مقاصد الشريعة ومؤتمرات السّكان: تحليل موقف الإسلام من اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة - 1979

شارك:

أحمد أبو الوفا: أستاذ القانون الدولي العام- كلية الحقوق- جامعة القاهرة

محتويات المقال:
أولًا: مقدمة عامة
ثانيًا: الأصل في الإسلام هو عدم الارتباط بأي ميثاق دولي يتعارض مع القواعد الإسلامية العليا _القواعد الدولية الآمرة في الإسلام)
ثالثًا: اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة (1979)
(أ) اهتمام الإسلام بحقوق المرأة:
(ب) موقف الإسلام من اتفاقية إنهاء كل صور التمييز ضد المرأة لعام 1979
خاتمـة عامة
امرأة تتلو القرآن - 1880 لوحة لعثمان حمدي بك

أولًا: مقدمة عامة:

عُنيت الشريعة الإسلامية بحقوق الإنسان عناية كبيرة، بوصفها أمورًا لازمة لاستمرار الحياة البشرية في المجتمع الإسلامي، وفي أي مكان. ومن المعلوم أنه قد توجد بعض الاختلافات بين دين وآخر أو بين نظام قانوني وآخر، كما يوجد الكثير من أوجه الاتفاق، إذ لكلٍّ وجهة هو موليها.

ثانيًا: الأصل في الإسلام هو عدم الارتباط بأي ميثاق دولي يتعارض مع القواعد الإسلامية العليا _القواعد الدولية الآمرة في الإسلام):

من الثابت أن هناك الكثير من القواعد التي استقرت في الشريعة الإسلامية بوصفها من القواعد التي لا يجوز الخروج عليها (تعادل هذه القواعد ما هو معروف- حاليًا- في فقه القانون الدولي تحت اسم «القواعد الدولية الآمرةJus cogens »، التي نصت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 على بطلان أية معاهدَة تتعارض معها، وكذلك انقضاء المعاهدة إذا ظهرت قاعدة آمِرة بعد إبرامها تتعارض معها).

وتنبع القواعد الدولية الآمرة في الإسلام من مصدرين أساسيين هما:

- القرآن والسنة.

- أو الإجماع على اعتبار مسألة ما من المسائل التي لا يجوز الخروج عليها بأي حال.

ولا شك أن الأثر اللازم لأية قاعدة آمرة في الإسلام يستلزم عدم الارتباط بمعاهدة دولية تخالفها.

ويكفي أن نذكر هنا قوله (صلى الله عليه وسلم):

- «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مئة شرط».1

- «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا».2

لذلك قال (صلى الله عليه وسلم) زمن صلح الحديبية: «والذي نفسي بيده، لا يسألوني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها».3

ويمكن أن نقرر مع جانب من الفقه أن القواعد الإسلامية العليا تتعلق بالنظام العام الإسلامي.4

يؤيد ما تقدَّم ويدعمه أيضًا أن هناك قاعدة في الشريعة الإسلامية مقتضاها أن: «ما ثبَت بالشرع مقدَّم على ما ثبتَ بالشرط» ولو شرط مقتضَى العقد لم يَضُرُّه ولم ينفعه؛ لأن: «مقتضى العقد مستفاد منه بجَعْل الشارع لا مِنَ الشرط».5

حاصِلُ ما تقدَّم أن القواعد الإسلامية العليا هي الضابط والمعيار الذي يحكم وفقًا له على صحة أية معاهدة دولية في الإسلام، وبحيث يتم تعديل هذه الأخيرة وفقًا للأولى (وليس العكس)، أو الحكم بانقضائها إذا خالفتها. ذلك أنه من الثابت أنه لا بد لصحة التصرف: «أن يكون مطابقًا للشريعة مبنىً ومعنىً»6.

ويؤكد ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ [البقرة: 79]، يقول الإمام القرطبي: «في هذه الآية... التحذير من التبديل والتغيير والزيادة في الشرع، فكل مَن بدَّل أو غيَّر أو ابتدع في دين الله ما ليس منه ولا يجوز فيه، فهو داخلٌ تحت هذا الوعيد الشديد».7

ثالثًا: اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة (1979):

نشير هنا إلى اهتمام الإسلام بحقوق المرأة، ثم إلى موقف الإسلام من اتفاقية 1979.

(أ) اهتمام الإسلام بحقوق المرأة:

من المعلوم أنه كان الوضع القانوني للمرأة- قبل الإسلام- مزريًا: فقد كان القانون الروماني يَعُدُّها مجرد شيء objet- object، إذ لم يكن لها أهلية قانونية أو شخصية مستقلة. كذلك كانت المرأة «عارًا» لأهلها قبل الإسلام، وكان على أي رجل أن يتخلص من الإناث بقتلهن أحياء (وأد البنات) عند ولادتهن، ويحكي القرآن ذلك، في قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [النحل: 58- 59].

ويقول تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: 8- 9]، ويقول أيضًا: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 31].
لذلك كان من الطبيعي ألا يَغْمط الإسلام حقوق المرأة، بل إنه عمل على مساواتها بالرجل، وجاء ذلك في آيات كثيرة من القرآن الكريم، منها قول الله تعالى:
- ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97].
- ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء: 124].
- ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ [النساء: 32].
- ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: 2].
- ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾[المائدة: 38].
- ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [آل عمران: 195].
- ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: 13].
- ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الممتحنة: 12].
- وللمرأة مثل ما عليها، وهو ما أجمله قوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [البقرة: 228]. فقد بينت هذه الآية الكريمة العلاقة بين حقوق المرأة وواجباتها؛ ما لها وما عليها، دون ما إفراط أو تفريط.

وهل هناك أفضل مما قاله الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21].

وتتمتَّع المرأة في الإسلام بشخصيَّةٍ قانونية كاملة: فلها حق التصرف في أموالها، ولها حق رفع الدعاوى أمام القضاء، كما أن شخصيتها القانونية مستقلة عن زوجها، وهي مسئولة عن أفعالها أمام القانون الإسلامي، إذ: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».8

والأمر كان على عكس ذلك في القوانين الغربية،9 إذ لم تتمتع المرأة الفرنسية بشخصيتها المستقلة إلا بمقتضى التعديل الذي تم في عام 1965 (القانون الصادر في 13 يوليو 1965) والذي نص في المادة 216 من القانون المدني على أن «لكل زوجة أهلية قانونية كاملة». “Chaque époux a la pleine capacité de droit”.

أما قبل ذلك فقد كانت المرأة الفرنسية مجرد ظل لزوجها. ويكفي أنها ما كانت تستطيع أن تبرم أي تصرف إلا إذا أعطاها زوجها إذنًا خاصًا. وباختصار: كان الزوج هو كل شيء في الأسرة.

وقد اعترف الإسلام منذ البداية بالفصل الكامل بين أموال المرأة وأموال زوجها، وبأن لكل منهما ذمَّة مالية مستقلة. وهو أمر أيضًا اعترف به القانون المدني الفرنسي حديثًا، في المادة 1536.

وألقى الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا في يوم 27/10/1993 كلمة بمركز الدراسات الإسلامية التابع لجامعة أُكسفورد، كان مما جاء فيها قولُه.10

«وثمة تحيُّزٌ غربي آخر واضح للعيان من خلال سوء تقدير مكانة المرأة في الإسلام. لقد كفل القرآن حقوق المرأة في الملكية والميراث، وضمِن لها الحماية في حالة الطلاق، وأجاز لها مزاولة أعمالها التِّجارية، وكان ذلك قبل 1400 عام خلت. وفي بريطانيا كانت بعض هذه الحقوق جديدة حتى بالنسبة لجيل جدتي.

إذًا فلا ينبغي أن نحكم على النساء اللواتي يعشن في الدول الإسلامية حكمًا أوتوماتيكيًّا بأنهن مواطنات من الدرجة الثانية».

بل إن الإسلام نظر إلى المرأة نظرة أفضل من الرجل. ففي الحديث المشهور عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حينما سئل: مَن أحقُّ النَّاس بحُسْنِ صَحابتي؟ قال: «أمك». قيل: ثم من؟ قال: «أمك». قيل: ثم من؟ قال: «أمك». قيل: ثم من؟ قال: «أبوك».11 فقد ذكر الأم ثلاث مرات، وذكر الأب مرة واحدة.

ولعل ما ذكرناه يدل على أن وضع المرأة في الإسلام لا يقل عن ذلك الذي قررته المدنيَّات الحديثة، بل هو يزيد عنها في بعض النواحي.12

وفي هذه الخصوص نصَّت المادة السادسة من إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام، الذي تبنَّاه المؤتمر الإسلامي التاسع عشر لوزراء الخارجية بمنظمة المؤتمر الإسلامي(القاهرة 1411هـ- 1990م) على أن:

(أ) المرأة مساوية للرجل في الكرامة الإنسانية، ولها من الحق مثْلُ ما عليها من الواجبات، ولها شخصيَّتها المدنية، وذمتها المالية المستقلَّة، وحقُّ الاحتفاظ باسمها ونسبها.

(ب) على الرجل عِبْءُ الإنفاق على الأسرة ومسئولية رعايتها.

والواقع أن الإسلام ينظر إلى المرأة على أن لها أربع رسائل: رسالة رعاية في البيت؛ «والمرأة راعيةٌ في بيتِ زوجِها ومسئولةٌ عن رعيَّتها»13. ورسالة عبادة، ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الأحزاب: 33]. ورسالة علم، ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ [الأحزاب: 34]. ورسالة توجيه لمجتمعنا النِّسائي، ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾14 [التوبة: 71]

(ب) موقف الإسلام من اتفاقية إنهاء كل صور التمييز ضد المرأة لعام 1979:

أقرَّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1979 اتفاقية إنهاء كل صور التمييز ضد المرأة، وقد تحفَّظت ليبيا على الاتفاقية بقولها: إن ذلك الانضمام يجب ألا يتعارض مع قوانين الأحوال الشخصية التي نصت عليها الشريعة الإسلامية. كذلك تحفَّظت الكثير من الدول الإسلامية مثل: مصر، 15والعراق، وبنجلاديش، والبحرين، والسعودية على نصوص في الاتفاقية المذكورة، استنادًا إلى ضرورة عدم تعارضها مع القانون الإسلامي. واعترضت 16بعض الدول مثل الدنمارك، وفلندا، وألمانيا، والنرويج، على تلك التحفُّظات، متذرِّعين بأنه لا يجوز لدولة أن تتذرَّع بقوانينها الداخلية لتسويغ عدم تنفيذ معاهدة دولية. ويكفينا أن نذكر هنا اعتراض الدنمارك على التحفظ الليبي، حيث قالت: إن ليبيا لا يمكنها أن تثير قوانينها الوطنية كتسويغ لعدم تنفيذ معاهدة دولية. وذهبت النرويج إلى الاعتراض في المعنى نفسه

والواقع أن هذه الاعتراضات لا محلَّ لها17، وذلك للأسباب الآتية:

 -1أن من حق الدول الإسلامية أن تتحفظ- احترامًا للشريعة- على بعض نصوص الاتفاقية.

 -2أن الكثير من الدول، ومنها أستراليا، والنمسا، وبلجيكا، والبرازيل، وبلغاريا، وفرنسا، وألمانيا، وإسرائيل قد تَحفَّظتْ على نصوص الاتفاقية، استنادًا إلى قوانينها الداخلية أو إلى دينها18:

فمثلًا قررت بلجيكا أن تطبيق المادة 7 من الاتفاقية يجب ألا يضير بالمادة 60 من الدستور البلجيكي، التي تقصر على الرجال ممارسة السلطات الملكية، أو المادة 58 التي تحتفظ لأبناء الملك بممارسة وظائف أعضاء مجلس الشيوخ بقوة القانون منذ سن 18 سنة، وحقّ التصويت ابتداء من سن 25 سنة.

 وتحفَّظت إسرائيل على المادة 7 (ب) بتعيين المرأة كقاضية في المحاكم الدينية؛ لأن ذلك تحظره قوانين الطوائف الدينية في إسرائيل. وفيما عدا ذلك تطبَّق المادة المذكورة على كل ممارسة للمرأة في الحياة العامة.

كذلك تحفَّظت إسرائيل على المادة 16 بأن قوانين الأحوال الشخصية الملزمة لمختلف الطوائف الدينية في إسرائيل لا تتطابق وتلك المادة 19.

 -3أن الدول الإسلامية ليست ملزَمة بالانضمام إلى الاتفاقية المذكورة، وإذا كان لها ذلك فإن لها، من باب أولى، حقَّ الانضمام إليها مع التحفظ عليها، تطبيقًا لقاعدة «أن من يملك الأكثر يملك الأقل»، أو الجزء متضمَّن في الكل». وهو ما عبرت عنه القاعدة:

In toto est pars continetur, Qui peut le plus peut le moins, He who can do more can do less.

4- أنه بالنسبة للاتفاقيات الدولية الأخرى التي نظمت حقوق المرأة، كاتفاقية الحقوق السياسية للمرأة، المبرمة بنيويورك في 31 مارس 1953 فقد تحفظت بعض الدول عليها، 20وكذلك الحال بالنسبة لاتفاقية جنسية المرأة المتزوجة، المبرمة بنيويورك في 20 فبراير 1957.21 فلماذا حينما تتحفَّظ الدول الإسلامية- وتثير في تحفُّظها أنَّ الشريعة الإسلامية تحتم هذا التحفظ- يتم الاعتراض عليها؟

5- أن أولئك الذين اعترضوا على تلك التحفُّظات المشروعة للدول الإسلامية- احترامًا لما تقرِّره الشريعة الإسلامية- وقفوا موقف المتفرج من اغتصاب النساء المسلمات في البوسنة والهرسك، ولم يفعلوا أي شيء لمنع ذلك. فقد قدَّر فريق خبراء من الجماعة الأوروبية أن الصِّرْبَ اغتصبوا 2000 امرأة مسلمة في إطار حملة التطهير العِرْقي في أثناء الحرب التي دارت هناك على إثر تَحلُّل الاتحاد اليوغسلافي.22

6- أن الاتفاقية تهدف إلى تحقيق أمر خطير هو: «أن تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة يتطلب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل، وكذلك في دور المرأة في المجتمع والأسرة». ولا شك أن ذلك: «فيه تجاوز لطبيعة كل من الرجل والمرأة، وما استكنَّ في هذه الطبيعة المتغايرة من الكثير من الخصائص، والوظائف العضوية والنفسية، وإن تساويا في الإنسانية».23

7- أن الشريعة الإسلامية- كما سبق البيان- بوأتِ المرأة مكانًا عليًّا، وقدرًا كاملاً غير منقوص، بل إنها قررت أن حكمها يسري على غير المسلمة.

وهكذا قال الإمام أحمد بن حنبل فيمن تَزوَّج يهودية أو نصرانية على المسلمة: إن «الحرة اليهودية والنصرانية هي عندي في القِسْمة والنفقة مثل المسلمة». وعليه أن يعدل بينهن: يكون عند المسلمة يومًا وعند اليهودية والنصرانية يومًا.24

وهكذا يمكن القول- بكل اطمئنان- إن الإسلام رفع من شأن المرأة وحافظ على حقوقها.25


خاتمـة عامة

يتضح مما تقدم أن الشريعة الإسلامية تتفق والغالبية العظمى من المواثيق والاتفاقيات الدولية، وأنه في القدر الضئيل الذي قد تتعارض فيه الشريعة مع تلك المواثيق والاتفاقيات، فإن من حق الدول الإسلامية أن تستبعدها عن طريق وضع تحفظات عليها، أو إصدار إعلانات تفسيرية بخصوص تطبيقها، أو عدم الارتباط بها أصلًا.

علة ذلك أمران:

1- قواعد «النظام العام» لها أولوية في التطبيق في النُّظم القانونية للدول، ويسري ذلك على الدول الإسلامية.

2- أن نظام التحفظات من النُّظم الثابتة في قانون المعاهدات الدولية.

إلا أننا لاحظنا أن الكثير من الدول غير الإسلامية اعترضت على تلك التحفظات والإعلانات التفسيرية، استنادًا إلى حجتين أساسيتين:

(الأولى): الطبيعة العامة للتحفظ، الأمر الذي يلقي- في نظر تلك الدول- شكوكًا حول وفاء الدول الإسلامية بالتزاماتها وفقًا للاتفاقية، ويقوِّض أساس قانون المعاهدات الدولية.

والواقع أن هذه الحجة يمكن الرد عليها بأمرين:

- الأمر الأول: الغرض من عمومية التحفظ هو هدم الارتباط بمعاهدة تتعارض مع الشريعة الإسلامية ابتداء، ذلك أنه إذا ما ارتبطت الدولة الإسلامية بالمعاهدة التي وضعت عليها تحفظات «خاصة»، ثم اتضح عند التطبيق وجود نصوص في الاتفاقية تتعارض مع الشريعة، فإن ذلك سيدفع الدولة الإسلامية- انتهاء- إلى عدم تطبيق الاتفاقية. ولا شك أن هذا أمر خطورته أشد من وضع «تحفظ عام»؛ لأنه سيتعارض مع فكرة «الأمن القانوني» الذي يجب مراعاته في أية علاقة اتفاقية.

- الأمر الثاني: أنه سيتم- عند التطبيق- تخصيص «عمومية» التحفظ عند تطبيق الاتفاقية أو الوثيقة الدولية على الحالات العملية التي ستدخل في نطاق تطبيقه».

(والثانية): أن الدول الإسلامية يجب ألَّا تستند إلى قوانينها الداخلية لتسويغ تلك التحفظات، وأنه يجب تعديل تلك القوانين للارتباط بالاتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة بالأسرة.

وهذه الحجة أيضًا غير مقبولة؛ ذلك لأن هذه الدول غير الإسلامية لا تأخذ في اعتبارها مُسَلَّمَة بَدهِيَّة هي: أن الدول الإسلامية لا تستطيع تعديل الشريعة الإسلامية، وإنما- فقط- تعديل القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تتعارض معها.

وهكذا فإن على الدول غير الإسلامية التسليم بأن «التغاير» بين الأديان والحضارات والثقافات، هو أمر يجب احترامه.26


ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
مقاصد الشريعة والإتفاقيات الدولية (مجموعة بحوث)، 2013 مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن. ص 399-416.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني

مقالات مختارة

إقرأ المزيد

الحقوق والحريات في الإسلام

أحمد فرَّاج محتويات المقال:الأمر الأول: إزالة ما علق بالإسلام من تشويهالأمر الثاني: الذي أرى أننا مـدعوون إليه هوالتطوّرالتقويمالحريات في الإسلامالقيود حماية الحق عندما نتحدّث عن حقوق الإنسان وحرياته في الإسلام، نتحدّث ع...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقصد الحرية عند الطاهر بن عاشور

محمد سليم العوا بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإننا لو تحدثنا عن مقصد الحرية عند الطاهر بن عاشور منذ شهرين لكان حديثاً مكروراً مُعاداً لا يجد الإنسان له صدى في واقع حياته اليومية...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقصد العدل في القرآن الكريم

محمد سليم العوَّا: مفكر إسلامي وخبير قانوني وهو عضر مجمع اللغة العربية بمصر، والأكاديمية الملكية الأردنية، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي – منظمة لمؤتمر الإسلامي – جدة محتويات المقال:أولا: بين الشاب والشيخثانيًا: ما هو العد...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

تقارير حقوق الإنسان في ميزان نظريّة المقاصد (حالات مختارة)

جمال الدين دراويل: أستاذ الحضارة الحديثة وتاريخ الأفكار بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – القيروان، رئيس منتدى الثقافة والحوار، رئيس تحرير مجلة الحياة الثقافية. محتويات المقال 1- أصول الحقوق الفردية في الإعلان العالمي لحق...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

حقوق الإنسان في التكافل الاجتماعي

محمد عمارة محتويات المقال:عدالة الاستخلافعدالة الوسطية المتوازنةالتكافل الاجتماعيبين التكافل والمساواةفرائض ... وليست مجرد حقوق- صندوق التنمية بالرّكاز- صندوق الزكاة العامة- الوقف- تحريم استثمار المال الإسلامي خارج ديار ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

اتفاقيّة منظّمة التّجارة العالميّة في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية

عبد الرحمن يسري أحمد: أستاذ الاقتصاد والاقتصاد الإسلامي، قسم الاقتصاد- كلية التجارة- جامعة الإسكندرية محتويات المقال:مقدمة ضرورية عن مقاصد الشريعة، ومدخل مقترح لهذا البحثمقاصد الشريعة الإسلامية على مستوى الأموال والمعامل...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

العمل الخيري مقصد عام للشريعة الإسلامية

إبراهيم البيومي غانم سلكا مسالك استنباط المقاصد العامة للشريعة التي قررها المقاصديون- وأشرنا إليها فيما سلف- بحثاً عن موقع العمل الخيري من هذه المقاصد، ووجدنا أن «العمل الخيري» مقصداً عاماً وثابتاً من مقاصدها، وأن له في ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقارنات بين العمل الخيري في الحضارتين الإسلامية والغربية

 إبراهيم البيومي غانم ما من حضارة إنسانية إلا ولها في العمل الخيري «فلسفة نظرية» و«إنجازات عملية» تصدق فلسفتها. ينطبق ذلك بدرجات متفاوتة على جميع الحضارات التي عرفتها البشرية باستثناء واحد فقط-كما أسلفنا-هو «الحضارة...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مدخل مقاصدي للتنمية

حسن جابر محتويات المقال:آيات التسخير وبؤس الاجتهادآيات الرّبا وانسداد باب الاجتهادفقه العمل والكدح والإنتاجالوسطية في الإنفاقغربة المقاصد الشرعيةالمعتقدات الإنسانية والتنميةالمراجع والمصادر استهلالاً، ينبغي توضيح العنوان...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد القرآن في مجتمع الخير العام

إبراهيم البيومي غانم إذا سلكنا مسالك استنباط المقاصد العامة للشريعة التي قررها المقاصديون بحثاً عن موقع «الخير» ومفهومه القرآني الذي سبق أن أوضحنا ملامحه العامة، سنجد أن «العمل الخيري» مقصد عام وثابت من مقاصد الشريعة، وأ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد الأموال في القرآن: رؤية تأسيسية

محمد أحمين: مراقب ومستشار شرعي في المصرفية الإسلامية. محتويات المقال:محاور البحثمنهج البحثالمبحث الأول: المقاصد العقدية للأموال في القرآنالمطلب الأول: مقاصد خلق الأموال في القرآنالمطلب الثاني: مقاصد التدبير الرباني للأمو...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

تفعيل المقاصد في العمل الخيري

إبراهيم البيومي غانم: مستشار – المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. محتويات المقال:أو لًا: مجتمع الخير العام في القرآنثانيًا: مقاصد القرآن في مجتمع الخير العامثالثًا: تشريع الخير وبناء الخير العام1 – ((الحرية))2 – ...

مقالات متعلقة بأيام دولية

أنشطة ذات صلة

Back to Top