محمد أحمين: مراقب ومستشار شرعي في المصرفية الإسلامية.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه وسابغ إنعامه وواسع رحمته وغفرانه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وأتباعه. أما بعد:
فإن النص هو أول مسلك من مسالك الكشف عن مقاصد الشارع وأقواها وأعلاها، فلذلك يروح هذا البحث محاولة جمع «كل« التعاليل المقاصدية المنصوصة في القرآن في مجال الأموال، وتصنيف هذه الحصيلة ودراستها والبناء عليها، سالكًا سبيل الإيجاز، التزامًا بالمساحة المخصصة للبحث.
وقد نبه عدد من العلماء إلى كثرة التعليل المقاصدي في القرآن. ومن هؤلاء الشاطبي في قوله: «ونصوص الشارع مفهمة لمقاصده، بل هي أول ما يتلقى منه فهم المقاصد الشرعية«، وقوله: «وأما التعاليل لتفاصيل الأحكام في الكتاب والسنة؛ فأكثر من أن تحصى1».
ومن هؤلاء أيضًا ابن القيم في قوله: «والقرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مملوآن من تعليل الأحكام بالحكم والمصالح، وتعليل الخلق بهما، والتنبيه على وجوه الحكم التي لأجلها شرع تلك الأحكام، ولأجلها خلق تلك الأعيان، ولو كان هذا في القرآن والسنة في نحو مائة موضع أو مائتين لسقناها، ولكنه يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة2».
وقد جمعت بفضل الله وتوفيقه تقريبًا «كل« المقاصد المنصوصة في القرآن، بعد عدة ختمات متكررة للقرآن على مدى بضع سنوات. والحاجة داعية إلى جمع ذلك كله وقراءته قراءة عامة، وإعداد مادته لمن يروم قراءتها ومدارستها من المتخصصين وأهل الشأن في المعارف الشرعية والإنسانية والطبيعية المختلفة.
وقد اقتصرت في هذا البحث على ما نص عليه القرآن صراحة من مقاصد مالية عقدية أو تشريعية للمال بصيغة من صيغ التعليل كلعل وكي ولعل3 ومن أجل والمفعول له وأن والفعل المستقبل بعدها تعليلًا لما قبله، وغير ذلك من الصيغ التعليلية4.
ومجموع الآيات التي تنص على مقاصد للأموال حوالي (76) آية، تشتمل على (14) مقصدًا.
ولا يروم هذا البحث التوسع إلى المقاصد المستمدة من الطرق الأخرى لكشف المقاصد، كالأوامر والنواهي الابتدائية التصريحية المجردة، والعلل المستنبطة وغير ذلك5، اللهم أن يأتي ذلك في الشرح والبيان للمقاصد المنصوصة.
محاور البحث
يبين لنا القرآن لماذا خلق الله سبحانه المال، كما بين لنا سبحانه في كتابه عددًا من مقاصد تدبيره القدري المالي للكون والحياة البشرية. ومجموع ذلك يكون «عقيدتنا في المال«، وإن شئت سميتها «مقاصد خلق الأموال وتدبيرها»، فلك ذلك، وهذه هي تلك، وكلاهما يرمي إلى بيان أن الإسلام له نظرته وتصوره إلى المال، خلقًا وتدبيرًا إلهيًا، ولا يقبل من مسلم بحال أن يحمل تصورات عن المال، ونظرة للمال، تخالف ما جاء في القرآن من تصورات ونظرات.
هذه «العقيدة في المال« أو «المقاصد العقدية المنصوصة للمال في القرآن« هي موضوع المبحث الأول. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى هناك «مقاصد تشريعية للمال« نص عليها القرآن، وهي تجلٍ من تجليات الألوهية؛ لأن التحليل والتحريم لله وحده، والقرآن لم يكتف بتلك التشريعات فحسب، وكونها معلومًا قطعًا أنها رحمة ومصلحة، بل نص صراحة على الأوجه الأساسية لتلك المصلحة وتلك الرحمة في التشريعات المالية الأساسية.
وهذه «المقاصد التشريعية للمال في القرآن« هي موضوع المبحث الثاني.
منهج البحث
وقد اعتمدت في دراسة المقاصد العقدية والتشريعية للمال في القرآن على المنهج التالي:
1- اقتصرت على آية أو آيتين محورتين في بيان المقصد المنصوص، وباقي الآيات جعلتها في ملحق خاص بالبحث. وذلك كله بالاستعانة بالتفاسير وغيرها من الكتب حسب موضوع المقصد.
2- بيان ما يترتب على المقصد المنصوص من قواعد وأحكام، أو ما يحتاجه من قيود.
3- نظرًا لكون التفاسير هي عمدتي الأساس في دراسة مقاصد الأموال في القرآن، ولكونها أصبحت متاحة ورقيًا وإلكترونيًا بشكل كبير، فسأكتفي في توثيق ما أنقله منها بنسبته إلى صاحبه وإلى الآية القرآنية التي جاء فيها في صلب البحث، وأشير إلى انتهاء النقل برمز (أ ه) حتى يتميز عن غيره، وأحيانًا أوثق ذلك في الهامش إذا تصرفت في العبارة أو أدخلتها ضمن كلامي. أما ما أنقله من غير التفاسير، فإنني أوثق النقل منه حسب ما هو معروف في الهامش.
اللهم نفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علمًا، والحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار.
المبحث الأول: المقاصد العقدية للأموال في القرآن
الله سبحانه وتعالى خالق للأموال وخالق كل شيء، ومدير الأموال ومدير كل شيء، وله في خلقه وتدبيره حكم ومقاصد، فهو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين.
وسأقف مع مقاصد خلق الأموال في مطلب، ومقاصد التدبير المالي في مطلب آخر.
المطلب الأول: مقاصد خلق الأموال في القرآن
يقول رب العزة سبحانه ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الدخان:38-39]. والحق هو: الحكمة، «وهو يدل على إحكام الشيء وصحته، فالحق نقيض الباطل« كما قال ابن فارس6، «والحق ما وضع موضعه من الحكمة، فلا يكون إلا حسنا« كما قال أبو هلال العسكري7. وهذا الحق في خلق الأموال يتضمن سبعة مقاصد اعتقادية في المال، وهي:
1- أن تكون الأموال قيامًا وقيمة.
2- الاستخلاف في الأموال.
3- التمتع بالأموال.
4- الفتنة في الأموال.
5- التقرب بالأموال.
6- شكر المنعم بالأموال.
7- التفكر في الأموال.
وقد تشترك هذه المقاصد العقدية للأموال مع غير الأموال، ولكن بحثي سيكون فيما يخص الأموال فقط. والله المستعان.
المقصد (1): أن تكون الأموال قيامًا وقيمة
الآية المحورية التي تنص على هذا المقصد
﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: 5].
بيان القصد
الآية المحورية الكريمة نص في أهم مقصد من مقاصد الأموال في القرآن، وهو أن تكون قيامًا وقيمة. ولفظ «قيامًا« هو قراءة الجمهور، و»قيما« قراءة نافع وابن عامر8.
و»قياما« هو «مصدرُ «قام« والأصل قوام، فأُبدلت الواو ياءً، والمعنى: التي جعلها الله سبب قيام أبدانكم أي: بقائها«. قال الراغب: القيام والقواسم اسم لما يقوم به الشيء، أي يثبت كالعماد والسناد لما يعمد ويسند به، كقوله تعالى: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ أي مما يمسككم9.
وكون الأموال قوام الحياة هو نفسه كونها معايش، كما جاء في الآية الأخرى: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: 10]. قال ابن عاشور: ومعايش جمع معيشة، وهي ما يعيش به الحي من الطعام والشراب، مشتقة من العيش وهو الحياة ا هـ.
فالقيام إذًا هو العماد وما يكون سببًا في البقاء، وقضاء الحوائج الأصلية، والناس اليوم تقول: المال عصب الحياة، وهي كلمة قريبة من معنى القيام، وإن كان لفظ القيام أبلغ. قال رشيد رضا في تفسيره للآية رقم 5 في سورة النساء: قد عُلم من تفسير المفردات معنى جعل الأموال قيامًا للناس تقوم وتثبت بها منافعهم ومرافقهم، ولا يمكن أن يوجد في الكلام ما يقوم مقام هذه الكلمة أ هـ.
أما «قِيَمًا« فقد فسر هذا اللفظ بتفسيرين:
الأول: أنه تابع في معناه لمعنى القيام. وهو إما مصدر كالقيام وليس مقصورًا منه، فهو مصدر بمعنى القيام الذي يُراد به الثبات والدوام، أو أنه مقصور من «قيام«، فحذفوا الألف تخفيفًا كما قالوا: خِيَم في خِيام10.
والثاني: أن له معنى ابتدائي مستقل، فهو كما قال السمين الحلبي في تفسيره: جمع قيمة كديم في جمع ديمة. والمعنى أن الأموال كالقيم للنفوس؛ لأن بقاءها بها. وقد رد الفارسي هذا الوجه، وإن كان هو قول البصريين غير الأخفش، بأنه قد قُرئ قوله تعالى: ﴿دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنعام: 161] وقوله: ﴿الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ [المائدة: 97] ولا يصح معنى القيمة فيهما. وقد رد عليه الناس بأنه لا يلزم من عدم صحة معناه في الآيتين المذكورتين ألاَّ يصح هنا، إذ معناه هنا لائق أ ه. وقال القرطبي في تفسيره للآية: وقال البصريون: قيما جمع قيمة، كديمة وديم، أي جعلها الله قيمة للأشياء أ هـ.
وهذا المعنى التأسيسي لقراءة «قيما« يصح حمل الآية عليه؛ فالمال هو قوام النفوس والحياة وقيمتها في آن واحد. ومما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في مشورته لفاطمة بنت قيس في بعض خُطَّابها في صحيح مسلم: «وأما معاوية فصعلوك لا مال له«، وفي رواية له «أما معاوية فرجل ترب لا مال له11». قال الرزقاني: «وفيه مراعاة المال لاسيما في الزوج؛ لأن به يقوم بحقوق المرأة12». فهذا تقييم لمعاوية بن أبي سفيان بالمال؛ وكان فقره عيبًا في إنكاحه، ولم يشفع له نسبه في ذلك، وهذا المعنى طبعًا في حسابات الدنيا أما الآخرة فلها حسابها وقانونها.
والمال قيام بالمصالح الأربعة الكبرى، وهي الضروريات، ومن باب أولى بما يكملها من الحاجيات والتحسينيات، فجميعها يدخل المال في القيام بها.
فالمال قيام للدين ولعباداته، وأحد أركانه الخمسة هو الزكاة، وهي عبادة مالية عظيمة، كما تقوم به الصلاة، ركن الإسلام الأعظم، فعن أبي واقد الليثي قال: كنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه فيحدثنا، فقال لنا ذات يوم: إن الله عز وجل قال: «إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون إليه ثان، ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب13». ولهذا فالصلاة عبادة مالية من وجهٍ، أي من حيث تطلبها نفقات مالية لستر العورة والوضوء. وكذلك الشأن في الحج، فالمال أحد ركني الاستطاعة إلى الحج. كما أن الدعوة إلى الله وغيرها من الأعمال الدينية تتوقف في أصل قيامها أو حسن القيام بها على توفر الموارد المالية الكافية.
والمال أيضًا قيام بمصلحتي حفظ النفوس والعقول إيجادًا وعدمًا، فبالمال والأغذية تحفظ الأبدان والمهج، وبالمال يتزاوج الناس، ويتناسلون، وبالمال يقوم التعليم والتعلم والمدارس والجامعات، لحفظ العقول من حيث الوجود، وقد حرمت الشريعة عددًا من الأموال الخبيثة لضررها بالنفوس والعقول. كما لا يقوم الجهاد حق قيامه بدون مال، ولهذا قدم القرآن الجهاد به على الجهاد بالنفس في مواضع كثيرة.
كما أن المال قيام بحفظ الخلق، فبه تُستر العورات المغلظة والمخففة، لصون الحياء وأعراض الناس، وبه يتم إقامة المؤسسات القضائية التي تمنع التنازع والتهارج بين الناس، كما أن بالمال قد تنتهك الأعراض، ولهذا حرمت الشريعة مهر البغي14.
والمال قيام للأمة وقيمة لها كما هو قيام للفرد وقيمة له؛ فالأمة بلا مال لا قائمة لها ولا قيمة لها، شأنها في ذلك شأن الفرد الواحد، وكما أنه بدون المال يصبح الفرد صعلوكًا، فكذلك الأمة صعلوكه لا قيمة لها بدونه. ولم تسد الأمة قديمًا إلا بامتلاكها ثروات مكنتها من إقامة المصالح المختلفة في العلوم وتجييش الجيوش وتمصير الأمصار. وقد بين ذلك علال الفاسي في كتابه المجمع له «في المذاهب الاقتصادية« قائلًا عن الفتح الإسلامي: «لقد كانت البلاد التي فتحها المسلمون في هذه الانطلاقة السريعة هي تلك البلاد التي تجمع فيها ذهب العالم (...) وعلى ذلك فإن إعادة الذهب المكنز إلى التداول، واستغلال كافة مناجم الذهب القديمة المعروفة في الشرق الإسلامي، وورود ذهب السودان إلى الغرب الإسلامي كلها قد جعلت من المسلمين سادة الذهب (...) ولكن الفاطميين في السنين الأولى من القرن العاشر، بعد أن استولوا على إفريقية والجريد وطرابلس.. أصبحوا سادة طرق الذهب كلها وقتها، مما هيأ لهم إنشاء احتياطي ضخم من المعدن النفيس لإتمام مشروعهم الكبير، وهو غزو مصر15».
ورحم الله أحمد شوقي القائل:
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم | لم يبن ملك على جهل وإقلال |
والخلاصة أن المقصود الأكبر للأموال في القرآن هو أن تكون قياما وقيمة. وكونها قياما بالمصالح هو الأصل، وكونها قيمة للناس والأشياء تبع لقيامها بالمصالح، فمن لا يملك مالًا يقوم بمصالحه لا قيمة له فيما من شأنه أن لا يُقضى إلا بالمال.
من آثار مقصد أن تكون الأموال قياما وقيمة
تُبنى على هذا المقصد قواعد جليلة، منها ما يلي:
1- حفظ المال من المقاصد الضرورية الكبرى
وهذا ما يؤخذ من الآية الكريمة، فهو تقوم به الحياة، وكل ما تقوم به الحياة، وتهلك أو تكاد بدونه، فهو من الضروريات16. ولهذا فالمال من الضروريات، وبانعدامه لا تقوم للنفس قائمة، ولا لبقية الضرورات قائمة، كما لا قيمة للإنسان إذا عدم المال.
ويدخل في حفظ المال حفظه الوجودي، ولهذا يجب إنتاج المال وتنميته ومبادلته بما يكفي للقيام بمصالح الدنيا والدين، فالله سبحانه هو الرزاق، ولكن يجب اتخاذ الأسباب، التي بنى الله سبحانه عليها كونه، ومنها أسباب إنتاج الثروة وحسن تبادلها وتوزيعها. ولابن تيمية قاعدة حسنة في وجوب المعاوضات والمشاركات، وأنها أوجب من التبرعات، قال رحمه الله: «إيجاب المعاوضات أكثر من إيجاب التبرعات وأكبر؛ فهو أوسع منه قدرًا وصفة.. وهذه قاعدة حسنة مناسبة ولها شواهد كثيرة في الشريعة.. وبالجملة فوجوب المعاوضات من ضرورة الدنيا والدين ا هـ.
ويدخل فيه أيضًا حفظه العدمي، ولهذا نهت الآية الكريمة المحورية عن إيتاء المال للسفهاء، وهم المفسدون لأموالهم في غير مصلحة. قال رشيد رضا: قد علم من تفسير المفردات معنى جعل الأموال قيامًا للناس: تقوم وتثبت بها منافعهم ومرافقهم، ولا يمكن أن يوجد في الكلام ما يقوم مقام هذه الكلمة ويبلغ ما تصل إليه من البلاغة في الحث على الاقتصاد وبيان فائدته ومنفعته، والتنفير عن الإشراف والتبذير الذي هو شأن السفهاء وبيان غائلته وسوء مغبته أ هـ. ولقد حرم الإسلام تبذير المال وإضاعته في نصوص كثيرة.
تعين المعاملات المالية التي تقوم بها الحياة
كل المعاملات المالية التي تقوم بها حياة الفرد وحياة الجماعة، فهي فرض عين، أو فرض كفاية يأثم الجميع إذا لم تقم بها الكفاية. والقاعدة العامة في ذلك أن الضرورات واجبات في حق الفرد والمجموع، والحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة في الأحكام.
ولابن تيمية قاعدة حسنة في وجوب المعاوضات والمشاركات، وأنها أوجب من التبرعات، قال رحمه الله «الغرض هنا ما يجب من المعاوضات: مثل المبايعة والمؤاجرة وما يشبه ذلك، ومثل المشاركات: كالمساقاة والمزارعة ونحو ذلك، فإن... إيجاب المعاوضات أكثر من إيجاب التبرعات وأكبر؛ فهو أوسع منه قدرًا وصفة. ولعل من استقرأ الشريعة تبين له أن المعاوضات إذا احتاج المسلمون إليها بلا ضرر يزيد على حاجة المسلمين وجبت، فأما عند عدم الحاجة ومع حاجة رب المال المكافية لحاجة المعتاض فرب المال أولى؛ فإن الضرر لا يزال بالضرر والرجل أحق بماله من ولده ووالده والناس أجمعين «وابدأ بنفسك ثم بمن تعول«.
وهذه قاعدة حسنة مناسبة ولها شواهد كثيرة في الشريعة... وبالجملة فوجوب المعاوضات من ضرورة الدنيا والدين؛ إذ الإنسان لا ينفرد بمصلحة نفسه، بل لابد له من الاستعانة ببني جنسه فلو لم يجب على بنى آدم أن يبذل هذا لهذا ما يحتاج إليه وهذا لهذا ما يحتاج إليه لفسد الناس وفسد أمر دنياهم ودينهم، فلا تتم مصالحهم إلا بالمعاوضة، وصلاحها بالعدل الذي أنزل الله له الكتب وبعث به الرسل، فقال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25].
2- المال ليس وسخ الدنيا
إن ما شاع من ثقافة تنجيس المال واعتباره وسخ الدنيا، والتزهيد المطلق في الدنيا، يصادم هذا المقصد القرآني للمال، الذي يبين أن المال قيام للدنيا وليس وسخًا لها.
قال محمد عبده في جملة ﴿الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ كما نقل صاحب المنار: في هذه الجملة من الآية تحريض على حفظ المال وتعريف بقيمته فلا يجوز للمسلم أن يبذر أمواله. وكان السلف من أشد الناس محافظة على ما في أيديهم وأعرف الناس بتحصيل المال من وجوه الحلال، فأين من هذا ما نسمعه من خطباء مساجدنا من تزهيد الناس وغل أيديهم وإغرائهم بالكسل والخمول، على أن هذا التزهيد في الدنيا من هؤلاء لم يأت بما يساق لأجله من الترغيب في الآخرة والاستعداد لها. والواجب على المسلم العارف بالإسلام أن يبين للناس الجمع بين الدنيا والآخرة أ هـ.
كما يصادم هذا الرأي الفاسد نصوصًا قرآنية وحديثية أخرى كثيرة، منها الحديث الذي جعل أفضل منازل الناس هو من اجتمع له العلم والغنى، فعند الترمذي مرفوعا: «إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالًا وعلما، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل«.
وقد يحتج من يصف المال بوسخ الدنيا بما ورد في السنة وصف الزكاة بأوساخ الناس في تعلل منع بني هاشم منها، في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد صلى الله عليه وسلم، إنما هي أوساخ الناس17«. ولكن هذا الوصف خاص بالزكاة، وله علة خاصة، وهي أنها تطهير لأموالهم مما قد يكون علق بها من شوائب وأوساخ في كسبها، وهي تطهير لنفوسهم من أوساخ نفسية كالشح والبخل، فهي «كغسالة الأوساخ18». فالزكاة استغفار مالي، أي طلب المغفرة بالمال لجبر أي شائبة شرعية في كسب الأموال، فضلًا عن معنى الشكر فيها. وإذا فالوسخ في الزكاة بالنسبة لآل محمد صلى الله عليه وسلم اعتباري خارجي، وليس حقيقيًا ذاتيًا.
المقصد (2): الاستخلاف في الأموال
الآيات التي تنص على مقصد الاستخلاف في الأموال
1- ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الحديد: 7].
2- ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: 33].
بيان مقصد الاستخلاف في المال
من مقاصد خلق الإنسان أن يكون خليفة عن الله في أرضه بإذنه على أحد التفسيرين المشهورين للآية المعروفة في سورة البقرة19، ومن أكبر ما يستخلف فيه الإنسان: الأموال.
وهذا ما أشارت إليه الآيات الكريمة السابقة في قوله سبحانه ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾، وقوله سبحانه ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾، فالمال مال الله، والإنسان مستخلف فيه عن ربه، وهذا أحد التفسيرين المشهورين للآية الأولى، المؤيد بالآية الثانية التي تصرح بأن المال مال الله، والتفسير الثاني أن الإنسان يخلف غيره في ماله وغريه يخلفه في ماله.
وقد رجح الألوسي التفسير الأول، أي أن الإنسان مستخلف في الأموال عند الله تعالى، بالآيات التي تصرح بأن ما في السماوات والأرض ملك لله الواحد الأحد. قال رحمه الله: والمعنى الأول هو المناسب لقوله تعالى: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الحديد: 5]، وعلهي ما حُكي أنه قيل لأعرابي: لمن هذه الإبل؟ فقال: هي لله تعالى عندي، ويميل إليه قول القائل:
وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يومًا أن ترد الودائع أ ه.
وعليه فإن الملكية الحقيقية للأموال هي لله تبارك وتعالى، وإنما يملك البشر استعمالها والتصرف فيها بمشيئة الله سبحانه، وهذه هي الحقيقة حتى لو ادعى الناس بدعواهم، وبقوانينهم، لضبط الأوضاع المالية، دفعًا للاضطراب والاحتراب؛ فهذه «الملكية التشريعية والقانونية« لا تتعارض مع «الملكية الاعتقادية« المثبتة لله رب العالمين، كما أن هذه لا تلغي تلك.
وقد جاءت السنة النبوية ببيان هذا المقصد القرآني في الاستخلاف في المال، ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء20».
مقاصد مقصد الاستخلاف
مقصد الاستخلاف في الأموال وفي الأرض له مقاصد جمعها رب العزة سبحانه في قوله: وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 129]، فمقصد الاستخلاف مقصود منه الاختبار والابتلاء، ويشمل ذلك ثلاثة أمور أساسية:
1- واجب إقامة المصالح بالأموال: فالله سبحانه جعل الأموال قيامًا للحياة، والإنسان المستخلف في الأموال عليه واجب القيام بالمصالح بتلك الأموال، وهذا هو الشأن في مقصد الاستخلاف في الأرض عمومًا؛ «فمقصد الاستخلاف يحمل الإنسان واجبًا للقيام بعمارة الأرض قيامًا بمهمة الخلاف21»، ويحمله ويحمل الجماعة أيضًا أمانة تنمية الأموال وتثميرها وحسن إرادتها وتوزيعها بما يحقق الاكتفاء الذاتي له وللأمة، ويدفع عنه وعنها غوائل الفقر والجوع والمرض، ويمكنها من الموارد المالية الكافية لإقامة المصالح الضرورية والحاجية والتحسينية.
وفي هذا يقول ابن بيه: «وإذا كان الأمر على ما ذكر من أن الإنسان إنما هو نائب ووكيل عن الله عز وجل – وقد ورد من جهة أخرى أن الناس عيال الله -، فهل يرضى المالك الأصلي أن يجيع الوكيل عياله ويمنعهم رزقهم؟ ذلك هو محك الابتلاء وميدان الاختبار، وذلك مقصد آخر.
إن الظروف التي يعيشها العالم الإسلامي من انتشار الفقر وعدم الإنتاجية في الأمة، وتعطل القوى العاملة، وندرة أدوات الإنتاج الكبيرة كالمصانع، إن لم يكن انعدامها في بعض الأقطار، تجعل العودة إلى مفهم الاستخلاف لرسم سياسة مالية جديدة في صياغتها، قديمة في محتواها ومضمونها قدم الشريعة المطهرة...22».
2- التصرف وفق شريعة مالك الملك سبحانه: والسر في ذلك أن المال مال الله وخلقه، فله الأمر فيه بما يشاء، وفي هذا الربط بين الأمرين نجد قوله تعالى: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: 54]. قال البغوي في تفسيره: له الخلق لأنه خلقهم، وله الأمر يأمر في خلقه بما يشاء أ هـ. وقال الشاطبي بعد أن تحدث عن خلافة المكلف: «فإذا كان كذلك فالمطلوب منه أن يكون قائمًا مقام من استخلفه، يُجري أحكامه ومقاصده مجاريها، وهذا بين23». ولهذا فالإنسان ليس حرًا طليق اليدين في التصرف في الأموال، بل تصرفه مقيد بالشريعة. والقاعدة الأساسية للشريعة في هذا الباب أن «التصرف في الأموال منوط بالحق والنفع« كما قال أستاذي الريسوني24.
3- وجوب الإنفاق: فمن دلائل هذه القاعدة أن ذكر مقصد الاستخلاف في الأموال ي القرآن جاء علة للأمر بالإنفاق في آيتي الباب معًا.
وقال أستاذي أحمد الريسوني بعد أن ذكر عددًا من الآيات القرآنية الآمرة أمرًا مطلقًا ومجردًا وعامًا بالإنفاق: «فالمغزى العام: هو أن الإنسان أوتي الأموال والخيرات، لينفقها لا ليمسكها، وليستعملها فيما ينفعه وينفع غيره، لا ليكون هو عبدًا لها مستعملًا في جمعها وحراستها. بل إن ملكية الإنسان للأموال، إنما هي ملكية حق الاستعمال، فهو لا يملكها، وإنما يملك «حق استعمالها«. وهذا واضح في الآية التي سبقت: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾، وفي قوله عز وجل: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾. فالإنفاق مقرر ومطلوب بصورة مبدئية عامة، فضلًا عن وظائفه الاجتماعية والاقتصادية، وفضلًا عن الوجوه المعينة شرعًا للإنفاق فيها25».
وكل من يمتنع عن الإنفاق مطلقًا، وبخاصة في الحقوق المالية الواجبة، فهو كانز ظالم، وماله كنز مذموم مشؤوم، يدخل في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة: 34-35].
المقصد (3): التمتع بالأموال
الآية المحورية التي تنص على مقصد التمتع بالأموال
1- ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [ال عمران: 14].
2- ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 32].
بيان مقصد التمتع بالأموال
المقصد الثاني الأكبر من مقاصد الأموال أن تكون متاعًا، وهو ما صرحت به الآيتان المحوريتان في سورة آل عمران والأعراف، وبقية الآيات التي نصت على هذا المقصد بلفظ المتاع أو ما هو في معناه كمنافع، أو ما يتحقق به كالزينة واللباس والركب. ولهذا: «فالتمتع بالحلال من جملة ما قصده الشارع« كما قال الشاطبي26.
ومعنى ذلك أن الأموال خلقها الله تعالى وجعلها – من بين ما جعلها – للمتاع، وهو اسم مفعول لما يتمتع به لمدة منحصرة. قال الزجاح: «المتاع ما يتمتع به فيها27». وقال الطبري عند تفسير الآية 36 من سورة البقرة: والمتاع في كلام العرب: كل ما استُمتع به من شيء، من معاش استمتع به أو رياش أو زينة أو لذة أو غير ذلك أ هـ. وأقرب كلمة إلى المتاع هو المنفعة، التي جاءت في آيات مقاصد الأموال في القرآن بصيغة الجمع مرتين «منافع«، وبصيغة المفرد «نفع«.
وإذًا فتحصيل المتعة والانتفاع بالأموال مقصود للشريعة، ولو كان هذا الاستمتاع مجردًا من أي قصد آخر، ولهذا نصت الآية الكريمة في آل عمران أن حب الشهوات مزين خِلقةً وفطرةً للناس، و»معنى زُيِن: أي حُسِن حب الشهوات، والشهوة من خلق الله في الإنسان؛ لأنها ضرورة لا يقدر على دفعها« كما قال البيضاوي في تفسيره. أي أن الله تعالى خلق في الإنسان حواسًا خاصة – كالحواس الخمسة المعروفة – لولاها لما استطاع أن يتمتع ولا أن يحب أن يتمتع، كما أنه بسببها لا يقدر أن يدفع مطلقًا حاجته إلى التمتع. وهذا ينطبق على كل المتع والملذات المالية وغير المالية.
وعليه فمن أكل وشرب، وسافر في أرجاء الأرض، وبنى وشيد، من أجل متعته واستمتاعه، فمقصده مشروع غير ممنوع، إلا أن يشوبه محرم من خارجه في محله أو وسيلته، أما مقصد التمتع فلا غبار عليه في حد ذاته. ولكن المتمتع قد يكون عمله مباحًا لا أجر له ولا ورد عليه إذا خلا من نية القربة، وقد يكون فيه الأجر إذا جعله قربة لله، وقد يكون فيه الوزر إذا جعله معصية لله سبحانه.
خصائص المتاع المالي
للتمتع بالأموال خصائص في القرآن والسنة، منها ما يلي:
1- متاع متنوع: ورد التمتع بالأموال في القرآن عامًا، وممثلًا بأوجه كثرية، فهو زينة وجمال، واستظلال وأكنان، وغير ذلك من وجوه الانتفاع التي ذكرتها الآيات أو التي لم تذكرها.
2- متاع قليل إلى حين: وصف الله تبارك وتعالى المال بأنه متاع مؤقت ﴿وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾، وتكررت عبارة «متاعًا إلى حين« خمس مرات في القرآن، وجاءت بصيغة الفعل الماضي «متعناهم« مرتين28. وقد اختلف المفسرون في تفسير الحين: هل هو الحياة أو القيامة، والآية المحورية الأولى جاء فيها ﴿ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، واختار الطبري الأمرين معًا؛ لأن الإنسان ينتفع بعد مماته أيضًا بالأرض، ومن ذلك قبره، وانتفاع ذريته، إلى أن يبدل الله الأرض غير الأرض والسماوات29.
وانفرد الشوكاني بالقول بأنه يحتمل العدم، قال: ويجوز أن يراد بالقليل: العدم، إذ لا نسبة للمتناهي الزائل إلى غير المتناهي الباقي أ هـ. ولكن الأولى أن يقال بأنه شبيه بالعدم؛ لأن الله تعالى شاء خلق الطيبات والنعيم في هذه الحياة الدنيا، والله سبحانه لا يخلق العدم، ثم يمُنُّ به على عباده، ويوجب عليهم شكره، ويدخل الشاكرين الجنة، والكافرين النار، ولكنه إن قيل بأن هذا النعيم الدنيوي كالذرة إلى الجنة التي فيها كما في الحديث القدسي المتفق عليه "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر30» - إن قيل ذلك، فهو نعيم شبيه بالعدم.
ويحسن التنبيه ههنا أيضًا إلى هذه القلة في الأموال هي مقارنة بما في الآخرة، كما صرحت بذلك آي القرآن، ولا يعني ذلك أنها ليست كافية للبشر كل البشر، فما من دابة إلا على الله رزقها، ولكن المشكلة في جهل الإنسان وظلمه، ولهذا لا تتوافق المشكلة الاقتصادية كما قالت بها الرأسمالية – أي مشكلة الندرة الوجودية للموارد – مع التصور الإسلامي، ولكن إذا كانت ندرة فمرجعها إلى الجهل بأسباب كسب المال وصنع الثروة، والظلم في التصرف فيها.
3- متاع عام: أي أنه لكل البشر، فحب الشهوات زينة الله لكل الناس، مؤمنهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، ففي آية آل عمران بين الله سبحانه تزيين حب الشهوات «ثم إنه أضاف ذلك إلى الناس، ولفظ «الناس« عام، دخله حرف التعريف فيفيد الاستغراق، فظاهر اللفظ يقتضي أن هذا المعنى حاصل لجميع الناس، والعقل أيضًا يدل عليه؛ لأن كل ما كان لذيذًا ونافعًا فهو محبوب، ومطلوب لذاته31».
4- متاع مقيد بعدم الاعتداء: وقد نص القرآن على هذا القيد العام في الاستمتاع بالطيبات، في قوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ [المائدة: 87-88]. قال الطبري: معنى «الاعتداء«، تجاوز المرء ماله إلى ما ليس له في كل شيء، وإذ كان ذلك كذلك، وكان الله تعالى ذكره قد عم بقوله ﴿وَلا تَعْتَدُوا﴾، النهي عن العدوان كله، كان الواجب أن يكون محكومًا لما عمه بالعموم حت يخصه ما يجب التسليم له أ هـ32.
والاعتداء في المال ثلاثة أنواع أساسية: اعتداء ديني محض، كتحريم الطيبات وإباحة الخبائث، واعتداء مصلحي، كما في قوله ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾ [الشعراء: 128]، واعتداء أخلاقي، كما في قوله ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ [الشعراء: 129]، قال أبو عبيدة: وكل بناء مصنعة33.
المقصد (4): الفتنة بالأموال
الآية المحورية التي تنص على مقصد الفتنة بالأموال
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [الأنفال: 28].
بيان مقصد الفتنة بالأموال
الفتنة في اللغة لها عدة معان، وأصل معانيها الاختبار الشديد، وتخليص الشيء من الشوائب ليصير خالصًا، مثل فتن الذهب بالنار لتخليصه من الشوائب34.
وتستعمل الفتنة أيضًا في الإعجاب والتوله والاضطراب والعذاب والضلال والصرف عن الشيء والكفر والفضيحة إلخ، وكل ذلك مستعمل في النصوص الشرعية35.
وأقرب معاني الفتنة في الآيات الخمسة التي تنص على هذا المقصد هو الاختبار الشديد؛ لأنه هو الأصل، ولأن باقي المعاني لا يصح حمل الآيات عليها، كالعذاب والضلال، وإلا لما كان للمسلم أن يطلب الأموال مع علمه أنه سيعذب بها وسيضل بها، ثم إن تلك المعاني هي كالثمرة والنتيجة للمعنى الأول أي معنى الاختبار الشديد.
وقد ورد في السنة التصريح بهذا المقصد أيضًا، ومن ذلك ما رواه كعب بن عياض، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال36». والاختبار بالأموال كما يشمل المسلم، يشمل الكافر أيضًا، وهو ما أشار إليه قوله تعالى: ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: 131].
بل صرح القرآن بأن الفتنة بالأموال والبنين لها خصوصية للكفار وهي أنها عذاب، في قوله تعالى: ﴿فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة: 55].
ولا مناص من القول بأنها عذاب لهم إذا كان مصدرها حرامًا أو مصرفها حرامًا، فإن عطاء الله ليس محظورًا على الكفار ﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ [الإسراء: 20]، قال الحسن فيما روى الطبري عند تفسير الآية: كلا نعطي من الدنيا البر والفاجر.
ولابد أن أشير إلى أن مقصد الفتنة بالأموال لا يتعارض مع مقصد التمتع بها، فالتمتع مقصود بشرط ألا يوقع في الفتن ما ظهر منها وما بطن.
من أنواع الفتنة بالأموال
جاء التعبير القرآني عن الفتنة بالأموال باسم المفرد النكرة المثبتة ثلاث مرات «فتنة«، وبفعل المضارع مع لام التعليل مرتين «لنفتنهم فيه«.
والأصل أن النكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق الذي يدل على مبهم غير معين والتعبير بالفتنة بالمصدر يدل على الدوام والاستمرار، كما أن التعبير عنها بفعل المضارع يدل على التجدد والاستمرار كما يدل على الوقوع في الحال والاستقبال. ومن الفتن بالمال التي جاءت في القرآن والسنة:
1- الفتنة في التزام شرع الله في الأموال
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المائدة: 94].
هذه الآية تدل على أن الابتلاء بالصيد – ومثله سائر الأموال – مقصده أن يعلم الله من يخافه بالغيب. قال البغوي في تفسيره: أي ليختبرنكم الله، وفائدة البلوى إظهار المطيع من العاصي أ هـ. وهذا الابتلاء بالصيد في الآية غير خاص بالمُحرم، بل يشمل المحُل أيضًا، فالكل مطالب برعاية شريعة الله في الصيد، على ما رجحه ابن العربي في تفسيره.
ولهذا فالفتنة العامة في الأموال هي ليعلم الله من يخافه بالغيب في كسب الأموال من حلها، وصرفها في محلها. وهل يفعل عباده ما أوجب وأمر، وينتهون عما نهى عنه وزجر. وكل ذلك رحمة بهم ومصلحة لهم.
وعلى كل حال فهذا الاختبار يشمل ما عمله المرء في الأموال وغيرها، كما قال تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الحجر:92-93]، وعن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه37».
2- الفتنة في المحبة القلبية الاختيارية وفي الركون للدنيا
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 24].
والمراد في الآية «المحبة الاختيارية دون الطبيعية؛ فإنها لا تدخل تحت التكليف، والتحفظ عنها« كما قال ابن عجيبة في تفسيره. وقد حقق الشاطبي أن الشهوات الجبلية لا يطلب رفعها بل ضبطها، ولا يطالب إلا بتوابعها، قال رحمه الله: «والذي يظهر من أمر الحب والبغض والجبن والشجاعة والغضب والخوف ونحوها أنها داخلة على الإنسان إضطرارًا؛ إما لأنها من أصل الخلقة، فلا يطلب إلا بتوابعها؛ فإن ما في فطرة الإنسان من الأوصاف يتبعها بلا بد أفعال اكتسابية، فالطلب وارد على تلك الأفعال لا على ما نشأت عنه38».
3- الفتنة بالغنى والفقر: وكلاهما من أشد الفتن كما وردت بذلك النصوص ومنها:
﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلَّا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ [الفجر: 15-20].
﴿كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق: 6-7].
«أبشروا، وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم39».
وقد ورد في الدعاء النبوي الاستعاذة من شر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر؛ أي ما يترتب عليهما من شر، كالبطر والطغيان والتحاسد والتباغض في الغنى، والجزع واليأس والكذب في الفقر.
3- الفتنة بالمصائب في الأموال: وقد جاءت هذه الفتنة مبينة صراحة في القرآن في موضعين:
الموضع الأول: قوله تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [ال عمران: 186].
والموضع الثاني: قوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة: 155-156].
ومقصد الفتنة بالمصائب في الأموال كما بينت تلك الآيات هو التحقق بالصبر والاسترجاع وعدم الجزع وسلوك سبيل التقوى.
4- الفتنة بالاستدراج في المال: وفيها قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: 44].
قال البيضاوي: وفي إنعامه عليهم مع كفرهم وجهان: أحدهما: ليكون إنعامه عليهم داعيًا إلى إيمانهم. والثاني: ليكون استدراجًا وبلوى، وقد روى عقبة ابن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيت الله يعطي العباد ما يشاؤون على معاصيهم إياه، فإنما هو استدراج« ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾40 أ هـ.
ورواه البيهقي عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا رأيت الله يُعطي عبدًا من الدنيا على معصية مما يحب، فإنما ذلك منه استدراج، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ الآية41.
المقصد (5): التقرب إلى الله بالأموال
الآيات المحورية التي تنص على مقصد التقرب إلى الله بالأموال
1- ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ: 37].
2- ﴿وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 99].
بيان مقصد التقرب إلى الله بالأموال
من مقاصد خلق الأموال: أن تكون زلفى وقربة إلى الله الخلاق الرزاق، والقربة "ما قربه من رضا الله ومحبته42«، والزلفى: المنزلة والحظوة43. والتقرب إلى الله بالأموال، لا يعد كذلك إلا بشرطين: السلامة من الشرك الأكبر والأصغر وصلاح العمل. قال تعالى: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ: 37].
صور التقرب بالأموال
التقرب إلى الله يكون بوضعها في مصلحة مشروعة خاصة أو عامة مع استحضار النية، لتكون في سبيل الله. والقاعدة أن «كل خير هو في سبيل الله» كما قال البغوي44.
ومن صوره:
1- العبادات المالية: وأرفع أنواع التقرب بالأموال هي العبادات المالية، وخاصة الفرائض منها لحديث «ما تقرب إلي عبدي بأفضل مما افترضته عليه45».
2- العادات المالية بنية: جميع العادات المالية يندب أن تتخذ قربة لله، وإن كانت النية ليست شرطًا، في صحتها من حيث هي. ومن أبرز العادات المالية: التمتع بالأموال بنية، والإنفاق بنية، والاستثمار بنية. وكم هو عظيم هنا حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم مبشر الأنصارية في نخل لها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «من غرس هذا النخل؟ أمسلم أم كافر؟« فقالت: بل مسلم، فقال: «لا يغرس مسلم غرسًا، ولا يزرع زرعًا، فيأكل منه إنسان، ولا دابة، ولا شيء، إلا كانت له صدقة46».
3. التقرب بالنية عند العجز: من لم يرزقه الله مالًا كافيًا ليتقرب به إلى الله بأنواع القربات الصغيرة والكبيرة، فله في شرعنا الحنيف، أن يتقرب بالنية فقط، وله أجر نيته بإذن الله أكرم الأكرمين. والدليل على ذلك حديث أبي كبشة عمرو بن سعد الأنماري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الدنيا لأربعة نفر: 1)عبد رزقه الله مالًا وعلمًا، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا فهذا بأفضل المنازل. 2) وعبد رزقه الله علمًا، ولم يرزقه مالًا فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالًا لعملت عمل فلان، فهو بنيته: فأجرهما سواء47».
ولكن التقرب بالنية فقط يستوي مع من نوى وتقرب فعلًا بالمال أو غيره في أصل الأجر لا في مضاعفته48.
المقصد (6): شكر المنعم بالأموال
الآيات التي تنص على مقصد شكر المنعم بالأموال
1- ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: 10].
2- ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ [الأنبياء: 80].
بيان مقصد شكر المنعم
من مقاصد خلق الأموال في القرآن الكريم أن يشكر الله المنعم الناس عليها، فهي من أجل النعم على البشرية، وموجب النعم الشكر.
قال الشاطبي بعد أن ذكر أن من مقاصد الشارع الاستمتاع بالنعم والشكر عليها: «وهذان القصدان أظهر في الشريعة من أن يستدل عليهما49». وقال رحمه الله في تعريف الشكر: «والشكر هو صرف ما أنعم عليك في مرضاة المنعم، وهو راجع إلى الانصراف إليه بالكلية، ومعنى بالكلية أن يكرم جاريًا على مقتضى مرضاته بحسب الاستطاعة في كل حال، وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا50». وعرفه ابن القيم بأنه: «ظهر أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافًا، وعلى قلبه: شهودًا ومحبة، وعلى جوارحه: انقيادًا وطاعة51».
المقصد (7): التذكر والتفكر في الأموال
الآيات المحورية التي تنص على مقصد التذكر والتفكر خلقًا وتدبيرًا
1- ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الرعد: 3].
2- ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 130].
3- ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الروم: 37].
بيان مقصد التذكر والتفكر في الأموال خلقًا وتدبيرًا
الآيات السابقة وغيرها كثير في القرآن تنص على قصد الشارع إلى التفكر في خلق الأموال، وليس فقط الانتفاع والاستمتاع بها. كما تدل صراحة على قصد الشارع إلى التفكر في الأوضاع والأحوال المالية للبشر.
والمقصد الأول – وهو التفكر في خلق الأموال – ورد بالأوامر التصريحية المجردة في القرآن الكريم كثيرًا، ومنها قوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ [عبس: 24-32].
كما أن المقصد الثاني، وهو التفكر في التدبير الإلهي في الأموال، سواء كان عطاء أو سلبًا، قد ورد – أيضًا – الأمر به أمرًا تصريحيًا كما في قوله تعالى: ﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 21].
ومما يحسن التنبيه إليه أن المفعول فيه – في صيغ التفكر والتذكر والتعقل وغيرها مما نصت عليه الآيات الكريمة – محذوف، وهذا يدل على عمومه. وعليه فإن التفكر يشمل التفكر الديني، كما يشمل التفكر الدنيوي. ويجب على المسلمين أن يسبقوا في الإثنين معًا.
المطلب الثاني: مقاصد التدبير الرباني للأموال في القرآن
بين لنا الحق سبحانه الحق الذي خلق من أجله الأموال، كما بين لنا المدير الحكيم سبحانه وتعالى الحق الذي من أجله دبر للبشر عددًا من التدبيرات القدرية المالية، التي لا محيد عنها ولا مبدل لها.
قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ [يونس: 3].
وهذا التدبير الرباني للأموال في الحياة الدنيا وراءه حكم ومقاصد، وقد نص القرآن على مقصدين، هما: 1) اتخاذ البشر بعضهم بعضًا سخريا. 2) ودفع البغي والكفر.
المقصد (1): اتخاذ البشر بعضهم بعضًا سخريا
الآية التي تنص على مقصد اتخاذ البشر بعضهم بعضا سخريا
﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [الزخرف: 32-33].
بيان مقصد اتخاذ البشر بعضهم بعضًا سخريًا
الآية الكريمة في سورة الزخرف تقرر سنة ربانية اجتماعية، تعد مقصدًا من مقاصد التدبير الرباني للمال في هذه الحياة؛ فهي تبين أن مقصد سنة التفضيل في الرزق والأموال بين البشر، هو أن يسخر بعضهم بعضًا، ويستعمل بعضهم بعضًا، وبذلك تقوم حياتهم، وتتكون تجمعاتهم البشرية، وهو أيضًا دافع للجد والعمل، والمنافسة والمزاحمة، والابتكار والإعمار، حتى يرتقي الفرد وترتقي الجماعة من مستوى إلى آخر.
قال ابن عاشور: فلام ليتخذ لام التعليل تعليلًا لفعل قسمنا، أي قسمنا بينهم معيشتهم، أي أسباب معيشتهم، ليستعين بعضهم ببعض فيتعارفوا ويتجمعوا لأجل حاجة بعضهم إلى بعض فتتكون من ذلك القبائل والمدن. وعلى هذا يكون قوله: ﴿بَعْضُهُمْ بَعْضًا﴾ عامًا في كل بعض من الناس إذ ما من أحد إلا وهو مستعمل لغيره وهو مستعمل لغير آخر. أ هـ.
وقال البيضاوي: ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ ليستعمل بعضهم بعضًا في حوائجهم فيحصل بينهم تآلف وتضام ينتظم بذلك نظام العالم، لا لكمال في الموسع ولا لنقص في المقتر، ثم إنه لا اعتراض لهم علينا في ذلك ولا تصرف فكيف يكون فيما هو أعلى منه أ هـ.
وقد عبر عن هذه السنة الاجتماعية الشاعر العربي في قوله:
الناس للناس من مِن بدوٍ وحاضرةٍ | بعض لبعضٍ وإن لم يشعروا خدمُ [ينسب لأبي العلاء المعري.] |
هذه إذا هي حكمة التفاوت في الأموال، كما هي نفسها حكمة التفاوت في بقية أنواع الرزق المعنوية والمادية، فكل ذلك لمصلحة الإنسان فردًا وجماعة.
ولهذا فإن فلسفة الدين أو القرآن في هذا السياق، قائمة على أنه لو كان الناس كلهم أغنياء لتوقفت الحياة وتوقف الناس عن العمل وعمارة الأرض التي هي هدف الوجود على الأرض بعد العبادة. لهذا يهب الله عز وجل الرزق بقدر وبتفاوت، والقصد من ذلك دفع الناس لتحصيله باستمرار فيعمر بذلك الأرض بسعي من فيها في شتى المجالات. ومن هنا كانت حكمة التفضيل52.
مما يترتب على مقصد تسخير بعض البشر بعضا
1- فضل السعي والاحتراف: وقد وردت فيه نصوص كثيرة، ومنه ما يجب عينًا أو كفاية، ومنه ما يندب.
2- قانون تقسيم العمل والتخصص فيه: وهذا هو أصل ذلك المبدأ الاقتصادي الذي أشار إليه ابن خلدون في «المقدمة« وطوره آدم سميث في «ثروة الأمم53».
3- هل في هذا المقصد إقرار للطبقية الاجتماعية؟: قد يقال بأن مقصد وسنة اتخاذ بعض الناس لبعض سخريًا ومستخدمًا، هو إقرار للطبقية الاجتماعية، بحيث يحكم على البعض بأن يبقى «فوق« مسخرًا، والآخر بأن يعيش «تحت« مسخرًا.
ولكن لابد من التفريق بين الإخبار بالواقع البشري المجرد كما هو، وبين إكراه أعيان من البشر على أن يكون من اليد العليا أو اليد السفلى. فالإنسان هو الذي يختار أين يضع نفسه هل ضمن المسخّرين أم المسخرين، وهل يده يد عليا أوي د سفلى، كما يختار أن يكون مؤمنًا أم كافرًا.
بمعنى هناك عدل وتكافؤ في الفرص بين جميع البشر، كل بحسب همه وهمته، سواء مؤمنهم أو كافرهم، فما كان عطاء ربك محظورًا، ومن سلك الأسباب التي نصبها الله تعالى للرزق والمال ناله بإذن الله، ولكنه سبحانه يزيد من فضله من يشاء من عباده نعمة أو استدراجًا.
قال ابن عاشور في تفسيره للآية 32 من سورة الزخرف: فتعين أن المال قسمة من الله على الناس جعل له أسبابًا نظمها في سلك النظم الاجتماعية وجعل لها آثارًا مناسبة لها أ هـ. وقد كتب سيد قطب في ظلاله في الآية نفسها كلاما جميلا في المعنى نفسه.
المقصد (2): دفع البغي والكفر
الآيات المحورية التي تنص على مقصد دفع البغي والكفر
1- ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: 27].
2- ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ [الزخرف: 33].
بيان مقصد دفع البغي والكفر
مما يثير في موضوع الظلم في الأموال في القرآن، أن الله سبحانه وتعالى سد الذرائع إليه، بأحكام قدرية، إضافة إلى الأحكام التشريعية. ومن تلك الأحكام القدرية أمرن نصت على جميع الناس. والثاني: عدم تعميم الغنى على جميع الكفار.
وذلك كله خشية أن يصل الظلم إلى البغي، بل إلى الكفر. وذلك يدخل في «تعليله سبحانه عدم الحكم القدري والشرعي بوجود المانع منه» كما قال ابن قيم الجوزية54.
قال شقيق بن إبراهيم البلخي – كما نقل الثعلبي في تفسيره وغيره -: أي لو رزق الله العباد من غير كسب ﴿لبغوا﴾ طغوا وسعوا في الأرض بالفساد، ولكن شغلهم بالكسب والمعاش، رحمة منه أ ه.
وقال ابن عاشور: «لو جعل الله جميع الناس في بسطة من الرزق لاختل نظام حياتهم ببغي بعضهم على بعض« أ هـ. وهذا ما بينه قوله تعالى: ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ [الزخرف: 33]. قال ابن عاشور: ومعنى ﴿لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ﴾ لقدرنا في نظام المجتمع البشري أسباب الثراء متصلة بالكفر بالله بحيث يكون الكفر سببًا ومجلبة للغنى، ولو أراد الله ذلك لهيأ له أسبابه في عقول الناس وأساليب معاملاتهم المالية. فدل هذا على أن الله منع أسباب تعميم الكفر في الأرض لطفًا منه بالإيمان وأهله، وإن كان لم يمنع وقوع كفر جزئي قليل أو كثير حفظًا منه تعالى لناموس ترتيب المسببات على أسبابها. وهذا من تفاريع التفرقة بين الرضى والإرادة فلا يرضى لعباده الكفر ولو شاء ربك ما فعلوه أ هـ.
مما يترتب على مقصد دفع البغي والكفر:
1- أن الغنى مدعاة إلى البغي والطغيان.
2- أن الغنى لبعض الناس دون بعض.
3- أن ترك البغي مجلبة للغنى.
المبحث الثاني: المقاصد التشريعية للأموال في القرآن
بين ابن قيم الجوزية أن شرع الله أدل على عظمته من خلقه، ومن هنا كان أعلم وأخص عباده من عرف حكمته في شرعه. وهذا حال الأنبياء وورثتهم من العلماء. قال رحمه الله «فهو أعظم آياته وأوضح بيناته وأظهر حججه على أن الله الذي لا إله إلا هو وأنه المتصف بكل كمال المنزه عن كل عيب ومثال55».
وفي باب الأموال نجد أن القرآن الكريم نص على المقاصد والحكم التالية:
1- دفع التظالم.
2- دفع التنازع.
3- دفع الاحتكار.
4- التزكية.
5- الفلاح.
المقصد (1): دفع التظالم
الآية المحورية التي تنص على مقصد دفع التظالم
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 278-279].
بيان مقصد دفع التظالم
الآية الكريمة رقم (279) في سورة البقرة صريحة في بيان أن الحكمة من تحريم الربا ووجوب رد رأس المال هي: دفع التظالم ﴿لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾.
قال الراغب: «والظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء: وضع الشيء في غير موضعه المختص به، إما ينقصان أو بزيادة، وإما بعدول عن وقته أو مكانه.. والظلم يقال في مجاوزة الحق56». وقال الواحدي: «واصل الظلم، وضع الشيء غير موضوعه.. والعاصي ظالم لوضعه أمر الله في غير موضعه، ووضعه المعصية حيث يجب أن يطبع57». وقال أبو هلال العسكري: «واصل الظلم نقصان الحق، والجور العدول عن الحق58».
ومهما يكن فكلا المعنين مراد في الآية الكريمة في الربا: فالظلم من المرابي نقص من مال غيره، بأخذ زيادة منه بلا شيء وبلا مقابل، وهذا هو مقصد تحريم الربا. وقد يقع الظلم على المرابي بنقصان رأس ماله أو المماطلة في إرجاعه.
ويدل على معنى النقص من مال الغير في الربا قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: 39]، أي ليزيد – أو لتزيدوا على قراءة (لتُربوا) – من أموال الناس، أي تأخذوا زيادة منهم لكم، وتكون «في« بمعنى «من«، وهو أمر معروف في لسان العرب وفي القرآن كما في وله تعالى: ﴿وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ﴾ [النساء: 5].
ومن جهة أخرى فالربا وضع للنقد في غير موضعه، قال الغزالي: «وكل من عامل معاملة الربا على الدراهم والدنانير فقد كفر النعمة وظلم؛ لأنهما خلقا لغيرهما لا لنفسهما، إذ لا غرض في عينهما، فإذا اتجر في عينهما فقد اتخذهما مقصودًا على خلاف وضع الحكمة، إذ طلب النقد لغير ما وضع له ظلم. ومن معه ثوب ولا نقد معه فقد لا يقدر على أن يشتري به طعامًا ودابة، إذ ربما لا يباع الطعام والدابة بالثوب فهو معذور في بيعه بنقد آخر ليحصل النقد فيتوصل به إلى مقصوده، فإنهما وسيلتان إلى الغير لا غرض في أعيانهما59».
ومن الألفاظ الجامعة التي يُؤخذ منها أيضًا تحريم الظلم في الأموال: نهى القرآن عن أكل المال بالباطل، أي بغير حق، وقد تكرر الأمر التصريحي المجرد بذلك أربع مرات في القرآن الكريم، منها قوله تعالى: ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 188]، وقوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].
قال القرطبي: والمعنى: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق. فيدخل في هذا: القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه، أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه، كمهر البغي وحلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك. ولا يدخل فيه الغبن في البيع مع معرفة البائع بحقيقة ما باع؛ لأن الغبن كأنه هبة.. «وقوله تعالى: «بالباطل«: الباطل في اللغة: الذاهب الزائل أهـ. ولهذا فالظلم في الأموال يكون: «إما بعدم بذل الواجب، وإما بإتيان محرم60». وتفصيل ذلك في كتب الفروع الفقهية.
قواعد حاكمة للظلم في الأموال
إذا كان دفع الظلم والتظالم مقصدًا من مقاصد الأموال، فإن هذا الظلم، تحكمه بعض القواعد في فهمه وتنزيله على الواقع:
القاعدة الأولى: الظلم قطعي واجتهادي: فمنه ما هو متفق علهي بين العقلاء كالسرقة، ومنه ما بينته الشريعة الغراء بنصوص قطعية كالربا والميسر، ومنه نوع اجتهادي اختلف فيه الفقهاء بين موسع ومضيق. ولا اجتهاد مع النص القطعي، إلا اجتهادًا في تنزيله وتطبيقه وتحقيق مناطه، ولا إنكار في المختلف فيه.
القاعدة الثانية: الظلم المالي على مراتب: وهذا هو الشأن في الظلم مطلقًا، قال ابن عطية: «والظلم في أحكام الشرع على مراتب، أعلاها الشرك، ثم ظلم المعاصي، وهي مراتب61»، فظلم المعاصي المالية مراتب بعضها أشد من بعض، وبعضها أخف من بعض. وأشد أنواع الظلم المالي السرقة؛ لأنها أخذ للمال كله من حرز بلا شبهة مصحوب بالعدوان، ولأنها تثبت فيها الحد الشرعي بالقطع. والمحرمات المالية فيها شبه بالسرقة وكلما اشتد الشبه اشتدت الحرمة.
القاعدة الثالثة: الظلم يُراعى في الجنس لا في الأفراد: فلا يشترط أن يتحقق في جميع صور المعاملة المحرمة، وذلك مثل الربا، فإن بعض أفراده قد لا يتبين فيه وجه الظلم، ومع ذلك فهو محرم لحق الله تعالى، إذا تحققت فيه الصورة الشرعية للربا. قال الكفوي: «والحكمة تراعي في الجنس لا في الأفراد؛ فالحكمة في فساد البيع بشرط لا يقتضيه العقد ولأحد العاقدين نفع، لاحتمال النزاع، فلا ينقلب صحيحًا فيما إذا لم يوجد النزاع في بعض الأفراد، فحق الفسخ ثابت لمن له النفع، والحكمة في حرمة الخمر البغضاء والصدود عن الصلاة، فلا عبرة بعد وقوعها في بعض الأفراد، والحرمة ثابتة لكل أحد62».
القاعدة الرابعة: النهي عن الظلم لا يقتضي الفساد إذا كان حقًا خالصً للعبد: وإن كان يقتضي الإثم، وذلك مثل الظلم في المعاملات القائمة على الغش، فالشارع الحكيم أثبت الخيار للمغشوش في إمضاء الصفقة والاعتياض عن الغش، أو فسخها وتراد العوضين، مع زيادة في بعض الأحوال، كما هو الشأن بالنسبة للمصراة.
قال ابن تيمية بعد أن ذكر الخلاف في المسألة، وأن أكثر الفقهاء يقولون بوقف العقود على مشيئة المظلوم في هذا النوع من الظلم: «والتحقيق: أن هذا النوع لم يكن النهي فيه لحق الله، كنكاح المحرمات والمطلقة ثلاثا وبيع الربا؛ بل لحق الإنسان؛ بحيث لو علم المشتري أن صاحب السلعة ينجش، ورضي بذلك جاز. وكذلك إذا علم أن غيره ينجش. وكذلك المخطوبة متى أذن الخاطب الأول فيها جاز. ولما كان النهي هنا لحق الآدمي: لم يجعله الشارع صحيحًا لازمًا، كالحلال؛ بل أثبت حق المظلوم وسلطه على الخيار. فإن شاء أمضى وإن شاء فسخ. فالمشتري مع النجش إن شاء رد المبيع فحصل بهذا مقصوده، وإن شاء رضي به إذا علم بالنجش. فأما كونه فاسدًا مردودًا وإن رضي به: فهذا لا وجه له63».
المقصد (2): دفع التنازع
الآيات التي تنص على مقصد دفع التنازع
1- ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا﴾ [البقرة: 282].
2- ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: 108].
بيان مقصد دفع التنازع
من بدائع الشريعة الإسلامية أن أطول آية في كتاب الله جل وعلا كانت في مقصد حفظ الدين ومنع التنازل فيه، وهي الآية 282 من سورة البقرة. وقد تضمنت هذه الآية – وكذلك الآيتان 108 و109 في المائدة – تشريعات لوسيلتين أساسيتين من وسائل حفظ الحقوق، وهما: الكتابة والشهادة.
فالمقاصد من طلب كتابة الدين والإشهاد عليه في آية الدين هي: تحقيق القسط، والقيام بالشهادة، والبعد عن الريبة، ومقصد تصنيف شهادة المرأة في الأموال هو التذكير عند النسيان.
ومقاصد أحكام الشهادة في آية الوصية: إقامة الشهادة على وجهها الصادق، وفضح المتلاعبين في الشهادة.
وكل ذلك من أجل دفع التنازع وحفظ الحقوق، ففي آية الدين – كما قال ابن عاشور في تفسيره: تصريح بالعلة لتشريع الأمر بالكتابة: بأن الكتابة فيها زيادة التوثق، وهو: أقسط أي أشد قسطًا، أي عدلًا؛ لأنه أحفظ للحق، وأقوم للشهادة، أي أعون على إقامتها، واقرب إلى نفي الريبة والشك، فهذه ثلاث علل، ويستخرج منها أن المقصد الشرعي أن تكون الشهادة في الحقوق بينة واضحة، بعيدة عن الاحتمالات والتوهمات. واسم الإشارة عائد إلى جميع ما تقدم باعتبار أنه مذكور، فلذلك أشير إليه باسم إشارة الواحد. وفي الآية حجة لجواز تعليل الحكم الشرعي بعلل متعددة وهذا لا ينبغي الاختلاف فيه أهـ.
وفي آية الإشهاد على الوصية – كما قال ابن عجيبة في تفسيره: أمر في هذه الآية بالاعتناء بشأن الأموال؛ بحفظها، والأمر بالإيصاء عليها ودفعها لمستحقها؛ إذا كلاهما يقربان إلى رضوان الله أهـ.
مما يترتب على مقصد دفع التنازع
من الأحكام التي تترتب على مقصد حفظ الحقوق ودفع التنازع فيها، مما تضمنته الآيات الكريمة التي تنص على هذا المقصد:
- قبول شهادة غير المسلم، وهو رأي الإمام أحمد في الوصية في السفر.
- وقبول تحليف الشهود وإن لم يجر عليها العمل عند السلف64.
- وقاعدة وسائل حفظ الحقوق أوسع مما نص عليه الشارع. قال ابن قمي الجوزية: «فالطرق التي يحكم بها الحاكم أوسع من الطرق التي أرشد الله صاحب الحق إلى أن يحفظ حقه بها.. وهذا أصل عظيم، فيجب أن يعرف، غلط فيه كثير من الناس65».
المقصد (3): دفع الاحتكار
الآية المحورية التي تنص على مقصد دفع الاحتكار
﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: 7].
بيان مقصد دفع الاحتكار
قال ابن عاشور في تفسير قوله تعالى: ﴿كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾: أي شرعنا صرفه لمن سميناهم دون أن يكون لأهل الجيش حق فيه، لينال الفقراء منه حظوظهم فيصبحوا أغنياء فلا يكون مُدالًا بين طائفة الأغنياء كما كانوا في الجاهلية يأخذ قادتهم المرباع ويأخذ الغزاة ثلاثة الأرباع فيبقى المال كله لطائفة خاصة.
وقال أيضًا في تفسيره: وقد بدا من هذا التعليل أن من مقاصد الشريعة أن يكون المال دولة بين الأمة الإسلامية على نظام محكم فيه انتقاله من كل مال لم يسبق عليه مِلك لأحد، مثل: 1) الموات والفيء واللقطات والركاز، 2) أو كان جزءًا معينًا مثل: الزكاة والكفارات وتخميس المغانم والخراج والمواريث، 3) وعقود المعاملات التي بين جانبي مال وعمل مثل: القراض والمغارسة، والمساقاة، 4) وفي الأموال التي يظفر بها الظافر بدون عمل وسعي مثل: الفيء والركاز، وما ألقاه البحر أهـ.
ولهذا فاحتكار الثروات عمل خاطئ آثم كما في الحديث «لا يحتكر إلا خاطئ66».
ولهذا فقاعدتنا تمثل – على حد قول سيد قطب في تفسيره – جانبًا كبيرًا من أسس النظرية الاقتصادية في الإسلام. فالملكية الفردية معترف بها في هذا النظرية، ولكنها محددة بهذه القاعدة، قاعدة ألا يكون المال دولة بين الأغنياء، وممنوعًا من التداول بين الفقراء. فكل وضع ينتهي إلى أن يكون المال دولة بين الأغنياء وحدهم هو وضع يخالف النظرية الاقتصادية الإسلامية كما يخالف هدفًا من أهداف التنظيم الاجتماعي كله. وجميع الارتباطات والمعاملات في المجتمع الإسلامي يجب أن تنظم بحيث لا تخلق مثل هذا الوضع أو تتقي عليه إن وجد.
وعلى الجملة أقام الإسلام نظامه الاقتصادي كله بحيث يحقق تلك القاعدة الكبرى التي تعد قيدًا أصيلًا على حق الملكية الفردية بجانب القيود الأخرى.
ومن ثم فالنظام الإسلامي نظام يبيح الملكية الفردية، ولكنه ليس هو النظام الرأسمالي، كما أن النظام الرأسمالي ليس منقولًا عنه، فما يقوم النظام الرأسمالي إطلاقًا بدون ربا وبدون احتكار، إنما هو نظام خاص من لدن حكيم خبير، نشأ وحده، وسار وحده، وبقي حتى اليوم وحده، نظامًا فريدًا متوازن الجوانب، متعادل الحقوق والواجبات، متناسقًا تناسق الكون كله. مذ كان صدوره عن خالق الكون، والكون متناسق وموزون! أهـ.
من تطبيقات المقصد
لقاعدتنا ومقصدنا تطبيقات كثيرة في أحكام الشريعة، ومنها:
- تشريع نظام الزكاة والنفقات ونظام الإرث والوصية: وهما أعظم وسائل تدوير الثروات. يقول ابن عاشور في تفسيره: ثم عمدت (أي الشريعة) إلى الانتزاع من هذا المال انتزاعًا منظمًا فجعلت منه انتزاعًا جبريًا بعضه في حياة صاحب المال وبعضه بعد موته. فأما الذي في حياته فهو الصدقات الواجبة، ومنها الزكاة، ويلحق بهذا النوع أخذ الخمس من الغنيمة.. وكذلك يلحق به النفقات الواجبة غير نفقة الزوجة لأنها غير منظور فيها إلى الانتزاع إذ هي في مقابلة تألف العائلة، ولا نفقة الأولاد كذلك لأن الداعي إليها جيلي. أما نفقة غير البنين عند من يوجب نفقة القرابة فهي من قسم الانتزاع الواجب، ومن الانتزاع الواجب الكفارات في حنث اليمين، وفطر رمضان، والظهار، والإيلاء، وجزاء الصيد. فهذا توزيع بعض مال الحي في حياته. وأما توزيع المال بعد وفاة صاحبه فذلك ببيان فرائض الإرث على وجه لا يقبل الزيادة والنقصان. وقد كان العرب يعطون أموالهم لمن يحبون من أجنبي أو قريب كما قدمنا بيانه في قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾، وكان بعض الأمم يجعل الإرث للأكبر. وجعل توزيع هذه الفرائض على وجه الرحمة بالناس أصحاب الأموال، فلم تعط أموالهم إلا لأقرب الناس إليهم أهـ.
- منع الاحتكار في الأسواق: وأوسع المذاهب فيه هو مذهب المالكية؛ لأنهم جعلوه في كل ما يتضرر الناس بحبسه، ونصر ابن تيمية وابن القيم مذهب مالك، وذهبا إلى منع احتكار العمل واحتكار بيع الصنف الواحد، وبهذا التوسيع أخذت القوانين والأنظار الاقتصادية الحديثة67.
- إقرار العقود الناقلة للملكية: فقد أقرت الشريعة ما تعارف الناس من عقود تمليك إلا ما كان فيها ظلم أو أدى إلى نزاع، ويسرت في باب المعاملات وندبت إلى المسامحة فيها.
- عدم قسمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأراضي الفيء.
- منع الوقف على الأغنياء على المختار.
- تشريع التداين والترغيب في القرض: قال ابن عاشور: «والتداين من أعظم أسباب رواج المعاملات.. فشرع الله تعالى للناس بقاء التداين المتعارف بينهم كيلا يظنوا أن تحريم الربا والرجوع بالمتعاملين إلى رؤوس أموالهم إبطال للتداين كله. وأفاد ذلك التشريع بوضعه في تشريع آخر مكمل له وهو التوثق له بالكتابة والإشهاد«.
ولهذا فإن التمويل البنكي المعاصر يجب ألا يبقى دولة بين الأغنياء فقط، بل يتاح للطبقة المتوسطة والفقيرة أيضًا، خاصة وأن معظم أموال البنوك هي للمودعين فيها، وليس لملاك البنوك، أصحاب حقوق الملكية، فكيف يجعلون الأغنياء وحدهم أصحاب الامتياز في التمويل والتداين، مع أن هناك طبقة كبيرة من الطبقة المتوسطة والفقيرة لهم أيضًا ودائع في تلك البنوك.
والدول مطالبة بأن تخصص بنوكًا ومؤسسات لهذا الغرض، كما هي مطالبة بأن تفرض على البنوك تخصيص قدر من محفظتها التمويلية للتمويل الأصغر، وهو ما قامت به السودان، التي فرضت تخصيص 12,5% من المحفظة التمويلية للتمويل الموجه نحو الفئات المعوزة.
المقصد (4): التزكية
الآيات المحورية التي تنص على مقصد التزكية بالأموال
1- ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [التوبة: 103].
2- ﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ [الليل: 18].
بيان مقصد التزكية بالمال
الآيتان الكريمتان في سورة التوبة والليل تصرحان بن من مقاصد التشريعات المالية تحصيل التزكية بالأموال، وهو مقصد إيماني أخلاقي.
قال القرطبي: قوله تعالى: ﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ حالين للمخاطب؛ التقدير: خذها مطهرًا لهم ومزكيًا لهم بها. ويجوز أن يجعلها صفتين للصدقة؛ أي صدقة مطهرة لهم مُزكية.
والتزكية: مبالغة في التطهير وزيادة فيه، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال أهـ.
وقال الرازي: واعلم أن التزكية لما كانت معطوفة على التطهير وجب حصول المغايرة، فقيل، التزكية مبالغة في التطهير، وقيل: التزكية بمعنى الإنماء، والمعنى: أنه تعالى يجعل النقصان الحاصل بسبب إخراج قدر الزكاة سببًا للإنماء، وقيل: الصدقة تطهرهم عن نجاسة الذنب والمعصية، والرسول عليه السلام يزكيهم ويعظهم بشأنهم ويثني عليهم عند إخراجها إلى الفقراء أهـ.
وقال ابن عاشور في تفسيره: فقوله: ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ إشارة إلى مقام التخلية عن السيئات، وقوله ﴿َتُزَكِّيهِمْ﴾ إشارة إلى مقام التحلية بالفضائل والحسنات، ولا جرم أن التخلية مقدمة على التحلية أهـ.
وقد أفادت آية سورة الليل معنى جميلًا، وهو أن التزكية ليست عملًا يسيرًا، بل يتاج جهدًا وتكلفًا، فقد استعمل فعل «يتزكى« في الآية الكريمة ﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾، «والتزكي: تكلف الزكاء، وهو النماء من الخير68».
وسائل التزكية بالمال
1- أكل الحلال: قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ﴾ [المائدة: 91].
وهذه الآية الكريمة نص في أن الوقوع في المحرمات المالية، سواء كانت محرمة في ذاتها كالخمر، أو في وسيلتها كالميسر، يفسد القلوب والعلاقات الاجتماعية، ويصد عن الوسائل الأساسية للتزكية كذكر الله والصلاة.
وهناك نصوص أخرى تبين أهمية أكل الحلال في التزكية، منها مَا رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، قال: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ [المؤمنون: 51]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر: أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأني يستجاب لذلك؟».69
قال ابن رجب في شرحه هذا الحديث: «ومن أعظم مَا يحصل به طيبة الأعمال للمؤمن طيب مطعمه، وأن يكون من حلال، فبذلك يزكو عمله. وفي هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يقبل العمل ولا يزكو إلا بأكله الحلال، وإن أكل الحرام يفسد العمل، ويمنع قبوله»70.
ولهذا فالبعد عن المحرمات المالية كسبا وصرفا وسيلة من وسائل التزكية بواسطة الأموال في القرآن الكريم.
وهذا أحد شرطين لمن ينتسب إلى السنة وأهل السنة، قال ابن رجب: «ومراد هؤلاء الأئمة بالسنة طريقة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان عليها هو وأصحابه السالمة من الشبهات والشهوات. ولهذا كان الفضيل ابن عياض: أهل السنة من عرف مَا يدخل في بطنه من حلال، وذلك لأن أكل الحلال من أعظم خصال السنة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنه»71.
2. الإنفاق: يتحقق مقصد الطهارة والتزكية في آية سورة التوبة بإخراج فريضة الزكاة، وسنتها الآية الكريمة «صَدَقَةً «، وقوله تعالى: ﴿صَدَقَةً﴾، كَمَا قال القرطبي: مأخوذ من الصدق، إذ هي دليل على صحة إيمانه، وصدق باطنه مع ظاهره، وانه لَيْسَ من المنافقين الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات أ. ه.
وقد اختلف في المراد من الصدقة في الآية، هل هو: الزكاة، أو كفارة ذنوب قوم تيب عليهم، أو للتطوع مطلقا؟.
قال ابن العربي: وهذه الأقوال الثلاثة في معنى الصدقة محتملة. والأظهر أنها صدقة الفرض؛ لأن التعلق لا يكون إلا بدليل يبين أن هذا مرتبط بما قبله متعلق به مَا بعده ـ أ ه.
أما التزكي بالإنفاق المندوب بمنصوص في آية سورة الليل، قال ابن عطية في تفسيره: قوله تعالى (يتزكى) معناه: يتطهر ويتنمى، وهذا الإتيان أنه في المندوبات أهـ.
كَمَا هو منصوص في السنة، كَمَا في قوله صلى الله عليه وسلم: «ومن قال لصاحبه تعالى أقامرك فليتصدق»72. وقال ابن بطال: «لأن المقامر لا يخلو أن يكون غالبا أو مغلوبا، فإن كان غالبا فالصدقة كفارة لما كان يدخل في يده من الميسر، وإن كان مغلوبا فإخراجه الصدقة لوجه الله أولى من إخراجه عن يده شيئا لا يحل لَهُ إخراجه»73.
المقصد (5): الفلاح
الآيات التي تنص على مقصد الفلاح
1. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [ال عمران: 130].
2. ﴿قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 100].
بيان مقصد الفلاح
المفعول به في قوله تعالى ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ محذوف في الآيات، وهذا يدل على عمومه لفلاح الدنيا والأخرة. وهذا العموم تبينه نصوص قرآنية وحديثية كثيرة تبين المصالح والمفاسد في التشريعات المالية. كَمَا يؤكده أن الشريعة جاءت لمصالح العباد وسعادتهم في الآجل والأجل، وهي قاعدة مقاصديه وعقدية مقطوع بها.
وعليه فأن المسلم الفرد والجماعة المسلمة إذا اتبع شرع الله فيما أحل وأوجب وندب وكره وحرم في الأموال، كسبا وصرفا فإن الفلاح مضمون في الدنيا والأخرة، إذن الله تعالى، ومن لم يكن كذلك، فليراجع دينه.
وإن الأزمات المالية التي يعرفها الاقتصاد الرأسمالي، مع أنه أقوى اقتصاد عالمي في وقتنا الحاضر، تبين أن الفلاح وتجنب هذه الأزمات رهين لاتباع شريعة القرآن والسنة في مجال الأموال.
وإذا كان يقال بأن الحق مَا شهدت به الخصوم فإن هذه الحاجة إلى الشريعة في حل أزمات الاقتصاد الرأسمالي واختلالاته، جاءت على لسان الرأسماليين أنفسهم.
منهم مثلا العالم الاقتصادي الفرنسي البارز «موريس آليه» الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1988م، والذي كتب مقالا مطولا بعنوان «الشروط النقدية لاقتصاد الأسواق: من دروس الأمس إلى إصلاحات الغد» سطر فيه انتقادات حادة إلى أسلوب عمل الأسواق المالية والنظام المالي الرأسمالي، فتنبأ فيه بحدوث أزمات حادة، وشبه البورصات وما يتم فيها بــــ «كازينوهات للمراهقين والمقامرين». وفي هذا المقال القيم قَدْ رجل مجموعة من الإصلاحات كلها تتفق مع مَا جاء به الإسلام. وهناك أيْضًا مقال لــ «رولاند لاسكين» رئيس تحرير صحيفة «لوجورنال دو فينانس» في مقاله «هل حان الوقت لاعتماد مبادئ الشريعة الإسلامية في وول ستريت؟» يقول فيه «إذا كان قادتنا حقا يسعون إلى الحد من المضاربة المالية التي تسببت في الأزمة، فلا شيء أكثر بساطة من تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية».
هناك، أيْضًا ، «بوفيس فانسون» رئيس تحرير مجلة تشالنج «تحديات» كبرى الصحف الاقتصادية في أوروبا، حيث كتب مقالا افتتاحيا للجريدة في سبتمبر 2008م بعنوان «البابا أو القرآن»74.ومما جاء فِيْه «أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن لفهم مَا يحدث بنا وبمصارفنا؛ لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام مَا ورد في القرآن من احاكم وتعاليم وطبقوها، مَا حل بنا مَا حل من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المذري؛ لأن النقود لا تلد نقوداً»75.
وهذه الأزمات تجليات للحرب الَّتِي أذن الله بِهَا للمرابين وغيرهم ممن هم أظلم منهم فِي الأموال. قَالَ تَعَالَىٰ فِي الربا: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: 275]، وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [البقرة: 279].
وقد اختلف المفسرون فِي التخبط والحرب هل هما على الحقيقة أو على المجاز؟، ولا مانع من حملهما على الجهتين، بَلِ هُوَ أولى حملا للفظ على كل معانيه المقبولة.
قَالَ ابن عاشور فِي تفسيره للآية الأولى: فالآية على المعنى الحقيقي وعيد لهم بابتداء تعذيبهم من وقت القيام للحساب إلى أن يدخلوا النار: وهي على المعنى المجازي تشنيع، أو توعد بسوء الحال فِي الدنيا ولفي المتاعب ومرارة الحياة تحت صورة يخلها الرائي مستقيما أهـ.
لكن الأزمات المالية، قَدْ لاَ تكون بسبب الظلم، وإنما ابتلاء وتمحيص، كَمَا وقعت المجاعة فِي عام الرمادة سنة 17 ه زمن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عَنْهُ والله أعلم. ﴿وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾ [الرعد: 41].
ملحق بالآيات الَّتِي تنص على مقاصد الأموال فِي القرآن
مقصد (1): القيام والقيمة
1. ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: 5].
2. ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: 10].
3. ﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ [الحجر: 19 - 20].
4. ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 24].
مقصد (2) المتاع
5. ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [ال عمران: 14].
6. ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 32].
7. ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة: 219].
8. ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [المائدة: 96].
9. ﴿وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [الأنعام: 142].
10. ﴿وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ﴾ [الرعد: 17].
11. ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: 5].
12. ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ [النحل: 6].
13. ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: 7].
14. ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 8].
15. ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ [النحل: 80].
16. ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ [النحل: 81].
17. ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: 46].
18. ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ [الأنبياء: 80].
19. ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ [يس: 71 - 72].
20. ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ [غافر: 79-80].
21. ﴿مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ [عبس: 32].
22. ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾ [الشعراء: 128].
23. ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ [الشعراء: 129].
مقصد (3): الفتنة
24. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المائدة: 94].
25. ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [الأنفال: 28].
26. ﴿فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة: 55].
27. ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: 165].
28. ﴿لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحجر: 88].
29. ﴿فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 49].
30. ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن: 16 - 17].
31. ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [التغابن: 15].
مقصد (4): الاستخلاف
32. ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الحديد: 7].
33. ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: 33].
مقصد (5): التقرب إلى الله
34. ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ: 37].
35. ﴿وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 99].
36. ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 271 - 272].
37. ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: 265].
38. ﴿يَوْمَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 88 - 89].
39. ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا﴾ [الإنسان: 9].
40. ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ [الليل: 19 - 21].
مقصد (6): الشكر
41. ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: 10].
42. ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: 58].
43. ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ [الأنبياء: 80].
44. ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الحج: 36 - 37].
45. ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ [يس: 71 - 73].
46. ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ [يس: 35].
مقصد (7): التفكر والتذكر
47. ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: 99].
48. ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 26].
49. ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 57].
50. ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الرعد: 3].
51. ﴿وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الرعد: 4].
52. ﴿يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 11].
53. ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ [النحل: 13].
54. ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ [سبأ: 15].
55. ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾ [يس: 33].
56. ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ [الزخرف: 13].
57. ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 130].
58. ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الروم: 37].
59. ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الزمر: 52].
مقصد (8): اتخاذ بعض البشر بعضا سخريا
60. ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [الزخرف: 32].
مقصد (9): دفع البغي والكفر
61. ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: 27].
62. ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ [الزخرف: 33].
63. ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾ [يونس: 88].
64. ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [لقمان: 6].
مقصد (10): دفع التظالم
65. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 278 - 279].
66. ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا﴾ [النساء: 6].
مقصد (11): دفع التنازع
67. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 282].
68. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: 106 - 108].
مقصد (11): دفع الاحتكار (ألا يكون المال دولة ين الأغنياء)
69. ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: 7].
مقصد (12): التزكية
70. ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [التوبة: 103].
71. ﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ [الليل: 18].
72. ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ﴾ [المائدة: 91].
73. ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: 265].
مقصد (13): الفلاح
74. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [ال عمران: 130].
75. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90]. 76. ﴿قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 100].
ملاحظة: نشر هذا النص في الكتاب التالي: مقاصد القرآن الكريم: مجموعة بحوث، 2016، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، لندن، ص347 - 417. يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني. |