرأة في الميراث مقارناً بالرجل
الخـامـس: عن شهادة المرأة مقارنة بشهادة الرجل
السـادس: عن الولاية العامة للمرأة

الحمد للّـه رب العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء وسيّد المـرسـلين، سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد فقد أصبحت قضيّة المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية من القضايا الشائكة التي يحتدم حولها النقاش، وتتّسع شقّة الخلاف، بين متزمّتين متشدّدين يسرفون في تحجيم دورها، ويبـالغـون في الاستهـانة بـأمــرها، لدرجة تحقــيرها، والإساءة إليها وإلى إنسانيتها، معتمدين على أحاديث نبوية ضعيفة، أو تفسير ممجوج لآيات الكتاب وصحيح السنة النبوية، محاولةً منهم بأن يضعوا على تقاليدهم القبلية غـلافاً دينياً إسلامياً. ويعينهم في أداء دورهم أقوال بعض العلماء والمفســرين، متـنـاسـين عمداً أقوالاً أخـرى تناقض ما تبنّوه رغم وجاهتها وقوة أسانيدها.

وتقع في الجانب الثاني فئة تنتمي لـلإسلام، تريد أن تجعل المـرأة المسلمة نسخة من الفتاة الغربية، بكل أخلاقياتها وأساليب حياتها، متنـــــاسين أن حضارة الإسلام تختلف عن حضارة الغرب، وأن نظرة الإسلام إلـى المرأة تـرتكز على معايير وأسس ليست بالضرورة ما تـرعاه الحضارة الغربية وتسعى لتطبيقه.

فالإسلام يركّز على «دين» المرأة معياراً أساسياً لتقييمها. والـدين يشمل الخلق الكريم، والعلم الواسع، مع مخــافة اللّـه وإطـاعة أوامـره ونواهيه، فالمـرأة تُنكح لمالها وجمالها وحسبها، رسول اللّـه ﷺ يأمر أصحابه وأتباعه بأن يظفروا بذات الدين. وجمال المرأة في الإسلام غير مُعـدّ للعرض والبيع، وما هو من الوسـائل العـامة للترويح عن نفـوس المشاهدين، فهو ثروة لصاحبته، مخصصة لمن تختاره من الـرجال زوجاً لها،ولا تُظهر من تلك الثروة للعامة إلاّ ذلك الجزء الذي لا يثير الشهوات أو الرغبات.

والحضارة الغربية تركّز في نظرتها للمـرأة على أمور كثيرة يأتي في مقدمتها جمال المرأة وجسدها، فيتبارى مصمّمو الأزياء لإظهار مفاتنها، كما تتبارى وسائل الإعلام المرئية في استخدام ذلك الجمال وتلك الفتنة، وسيلة للترويح لها واستقطاب اهتمام المشاهدين.

وتجـارة الجنس، وإن كــانت حتى الآن في معظم بلاد الغرب خارج حدود القانـون، إلاّ أنها من الأمور الواقعية التي يُغض النظر عنها، إلاّ إذا استفحل أمرها.

والمرأة في الإسلام ليست جسداً أو سلعة، وإنما هي إنسانة قيمتها في علمها وإنسانيتها ودينها وخلقها. فالمتزمّتون من المسلمين، الـذين يضعون حدوداً لإنسانيتها وقيوداً على تعليمها ونشاطها، يخطئون ويخـالفون روح الإسلام ونصـوصه. وأولئك الــذين ينتمون لـلإسلام، ويريدون للمرأة المسلمة أن تكون نسخة من الفتاة الغربية، يحدثون في مجتمعهم الإسلامي شرخاً يؤدّي إلى تفاقم حدّة المتزمتّين، فيزدادون

تشـدّداً وتنـطّعاً، ويدفـعون الفتاة المسلمـة إلى هاويـة الحضـارة المـادية، فيلتهمها طوفان العولمة، ويحتقرها أهلها دون أن تسعدها حضارة غيرها.

ولقد تغيّرت ظروف الحياة، ونحن عل مشارف قـرن ميلادي جـديد. وتطوّرت وسائل التعليم وانتشرت، وذُلّلت وسائل الاتصالات وانتقال المعلومات، فأصبحت في متناول اليد دون قيود أو حدود. وأثبتت المرأة جدارتها في ميادين العلم والتجارة والاقتصاد، ونافست الرجل في أمـور كانت حكراً له ووقفاً عليه، ولم تمنعها أنوثتها من أن تصبح جندية باسلة في ميادين القتال، أو مخترعة بارعة داخل المعامل وميادين البحث.

وفي هذه الظروف المتغيرة، والتطوّرات السريعة المتلاحقة، ترتفع أصوات بعض علمائنا، تدعو إلى بقاء المرأة في بيتها، لا تختلط بالـرجال في بيئتها، ولا تباشر من الأعمال إلاًّ ما يعتقدون أنه ملائم لطبيعتها متماشي مع شـــريعـتنا، ويدفعهم خوفهم من فساد الغرب وانهيار الفضيلة فيه إلى تضيـيـق دائرة نشــاطها حتى تكاد أن تنعدم، ويتوسّعون فيما يعتقدون أنه أحـكام شـــريعتنا حتى يخـــرجوا عن دائــــرتها وروحها نصوصها. ونحن لا نشكّ في صدق نواياهم، ونعرف قوة العقل الباطن الذي يحـركهم لحماية فتيـاتنا، وقوة التقاليد التي نبتوا من تـربتها وترعرعوا في كفنها، ولكن الأمـر أخطر بكثير من أن يعالـج بطريقتهم مهما كانت مبرّراتها وصدق نواياها، فإن ما يدعــون إليه، ويروّجون له، أضيق كثيراً من الساحة الرحبة التي كانت المرأة المسلمة تعيش فيها خلال العصر النبوي.

ورحم اللّـه الإمام ابن القـيّـم الـذي عـمّـق فهمه ومنحه فقهاً في  الـدين حين قال: إن على الفقيه أن يزاوج بين الواجب والـواقع1، ولو كان بيننا اليوم لعرف الواقع الذي نعيشه، ولتصرّف عكس تصرفات بعض علمائنا، فزاوج بين واجب قابل للتوسيع وواقع يستحيل تغييره فهو آت كالطوفان، ولابد أن نبني سفينة تنقذنا من الغرق فيه، بالـرجوع إلى روح الشريعة، والثابت من نصوصها. فالانعزال خطير، ولن يكون هناك جبل يعصمنا من الماء، وإن لم نفعل فسوف نكون كالنعام حين تخشى الصياد فتدفن رؤوسها في الرمال.

وهذا البحث عن المساواة المرأة بالرجل في ميزان الإسلام يهدف إلى تـــوصيف حقيقة تلك المساواة وإيضاح الفوارق في الأحكام بين المـرأة والرجل، متى وجدت، وهي فوارق تعود إلى طبيعة الأنثى مقارنة بطبيعة الــرجل، ولا تـزيد من الــرجل على حساب المـرأة، ولا تنقص من المـرأة لحساب الرجل، ولا تخلّ بالمساواة الكاملة.

فالأنوثة من صفات المـرأة التي تحثترم لأجلها، ولا تنـتـقـص من قدرها. والـرجولة من صفات الرجل التي يمدح بها، ولا تكون من وسائل تفضيله على المرأة، فهي تلقي عليه أعباءً دون أن تــرفع في ذاتها له شـأناً. والمـرأة المستـرجلة معيبة، والــرجل المخنّث محتقر، وقد «لـعـن رسول الله ص المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء».2 وقضية المساواة إذن يجب أن ينظر إليها على ضوء هذه المفاهيم وعلى ضوء التشريعات المالية الإسلامية التي ألقت على الرجل أعباءً أعفت المرأة منها.

والمناداة في الغرب بفكرة الجنس المـــوحد، التي تـــرفض أن يكون تقسيم العمل مبنياً على اختلاف الجنسين، مناداة لا تستقيم مع روح الشريعة الإسلامية، التي وإن أباحت للمرأة ممارسة العمل في حقوله الكثيرة إلاًّ أنها تــركّز على الــوظيفة الأساسية لها كزوجة وأم، وهي وظيفة تمنحها جل الاحترام في المجتمع المسلم.

ولقد أثبتت نتائج فكرة الجنس المــوحد في الغرب، أنها أدّت إلى تعصّب للذكورة فأصبح دور الـرجل في مجالات العمل محلاً للتقـديـر والاحترام، أكثر بكثير مما حصلت عليه المرأة من تقــــــديـر في تلك المجالات. والإسلام لا يغفل الفوارق البيولوجية بين الاثنين ولا يضخّم من آثارها فيخرجها عن نطاقها، فأمومة المرأة ودورها كزوجة وحسن قيـــامها بتـــربية أبنـــائها، يضعها في أعلى المراتب ويكسبها الإجلال والاحتـرام، في الــوقت الذي لا تـمـنـعها تلك الفــوارق البيـولوجية من ممارسة ما تحسن عمله في الحقول الأخرى.

والهـدف من هذا البحث هو تسليط الضوء على المساواة بين الـرجل والمرأة في ميزان الإسلام، مع إبراز الفوارق في الأحكام التي يخضع لها الطرفان، مع إيضاح الأسس والأسباب التي أدّت لتلك الفوارق، وسوف يقسّم البحث إلى الأبواب التالية:

الأول: عن وضع المرأة في العهد النبوي.
والثاني: عن دور المرأة المسلمة في العصور الـلاحقة.
والثـالـث: عن المـرأة في نطاق الزوجية ومقارنتها بالرجل.
ويتفرغ هذا الباب إلى:
أ – إبرام الزواج.
ب – الحقوق والواجبات.
جـ – تعدّد الزوجات.
د – الطلاق والحضانة.
والـرابـع: عن حقّ المرأة في الميراث مقارناً بالرجل.
والخـامـس: عن شهادة المرأة مقارنة بشهادة الرجل.
والسـادس: عن الولاية العامة للمرأة.

*   *  *  *

أولا: المرأة في العهد النبوي

كانت المرأة في الجاهلية قبل الإسلام مهينة وضيعة، وكان العـربي يعتبرها مصدر ذلّ وعار، يَسْودّ وجهه إذا بُشّر بمولودة أنثى، ويحتار بين أن يمسكها على هون أم يدسها في التراب3.

وكانت الفترة المكية بعد البعثة النبوية وقبل الهجرة، فترة دعوة إلى التوحيد في مجتمع وثني، وإلى المساواة في بيئة تؤمن بالفوارق الطبقية والحسب والنسب، ولم يكن العهد المكي مـرجعاً لأحكام المعاملات التي تحدّد أهلية المرأة ومـركزها في المجتمع مقارناً بالـرجل. ومع ذلك فقد أبلت النساء بلاءً حسناً فيي الدعوة إلى اللّـه والصبر على أذى المشركين، فكانت خديجة رضي اللّـه عنها أول من آمن بالرسالة، وكانت سمية بنت خياط أمّ عمـار بن يــــــاسر أول شهيدة في الإسلام، وشاركت النسوةالرجال في الهجرة إلى الحبشة. وكان مِن بين مَن بايع رسول اللّـه ﷺ في بيعة العقبة الثانية اثنتان من نساء الأنصار.

ثم جاء العهد المـدني حيث أقيمت أول دولة إسلامية، وأول مجتمع مسلم، فحـدثت أول ثورة قانـونية واجتماعية جعلت للمـرأة مكانة لـم يعرفها العرب من قبل فكانت للـرجل ندّاً وفي الحياة الاجتماعية شريكاً. وما كان سهلاً على المكّي القرشي الذي هاجر إلى المدينة، أن يتقبّل الوضع الجديد للمـرأة، لولا الإيمان باللّـه، والطاعة المطلقة لأوامره، كما سـاهم في تقبّل هذا التغيير أن نساء الأنصار كـن يحظين بعـلاقة مـع أزواجهن تمكّنهن من النقاش والجدل، فبدأت النسوة المهاجرات يفعلن فعل نساء الأنصار.

والنماذج المختلفة التي سوف أستعرضها فيما بعد، يجب أن تكون مـؤشراً لأحكام يمكن التوسّع فيها في الظروف الحـالية، التي تغيّرت تغييراً جذرياً عن بيئة المــدية وأوضاعها الاقتصادية والثقـــافية والاجتماعية. أما أن يحدث العكس في بعض بلادنا الإسلامية فتفرض على المـرأة قيود تنبثق من التقاليد القبلية، بعد أن يخلع عليها رداءٌ إسلامي ينسبها إلى الشريعة وهي منها براء، فذلك تصرّف سوف يؤّدي إلى انفجار قد يبعدنا حتى عن المعايير الإسلامية والمفاهيم الشرعية. فطوفان العولمة، ووسائلها من الفضائيات والإنترنت، لن يحمينا منه إلاّ التطبيق الواعي لروح الشريعة، متحـرّرين من  مفاهيمنا التي توارثناها من الماضي في عهود التخلّف الإسلامي والجمود الفكري.

إن العهد النبوي المدني لم يعرف شيئاً اسمه منع اختلاط النساء بالـرجال، مثله مثل العهود التي تلته في عصور النهضة الإسلامية. فكل ما حـرّمه الإسلام هو الخلوة غير الشرعية، بأن يتواجد الـرجل مع المرأة في مكان لا يراهما فيه أحد، ولا يكون معهما ثالث، فقد نهى رسول اللّـه ﷺ أن يدخـل رجـل على مُغيـبـة «التي غــاب عنـها زوجـها» بقـولـه:

«لا يدخـلـن رجـل، بـعـد يـومـي هـذا، على مغـيـبة إلاّ ومـعـه رجـل أو اثنان،4 فـزيارة اثنين أو أكثر لـزوجة غاب عنها زوجها هو ولا شك نوع من أنواع الاختلاط، مثله مثل ارتياد النساء للمسـاجد وحضور صلاة الأعياد ومشاركتهن الرجال في سماع خطبه ﷺ. بل كان من النساء في المدينة في العهد النبوي من تفتح دارها للضيفان، فينزل عليها المهاجرون من الصحابة، وهذه أم شريك يصفها ﷺ بأنها «امـرأة كثيرة الضيفان»5وذلك عندما أرادت فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيتها الملـيء بالـرجال. وكانت النسوة يخرجن إلى الأسواق لقضاء حاجاتهن وشراء ما يرغبن، وطبّق ذلك حتى على أمهات المـؤمنين بعد أن فرض عليهن الحجاب، وقصة ابن الخطاب رضي الله عنه حين اعترض على أم المـــؤمنين سودة بنت زمعة، لما رآها في الطــريق إلى السّو فعادت وأخبرت رسول اللّـه ﷺ، فقال لها ﷺ: «قـد أذن لـكُـنَّ أن تـخــرجـن لحــاجـتـكـن».6 فكيف بنساء المـؤمنين الــلاتي لم يفرض عليهن الحجاب؟ ولقد وصل دور المرأة في السوق إلى أعلى المستويات، حين ولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشفاء بنت عبد اللّـه المخزومية على حسبة السوق،7 والحسبة في رأينا فرع من فروع القضاء كما هي تجسيد لـلأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والسوق بمعاييرنا المعاصرة هو المـركز الرئيسي للنشاط التجاري، فكيف تمارس المرأة المسلمة ذلك النشاط الهام إن كان المتزمّتون المعاصرون يريدونها حبيسة الدار؟

ولقد أعطى ابن الخطاب رضي الله عنه سمراء بنت نهيك الأسدية، التي تولّت المنصب نفسه على سوق مكة، سوطاً تضرب به من يغشّ في البيع أو الكيل،8 وهي بذلك قد جمعت بين ما يشبه السُّلطة القضائية وما يشبه السُّلطة التنفيذية.

ولقد كـــانت المرأة في العهد المـــدني النبوي جزءاً لا يتجزّأ من المجتمع، تشارك الرجل في جميع مـرافق الحياة الاجتماعية، فإذا التقيا سلّم الرجل على المرأة، وسلّمت المرأة على الرجل، وقد أورد البخاري، تحت باب «تسليم الــرجال على النساء والنساء على الـــرجال»، من الأحاديث ما يرد به على من قال بأن المرأة لا تُسلّم على الــــرجل إذا التقيا. والأحــاديث في هذا المضمار كثيرة ومتعدّدة. وكانت المرأة تلبّي الـدعوة لاجتماع عام، فإذا نادى المنادي «الصلاة جامعة» هـرعت إلى المسجد لمشاركة الرجال في ذلك الاجتماع، ومثال ذلك حديث فاطمة بنت قيس التي لبّت نداء المنادي للصلاة جامعة.9

كما كانت المرأة تفتح عيادة للتمريض تداوي فيها المـرضى، مثل خيمة بني غفار لصاحبتها رفيدة الأسلمية، التي أقامتها عند مسجد رسول اللّـه ﷺ تداوي الجرحى.10

وكان المسجد مكاناً للعبادة تعتكف فيه المرأة مثلها مثل الـرجل،11كما كان صرحاً للعلم حيث تشترك المرأة مع الرجل في تلقِّيه، والأحاديث الدّالة على ذلك كثيرة جداً في الصحيحين، ولا داعي لاستقصائها أو ضرب أمثلة عليها. ولقد كان المسجد منتـدياً اجتماعياً تمارس فيهضـروب التـرفـيه المبـاح كالـرّقـص لـلأحـباش، الـذي شـاهــدته أم المـؤمنين عائشة رضي اللّـه عنهـا، وقد فُرض عليها الحجـاب، وكان عليه الصلاة والسّلام يسـتـرها بردائه.12 وقد ورد في فـتح البـاري الـرد على من أنكر اللعب في المسجد.13

وامتد نشاط المـرأة في عهد الـــرســالة ليشمل الـزراعة والتجارة، والأحاديث في هذا الصّدد كثيرة، منها حــــديث أم مـبـشـر الأنصارية صــاحبة مـزرعة النخل،14 وحــديث خـــالة جـــابر بن عبد اللّـه الذي زجـــرها حين أرادت الخروج لتجد نخلها وهي في عـدتها، فلما جاءته عليه الصلاة والسّلام أذن لها، وقال: «فإنك عـسـى أن تصـدقـي أو تفـعـلـي مـعـروفاّ»15.

ولم تكن المرأة حبيسة النقاب إلاّ من اتّخذته منهن عادةً، وكنّ من النوادر، وقد حُـرم في الصلاة والحج والعمرة، بل كــانت المرأة تتجمّل للخُطاب إذا رغبت في الزواج، مثل سبيعة بنت الحارث، التي تجمّلت للخُطّاب، فسـألها أبو السنابل: مـالــي أراك تجمّلت للخُطّاب تـرجين النكاح؟ فخطبها فــــــأبت أن تنكحه،16 فخطبها رجـلان شاب وكهل فخطبت إلى الشاب.17

ولعل أهم الأدوار التي أدّتها المرأة في العهد النبوي الجهاد مع رسول اللّـه ﷺ، ولـم يكن الجهاد فرضاً عليهن كالرجال، ولكنه كان رخصة في الغزوات إلاّ إذا كانت حرباً دفاعية فإنه يصبح واجباً

وكان دور المـرأة في الجهاد آنذاك ينحصر في التّمـــــريض، وسُقيا المجــاهدين العطشى، وما إلى ذلك. ولكنها كـانت تمـارس الـحرب الحقيقية شأنها شأن الرجل إذا دعت الحاجة لـذلك. والأمثلة على ذلك كثيرة، من أهمها أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية المازنية، التي شهدت أحداً والحـديبية وخيبراً وحنيناً وعمرة القضاء ويوم اليمامة. وروى عمر بن الخطاب رضي الله عنه،عن النبي ﷺ أنه قال: «ما التفتٌّ يميناً ولا شمالاً يوم أحد إلاّ وأراها تقاتل دوني»،18وكانت رضي اللّـه عنه مع أم أيمن وأم سليم، ولما رأين تفوّق المشـركين، تــركن سقـاية الجــرحى ومـداواتهم، وألقين بالـدلاء، وأخذن السلاح من القـتـلـى، ووقفن مع الصـحابة يـذدن عن رسـول اللّـه ﷺ. ويذكر الواقدي أنها «قاتلت يوم أحد وجُرحت اثنتي عشرة جراحة، ودوات جرحاً في عنقها سنة».19 وخرجت في خلافة أبي بكر في الردّة، فباشرت الحرب بنفسها حتى قتل مسيلمة، ورجعت وبها عشر جـراحات من طـعـنة وضـربـة،20 وروى ابن سعد في الطـبقات أن أم سليط شهدت خيبراً وجنيناً.21 وروى مسلم في صحيحه عن أنس أن أم سليم اتّخذت خنجراً يوم حنين، فقالت «إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه».22 ومن أبطال يوم أحد من النساء نسيبة بنت كعب التي رأت أحد المشركين يسدِّد سهماً نحـوه عليه الصلاة والسّلام، فانطلقت تحميه بجسدها، فأصـابها السـهـم في عـاتقها.23 وفي غـــزوة خـيـبـر أبـلت أمـيـة بنـت قيس الغفارية أحسن البلاء في قتال اليهود، فقلّـــدها عليه الصلاة والسّلام قلادة،24  وذلك شبيه بالأوسمة الحربية التي نعـلرفها الآن تعلّق على صدور القادة والأبطال. واستمرّت المرأة تمارس القتال الحقيقي بعد عهد المصطفى عليه الصلاة والسّلام، فهذه أسماء بنت يزيد بن السكن ابنة عم معاذ رضي الله عنه، قَتلت يوم اليرموك تسعة من الروم بعمود فسطاطها،25 وشهدت أم موسى اللخمية زوج نصير اللخمي، اليرموك فقتلت علجاً وأخذت سلبه.26

وقصة أم حـرام معروفة، حينما دعا لها رسول اللّـه ﷺ أن تكون ممن يركب البحر يجاهد في سبيل اللّـه، 27 فاستجاب اللّـه دعاءه، وركبت البحر إلى قبرص في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، واستشهدت هناك، وقبرها معروف في لارنكا.

والأمثلة على بطولات المـرأة المسلمة في الحرب لا داعي لـلاسترسال فيها، فقد برز منهنّ من لا يقل عن الرجال الصناديد في الشدّة والقتال والضرب بـالسيف، أمثال أسماء بنت أبي بكر وخـولة بنت الأزور وأم حكيم زوج عكرمة بن أبي جهل. وما أردت أن أرمي إليه، هو أنه إذا لم يكن القتال بالسلاح فرضاً على المرأة كما هو على الرجل، فهو مباح إذا أرادت أن تمارسه. ولا مانع شرعاً أن تكون المرأة اليوم من المجنّدات في شتى الأسلحة البرية والجوية، إذا روعي ما تفرضه الشريعة، حمايةً واحتراماً لها، وليس انتقاصاً من قدرها أو تقليلاً من أهميّتها.والصحــابيات اللواتي روين عن رسول اللّـه ﷺ كثيرات، وهـن معروفات لا داعي لـلاسترسال في ذكرهن، وذكر مـراكزهن العلمية، وقد ثبت كيف أن بعض الصحابة سعوا إليهن لأخذ آرائهن. وتأتي أمهات المؤمنين في مقدمتهن.

ولقد شاركت المـرأة المسلمة في عهده ﷺ في النشاط السيــــاسـي كـالبيعة والهجرة والمشورة. ويحاول بعض الــذين ينتقضون من قدرة المـرأة، القول بأن بيعة النساء تنصبّ على عدم الســرقة وعدم الــزنا، ونسوا قوله تعالى ﴿ولا يعصينّك في معروف﴾ (الممتحنة: 12)، ويدّعون أن الهجرة ليست عملاً سياسياً، وهـي ولا شك قمة في العمل السياسي، لم يستثنّ منه إلاَّ المستضعفون من الرجال والنساء، ومشورة أم سلمة رضي اللّـه عنها للـرسول عليه الصلاة والسلام في صلح الحديبية أحسن مثال نضربه في هذا الصدد، إذ عبّرت عن عمق فهمها وحسِّها السياسي في حل مشكلة عدم انصياع بعض الصحابة لأمـره ﷺ بالتحلّل من الإحرام.

وسنكتفي بهذا القدر من النماذج التي تحكي حياة المـرأة في العهد النبوي ومشاركتها الرجل في شتى ميادين الحياة، ولو شئنا الاستطراد لوجدنا من الأمثلة أضعاف ما قد ذكرنا، ولكنَّا نرجو أنَّا قد وُفقنا في إيضاح الصورة الحقيقية المنـــافية لما هو ســــــائد في بعض أقطارنا الإسلامية، أو ما هو معتمد عند بعض علمائنـا.

*   *  *  *

ثانيـاً: المـرأة المسلمة في العصور اللاحقة

بـرز دور المرأة المسلمة أكثر وضوحاً في مشاركتها الـرجل في الحياة العـامّة، وذلك في العصـور الأولـى مبـاشرةً بعد وفــاته ﷺ، وفي العهدالأمـوي واستمر في ازدهاره ثم بدأ المجتمع الإســـــــلامي بعد القـرن الخــامس الهجري يــدخل تدريجياً مــرحلة التقهقر، ولكن بدرجات متفاوتة، وفي مناطق مختلفة، ولم يمنع ذلك التقهقر ظهور شخصيات نسائية بارزة أضاءت ظلام الجهل والتخلّف الذي بـدأ يسود بعض أنحاء الوطن الإسلامي.

ففي الجهاد مثلاً، ذكرنا فيما سبق أمثلة لجهاد بعض الصـحـابيات بعد وفاته ﷺ، واستمر ذلك وبشكل أكبر حجماً وأبلغ أثراً، ففي بعض المعارك الكبرى كاليرموك والقادسية وصل عدد النسوة المجـاهدات بضعة آلاف امـرأة، وكان لهن ولا شك أبلغ الأثر في تحقيق النصر. فهذه أسماء بنت أبي بكر، بصحبة زوجها الـــزبير بن العوام، في معـــركة اليرموك، بقيادة خالد بن الوليد، تحارب على فرسها وبسيفها تصول وتجول، إلى جانب أنها كانت تخطب في الرجال تحثهم على القتال.28 وخولة بنت الأزور، التي شاركت في معركة اليرموك وفتح مصر، ولقد قاتلت الروم وهي ملثّمة لا يظهر منها إلاّ حدق عينها، وكان خالد ابن الوليد يعجب من ذلك الفارس الذي يضرب دات اليمين وذات الشمال، ويخـتـرق صفـوف الـروم، ويختفي ثم يعود مـرةً أخـرى إلـى صفـوف المسلمين، ولما أزاح الفارس لثـامه، دهش الجميع أنها امـرأة وأعجبوا بشـجـاعـتها.29 وهذه أم حكيم في المعركة نفسها مع زوجها عكرمة بن أبي جهل، وكان على قيادة أحد فيالق المسلمين، فأصابه سهم قاتل، وأراد الرومان مبــــــــاغتة المسلمين  وعبور القنطرة التي تفصل بين الجـيشـين، انتهازاً منهم لوفاة القائد، فاندفعت أم حكيم وأخذت سلاح زوجها القتيل ومعها فريق من نساء الصحابة، فقاتلن الـرومان على القنطرة، وردوهم على أعقابهم، وكرمها خالد بن الوليد فأطلق اسمهاعلى القنطرة التي لا تزال تحمل اسمها حتى اليوم في فلسطين المحتلة.30 وكانت النسـوة يمارسـن أدواراً أخرى  في المعارك، فـفـي معركة اليرموك مثلاً وضع خـالد ابن الـوليد النسـوة على ربوة خلف الجيش، وأمـرهنّ يمنع المتراجعين بِحثِّهم على العودة للقتال، فكنّ يضربـن من يتراجع بالحصى والتراب، ويخطبن فيهم: إين تنهزمون يا أهل الإسلام عن الأمهـات والأخوات والبنـين والبنات؟ أتـريدون أن تسلمــونا إلـى أعلاج  الـروم؟».31 وهـذه هـنـد بنت عتبة، تصـرخ في زوجها أبـي سفـيان وهو يتراجع بفـرسه تحت ضغظ جنود الرومان» إلـى أين يا أبا صخر ارجع الى القتال وابذل مهجتك حتى تمحص ما سلف من تحـريضك على رسول اللّـه ﷺ»32، ويذكر المؤرخّـون أن النساء من شِـدّتهن على المتراجعين جرحن خمسة منهم، وقتلن واحداً، وذلك بأعمدة الخيام. ويروي الـواقدي على لسان أحد المجاهـدين في معركة اليرموك «كانت النساء أشدّ علينا غلظة من جنود الروم»33.

ولا أظن أن التاريخ البشري قد سجّل معركة كبيرة خاضها جيش من النساء ضد جيش كله من الرجال إلاّ في معركة الـرملة بفلسطين، التي خاضتها نساء المسلمين ضد جيش الرومان وانتصرن عليهم، فقد عـلم قـائـد جيش الرومان في مصر أن جيش عمرو بن العاص قد تـرك تـموينه والـكثير من عدة الحرب في الـرملة، وأن الذي يحرسها فريق من النساء، فـركب الأسطول ونزل على الشاطئ وحاصر النساء في الليل، وهـو يعتقد أنه على وشك تحقيق غنيمة سهلة، ولكنه فوجئ بالنساء يـتبادرن إلى سـلاحهن ويصـرخن كالنمور، وكـانت معـركة سجالاً بينالجيشـين، انتهت بهزيمة جيش الرومان الذي تراجع مهزوماً تاركاً وراءه بعض الأسرى والجرحى. وقد جُـرِحت خولة بنت الأزور في تلك المعركة، وسقطت أسيرةً في أيدي الرومان حتى استنفذها عمرو بن العاص34.

ولم يكن دور المرأة المسلمة مقصوراً على الجهاد، وهو ولا شك أهم نشاط في المجتمع يظهر بجلاء قدر المـرأة في أمـر يظن البعض أنه من اختصاص الـــرجل وحده، لقد برزت المرأة المسلمة في مجالات أخـرى تظهر أهميّتها وعظيم قدرها، والأمثلة على ذلك لا عدّ لها ولا حصر، ولكني أورد نماذج منها أبدأها بأن المصحف حين جمع في عهد أبي بكرّ رضي الله عنه وضع عند أم المؤمنين حفصة، وبقيت نسخته الوحيدة عندها أثناء خـلافة أبي بكر وعمر.35 والقرآن هو أقـدس مقدّسـاتنا وأهم ما يبنـى عليه وجود الإسلام وتنبثق منه شريعته.

وقـد مارست المـرأة السياسة بكافة أنواع الممارسات، فقد قادت أم المؤمنين عائشة جيشاً، لتعبّر عن رأيها السياسي في اغتيال الخليفة عثمان بن عفان. وكان كثير من انساء يمارسن نشاطاً سياسياً خطابياً ضد معاوية، ونصرة لـلإمام علي ابن أبي طالب. وكتب التاريخ مليئة بقصصهن في جــدلهن مع معاوية عنــدما استقر له الأمـر وآلت إليه الخلافة، منهن سودة بنت عمارة بن الأشتر، وبكارة الهلالية، والـزرقاء بنت عـدي بن غـالب بن قيس الهمذانية، وعكــرشة بنت الأطـرش بن رواحة، ودارمية الحجـــونية، وأروى بنت الحارث بن عبد المطلب. ولا داعي في هذا المجال لــذكر ما دار بينهن فرادى وبين معاوية بن أبي سفيان، من نقاش يظهر فصاحتهن وبلاغتهن، كما يعبّر بوضوح عن قوة الشخصية من جهة والبراعة اسياسية من جهة أخرى.

وهـذه هند بنت زيد الأنصارية، التي فتحت دارها في العراق ليكون نادياً سياسياً لاجتماعات معارضي معاوية حيث يأتي الرجال للتشاور، وكـانت امـرأة بليغة قـويّة الحجّة والبيان، أتى ابن جـرير على ذكــرها ووصف نشاطها وبلاغتها.36

وتأتي في مقدمة النساء المسلمات ممن قمن بنشاط سياسي مؤثّر وقوي أم كلثوم بنت علي بن أبي طـالب رضي الله عنه، التي صـاحبت علي بن الحسين بن علي إلى الكوفة سنة 61هـ، وكانت خطبها السياسية قوية المفعول والأثر في نفوس سامعيها، حتى وصفها الإمام حذيم الأسدي قـــائلاً: «لم أر خفرةً واللّـه أنطق منها ... كأنما تنزع عن لسان أمير المؤمنين علي. وأومأت إلى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس... وتكلمت فانهالت دموعهم على لحاهم».37

أما في حقل العلم والأدب، فكـانت المـرأة المسلمة ذات باع طــويل، فهناك سكينة بنت الحسين،38 الأدبية النـاقدة، تتذوق الشعر وتفتح دارها للشعراء والأدباء، وتجالس الأجلاء من قريش في المدينة المنورة، وذلك إلى جانب ولعها بالمـوسيقى. وهناك من الشـاعرات المسلمات الكثير ممن ورد ذكــــرهن في كتب الأدب، منهن ولادة بنت المستكفـي، وعليَّة بنت المهدي، وحمرة بنت زيادة، وعائشة الباعونية، والخنساء. ومن الشهيرات، عائشة بنت طلحة بن عبيد اللّـه، وكانت أديبة فصيحة اللسان عالمة بأخبار العرب، تستقبل الرجال ولا تحتجب عنهم، وعندما قال لها أنس بن مالك أن القوم يريدون أن يدخلوا عليك قالت: «أفلا قلت لي فألبس أحسن ثيابي».39

أما في علوم الدين ورواية الحديث فقد أشتهر من النساء الكثير. ويقول الحـافظ الـذهبي في كتـابه ميزان الاعتدال، أنه لا يعلم امـرأة اتهمت في روايتها للحديث، ولا من تركها المحدثون.40 ونبدأ بميمـونة بنت سعد، مولاة رسول اللّـه ﷺ، التي قال عنها ابن الأثير أن الإمام علي بن أبي طالب تلقى الحديث عنها،41 وذكر الـذهبي أن أبا بكر الخطيب البغدادي قرأ البـخاري بمكة على كــريمة المروزية،42 التي كــانت من المحـدثات، وأن الحـافظ بن عساكر كان يقرأ الحديثث عن بضع وثمانين امرأة من راوياته،43 ومحمد ابن أبي شامة المؤرّخ، قرأ البخاري على أم الفضل كريمة بنت عبد الوهاب44. وفاطمة بنت عباس، كانت عالمة فقيهة زاهدة واعظة لها أثرها العظيم في نساء مصر ودمشق45. وأخت المزني كانت تحضر مجلس الشافعي،46 وقد نقل عنها الـرافعي في الزكاة. ونفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب كان الشافعي يصلي بها في رمضان، وقد صلّت هي على جنازته حين مات، بعد أن طلبت إدخال الجنازة في بيتها.47 وفـاطمة بنت عبد الـرحمن الحـرانية الصـوفية، سمعت عن أبيها الحديث، وروى عنها ابن أخيها.48 وكانت السيدة شُهدَة، التي لقبت بفخر النساء في القـرن الخـامـس الهجـري، تلقـي في مسجد بغداد دروساً في الأدب، كما كانت تدرس التاريخ الإســــلامي، وكان يحضر دروسها كثير من العلماء الأفاضل49. والسيدة عائشة بنت أحمد بن قادم الأندلسية، التي لم يكن في زمنها من يمــاثلها علماً وفضلاً، كما كـانت تجيد كتابة المصــاحف50. وست الملوك فــاطمة بنت علي بن الحسين بن حـمـزة الفقهية الحنبلية، التي أجـازت بعض علماء عصــرها في قراءة سنن الـدارمي51.

وقد خصّص المؤرخ المكي الفاسي، في كتابه (العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين) فصلاً عن النساء الـلاتي درس عليهن، وترجم لهن، وحوى أكثر من مائتين وخمسين ترجمة لأولئك العالمات والشيخات الفاضلات من نساء مكة ممن وفدن إليها وأقمن بها.52

وتاريخ الإسلام ملـيء بـالمسلمات الــلاتي تبوّأن الحكم أو مـارسن العمل الإداري، منهن السيدة لبنى التي عيّنها الخليفة الحكم بن عبد الرحمن الناصر على رئاسة ديوانه، وكانت تتولّى كتابة رسائله إلى الولاة والمسؤولـين، إلى جــانب كتمان أسراره وإدارة أعمـــاله، وقد اشتهرت بالبلاغة والشعر والعلوم والفنون53. والملكة أروى بنت أحمد، زوج الملك الأكـرم، التي امتد حكمها في اليمن نحواً من أربعين سنة في أواخر القرن الخـامس الهجري،54 وقد أُلّفت عنها الكتب وأعدّت رسائل جـامعية تبحث في إنجـازاتها العلمية والإدارية والسيـــاسية، والسيدة ضيفـة خـاتون، التي تــولّت الحكم في حلب سنة 634 هـ بعد وفاة أبيها الملك العزيز، وهي ابنة أخ السلطان صلاح الدين الأيوبي، وظلّت في الحكم ست سنين.55 وفـاطمة بنت الحسن بن محمد علي ملكة صنعاء في اليمن، والتي استولت على صعدة ونجران.56 وصفوة الدين باديشاه بنت قطب الدين، سادس ملوك الدولة التطـفـلية، ملكة كـرمان.57 وهناك ملكتان في الهند تولتا الحكم أثناء الحكم الإسلامي، هما سكندر بيكم وشاه جيهان،58 وذلك إلى جانب الإمبراطورة نور جهان، التي حكمت شمال الهند سنة 1620 ميلادية، وكان اسمها منقــــوشاً على النقود الهندية، واشتهرت بحـزمها ورجاحة عقلها وحسن إدارتها لشؤون دولتها السياسية والعسكرية.59 وفي إندونيسيا تولّت الحكم عدة نسوة بين عام 1641م وعام 1688م، منهن صفية الـــدين تاج العـالـم60، ونقية شاه، وعنايت شاه، وكمالت شاه61.

والكتابة عن دور المرأة في العصور الـلاحقة للعصر النبوي تستغرق حيزاً ضخماً لو أردنا أن نوفي المـــوضوع حقّه، وما سبق أن أوردنا من أمثلة تعطي القارئ صورة حقيقية تصدّ هجمة المتزمّتين الذين يريدون أن تبقى المرأة حبيسة دارها، محرومة من أداء دورها الذي أراده اللّـه لها.

*   *  *  *

ثـالثـاً: المرأة في نطاق الزوجية ومقارنتها بالـرجل

إن دراسة وضع المـرأة كزوجة يثير الكثير من التساؤلات إذا قورن مـركـزها بمـركز الـرجل. وسوف أتطـرّق في هذا الباب إلى إبرام عقد الزواج، ويــدخل في ذلك زواج المسلم بـالكتابية مع منع زواج المسلمة بــالكتــابي، وحقوق كلّ من الـزوج والـزوجة، ثم قضية تعدّد الـزوجات، وأخيراً أحكام الطلاق.

والـزواج في فلسفة التشريع الإسلامي فطرة إنسانية، يتّسع معناها ليشمل كل جوانب الفطرة ويتعدّى «الغــــريزة الجنسية» أو «غــــريزة الـوالـدية»، ويقول اللّـه تعالى:﴿ومن كلِّ شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكّرون﴾ (الذاريات: 49)، فالـزوجية تشمل الإنسان والحيوان والنبات والجماد، فهي سُنة كونية لا نعلم مداها ولا نعرف كنهها.

وبالنسبة لـلإنسان يقول تعالى: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾(الروم: 21)، ومن هـذه الآية الكـريمة نستخلص ثلاثة معانٍ: المـعـنى الأول: أنه خلق لنا من «أنفسنا» أزواجاً، فـالجـوهر واحد وهو «أنفـسنا»، ولكنـه انقسم إلى جـزأين أي زوجين. والمعـنـى الثـاني: هو «السّكن»، أي سكن الأزواج إلى الـزوجات، أو العـكـس أي سـكن قسم إلى القـسم الآخـر ﴿لتسكنوا إليها﴾. والمعـنى الثـالـث: هو ثمرة الزوجية في قوله ﴿وجعل بينكم مودةّ ورحمة﴾.

وذلك هو مفهوم الـزواج في الإسلام، فالعلاقة بين الزوج والزوجة هـي عــلاقة الواحد منهما بلباسه الـذي يستر عـورته ويقيه برد الشتاء وحر الصيف، ﴿هن لباس لكم وأنتم لباس لهن﴾ (لبقرة: 187).

والعلاقة بين الزوجين لا تُبنى على الغـريزة الجنسية أساساً لها، كما قد يظنّ البعض، فالسّكن الذي جاء ذكره سابقاً في الآية الكـريمة هو سكن روحي كما قال الإمام فخر الـدين الـرازي في التّفرقة اللغوية بين عبارة سكن إليه لـلسـكون القلـبي والـروحي وسكن عنـده لـلسكـون الجسمـاني،62 والآية الكـريمة تقول ﴿لتسكنوا إليها﴾. ويتّـضح هذا المعنى عـند كبـار السـن من الأزواج عنـدما يعانـون من وهـن الشيخـوخة وضعف الجنس، ومع ذلك يزداد ترابطهما وتقوى أُلفتهما.

والـلذة الجنسية التي تأتي مع الـزواج ليست هدفاً في حد ذاتها على الرغم من أهميتها، بل هي وسيلة للتكاثر الذي يبقي الجنس البشري. ولذلك فقد قال المفسرون لقوله تعالى: فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم (البقرة: 187)، أي ابتغوا ما كتبه اللّـه لكم من النسل.63 وتحت مظلة هذا المفهوم الإسلامي للـزوجية، ينبغي علينا النظر إلى أحكام الزواج والعـلاقات الزوجية، ونحن لا ننكر أن كثيراً من المسلمين تغلّـبت عليهم غـرائـزهم، وحجبتهم عن الفهم الصحيح للعلاقة الـزوجية، وأن كثيراً من آراء الفقهاء تأثّرت بالأعراف السائدة قبل الإسلام.

أ – إبـرام الزواج

والـزواج عقد يتمّ بالإيجاب والقبول، كما سوف نـرى، ويسبق ذلك اختيار الـزوجة واختيار الـزوج. والمرأة تنكح عادةً وتختار لتكون زوجاً، إما لمالها أو حسبها أو جمـالها أو دينها، وينصحنا عليه الصلاة والسّلام بقـولـه: «اظـفـر بذات الـدين تـربت يداك».64 أما التي تنكح لجاهها فـقد قال عليه الصـلاة والسّلام: «من تـزوّج امـرأة لحسبها لـم يـزده الله إلاّ دنـاءةً»65 والمـرأة الجميلـة ذات الحسب التي لا تلد، لا تصلح كي تكون زوجة لو أحسن الـرجل الاختيار، فالـرجل الذي جاءه ص قائـلاً: «إنـي أحببت امـرأةً ذات حسب وجمال وإنها لا تلد، أفــأتزوّجـها؟». فقال له عليه السلام: «لا»، وجـاءه ثانية وثالثة، فقال له عليه الصلاة والسّلام في المرة الثالثة: «تزوّجـوا الـودود الولـود فإني مكاثر بكم»66.

أمـا بـالنسبة لاختيار الـزوج فــالمعيار هو الأخـلاق والـــدين، وليس الحسب والمال، ويقول عليه الصلاة والسّلام: «إذا جاءكم من تـرضون دينه وخلقه فزوّجوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»67.

والـزوجة – على عكس ما كان ســائداً في الجــاهلية – لها الكلمة الفصـل في اختيار زوجها، فقد قال عليه الصلاة والسّلام: «لا تُنكح الأيم حتى تُستأمـر، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن»68. ولأن طبيعة البنت البكر العربية آنذاك. الخجل فإن إذنها صماتها، ولكنها إن رفضت لا يصح تزويجها ويرد زواجها، ولقد زوَّج خنساء بنت خدام أبـوها وهي ثيب، فكرهت ذلك وأتت رسول اللّـه ص، فردّ زواجها.69 وقد جاءت فتاة بكر إليه عليه الصلاة والسّلام تشكو أباها الذي زوّجها وهي كارهة، فخيَّرها عليه الصلاة والسّلام في إبطال العقد أو إمضائه،70 ومثلها البكر التي جاءت تشكو إليه عليه الصلاة والسّلام أن أباها زوجها ابن أخيه ليـرفع خسيسته، فجعل الأمـر إليها إن شاءت أقرّت عمل أبيها، وإن شاءت أبطلته، فقالت: «قد أجـزت ما صنع أبـي، ولكني أردت أن أُعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمـر شيء»71، وقد قال عليه الصلاة والسّلام: «ليس للـولي مع الثيب أمـر».72

وقد أباح الإسلام للـرجل المسلم أن يتزوّج كتابية، ولكنه حرَّم ذلك على المرأة المسلمة، فلا يحقّ لها الـزواج من كتابيّ، وقد يظنّ البعض أن هذا ضرب من ضروب عدم المساواة بين الـرجل والمرأة، ولكن الإسلام الذي يـركّز على ثمرة الـزواج وهي النسل، يحـرص على تنشئة الأولاد كمسلمين، ولما كان الولد يتبع أباه في دينه فقد حرَّم زواج المسلمة من كتابيِّ، حتى لا تلد مـولوداً يُنشّأ على غير دينها. وفي الوقت نفسه فقد حرَّم اللّـه على الزوج المسلم أن يكره زوجته الكتابية على تغيير دينها واعتناق الإسلام، إلاّ أن المسيحية واليهودية لم تتّخذا هذا الموقف من الإسلام، ولــــذلك ففي منع المرأة المسلمة من زواج الكتابيِّ حماية لعـقـيـدتها، لذلك فاختلاف الحكم في إباحة الـزواج من كتابية، وتحـريم الزواج من كتابـيِّ، لا يعني انعدام المساواة بين الرجل والمرأة، وإنما يعنـي حماية النسل من جهة، وحماية دين المرأة المسلمة من جهة أخرى.

وبعد أن يتم الاختيار، وبمـوافقة الـزوجة، يتم إبـرام عقد الـزواج بأركانه المعروفة، وهي الإيجاب والقبول، وعلى هذا انعقد الإجماع، ومن المذاهب الفقهية الإسلامية من يوجب إتمام الزواج بولي وشاهدين. إلاّ أن الحنفية يـبيـحون للمرأة أن تباشـر عقد الـزواج بنفسها، كأن تقـول للـرجل: زوجتك نفسي، فإذا رد عليها بالقبول انعقد الـزواج.73 واستـنـد الحنفـية إلى حـــديث «الثيب أحـقّ بنفسها من وليها»74. واختلفت المـذاهب بـــالنسبة لإعلان الـزواج، والكل أوجبه، والجمهور يرى أن الشاهدين يحلاًّن محل الإعلان.  والصداق واجب، وهو حقّ من حقوق المـرأة لا يستطيع الولي أن تمتدّ يده إليـه.

ب – الحقوق والواجبات

فإذا انعقد الـزواج تـرتّبت عليه حقوق للطــرفين، الزوج والزوجة، وحقوق الـزوجة هي النفقة وحسن المعاشرة  .وبالنسبة للنفقة فإن الزوج ملزم بنفقة زوجته، يعدّ لها المسكن والمتاع ويـوفّـر لها الطعام والشـراب والكسوة، ويقـول عليه الصلاة والسّلام في الحديث الذي رواه مسلم وأبو داوود: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف». ويقول اللّـه تعالى بالنسبة للسكن: ﴿اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم﴾ (الطلاق: 9)، ويقدّر التزام الـزوج بما سبق حسب قدرته المالية، لقولـه تعالى:﴿لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقة فلينفق مما  آتاه الله﴾ (الطلاق: 7)، ولو قصّـر الموسر في الإنفاق على زوجته بأطايب الطعام وأجمل الملابس وأحسن السكن، حكم عليه بذلك  . والتزام الـزوج بما سبق، التزام مطلق حتى لو كانت الزوجة ثرية ذات مال، وليس للزوج أن يحتجّ بثروتها، وليس له أن تمتدّ يده لينال من تلك الثــروة  . أما بالنسبة لحسن المعاشرة فقد قال تعالى: ﴿وعاشروهن بالمعروف﴾ (النساء: 19)، وقال: ﴿ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن﴾ (الطلاق: 6)، ويقول عليه الصلاة والسّلام: «خياركم خياركم لنسائهم»،75 وقال: «خيـركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهـلي».76 ومن أقوال الإمام الغـزالي: «ليس حسن الخلق مع المرأة أن تكفّ عن الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها وغضبها»،77 ومن حسن العشرة ترك التجسّس على الـزوجة وتتبع عثراتها وسوء الظـنّ بها، ففـي حـديث جـابر رضي الله عنه عن رسول اللّـه ﷺ «نهى نبي اللّـه ﷺ أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخوّنهم أو يطلب عثراتهم».78 والتخوّن هو الظن بوقوع الخيانة، وأن يطرق الرجل أهله ليلاً أن يفاجئها ليكتشف عثراتها، فحسن الظن بالزوجة وإشعارها بالثقة فيها ضرب من ضروب حسن المعاشرة التي يأمر بها الإسلام. هذا وإن من حقوق الزوجة أيضاً العدل، إذا كان لزوجها زوجة غيرها. 

أما حقوق الزوج على زوجته فطاعته إذا دعاها لفراشه، وأن تحفظه في مـاله وفي نفسها إذا غاب عنها. وفي خطبة الوداع قال عليه الصلاة والسّلام: «إن لكم على نسائكم حقّاً... ولنسائكم  عليكم حقّاً... فأما حقّكم على نسائكم، فلا يـوطـئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهـون».79

وللزوج حقّ تأديب زوجته إذا كانت ناشزاً، كان تأذن في بيته لمن يكره، أو تــوطئ فـــرشه من يكره، أو تــأتي بفـــاحشة مبينـة. ويبدأ التأديب بالــوعظ والهجر في المضــاجع ثم الضرب. وقضية الضرب حسّــاسة وهـــامّة، وهي وإن كــانت معروفة ومـــوجودة في المجتمعات الغـــربية المتحضِّرة فلا يصح أن توجد في مجتمع مسلم إلاّ في حالات نادرة، وهـيالنشـوز بمفهـــومه الشـــرعي نصـاً وروحاً. ولا يجوز الضـرب لاختلاف الـرأي بين الـزوجين إذا تشاورا واختـلفـا، ولا يجوز أن يكون الضـرب لـلإيذاء أو الإيلام، كالضرب بالعصا أو لطم الـوجه. والإنسان الكامل لا يرضى لنفسه أن تمتدّ يده على زوجته، فرسول اللّـه ص لم يضرب امرأة قط، بل إنه لم يشتم أحداً أبداً. وحق تأديب الـزوج لـزوجته يقابله عند المالكية حق الزوجة في تأديب زوجها، بأن تطلب من القاضي ذلك إذا لم يعاملها زوجها بالمعروف. وعلى القاضـي أن يعظه، فإذا لم يفده الوعظ حكم القاضي للزوجة بالنفقة، ولا يأمر له بالطاعة وقتاً مناسباً، وذلك لتأديبه، وهو مقـابل الهجر في المضـاجع، فإذا لم يُجدِ ذلك في الـزوج حكم عليـه بالضرب بالعصا.80 ويـرى الشيخ محمد أبو زهرة – رحمه  اللّـه – أن يؤخذ بـرأي المالكية في قوانين الأحوال الشخصية في الدول الإسلامية منعاً لشطط الرجال في إساءة معاملة الزوجات.81 هذا وإن خدمة البيت والأطفال ليست حقّاً من حقوق الـزوج وليست واجباً على الزوجة.

وفي داخل الأسرة أعطى الإسلام للـزوج القـوامة، ويظن كثير من المسلمين المعاصـرين (الذين يتّخذون من موضـوع المرأة موقفاً معروفاً يضعها في مركز أدنى بكثير من مركز الرجل)، أن القوامـة هي السلطة والـرئاسة والأمر والنهي، والواقع أن القوامة هنا تعني التكفّل بالأمر من النفقة والكسوة وغير ذلك. ويقول القاضي عبد العزيز بن البراج في تفسير قوله تعالى ﴿الرجال قوّامون على النساء﴾ (النساء: 34):–  «يعني أنهم قـوّامون بحقوق النساء التي لهن على الأزواج»82.

ويقول علمـاء اللغة بأن (قَوَّمَ) لا ينحصر معناها في الولاية وسلطة الأمـر والنهي، بل تأتي بمعنى الإصلاح والـرعاية والكفالة. ويقول ابن منظور في لسان العرب عن ابـن بري أنه قال: وقد يجـيء القيام بمعنى المحـافظة والإصلاح، ومنه قولـه تعالى﴿الرجال قوّامون على النساء﴾، وقوله تعالى ﴿إلاّ مادمت عليه قائما﴾ (آل عمران: 75)، أي مـلازماً محافظاً.83

ويقول القـرطبـي في تفسيـره: الرجال قوّامون على النساء «أي يقـومون بالنفقة عليهن والذبّ عنهن»84.

وقيام الـزوج بهذه المسؤولية لا تعني أن الذكورة أفضل من الأنوثة، وأن المساواة قد انعـــدمت، فالإسلام يسوّي بين الــــذكر والأنثى في كل الأمـور من حيث المبدأ، ويقول تعالى ﴿فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض﴾ (آل عمران: 195)، ويقول ﴿من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياةً طيبة ولنجزينهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾ (النحل: 97)، ويقول ﴿ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً﴾ (النساء: 124).

وإذا ولّـى الإسلام شخصاً ما أمـراً وكلّفه بمسؤولية، فلا يعنـي ذلك أنه أفضل من غيره، ورضي اللّـه عن الصـــديق حين قال: « لـقد وُلِّيت عليكم ولست بخيـــركم»85. والإسلام ولّـى الـزوج مسؤولية القوامـة في الأسرة، وما جعله بذلك خيراً من الزوجة، وهو إذ يمارس مسؤولياته فإنه يفعل ذلك مع زوجته عن تراضٍ وتشاور بينهما.

جـ - تعـدّد الزوجـات

جاء الإسلام إلى مجتمع كان التعدّد فيه من الظواهر المألوفة، ليس له حدود ولا توضع عليه أي قيود. وكان العربي يمارس الجور والظلم مع نسائه، في الوقت الذي يتحـرّج فيه من ولايته على اليتامى مخافة الجور عليهم في أمـوالهم، ثم نزلت الآية الكريمة ﴿وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم﴾ (النساء: 3)، فأصبح واضحاً أن الآية جاءت لتحـديد التعدّد، والتضييق فيه، والتحـــذير منه ولم تأت لتفتح الباب على مصراعيه لإشباع الرغبات، وتلبية نداء الشهوات، وهو ما سوف نبيِّنه إن شاء اللّـه. ويـروي الطـبري عن ابن عباس وسعيد بن جبـير وقتـادة والسدي وغيرهم «أن القوم كانوا يخافون الجور في أموال اليتامى، ولا يخافون الجور في النساء، فقيل لهم: كما خفتم ألاًّ تعدلوا في اليتامى فكذلك خـافوا في النساء ألاًّ تعدلوا فيهن»86، هذا ويظن البعض أن العدل هو في الأمـور المـادية فقط، والواقع أن العدل يشمل الأمـور الوجدانية، فقد نقل الـطبي عن الضحاك وغيره في تفسير قـوله تعالى: ﴿فإن خفتم ألاّ تـــعدلوا فواحدة﴾ أن ألاّ تعدلوا «في الميل والمحبة والجماع والعشرة، والقسم بين الزوجات، فمنع من الزيادة التي تؤدي إلى ترك العدل في القسم وحسن العشرة، وذلك دليل على وجوب ذلك»87، ومـرادهم بالميل والمحبة وما يترتّب عليهما من الملاطفة وفعل ما يدخل السرور على القلب.

والقرطبي والضحاك والطبري والزمخشري، ومن قبلهم ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي وقتادة وغيرهم، يرون الآية «تمنع من الزيادة التي تؤدي إلى ترك العدل .. الخ»88، ويرى الطبري أنها بمعنى الدلالة على النهي عن نكاح ما خاف الناكح الجور فيه من عدد النساء89. مما سبق يتّضح أن التعدّد تحيط به مخاوف دينية تحذر المسلم المؤمن المتديّن، لتقول له إن الطريق الذي يسلك في التعدّد مخيف يجب الحذر منه، كما أن التعدّد له حدود يجب أن نبصرها قبل أن نتعدّاها وهي كثيرة منها: امتناع التعدّد إذا كان يؤدّي لضيق المعيشة، وهذا عامل اقتصادي يجب مراعاته لمن يرغب الزواج بأكثر من واحدة. وسند هذا الرأي قوله تعالى: ﴿ذلك أدنى ألاّ تعولوا﴾ (النساء:3)، أي ألاّ تفتقروا، فالرجل إذا قَلَّ عياله قلّت نفقاته ولم يفتقر. ويقول الإمام الشافعي في تفسير ذلك الجـزء من الآية: «معناه أدنى ألاّ تكثر عيالكم»90، وهناك من المفسّـرين من يقول بأن عَالَ تعني مَالَ  وجَالَ، وفسّـروها بأن ذلك أدنى ألاًّ تميلوا وتجوروا، ولكن هذا التفسير يؤدّي إلى تكرار  المعنى في الآية: فإن خفتم ألاّ تعدلوا و ذلك أدنى ألاّ تعولوا، ولهذا رجَّح الفخر الـرازي رأي الشـافعي لاتّقاء التكرار91. ورأّيُ الشافعي مسبوق برأي سفيان بن عيينة92وإمامين آخرين من علماء المسلمين هما زيد بن أسلم وجــــابر بن زيد93. ويضاف إلى ذ-لك أن طـاووساً وطـلحة بن مصـرف كانا يقرآن ذلك أدنى ألاّ تــعيلوا94، فإذا كانت هذه قراءة معتمدة فهي من باب أولى تفسير للآيـة.

ويكـفينا الإمام الشافعي حجةً على هذا الـرأي، فهو الذي تربَّـى في البـادية وأصبح مصـدراً للعلماء في مادة اللغة العربية، يعتد برأيه دون جدل95.

ومن القـيـود التي ترد على التعدد، أنه يباح للضرورة فقط، ولكي تتضح الصورة نعود إلى نصوص التعدد في الكتاب المبين، إذ يقول تعالى: فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة ، ثم يقول: ﴿فلا تميلوا كل الميل﴾، وذلك عقب قوله: ﴿ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم﴾ (النساء:129). ومعنى النص الأول، فإن خفتم أن تظلموا فاكتفوا بزوجة واحدة، والظلم حرَّمه اللّـه على نفسه، وحرّمه على عباده، ففي الحديث القدسي «يا عبادي، إني حـرّمـت الظـلـم على نفـسي، وجـعـلـته بينكم مـحـرّماً، فلا تـظـالمـوا»96، ومعنى الخوف في الآية هو الظن، فيقـول القـــــرطبي: «إن خفتم: إن ظننتـم»97. ولـذلك فإن من أراد الـزواج بأخرى لا يقدم على الزواج أولا ثم ينظر في حاله فإن ظن ألاّ يعدل طلق واكتفى بواحدة، فالآيـة تقضي بمنع الـزواج من ثانية إذا ظن أن دواعي الظلم سوف تغلبه.

أما الآية الثانية في قوله تعالى: ﴿ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل﴾ فإن اللّـه يرخص لنا في بعض الميل لا في كل الميل، أو بمعنى آخر في بعض الظلم لا في كل الظلم، والسؤال هنا هو أنه ما دام الظلم محرّماً فما هي المصلحة في الترخيص ببعضه؟

وأحكام الشرع وأوامـره تعـالى قـائمة على تحقيق المصـلحة، وهنا نتساءل عن المصلحة التي اقتضت هذا الاستدراك؟ هل هي للتوسعة على الذوّاقين الذين يريدون إشباع رغبات البدن؟ والجواب يــــأتي في قـوله ﷺ: «إن الله لا يحب الذوّاقين ولا الذوّاقات»98، وهو حديث – وإن ضعّفه البعض – إلا أنه يعكس روح الشريعة، ولـذلك فإنناَّ نبحث عن الضرورات التي أباحت بعض الظلم وأباحت الزواج بأكثر من واحدة.

وقد يــدلّنا البحث إلى الــرجل الذي ينشد الذريّة، وثبت طبياً أن زوجـه عاقر، كما يدلّـنا إلى زوج مـرضت زوجته مـرضاً لا يرجـى برؤه، والـزنا محـرّم في الإسلام. وقد تكون الزوجة شاذة ولها طبع سلبـي لا يألف الرجال ولا ترغبهم، فيكون الزوج أمام أمـرين: إما طلاقها وقد يكون في ذلك تشريدها، أو الزواج من أخــرى.

وقد يجـــرنا البحث عن الضـرورات التي تبيح بعض الظلم وتبيح الزواج بأكثر من واحدة إلى أسباب عامة تكون عادةً مؤقتة في مجتمع من المجتمعات، كأن تقضي الحروب على عدد كبير من الرجال، فتختل النسبة بين الــرجال والنساء بحيث يزداد عددهن كثيراً وتسدّ أبواب الزواج في وجوه أكثرهن. كما أن الحروب تنقص تعداد الأمم ولولا تعدّد الزوجات في عصور الفـتـوحات لما كثر النسل وزاد عدد المجــاهدين، ولأكلت الحروب معظم المسلمين. ويقال إن هتلر فكَّر في إباحة الـزواج من اثنتين لضمان قوة الشعب الألماني، كما ورد في وثيقة بخط يد نائبه مـارتن بورمان كتبها عام 1944م.99 ومع ذلك فهذه حالات عامة نادرة، فـنحن نعـيش الـيوم ظـروفاً مغايرة تدعو إلـى تحديد النسل، ومحـاربة النمو السكاني الذي يضر بالنمو الاقتصادي.

د – الطـلاق والحـضـانة

الطلاق من الأمور التي فرّق الإسلام فيها بين المرأة والرجل، إذ جعله في يد الأخير إلاَّ إذا اشترطت المرأة في عقد الزواج أن تكون العصمة بيدها، أو إذا لجـأت إلى القاضي للحصول على طلاقها.

والإسلام لا يرضى مع ذلك أن يكون الطلاق حقاً مطلقاً للرجل، بل أحاطه بـالقيود الدينية والقيود الشرعية، فيقول عليه الصلاة والسّلام: «أبغض الحـلال إلى الله عز وجل الطلاق»100، وفي رواية «ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق»101، وفي الحـديث أيضاً «تـزوجــوا ولا تطـلـقـوا فإن الله لا يحب الـذوّاقين والـذوّاقات»102، واستـشهد به الجصـاص في أحـكام القرآن103. وهـي أحاديث – رغم أن البعض ضعّفها - فإنها تؤكد الغرض الأساسي للزواج، وإشباع الـرغبة الجنسية قد يكون هاماً ولكنه ليس أساساً.

وليس للــرجل أن يطلّق زوجته إذا كره منها خلـقاً، إذ يقـول عليه الصلاة والسّلام: «لا يفـرك مـؤمن مـؤمنة إن كـره منها خلقـاً رضي منها آخر»104. والفرك لغة هو البغض.

     ومـع ذلك تتّسع دائـرة الخـلاف بين الـزوجين ويسود الشقاق، ويـرى الـزوج أن الطلاق هو المخرج من ذلك الخلاف والشقاق، وفي هـذهالحالة فإن الإسلام قد فرض خطوة تسبق الطلاق، فيرى بعض الفقهاء كصاحب المغـنـي أن الحاكم يفحص الأمـر، فإن كان نشوزاً من الزوجة فقد عرف أمـره، وإن كان نشوزاً من الزوج أسكنها بعيداً عنه حتى يمنعه من الإضرار بها. أو أن يفلرق بينهما تحت رعـاية من يشرف عليهما ويلزمهما الإنصاف، فإن فشل وتمادى الشرّ بينهما بعث الحاكم حكماً من أهله وحكماً من أهلها.105 واختيار الحكمين قد يكون من الحاكم أو من الأهل والعشيرة.

ويقول اللّـه تعالى﴿وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، إن يريدا إصلاحاً يوفِّق الله بينهما، إن الله كان عليماّ خبيرا﴾ (النساء:35)، فإذا أسفر التحكيم عن الصلح والإصلاح فنعمّا هي، وإلاّ فالطـريق بعد ذلك يؤّدي إلى الطلاق، ومع ذلك فهو لا يطلَقَ فوراً، فاللّـه تعالى يقول ﴿يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن﴾(الطلاق:1)، والعدة هي ألاًّ يطلقها وهـي حائض أو في طهر جامعها فيه، وقد أمـر عليه الصلاة والسّلام عبد اللّـه بن عمـر رضي الله عنه بإرجـــاع زوجتــه التي طلّقـهـا وهـي حائض، وقــال: «لـيـراجعها ثـم يمسكها حتى تطهر وتحيض فتطهير، فإن بدا له أن يطلّقها فليطلّـقها قبل أن يـمسّها فتلـك هي العـدّة التي أمـر الله بها عز وجل في قـولـه ﴿فطلّقوهن لعدتهن﴾.106 ويـرى الصنعاني في سبل السلام أنه لا يطلّقها إلاًّ في الطّهر الثاني دون الأول107، وهذه مدّة تـزيد على الشهر، قد تبدو خلالها من الأسباب ما يثنيه عن الطلاق.

وقد اختلف الفقهاء في حكم من طلّق خلافاً لما سبق ذكره، وقسّـمـوا الطـلاق إلى طـلاق البـدعة وطـلاق السنة، والأخير هو ما يتـمشـى بما سبق ذكره، والبدعي ما خالف ذلك.

ويرى بعض الفقهاء أن البـــدعـي من الطـلاق يقع وإن كان حـراماً يعــاقب من أوقعه، ويقول الآخرون إنه لا يقع، ويستــدلّون على رأيهمبـالتحذير الـوارد في آية الطلاق في قولـه تعالى ﴿تلك حدود الله ومن يتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه، لا تدري لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً﴾ (الطلاق:1)، كما استـدلـوا بما أخـرجه أبو داوود «طلّـق عبد اللّـه بن عمـر امـرأته وهـي حـائـض، قـال عبد اللّـه بن عـمـر رضي الله عنه: فــردهـا علـيَّ رسول اللّـه ولـم يـرهـا شيئاً»108، وقد روى ابـن حـزم بـإسـناد صحيح عن ابـن عمـر رضي الله عنهأنه سئل عن الـــرجل يطـلّق امـرأته وهـي حـــائض، فقال لا يعتد بطلاقه.109

ومن العـلـماء الــذين قـالـوا بعـدم وقوع الطلاق علـماء الشيعة110 والإمـام ابن تيمية111، كمـا قال به الشـــوكــــانـي في نـيل الأوطار112والصنعـاني في سبل السلام113، وحجتهم أن اللّـه حرم الطلاق البدعـي، فهو ليس من إذنه ولا من أمـره، ويقول عليه الصلاة والسّلام: «مـن عمل عملاً ليس عليه أمـرنا فهو ردّ»114. ومثل هذا الطلاق منسوب للبدعة، وكل بدعة ضلالة، والضلالة لا تدخل في نفوذ حكم شرعي، ولا يقع بها فهي باطلة.

وبعد ذلك فإن الرجل يطلّق طلقة واحدة، وعندئذ تدخل الـزوجة في وضع جـديد، فلا هي زوجة ولا هي أجـنبية عن زوجهاً، إذ من حقّها أن  تبقى في الدار معه، لقوله تعالى﴿واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن﴾ (الطلاق: 1)، وذلك طيـلة مدّة العدّة، وهـي ثلاث حيـضـات أو ثــــــلاثة أشهر، ولها أن ترثه أثناءها إن مات أو يرثها إن ماتت، وله أن يـردّها قبلانقضاء العدة حتى بدون رضاها، لقوله تعالى﴿وبعولتهن أحقّ بردّهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً﴾ (البقرة: 288)، ويجب أن يشهد على الـرجعة اثنان من ذوي العدالة، لقوله تعالى ﴿وأشهدوا ذوي عدل منكم﴾ (الطلاق:2).

فإذا انتهت العدة انتهت معها الزوجية، ولا تعود إلاّ بعقد جديد. ولو عادت إليه بإرادتها وبعقد جديد فله أن يطلّقها بالأسلوب نفسه مـرة ثانية، وتستري عليها الأحكام ذاتها، فإن عادت إليه بإرادتها وبعقد جديد وطلّقها في المـرة الثــالثة لم يكن من حقه ردّها، وتكون بــائنة عليه لا يستطيع الزواج منها إلاّ بعد أن تنكح زوجا غيره.

وقد كان الطلاق في عهد رسول اللّـه ص وخـلافة أبي بكر وصدراً من خــــــلافة عمر الثلاث بواحدة، حتى رأى ابن الخطاب أن الناس قد استعجلوا أمـراً كانت لهم فيه أناة، فأراد معاقبتهم، فأمضاه عليهم.115 وقد أخـذ بـرأي عمـر بن الخطاب رضي الله عنه فـقـهاء المذاهب السـنية إلاّ البعض، مثل الإمام ابن تيمية الذي اعتبر الثلاث بواحدة،116 ولـم يأخذ به بالطبع فقهاء الشيعة117، ومن العلماء من يقول أن الطلاق بالثلاث لا يقع أصلاً118.

ومـن أحـكام الطـلاق أن طـلاق الإغلاق لا يقع، فمـن طـلّق وهو غضبان فطلاقه غير ملزم، لقوله عليه الصلاة والسًّلام: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق»119، ومثل ذلك الحلف بالطلاق فهي يمين لغو، لا ينعقد بها طلاق، وبذلك قال جمهرة السلف، وذهب بعض الأئـمة بأن الحلف بالطلاق يمين شرعية، فإن كان حانثاً فعليه الكفّارة ولا يقع الطلاق.ونعود مرة أخرى إلى حقّ المرأة في الطلاق، وهو كما أسلفنا إما أن تكون بيـدها لبغصمة أو تطلب ذلك من القاضـي الذي يحكم بالخلع. وهو أن يفـرّق القاضي بين الزوجين بطلب الزوجة، شريطة أن تدفع للزوج مقابـلاَ اختلف العلماء في قدره، فمنهم من قال يأخذ ما دفعه لها فعلاً من مـهر وهـدايا، ومنهـم من أجــاز أخذ أكثـر من ذلك. ودليـل الخلع من الكتاب قوله تعالى ﴿ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلاّ أن يخافا ألاَّ  يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت بـــه﴾ (البقرة: 299). وأول خلع في الإسلام كان بين جميلة بنت سلول التي تزوّجت ثابت بن قيس، فرفعت يوماً جانب الخباء فرأته مقبلاً في عدة رجال، فإذا هو أشدّهم سواداً، وأقصرهم قامةً، وأقبحهم وجهاً، فوقع في قلبها النفور منه. قال ابن عباس فأتت رسول اللّـه ﷺ فقالت: «واللّـه ما أعتب عليه في دين ولا خلق، ولكني وأكره الكفـر في الإسلام لا أطيقه بغضا»، فقال لها النبي ﷺ: «أتردّين عـليه حـديقته؟»، (وكانت تلك الحديقة هي المهر الذي أخذته منه)، قالت: نعم، فأمره رسول اللّـه ﷺ أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد».120

وهذا الحديث هو الأصل في أحكام الخلع، وأخذ به جمهور الفقهاء، ويقـول الإمام مــــــالك: «لـم أزل أسمع ذلك من أهل العلم، وهو الأمر المجتمع عليه عنـدنا، وهو أن الـرجل إذا لـم يضر بالمرأة ولم يسيء إليها، ولم تؤت من قبل، وأحبت فراقه، فـــإنه يحل له أن يـأخذ منها كل ما افتدت به، كما فعل النبي ﷺ في امرأة ثابت»121،ويقول ابن قدامة في المغـنـي: «وجملة القول أن المرأة إذا كـرهت زوجها لخـلقـه أو خـلقـته، أو ديـنه، أو كبـره، أو ضعـفه، أو نحو ذلك، وخشيت ألاَّ تؤدي حقّ اللّـه في طاعته، جازز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه، لقـولـه تعـالـى ﴿فإن خفتم ألاّ يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به﴾»122.

وللقاضي أن يختبر جدية أسباب الخلع كما فعل ابن الخطاب رضي الله عنه حين جاءته امـرأة تطلب الخلع، وكـانت فيما يظهر من بيئة الــرعاة، فوضعها ليلة في مكان قذر، فلما أصبحت سألها: كيف وجدت مكانك؟ فقالت: «واللّـه يا أمير المؤمنين ما وجدت ليلة منذ كنت عنده أقر لعينـي من هذه الليلة»، فما كان من عمررضي الله عنه إلاّ قال للـرجل فوراً أخلعها ولو من قرطها،123 أي فارقها ولو بقرطها الذي تلبسه.

وقد يتساءل البعض، لِم يطلق الزوج دون مقابل بينما تحتاج المـرأة إلـى أن تفتدي نفسها؟ والجواب على ذلك واضح، فـالـزوج يـدفع المهر والهدايا، وليس من العدل أن تأتي المرأة فتطلب الطلاق منه لأنها تكرهه دون سبب.

هذا وإذا أراد الزوج بسـوء تصـــرّفه مع زوجته أن يحـملها على أن تـفـتدي نفسها منه بأن ترد له ما أعطاها، فإنه يكون بذلك ظالماً، ولا تحتاج المرأة إلى أن تفتدي نفسها، بل تلجأ إلى القضاء وتطلب الطلاق للضرر، فيطلّقها القاضي منه طـلاقاً بائناً دون أن يلـزمها بـدفع ما تفتدي به نفسها.

فإذا تمّ الطلاق وأصبح بائناً وكان للزوجين أولاد فيرى الشافعي أن حضانة الأولاد ذكوراً أو إناثاً تكون لـلأم حتى سن التمييز، ويجعل أبو حنيفة حق التخيير للولد، وأما البنت فأمها أحقّ بحضانتها حتى تحيض، ومالك يجعل حضانة الولد والبنت معاً لـلأم، أما الولد فيظلّ في الحضانة حتى سن الخامسة عشرة، وأما البنت فحتى تتزوّج ولو كانت كافـرة.124والظاهر أن موضوع الحضانة أمر مـرده اجتهاد الفقهاء، والـدليل فيه من السنـة هو حـــديث أبي هـريرة عن المرأة التي جاءته عليه الصلاة والسّلام وقالت له: إن زوجي يريد أن يذهب بابني هذا وقد سقاني من بئر أبي عتبة ويعينني، فقال عليه الصلاة والسّلام للصغير: «هذا أبوك وهـذه أمّك، فخذ بيد أيهما شئت»، فـأخذ بيد أمّه فـنطلقت به125. والحـديث الآخر عن المرأة التي جاءت بابنها إلى رسول اللّـه ﷺ تقول له: «يا رسول اللّـه، إن ابني هذا كان بطنـي له وعاء، وحجري له حواء، وثدي له سقاء، وإن أباه طلّقنـي وأراد أن ينــزعه منـي»، فقال لها رسول اللّـه ﷺ: «أنت أحقّ به ما لم تنكحي»126. ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت له زوجـة من الأنصار أعقب منها ولداً أسماه عاصـماً. ولكن لم يوفق في زواجه منها فطلّقها، فرأى ولده تحمله جدته أم أمه، وأراد أن يـأخذه منها، فتنازعا إلـى أبـي بكر الصـديق، فأبـقـاه في يـدها، وقال للفـاروق: «ريحها وفـراشها وحـــرها خير له منك حتى يشبّ ويختار لنفسه»127.

ولأن الحضـانة لـلأم ابتداء فقد قرّر الفقهاء أن قرابة الأم تُـقـدّم دائماً على قرابة الأب في حكم الحضـانة، فتُقدم أم الأم على أم الأب، وتُـقدم الخالة على العمة وهكذا  .والواقع ونحن في زمان كثر فيه الطلاق، واهتـزت فيه الأخلاق، نحتاج إلى اجتهاد يرعى مصلحة الأولاد، كي لا يحملون مغبّة خلاف الأبوين.  

*   *  *  *

رابـعاً: حق المرأة في الميـراث مقـارناً بالـرجل

لم تكن المـرأة في الجـاهلية ترث، لأنها ليست أهـلاً للميـراث، فهي شـأنها شـأن الصغار، لا تـركب الفـرس، ولا تحمل السلاح، ولا تقــاتل العدو، ولا تحـوز الغنيمة، ومَن كان هذا شأنه فلا حقّ له في أن يرث. وكان الأولاد من الــذكور هم الــذين يــرثون، الأكبر فالأكبر. فإذا مات الرجل ولم يترك إلاَّ إناثاً آل ميراثه كله إلـى أعمامهن.

وعنـدما مات سعد بن الربيع وله ابنتان، أخذ عمّهما ماله ولم يدع لهما شيئاً، فجاءت الأم إلى رسول اللّـه ﷺ، فقال عليه الصلاة والسَّلام: «يقضي الله في ذلك»، فنزل قولــه تعالى﴿يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين...﴾ إلى آخر الآية (النساء: 11،12).

ولقد كان هذا الحكم الإلهي صــدمة عنيفة للعرب آنذاك، وتمنّـى بعضهم أن يكون أمراً يوشك رسول الله ﷺ أن ينساه، ولكن أنـًّى له عليه الصلاة والسَّلام أن ينسى أمراً فرضه اللّـه.

ويظن البعض أن قوله تعالـى للذكر مثل حظ الأنثيين يضع حكماً عـاماً لميراث المرأة مقارناً بميراث الــرجل، وهذا ظن خـاطئ فهناك حالات كثيرة في أحكام الميراث تأخذ فيها المرأة نصيباً يماثل نصيب الرجل، كما أن هناك حالات تأخذ فيها المرأة أكثر مما يأخذ الرجل.

أما إعطاء البـنت نصف نصيب أخيـها في الميراث فـمردّه الأحكام المالية التي ميَّزت بين الرجل والمرأة والبنت والإبن.

فالـرجل إذا أراد الـزواج كان عليه أن يدفع مهراً، وأن يهيأ مسكناً، وأن ينفق على زوجته حتى وإن كانت ذات مال وثراء، أما المرأة فإنها

تسـتـلم المهر ولا تتحمّل من تكاليف الزوجية شيئاً، فالنفقة عليها وعلى أبنــائها من واجبات زوجها. يُـضاف إلى ذلك أن الــرجل ملزم شــرعاً بالإنفاق على أقاربه من مـاله إن كان له مال وكانوا في حاجة إلى النفقة لعجزهم عن الكسب، لمرض أو شيخوخة أو نحو ذلك، ولا تتحمّل المـرأة ذلك العبء المالي.

ونصيب الـذكر ضعف نصيب الأنثى هو في حالة الأولاد ولـلأسباب التي ذكرتها، أما فيما عدا ذلك فقد تتساوى حصة الذكر والأنثى، وقد تزيد حصة الأنثى على الذكر.

ومن الأمثلة التي نورد بعضها أن يترك المتوفى أماً وأباً فـلأبويه لكل واحد منهما السدس، وإذا ترك المتوفى أخاً لأمه أو أختاً لأمه ولم يكن ثمة من يحجبها فلكل واحد منهما السدس. وإذا ترك المتوفى عدداً من الاخوة لأم وعدداً من الأخوات لأم فـــإنهم يـــــرثون الثلث مشاركة دون تفـريق بين ذكر وأنثى. وإذا تركت المرأة المتوفاة ابنة وزوجاً فإن البنت ترث النصف ويرث أبوها زوج المتوفاة الربع، أي أن الأنثى ترث ضعف ما يرثه الـذكر. وهناك أمثلة كثيرة أخرى، ويكفي ما أوردته لتوضيح أن قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين ليست قاعدة عامة، ولا تعتبر دليلاً على عدم المساواة بين الرجل والمرأة، وأن تطبيقها بالنسبة لـلأولاد جاء لسبب التنظيم المالي في الأسرة.

*   *  *  *

خامـساً: شـهـادة المرأة فـي القـضـاء

نصّت آية الـدَّين على أن يكتب عـقد الـدَّين عند إبرامه، وأن يكون هناك شاهـدان من الـرجال، فإن لم يكونا رجلين فـرجل وامرأتين، أن تضلّ إحداهما فتـذكِّر إحداهما الأخرى. ورغم أن كتـابة عقد الـدّينوشهادة اثنين من الـرجال أو رجل وامـرأتين لا يعتبر شرطاً لإبرام العقد وصحتّه في الفقه الإسلامي، وأن الشهادة هنا للتسجيل وليست لـلإثبات، فإن الحكم الوارد في الآية المذكورة المتعلّق بالشهادة، قد أصبح أساساً في أحكام الشهادة بطـــريق القياس، وذلك يعنى وجوب تــوفّر عنصر الذكورة، إذ لا يكفى أربعة من النساء، وأن يكون مع المرأة الشاهدة امرأة أخرى كي تُذكِّرها إذا نسيت أو ضلّت. وواضح أن الهدف من هذا الحكم الشرعي والفقهي بشـأن الشهادة هو الوصـول إلى الحقيقة وإثباتها، ولأن المرأة آنذاك في العصر الجاهلي قبل الإسلام لم تكن ممن يمارس التجارة وأعمالها إلاّ ما ندر، فقد أصبح من الواجب أن يحتاط القاضي عندما يبحث عن الحقيقة، فيطلب أن يكون مع الشاهدة الأنثى أخرى تذكّرها وتصحِّح خطأها.

وفـى الفقه الإسلامي مدرستان، الأولـى تـركِّز على النص تـركيزاً حرفياً، دون النظر إلى علَّته أو مقاصـده أو ما هو الهدف من تشريعه في القرآن أو السنة، ويأتي في مقدمة هذه المدرسة المذهب الظاهري، ومدرسة أخرى تتجاوز حـرفية النص، وتنفذ إلى علته ومقصده، فيصبح حكم النص الظاهر مرتبطاً بذلك المقصد وجوداً وعدماً. وأول من قاد هذه المدرسة وأرسى لبناتها هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسـار بن أنس فحمل مـذهبه، وهو المذهب المالكي، لواء فقه «مقاصد الشريعة».

وشهد العصر الحـديث حـركة فقهية نشطة في رفع شأن مدرسة المقــاصد، بعد أن قام الإمـام الشـــاطبي بجهد ملموس في تــأصيل قواعدها، في كتابه القيم «الموفقات» حيث أفـرد لذلك الجزء الثاني من الكتاب. والخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من عامل الشهادة على أنها وسيلة للوصول إلى الحقيقة وإثباتها، وأن ذلك هو مقصد الحكم الـوارد في آية الديّن، فقضى بأن شهادة النساء وحدهن كافية128، ومقدمة على شهادة الرجال في الشؤون الخاصة بالنسوة كالحيض والحمل والنفاس والرضاعة وتبعه بعد ذلك كثير من الفقهاء وفى مقدّمتهم الإمام أبو حنيفة.129

والخليـفة ابن الخطاب رضي الله عنه عنـدما أصـدر أحكاماً يوحي ظاهرها أنها مخالفة لنص قطعي في القرآن، مثل سهم المؤلفة قلوبهم130، لم يكن قطعاً يعطّل نصاً شرعياً، وليس هو الذي يفعل ذلك، وإنما كان يطبّـق مقاصد النص وأهـدافه والعلّة التي ارتبطت به.

ولو كان عمـر بن الخطاب رضي الله عنه بيننا هذه الأيام، ورأى سيـدات من هذا العصر يحملن شهادات عليا في القانون أو الاقتصاد أو الإدارة أو غيــرها، ويُدرن شـــركات هــامة ويرأسن إدارات حسّـــاسة في البنوك والمؤسسات المالية، هل كان يرضى أن يقدِّم جاهلاً أو نصف متعلِّم من الرجـال في شهادته على واحدة ممن ذكرت؟ وهلاّ يكتفي ابن الخطاب بشهادة اثنتين من كبار المتعلّمات الخبيرات للوصول إلى الحقيقة، وهى مقصد التشريع في الشهادة؟

والسؤال الأخير هو: هل تثور ثائرة بعض الفقهاء المعاصـرين إذا أراد أحد الباحثين أن يقلّد خليفة رسول اللّـه في نهجه، فيقول إن كثيراً من نسـاء عصـــــرنا المتعـلِّمات الخبيرات، لا يضللن ولا يحتجن لأخـرى تذكِّرهن؟

*   *  *  *

سادسـاً: حق المرأة في الولاية وتولى المناصب العامة

ليس في القرآن نص يمنع المـرأة من الولاية وتولّى المناصب العامة. والذين قالوا بذلك المنع استندوا إلى حديث أبى بكرة رضي الله عنه، الذي رواه البخاري عنه بسند واحد، أن رسول اللّـه ص قال، عندما سمع أن بوران بنت كسرى تولّت الحكم في فارس: «لـن يفـلح قـوم ولّوا أمـرهم امـرأة»131

ولا أريد أن أتطرّق إلى آراء من هاجموا متن الحديث وشكّكوا فيه، خصـوصاً وأنه روي بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وقيـام أم الـؤمنين عـائشة رضي اللّـه عنها بقيادة جيش الجمل المعروف قصته.

والحـديث إذا سلّمنا بسلامة متنه، لا يفهم منه حرمان المرأة من أي ولاية مهما كان نــوعها، وأقصـى ما يمكن الاستدلال به هو منعها من الولاية العظمى، وهى الخلافة، التي تلزمها بقيادة الجيوش والإمامة في الصلاة وغير ذلك من السلطات التي يمارسها خليفة المسلمين، وهذا ما دعا الإمام أبى حنيفة إلى الأخذ به في تلك الحدود.

وقـد نقل المنـاوي في فيض القـــديـر أن الإمام الطيبـي قال: «هذا إخبار بنفي الفبلح عن أهل فارس....»132، ولـذلك قال بعض العلماء من بعده إن الحديث لا يتضمّن حكماً شـرعـياً، بل هـو خبـر، مثـل آية ﴿غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون﴾ (الروم: 2،3).

والقرآن الكـريم أثنى على الملكة بلقيس لعظمة عقلها ومـزاياها التي أنقذت بها قومها من هلاك مبين، مما يوضِّح بجلاء أن الحـديث المذكورهو واقعة حال تـخصّ الملكة بوران ملكة فارس آنذاك، ووقائع الأحوال يتطـرّق إليها الاحتمال فيكسوها ثوب الإجمال ويسقط بها الاستدلال.

ولقد ولّى رسول اللّـه ﷺ سمراء بنت الأسدية حسبة السـوق في مكة المكرمة،133 والحسبة، في رأي، مـرتبة من مراتب القضاء وإحدى الولايات العامّة، ولقد أعطاها الخليفة ابن الخطاب رضي الله عنه سوطاً تؤدِّب به المخالفين والمخالفات. كما أن الخليفة نفسه عينَّ الشِّفاء بنت عبد اللّـه، الحسبة على السوق في المــــدينة المنورة،134ورحم اللّـه الشيخ الغزالي عندما قال بصدد ولاية المرأة: «إن القصـة ليست قصة أنوثة وذكورة! إنها قصة أخلاق وقدرات ومواهب نفسية...[واستعدادات علمية قد تتوافر في المرأة ولا تتوافر في رجال كثيرين]، إن امـرأة ذات دين خير من ذي لحية كفور!!».135

ونحن نتساءل، ما الذي يمنع المرأة من رئاسة الوزارات مثلاً؟ وهى وظيفة لا تلقي عليها الأعباء الدينية التي تلقى على خليفة المسلمين والخلافة نظام انتهى العمل به منذ عشرات السنين.

ولعل دارسي التاريخ يعرفون فضل الملكة المسلمة أروى بنت أحمد136 التي حكمت اليمن، قبل قرون كثيرة، لعشرات السنين، فكانت مثالاً للحــاكم المصلح الـذي يحسن الإدارة والقيادة، ولقد أُلِّفت في فضلها وحكمتها ورجاحة عقلها كتب كثيرة منها رسالة دكتوراه.

وقد ذكرت فيما سبق أمثلة عديدة لنساء تولّين مناصب عامة ورفيعة، وكن في أدائهن مثل الرجال، إن لم يكن بعضهن أفضل أداءً من بعض الرجال. وقد اختلف الفقهاء في تولّي المرأة منصب القضاء، فمنهم من اجتهد فـرأى المنع مطلقاً، ومنهم من رأى إمكانية تولِّيها القضاء فيما تصـحّ شهادتها فيه (وما تصحّ شهادتها فيه مـردّه الاجتهاد دون نص يسنده)، ومنهم من قال بحقّها في تولّي القضاء ما دام من حقّها الإفتاء. ومن الــذين رأوا ذلك الحنفية والإمام الطبري وابن حزم137، والإمام أبو حـنيفة الذي يعطيها الحقّ في كل الولايات إلاًّ الولاية العظمى، وهي الخــلافة، التي لا تُعتبر المرأة مؤهّلة لها، لعدم قدرتها على تحمّل بعض أعباء هذه الولاية كإمامة الصلاة في العيدين وغير ذلك من الواجبات الدينية الملقاة على الخليفة. أما فيما عدا ذلك فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.

ولله الحمد من قبل ومن بعد

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
ندوة حقوق الإنسان في الإسلام: المنعقدة في مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، 12_10 محرم 1420هـ / 28_26 نيسان 1999م. مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص 313-398

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.

مقالات مختارة

إقرأ المزيد

أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)

أحمد زكي يماني محتويات المقال:نسبها ونشأتها في الجاهليةزواجها بالرسول ﷺالسيدة خديجة، رضي الله عنها ودورها في نصرة الرسول ﷺفضل السيدة خديجة، رضي الله عـنها، من شواهد السُنة النبويةأهم الأحداث والوقائع التي حدثت بدار السيد...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

الأحكام العامة للمرأة المسـلمة

أحمد زكي يماني الحمد لله الذي خلقنا من ذكر وأنثى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ ﴾ (سـورة الحجرات، الآية 13)، وجعل للرجال المسلمين وللنساء المسلمات ولاية على بـــعضهم البـــعض ﴿وَالْمُؤْم...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

وضع المرأة في العهد النبوي

أحمد زكي يماني كانت المرأة في الجاهلية قبل الإسلام مهانة وضعية، وكان العربي يعتبرها مصدر ذل وعار، يَسْودّ وجهه إذا بُشّر بمولود أنثى، ويحتار بين أن يمسكها على هون أم يدسها في التراب، حيث وصفهم الحق عز وجل بقولــه: ﴿وَإِذ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

دور المـرأة المسلمـة في العصــور اللاحـقــة

أحمد زكي يماني بــرز دور المرأة المسلمة أكثر وضوحاً في مشـــاركتها الـــرجل فـــي الحياة العامة، وذلك في الســـنوات التـــي تلت وفاته عليه الصلاة والسلام، وكذلك في العهد الأموي واستمر في ازدهاره. ثم بـــدأ المجـــتمع الإ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد الشريعة وأشكال الزَّواج المعاصِرة

محمد نبيل غنايم: أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم- جامعة القاهرة، مستشار المجلس الأعلى للجماعات. محتويات المقال:أولًا: بيان مقاصد الشريعة الإسلامية في الزواج الشرعيثانيًا: أشكال الزواج المعاصرةثالثًا: مقاصد الشري...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

الأسرة: مفهومها وطبيعتها

جميلة تلوت محتويات المقال:أولا: التعريف اللغويثانيا: التعريف الاصطلاحيثالثا- الأسرة والامتداد العلائقي لم يرد مصطلح الأسرة في القرآن الكريم، وإنما وردت الكلمة في الحديث النبوي في موضع واحد يدل على جماعة الرجل1، لكن نجد م...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

الأسرة وحفظ الإنسان

جميلة تلوت محتويات المقال:المبحث الأول- الحفظ الوجودي والاستمراريأولا- الحفظ الوجودي: مقصد حفظ النوعثانيا- حفظ الاستمرار التكاثري: مقصد حفظ النسلالمبحث الثاني- الحفظ الأخلاقي: مقصد التزكيةالمبحث الثالث: حفظ الانتماء البي...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد الاجتماع الأسري

جميلة تلوت المبحث الأول - مقصد الإحصان والعفافأولا- التعريف اللغويثانيا- التعريف الاصطلاحيثالثا- الأسرة حصن وحضنالمبحث الثاني: مقصد السكنأولا: مفهوم السكنثانيا: الأسرة سكن ومسكنثالثا- السكن الأسري والاستقرار المجتمعيالمب...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مدونة الأسرة عند الطاهر بن عاشور من خلال كتابه مقاصد الشريعة

أحمد عوض هندي لدينا قانونان ينظّمان الأحوال الشخصية في الفترة الأخيرة: قانون 1 لسنة 2000م لتنظيم بعض إجراءات التقاضي فيما يخص الأحوال الشخصية، الذي أعاد تنظيم إجراءات التقاضي في دعاوى الأحوال الشخصية أمام المحاكم، ولدينا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد أحكام الأسرة عند الطاهر بن عاشور

جابر عبد الهادي الشافعي مقدمة يعتبر محمد الطاهر بن عاشور في نظر كثير من العلماء هو المعلم الثاني لعلم مقاصد الشريعة الإسلامية بعد الإمام الشاطبي، ويعتبر كتاب ابن عاشور «مقاصد الشريعة الإسلامية« بحق من أهم كتب ومراجع مقاص...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقصد الأسرة في القرآن: من الإنسان إلى العمران

جميلة تِلوت: دكتوراه في مقاصد الشريعة، وباحثة في الفكر الإسلامي محتويات المقال:الفصل الأول: دراسة المفاهيم التأسيسيةالمبحث الأول: الأسرة: مفهومها وطبيعتهاالمبحث الثاني: مقاصد القرآنالمبحث الثالث: مفهوم العمرانالفصل الثان...

مقالات متعلقة بأيام دولية

أنشطة ذات صلة

Back to Top