المسرح الإسلامي وفق النسق المقاصدي

شارك:

جميل حمداوي: أستاذ التعليم، وأديب وناقد، وكاتب ـ المملكة المغربية.

محتويات المقال:
المقدمة
أولاً: مفهوم المسرح الإسلامي
ثانياً: التصورات المسرحية الإسلامية
1ــ نجيب الكيلاني ومقصديةُ المتعة والفائدة
2: محمد عزيزة، ومقصدية الصراع التراجيدي المرفوض
3: عمر محمد الطالب، ومقصدية الإثبات والتأصيل
4: عماد الدين خليل، ومقصدية الأسلمة المنفتحة
5: أحمد الريسوني، ومقصدية الفنون الإسلامية
الخاتمة
المراجع
الروابط الرقمية

المقدمة:

يُعَدُّ موضوعُ الفنِ والإسلامِ من أهم المواضيع الصعبة والحساسة التي أسالت كثيراً من الحبر والنقاش والجدال والاختلاف قديماً وحديثاً. وما زال هذا الموضوع، إلى يومنا هذا، يؤرق العلماء والفقهاء والمفكرين والباحثين؛ ولاسيما موقف الإسلام من الفنون بصفة عامة، وموقفه من المسرح بصفة خاصة.

وعليه، فلقد اختلف الفقهاءُ والباحثون حول ذلك أيما اختلاف. فهناك من ينظر إلى فن المسرح نظرة سلبية شائنة، قوامها الرفضُ والمنع والنبذ والتحريم والكراهية. وهناك من ينظر إليه نظرةً إيجابية على أساس الإباحة والجواز والترخيص. وهناك من يقيد تلك الإباحة بعدم مجانبة الصواب أو التحلل من الأخلاق الإسلامية الفاضلة من جهة أولى، والابتعاد عن الإباحية والترف من جهة ثانية، وعدم التعارض مع العقيدة الإسلامية وثوابت الدين من جهة ثالثة.

إذاً، هناك مواقف فقهية متعددة ومختلفة ومتضاربة. ورغم ذلك؛ يمكنُ الحديثُ عن صنفين من الفقهاء:

1: صنفٍ من الفقهاء المقلدين الذين وقفوا موقفاً معادياً من الفنون بصفة عامة، بمنع المسرح ونبذه وتحريمه، مستعملين في ذلك أسلوب الوعيد والترهيب. كما يبدو ذلك جليا في كتاب إقامة الدليل على حرمة التمثيل للمغربي أحمد بن الصديق. وقد نُشر هذا الكتاب بمصر سنة 1941م لتبيان موقفه الخاص من التمثيل المسرحي؛ ذلك الموقف الذي يتمثلُ في تحريمه جملة وتفصيلاً من منطلق فقهي وشرعي. وقد استعرضَ الدارس في كتابِه مجموعةً من الأدلة النصية - الشرعية والفقهية - على حرمة المسرح بصفة عامة، والتمثيل الدرامي بصفة خاصة1. وهناك كتابٌ آخر من هذا النوع بعنوان: تحذير المسلمين من مذهب العصريين، للباحث المغربي محمد الزمزمي2 وقد نُشر في سنة 1938م.

و«تقوم دعوتهما [أحمد بن الصديق ومحمد الزمزمي] التحريميةُ على اعتبار المسرح من أعظم المحرمات وأكبر الكبائر. لا شك في ذلك إلا لمن لا يعرف شيئاً عن الإسلام، أو كانَ من المنحلين المارقين الذي يدسون فيه الدسائس لمحو رسومه، وإتلاف معالمه، والقضاء عليه بتحليل محرماته(...) ولا يمتري فاضلٌ في أن التمثيلَ منافٍ للمروءةِ والعقلِ، منابذٌ للأخلاق والفضيلة، لا يرضاه ذو نفس شريفة، ولا همة أبية، فضلاً عن ذي دين ومروءة، فاقد الشعور والكرامة، سخيف العقل، قليل الدين أو ذاهبه بالكلية كما هو المشاهد في الممثلين»3.

هذا هو تصورُ أحد الفقهاء المغاربة من التمثيل أو المسرح، فقد حرمه بالنص والعقل، وجعلوه من البدعِ الضالةِ التي تجعلُ صاحبها في ضلالة ومروق وكفر.

2: وصنفٍ آخر من الفقهاء المجتهدين يدافعونَ عن الفنون بصفةٍ عامة، والفن المسرحي بصفة خاصة، ولكن بشروط ملزمةٍ تتمثلُ في احترامِ ثوابت الشريعة الربانية، وعدم مجانبةِ الصواب، وعدم مخالفةِ القيم الإسلامية السمحة، مع احترام مقاصد الشريعة الإسلامية؛ كما عند يوسف القرضاوي في كتابه: الإسلام والفن4، وأحمد الريسوني في كتابه: الأمة هي الأصل: مقاربة تأصيلية لقضايا: الدميقراطية، حرية التعبير، الفن5.

وثمة كتبٌ عديدة تناولت العلاقة بين الإسلامِ والفنِّ، منها: كتاب منهج الفن الإسلامي لمحمد قطب6، و الإسلام والفنون الجميلة7 لمحمد عمارة، والفن الإسلامي التزام وابتداع8 لصالح أحمد الشامي، والفن الإسلامي، قراءة تأملية في فلسفته وخصائصه الجمالية9 لسمير الصايغ، و الفن الإسلامي10 لأرنست كونل، و الفن والإسلام11، والحلال والحرام في الإسلام ليوسف القرضاوي12، والإسلام والفن لحسام الغمري13، و التصوير الفني في القرآن للسيد قطب14، وحكم الإسلام في الصور والتصوير لدندل جبر15، والتصوير الإسلامي لثروت عكاشة16، وغيرها كثيرٌ من البحوث والدراسات في هذا الموضوع.

وما يهمُّنا في هذا البحث هو: دراسةُ تصورات المسرح الإسلامي في ضوء المقاربة المقاصدية التي تربطُ الوسائلَ بالغايات والأهداف ومقاصد الشريعة الإسلامية. أي: ربط الفنون بالكليات الضرورية والحاجيات والتحسينات والقواعد التشريعية والأصولية التي ينبني عليها التشريع الرباني. بمعنى استكشاف مختلفِ المقاصد التي تتضمنها التصورات المسرحية العربية الإسلامية. وليس بحثي طرحاً فقهياً محضاً في موضوع المقاصد؛ بل هو بحثٌ أدبي وفني وجماليٌ ينظر في وظيفةِ المسرح وفق النسق المقاصدي، أو فق حاجيات المجتمع الضرورية ليس إلا.

وقد شهد مطلبُ «المقاصد الشرعية» من العناية والاهتمام، بحثاً ودراسةً وتحليلاً في الوقت المعاصر، ما لم يشهده غيره من مباحث الدرس الأصولي؛ ولاسيما بعد مطلعِ شمس موافقات الشاطبي، إذ وجدَ فيها الخطابُ الأصولي المعاصر ضالته المنشودة في تفعيل الخطاب الشرعي وفق المصالح الإنسانية المتجددة، والتطورات الطارئة. هذا إضافة إلى التقاطع العلمي بين الفكر المقصدي ومجموع المعارفِ الأخرى؛ سواء كانت علميةً أو اجتماعيةً أو فلسفيةً، بل إن الفكرَ الأصولي بقي محصوراً في هذه الجهة، على حساب الجهات الأخرى، من قواعد تفسير الخطاب، والمباحث اللغوية والدلالية؛ الشيء الذي أدَّى إلى إنتاج خطاب في أغلبه فكري نظري تجريدي، كثُرت حوله الكتابات، وعقدت بشأنه اللقاءات والندوات...17.

ومن هنا، فالمقاربةُ المقاصديةُ هي التي تربطُ الأفعالَ التكليفية بمقاصدها وغاياتها وأغراضها ونواياها القريبة والبعيدة. ومن ثم، يحكم الأصوليُّ على الفعل وفق المقصدية والهدف المقصود منه. و«لقد تحول هذا الإدراك الفقهي للمقاصد إلى نوع من اليقين بذلك الترابط الدقيق بين المقاصد والأفعال، فالفعل يصبح ضرباً من العبث إن خلا عن مقصد وغاية، والفعل لا يتحقق إن لم تتوفر أسبابه ومقدماته، والأمور مرتبطة بغاياتها من حيث الإثمار والإنتاج، بمقدماتها وأسبابها من حيث الوجود والتحقيق. وإن مدار المسؤولية الإنسانية والتكليف والحرية، على مباشرة الأسباب وتسخير النواميس والقوانين الإلهية التي تحكم حركة الوجود واستيفاء آثارها ونتائجها، لتحقيق أمانة الاستخلاف وبناء العمران»18.

ومن هنا، فالاجتهادُ المقاصديُّ هو العمل بمقاصد الشريعة وغاياتِها وأهداِفها ونواياها وأغراضها؛ لأن كلَّ عبادةٍ مرتبطةٌ بمقصدية جلية أو مضمرة، لابد أن يتوقف عندها الفقيه والأصولي والجمهور على حد سواء. ويعني هذا أنه لابد من تكييف الأفعال الإنسانية مع مقاصدها المتعينة، وتوظيف الوسائل وفق أهدافها المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية19.

ويمكن الحديثُ عن كثيرٍ من الكتب التي انطلقت من الاجتهاد المقاصدي ككتاب الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي20، وكتاب القواعد الصغرى: الفوائد في اختصار المقاصد للعز بن عبد السلام21، وكتاب علاقة المقاصد بأصول الفقه22، ومشاهد من المقاصد لعبد الله بن بيه23، وكتاب مقاصد الشريعة الإسلامية للطاهر بن عاشور24، وكتاب الدليل الإرشادي إلى مقاصد الشريعة الإسلامية لمحمد كمال الدين إمام25، وكتاب مقاصد الشريعة: آفاق التجديد لعبد الجبار الرفاعي26، وكتاب الخطاب المقاصدي المعاصر مراجعة وتقويم للحسان شهيد27، وكتاب تصدير المقاصد العامة للشريعة الإسلامية ليوسف حامد العالم28، وكتابي الفكر المقاصدي قواعده وفوائده29، ونظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي لأحمد الريسوني30، وكتاب نحو تفعيل مقاصد الشريعة لجمال الدين محمد عطية31، وكتاب مقاصد الشريعة لطه جابر العلواني32، وكتاب مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها لعلال الفاسي33، وكتاب مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة لعبد المجيد النجار34، وكتاب دراسة في فقه مقاصد الشريعة ليوسف القرضاوي35.

ومن جهة أخرى، فلقد ظهرت في بلدان عالمنا الإسلامي، مع سنوات الثمانين من القرن العشرين إلى يومنا هذا، مجموعة من النظريات المسرحية الداعية إلى مسرح إسلامي بديل مع عماد الدين خليل، ونجيب الكيلاني، وحكمت صالح، ومحمد عزيزة، وعمر محمد الطالب، وجميل حمداوي، وغيرهم.

ويتخذ هذا البحثُ الذي يتناول المسرح الإسلامي طابعين متكاملين: طابعاً جمالياً وفنياً من جهة، وطابعاً مقاصدياً من جهة أخرى. وقد ارتأينا أن نستعرض مجموعة من التصورات حول المسرح الإسلامي بالتعريف، والتوصيف، والتحليل، والتقويم، والتوجيه. وقبل الخوض في تفاصيل هذا الموضوع، آثرنا أن نبدأ دراستنا ببند نبينُ فيه مفهوم المسرح الإسلامي، وأهم مقوماته، وتحديد أهدافه. وبعد ذلك، نذكر، في بندٍ آخر، مختلف التصورات والنظريات حول المسرح الإسلامي وفق رؤية مقاصدية مقارنة تصنيفية وتنميطية بامتياز.

أولاً: مفهوم المسرح الإسلامي

يقصد بالمسرح الإسلامي ذلك المسرحُ المتكامل شكلاً، ومضموناً، ووظيفةً، والحاملُ لرؤيةٍ إسلامية ربانية شاملة ومنسجمة ومتناسقة في نظرتها إلى الإنسان، والكون، والحياة، والقيم. ومن ثم، فهي رؤية إنسانية جامعة، ونظرة متوازنة تتراوح بين المادة والروح، وتوفق بين الدنيا والآخرة، وتزاوج بين العقل والعاطفة، وتوازن بين العبادة والعمل، وتجمعُ بين الجسد والنفس. ومن ثم، ينطلق المسرح الإسلامي - نظرية وممارسة- من التصور القرآني الرباني المعجز، ويمتاح معالمه الجوهريةَ من الهدي النبوي الشريف، ثم يراعي مقاصد الشريعة الإسلامية على مستوى الكليات، والحاجيات، والتحسينات. ويقوم كذلك على الالتزام الرباني الذي قوامه الطاعة والمسؤولية والاستسلام، والتمثل بشريعة الله نيةً، وقولاً، وفعلاً.

ويستهدفُ المسرح الإسلامي السُّموَّ بالإنسان إلى مراتبِ الكمال، والإعلاءَ به إلى أعلى مدارج الترقي، ورفعه أخلاقياً وقيمياً إلى قمة الفضيلة والسعادة الدنيوية والأخروية، وتخليصَه من شوائب المادة، وبراثن الطين، وغوايةِ الجسد، وتحريره من عالمِ الخمرة، وشرك الإباحية الحيوانية، وانتزاعه من عالم الأهواء الطائشة، والميول الشيطانية، وإنقاذه من الشرور الدنيوية الدنيئة.

وبناءً على ما سبق، يرفضُ المسرح الإسلامي الغوايةَ المجانية، والنفاقَ الكاذب، والغلوَّ المبالغ فيه، والعبثيةَ الفوضوية. وفي المقابل، يدعو إلى الإيمانِ الصادق، والعملِ الصالح، والصبرِ في الحياة من أجل نيل النصر المبين مصداقاً لقوله تعالى في سورة الشعراء ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227)﴾[الشعراء:224-227].

وللتذكيرِ؛ فلقد عرف المسرح الغربي مجموعةً من النظريات والمدارس والمذاهب المتباينة في التصور والممارسة. ومن ثم، نقل لنا المسرح اليوناني صراعاً تراجيدياً عمودياً بين الإنسان وحشود الآلهة، فكان البطل ينهار دائماً خائباً أمام صفعات الآلهة القوية؛ رغم من التحدي السيزيفي أو البروميثيوسي من أجل تحيق النصر. واقتفى المسرحُ الروماني أثرَ المسرح اليوناني في تصوير ضآلة الإنسان أمام قوةِ الآلهة، وتجبر الأسياد الحاكمين. لننتقل، بعد ذلك، إلى مسرحِ العصور الوسطى؛ الذي كان يطغى عليه الجانبُ الديني والتعليمي، فظلت الفرجةُ الدرامية ذاتَ مسحة تبشيرية تجمع، في طياتها، بين رؤيةٍ دينية مسيحية مشوهة، ونبرة تعليمية زائفة، تجسد صراع الإنسان مع الأهواء والشياطين.

وإذا قفزنا أيضاً من مسرح عصر النهضة والأنوار، إلى مسرحِ القرن التاسع عشر الميلادي، فلقد مجد المسرح الغربي الفرد الإنساني تمجيداً، وأشادَ به عقلاً وعاطفة وحساً. ومن ثمَّ اتخذ الصراعُ المسرحيُّ بعداً إنسانياً أفقياً، يتطاحنُ فيه الإنسانُ مع أخيه الإنسان، ضمن صراعٍ جدلي قائمٍ على العدوان والكراهية والاستغلال؛ لاسيما مع نظرياتِ القوة والإرادة (نيتشه، وهيجل، وشوبنهاور...)، ونظريات التصور المادي الماركسي (ماركس، وفيورباخ، وبيليخانوف، وأنطونيو غرامشي، ولوي ألتوسير...).

وبعد انهيارِ أوربا بعد الحربين الكونيتين، ظهرت مجموعةٌ من المذاهبِ المسرحية التي نددت بالعقل والمنطق، فبرزت فلسفاتٌ عابثة، وتشكَّلت نظرياتٍ فنيةً وجمالية شاكة تدعو إلى الفوضى، والعبث، والجنون، والعدمية، والغضب، واليأس، والتشاؤم، والثورة على الواقع الكائن، كالسريالية، والدادائية، والرمزية، والوجودية، ومسرح العبث واللامعقول.

وفي مقابلِ هذه التيارات الملحدةِ ذات الرؤيةِ السوداوية، نجد المسرح الإسلامي يعلنُ حربه على العبثية والفوضى والعدمية، ويقف بالمرصاد في وجه كل الأفكار اليائسة والسموم القاتلة. وبقي هذا المسرح الإسلامي، وما يزال إلى يومنا هذا، يدعو إلى العمل والعطاء والبناء والإبداع والخلق والابتكار، والتسلح بالإيمان والأمل والصبر من أجل الظفر بسعادة الدنيا والآخرة، والتغني - دراميا- بقيم الخير والمحبة والحق والجمال والحرية مصداقا لقوله تعالى:﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ [المؤمنون: 115].

ويهدفُ المسرحُ الإسلاميُّ إلى تحريرِ الإنسانِ من شوائب المادةِ وأدرانِ الجسدِ، وتخليصِه من عالم الفتنِة والغوايةِ والرذيلةِ، بتطهيره أخلاقياً ودينياً وروحياً، والرفع من مكانته الإنسانية والحضارية ليصير كائناً بشرياً مبدعاً، وصالحاً لوطنه وأمته وعقيدته، له رسالة سامية في الأرض تتمثل في البناء الهادف، والاستخلاف الجاد. وليس الإنسانُ في هذا الكون ذاتاً ضائعة عابثة ويائسة، أو ذاتاً سيزيفية مقذوفٌ بها من أجل أن تُعذَّبَ أوتحاسبَ جوراً وظلماً، بل خُلق الإنسان ليعبد الله عبادةً خالصة لذاته، والسعي الجاد من أجل بناء الحضارة الإنسانية، وتعميرِ الكون من أجل الصالح العام، وخدمةِ الدنيا والآخرة، والعملِ من أجل العاجلة والآجلة مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)﴾ [الذاريات: 56-58] ومن هنا، لابد أن يكون المسرحُ الإسلامي ذا رسالةٍ هادفةٍ وبانيةٍ، تخدمُ الإنسانَ أينما حلَّ وارتحلَ، وتسمو بعقله ووجدانِه وجسده إنسانياً وأخلاقياً ومصيرياً، فيتخذ الوسطية مذهباً له في هذه الحياة الطافحة بالتناقضات والمشاكل والصراعات النفسية والاجتماعية والواقعية؛ بسببِ طغيان الرذيلة، وتفسخِ الأخلاق، وانحطاطِ الإنسان، وتراجعِ القيم الأصيلة التي تم استبدالها بالقيم الكمية الاستعمالية في عالمنا المحنط بالماديات والمعايير الزائفة.

ثانياً: التصورات المسرحية الإسلامية

ثمةَ كتبٌ ودراسات عديدةٌ حول المسرح الإسلامي؛ نظريةً وتطبيقاً ووظيفةً، وقد انطلقت من روح المقصدية الإسلامية القائمة على الإشادةِ بفن المسرح الذي يكونُ في خدمة الإنسان والشرع والعقيدة، ويتوافقُ جوهرُه مع أهداف الشريعة الإسلامية وغاياتها وأغراضها ومقصدياتها الجلية والمضمرة. ويمكن حصرها في ما كتبه كلٌ من عماد الدين خليل في كتابيه: في النقد الإسلامي المعاصر36، وفوضى العالم في المسرح الغربي المعاصر37، ونجيب الكيلاني في كتابيه مدخل إلى الأدب الإسلامي38، والمسرح الإسلامي39، والباحث العراقي حكمت صالح «حول المسرح الإسلامي المعاصر»40، ومحمد عزيزة في كتابه القيم الإسلام والمسرح41، وعمر محمد الطالب في كتابه ملامح المسرحية العربية الإسلامية 42، وجميل حمداوي في دراسته المعنونة «من أجل نظرية مسرحية إسلامية جديدة»43.

1ــ نجيب الكيلاني ومقصديةُ المتعة والفائدة

يعد الأديب المصري الكبير نجيب الكيلاني من أهم الأدباء العربِ الذين دافعوا عن المسرح الإسلامي نظريةً وتطبيقاً وتوجيهاً، كما يبدو ذلك واضحاً في كتابيه:«مدخل إلى الأدب الإسلامي»44، و«المسرح الإسلامي»45، وكان ينطلقُ من رؤية شرعية منفتحةٍ تراعي مقاصد الشرع من جهة، وحاجيات الإنسان الفطرية من جهة أخرى.

أثبتَ نجيب الكيلاني أن المسرحَ يجمع بين الفائدةِ والمتعةِ، ويتأرجحُ بين الجد ويتراوحُ عن النفس ترفيهاً وتسلية. ولا ينبغي أن يكون الترفيه مجانياً ومجرد عبث، يل يكون هادفاً ومفيداً ومرتبطاً بتنمية الوعي وتطويره ذهنياً ووجدانياً وعملياً في خدمةِ النَّفسِ الإنسانيةِ بعدَ العملِ المتعب الشاق. ويوافقُه في هذا الرأي ما ذهب إليه الأستاذ شوقي خميس: «... نطلب من المسرح دائماً شيئاً أعمق من مجرد الترفيه، نطلبُ منه ذلك الوعيَ الذي يضاعف الحياة داخلنا، ويزيدها عمقاً واتساعاً وتحرراً وإمتاعاً، لقد تحول المسرح في عصور الانحطاط إلى مجرد أداةٍ للترفيه عن البشر المتعبين والضائعين، ولكن ذلك التحول كان الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، وهي أن المسرح لا يجبُ أن يكونَ مجرد أداة ترفيه فحسب. ثم حدثت النقلة المعاصرة، ولم يعد هناك استثناء ولا قاعدة، وصار للترفيه فلسفته كاحتياج إنساني، يؤكد حرية الإنسان، ورفضه؛ يكونُ مجرد آلية تؤدي دورَها المرسومَ داخل أنظمة اجتماعية شديدة التعقيد، تستلبُه من ذاته، وتقهرُه بضغوطٍ لا قبلَ له بها، وهذا بالطبع لا يتناقضُ مع الدورِ الجاد للمسرح الذي تضاعفت مسؤوليتُه ودوره، في استعادة الإنسان المغترب عن عالمه المتمثل في أخوته ومجتمعه وعصره...»46.

وفي هذا السياق أيضاً، يقول نعمان عاشور: إنَّ المسرح «أصلاً يقومُ لا على التسليمِ بما هو قائمٌ وموجودٌ، وإنما بالدعوة إلى ما هو أفضل وأرقى منه، والمسرح أساساً:«فن رفض الواقع»؛ لأنه يقوم على رؤية جديدة لواقع جديد، ونظرة مغايرة للواقع القائم، ومن هنا فالأصل أن تتبلور الجهود حول تعديل مسار المسرح، لكي يكون أقربَ إلى الالتزامِ والجدية في عرض ومعالجة مشاكل الحياة، لا إلهاء الناس عنها بالضحك الأجوف، والتسلية الفارغة...»47.

يمكنُ للمسرحِ الإسلامي، حسب نجيب الكيلاني، أن يتناولَ كلَّ التيمات والمواضيع والقضايا السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والتاريخية، والفلسفية، والإنسانية؛ بل يمكن أن يتعرض لكلِّ «التابوهات»(=المحرمات) الممنوعة في المجتمع العربي الإسلامي من جنسٍ وسياسٍة ودينٍ؛ بالدرس والنقد والفحص والتشريح. لكن بشرط ألا تتناقضَ الحمولات المسرحية ومقاصدها القريبة والبعيدة، المباشرةَ وغيرِ المباشرة، مع تعاليم الإسلام، أوتتعارضَ مع مبادئِ العقيدة الربانية الصحيحة والمثلى؛ لأنَّ الإسلامَ يحملُ، في طياته، رؤيةً إنسانيةً ونظرة عقدية متكاملةً وثابتة ومتوازنة، وأكثر واقعيةً وعدالة من المذاهب المسرحية والفلسفية والنظريات البشرية التي تخضع للتغيير والدحض والتكذيب - حسب تصور كارل بوبر - في نقده للنظريات العلمية البشرية.

ومن هنا، يستوعبُ «المسرح الإسلامي» الحياة بكل ما فيها، ويتناول شتى قضاياها ومظاهرها ومشاكلها، وفق التصور الإسلامي الصحيح لهذه الحياة، ولا يزيف حقيقة، أو يخلق وهما فاسداً، أو يحابي ضلالاً قائماً، أو يزين نفاقاً، ويطلق نيرانه على شياطين الانحراف والقهر والظلم، ومن ثم ينهض بعزائم المستضعفين، وينصر قضايا المظلومين، ويخفف من بلايا وأحزان المعذبين، ويبشر بالخير والحب والحق والجمال48.

المسرح الإسلامي، إذاً، مسرحٌ شامل صياغة ودلالة ووظيفة، هدفُه الثورة على المستبدين، وتغيير الواقع الفاسد، والسمو به نحو الأفضل والأحسن. ومن هنا، يمكن القول: إن المسرحَ يتناول جميع القضايا والمشاكل التي تؤرق الإنسان في حياته اليومية، مهما كانت طبيعة هذه المشاكل والهموم والأحزان، لكن من منظور أخلاقي إسلامي متكامل في مبادئه، يبتغي خدمة الإنسان إن عقلا وروحا، وإن جسدا ونفسا.

ومن هنا، يقوم التطهيرُ الأخلاقي بدور هام في المسرح الإسلامي، مادام مبنياً على التقويم الإيجابي، وإصلاح ما اعوجَّ من سلوكيات بشريةٍ طائشة وشائنة، وتغيير ما فسد من القيم والعقائد بسبب الضلال والانحراف. وفي هذا الصدد، يقول نجيب الكيلاني: «من الطبيعي أن يكون الإبداعُ - في المنهج الإسلامي - وسيلةً خاصة من وسائل التربية، وبعيداً عن المصطلحات والمدارس المختلفة لتفسير العلاقة بين الإبداع والتربية، فإنه يمكننا القول: إن الإبداع الفني أو الأدبي له تأثيرُه المتميز في نفسيةِ المتلقي وفكرِه سواء أدرك المتلقي ذلك أو لم يدركه. إن البهجةَ أو المتعة التي يخلقها الأثر الأدبي، أو استئناف التفكير في المشاكل أو الصراعات التي يطرحها الفنان، أو اتخاذ موقف من المواقف، إنما ينبع ذلك كله مما نسميه بالتأثير؛ حتى ولو افترضنا أن الفنان كان جمالياً صرفاً، وتلك المصطلحات التي نقرأ عنها في التراث المسرحي القديم عند الإغريق أو الرومان كالتطهير أو التعاطف أو التسامي وما إلى ذلك، إنما ترمزُ في جملتها إلى الأثر التربوي للإبداع، كما تعبرُ عن التفاعل الوجداني بين ذلك الأثر والمتلقي. ولا نستطيعُ أن نفصل المضمون الفكري عن الشكل الفني في هذا التصور، فكلاهما ترجمة للإبداع الصحيح»49.

ويضيف أديبنا الكبير نجيب الكيلاني: أن المسرحَ الإسلامي يوظف هذا المفهوم الإغريقي القائم على رصدِ التفاعل الموجود بين الأثر الجمالي والمتلقي، في أثناء التفاعل مع الإبداع الدرامي المعروض: «ويوظف [ المسرحُ الإسلامي] إمكاناته المختلفة في إحداث الأثر الإيجابي، المرتبط بذات الأديب المسلم وتصوراتِه وتطلعاته، ويأتي هذا تلقائيا دون تصنع أو زيفٍ؛ لأنَّ التكلُّفَ يوهنُ من عري الإبداع، ويعطلُ من تأثيره الفعال، ويهبطُ بمنزلة الأديب إلى مرتبة تجعله قاصراً عن القيام بدوره، في تخليص الإنسان من الوثنية والانحراف والتخبط، وتعزله عن دوره الحضاري والاجتماعي»50.

وهكذا، يرفضُ المسرح الإسلامي كل الصراعات الوثنية والتطاحنات البشرية القائمة على الاستغلال والعدوان والكراهية، ويستبدل ذلك كلَّه بصراع مسرحي أخلاقي وديني عقدي، يكون بين الضلالة والهداية، وبين الكفر والإيمان، باستعمال التطهير الأخلاقي الإيجابي لتغيير المتلقي ذهنياً، ووجدانياً، وأخلاقياً، وعقدياً.

ويدافعُ نجيب الكيلاني عن أحقية المرأة في التمثيل وفق مقاصد الشرع الإسلامي. فإذا كنا نؤمنُ أن تمارس المرأة التعليم والتعلم، وتشارك في الحروب، وتقوم بمجموعةٍ من الأعمال المتنوعة؛ سواء أكانت بسيطة أم شاقة لمساعدة زوجها في البيت وخارج البيت، وإذا كان يمكنها أن تقود السيارة أو الطائرة، وتتولى الإفتاءَ والقضاء، ولها كاملُ الحريةِ في إدارة المشاريع والمؤسسات التي تستوجب أن تتعامل مع الرجل بشكل من الأشكال؛ فإنَّه من الإيجابي أيضاً أن تمثل المرأةُ مجموعةً من الأدوار الفنية الهادفة المناسبة في المسرحيات والأفلام السينمائية المعروضة، كما هو حال المرأةِ الممثلة في فيلم (الرسالة) أو فيلم (عمر المختار) للمخرج السوري الملتزم مصطفى العقاد. لكن بشرط أن تؤدي المرأةُ دورها بشكل أخلاقيٍ ملتزم، مع احترام ضوابط الحجاب الشرعي روحاً وجسداً وقالباً ومقصداً، مع التقيد بالآدابِ الشرعية الأصيلة، والخلال الإسلاميةِ العامة، ولاسيما في ملبسِها وحديثِها وحركتِها.

وفي هذا، يقول نجيب الكيلاني: «وقد أثار موضوع ظهور المرأة على المسرح اعتراضاً كبيراً لدى بعض المفكرين الإسلاميين، وقد تعرَّضْتُ لهذا الأمر في كتابي المسرح الإسلامي الذي ألقيتُ بحثا عنه في المؤتمر الثالث للأدب الإسلامي بالرياض، وكان موجز ما رأيتُه أنه: لا مانع من ظهور المرأة على المسرح، واشترطتُ بضعةَ شروطٍ أهمُّها : الزي المحتشم (الشرعي)، وتجنب الإثارةِ في الحركات المكشوفة والكلمات التي تخدش الحياء؛ لأن هناكَ قضايا وأموراً حساسة لا يمكن أن تقدم إلا من خلال المرأة، فضلا عن أن وضعيةَ المرأة في المجتمع وما يلابسها من محاذير وحرج وسلبيات لا يمكن تناولها إلا بالتواجد المباشر للمرأة»51.

ومن الأفضلِ كذلك: أن تكون اللغة المسرحية، حسب نجيب الكيلاني، بعيدةً عن الصرخات القاتلة، والإيماءاتِ السيميائية المعتمة، والخطاباتِ اليائسة، والحوارات المتقطعةِ التي تعوقُ الإفهام والتبليغ والتواصل، كما هو الحال في مسرح العبث واللامعقول. وعليها أيضاً أن تتخلصَ من لغة الغموض والإبهام والترميز الموغل في التجريد، كما في المسرح الرمزي، ومسرح الحداثة والطليعة. وينبغي أن تتحرر كذلك من لغةِ الأسطورة الوثنية كما كان طاغياً في المسرح اليوناني؛ لأن الغموضَ أو الإبهامَ الذي «ساد الآدابَ المعاصرة أمرٌ مخيف بالنسبة للحاضر والمستقبل، إنه ضربٌ من الشذوذ، وقد أصبح قاعدةً؛ بل فلسفةً يروج لها النقاد في مختلف الأنحاء ويعتبرونها معيار الحداثة والإبداع، فإذا كانت الحياة المعقدة في الغرب، والخواء الروحي، والتخمة المادية، والنمط الميكانيكي للحركة اليومية، والتفكك الأسري، وطغيان الفردية، والفوضى الفكرية والسلوكية تحت شعار الحرية، والأمراض النفسية الفتاكة؛ إذا كان هذا كله قد أفرز في الغرب آداباً وفنوناً معتلة، فما معنى أن نختط لحياتِنا في الشرق تصوراً شبيهاً لما يجري في هذا الغرب؟ أيمكن القولُ: إن السلطةَ القاهرةَ الجائرة قد خلقت جواً مناسباً شبيهاً لما يجري في الغرب؟

لقد أشرنا فيما سبق إلى فئةٍ من الأدباء نحت ذلك المنحى، وتوفرت لديها مبرراتٌ كافية للإغراق في الغموض، لكن البناء النفسي للشعوب الإسلامية، وطبيعة تكوينها ومثلها العقائدية والاجتماعية؛ يمكن أن تقيَها شر هذا الفساد، ولا بد أن نجهز على الفكرة القائلة بأن الإبداع هو الغموضُ، والصورُ الفنيةُ المبهمةُ التي تتدفقُ من تيار الوعي واللاوعي، فمسؤولية الكلمة - إن كنا نؤمن بها - تقتضي الوضوحَ دون إهدارِ للقيم الفنيةِ الجمالية»52.

ولابد أن تكون لغةُ المسرح الإسلامي كذلك مؤثرةً ومقنعةً، وقويةً بالحجة والدليل والبرهان، وتكونُ أيضاً لغةً جميلة وساحرة البيان مصداقا لقوله ﷺ: «إن من الشعر حكمة، وإن من البيان لسحرا»53. وتكون كذلك قادرة على الإقناع الذهني والعقلي والوجداني، عبر التطهير الأخلاقي والتهذيب الديني. ومن ثم، تعتمدُ هذه اللغةُ على المأثور من كلام الله وهدي النبي ﷺ، وتستندُ إلى الأمثالِ والحكمِ والأشعارِ والأخبارِ والحكايات الشعبية والموروث الفني والجمالي تناصاً وخلقاً وإبداعاً، بعيداً عن التقريرية الفجةِ، والابتذال الوعظي السطحي، والتحريض التهييجي المبالغ فيه.

وبناءً على ما سبق؛ فليس المسرح الإسلامي، في الحقيقة: «قواعدَ جامدة، أو صيغاً معزولة عن الحياة والواقع، أو خطباً وعظية تثقلها النصوصُ والأحكامُ، ولكنه صورٌ جميلة نامية متطورة، تتزين بما يزيدها جمالاً وجلالاً، ويجعلها أقوى تأثيراً وفاعلية، ولا يستنكر هذا [المسرح] أن يبتكر الجديدَ النافع الممتع؛ فالحياةُ في تجددٍ وتطور، وكذلك الإنسانُ وأساليب حياتِه العملية والعلمية والترفيهية، على أن يظل [مسرحُنا] في نطاق القيم الإسلامية الأصيلة، ملتزماً بجوهرها وغايتها»54.

ولابد للمسرح الإسلامي أن يكونَ بمثابة تعبير فني جميل مؤثرٍ ومقنع، نابع من ذاتٍ مؤمنة ورعة وتقية، مترجمٍ عن الحياة والإنسان والكون وفق الأسس العقائدية للمسلم، وباعثٍ للمنفعة والمتعة، ومحركٍ للوجدان والفكر على حد سواء، ومحفزٍ لاتخاذ موقف معين، والقيام بنشاطٍ هادف ما لخدمة الذات والصالح العام55. ويُشترط في الكوريغرافيا56المسرحيةِ أن تكون وظيفية وهادفة ومعبرة وأخلاقية من حيث المعنى والمبنى، فلا ينبغي أن نوظِّفَ الجسد، بأي حال من الأحوال، في إثارة الغرائز الجنسية، وتهييج الأهواء الشبقية من أجل التأثير سلباً في المتلقي والراصدِ على حد سواء.

وينتقد الكيلاني ما يُغرم به بعض كتاب المسرح وغيرهم من: «إبرازِ مفاتن الجسد، كوسيلةٍ للإغراء والإثارة. وقد قلنا إن النظر إلى هذه القضية يعتمد أساساً على رد الفعل لدى المتلقي، هل هذا الإجراء يصرفُه عن الهدف الأسمى للمسرحية، ويستولي على لبه في الاندماج في هذه القضية الفرعية، ومن ثم تهتاجُ حواسُّه، يشرد به الفكر، فينحرفُ إلى التفكيرِ في ممارسة الفحش، ويزيد له ارتكاب الخطيئة؟ إذا كان المتلقي على هذا النحوِ من الاستجابةِ والانفعالِ والتفاعلِ؛ فهو خطأٌ جسيمٌ يحمل الكاتب وزره، ولابد من إعادةِ النظرِ فيه، والبحث عن أسلوب أفضل وأليق، ويمكننا القول: إن الذي يخدشُ الحياة في صميم الحياة وواقعها، هو نفسه الذي لابد من تجنبه على خشبة المسرح.... ذلك ما يجب الالتفات إليه...»57. ويعني هذا أن يطوع الممثلُ جسده في خدمة القضية التي تطرحها المسرحية بكل وعي، ومسؤولية، والتزام أخلاقي صحيح.

وعليه؛ فلقد انطلق نجيب الكيلاني من مقاربةٍ مقاصدية منفتحةٍ بشكل كبير في تنظيره للمسرح الإسلامي، وقد دافع عنه دفاعا مستميتاً، مادام هذا المسرح يحقق رغبات الإنسان وحاجياته الفطرية، ولكن وفق مقصديتي الحاجة والتحسين.

2: محمد عزيزة، ومقصدية الصراع التراجيدي المرفوض

يعدُّ الباحثُ التونسي من أهم الدارسين العرب الذين اهتموا بدراسة المسرح العربي من خلال التركيز على العلاقة الموجودة بين المسرح والإسلام، كما يتجلى ذلك واضحا في كتابه الإسلام والمسرح58. وقد انطلق من مقاربة تاريخية ومقصدية على حد سواء؛ حيث رفض أن يكون للعرب مسرحٌ، على عكس الباحثة الروسية تمارا ألكسندروفنا بوتينتسافا التي أثبتت وجوده منذ فترة بعيدة، عندما أرجعت المسرح العربي إلى جذور قديمة تمتد إلى ألف عام وعام. وفي هذا، تقول «أفليس من الأسهل أن نبدأ من البرهان على أنه كان موجوداً منذ زمن بعيد جداً منذ ألف سنة»59.

ويعاكس محمد عزيزة، ما ذهبَ إليه عبد الكريم برشيد عندما قال:«المسرح العربي قد ولد يوم ولد المجتمع العربي... هذا الوليد لا يشبه إلا ذاته، لأنَّه في تركيبه مخالفٌ للمسرح اليوناني الغربي، وهذا شيء طبيعي، مادام أنه مرتبطٌ بشروط جغرافية وتاريخية واجتماعية وذهنية ونفسية مختلفة...»60. والسبب في أن العرب لم يعرفوا المسرح بالمفهوم اليوناني، حسب محمد عزيزة، هو أنَّ الإسلام يرفض أن يكون هناك صراع تراجيدي بين الإنسان والقدر. ويعني هذا أن مقصدية الإسلام ترفضُ هذا النوع من الصراع من جهة، وترفض تعدد الآلهة من جهةٍ أخرى.

وللتوضيح أكثر نقول: إذا كان الصراعُ في المسرح الغربي صراعاً تراجيدياً عمودياً بين الإنسان والقدر (تعدد الآلهة)، كما نجد ذلك جلياً في مسرحيات سوفكلوس، وأسخيلوس، ويوربيديس، أو يكون صراعاً ديناميكياً كما في مسرحية (الفرس)، أو صراعاً فوقياً إنسانياً في الكثير من الأعمال الدرامية كما في مسرحية (أنتيغون)؛بسبب الصراع الجدلي بين المستغِلين (بكسر الغين) والمستغَلين (بفتح الغين)،فإن الصراعَ في المسرح الإسلامي هو صراعٌ أخلاقيٌ واقعي بين الحق والظلم، بين الروح والمادة، بين الغواية والهداية، أو هو صراع اجتماعي واقعي بين المتكبرين والمستضعفين، أو صراعٌ ديني بين الوثنية والتوحيد، أو صراع نفسي داخلي وباطني بين الخطيئة والتوبة، كما يظهر ذلك بادياً وواضحا مثلاً في مسرح التعازي لدى الشيعة، على الرغم من غلو هذا الطقس المسرحي وانحراف عقيدته61.

ويذهبُ الباحث المغربي عباس الجراري إلى أن العاملَ الدينيَّ، ووجودَ الصراع التراجيدي الأفقي، من بين الأسباب التي حالت دون استمرار المسرح بشكلِه القديم. وفي هذا الصدد، يقول الباحث:«إذا كان [العرب] لم يحتفظوا بهذه التقاليدِ المسرحية في ظل الإسلام، فذلك راجع إلى أن هذا الدين جاء بثقافةٍ جديدة، وأنهم لم يجدوا في نطاق ثقافتِه حاجةً إلى التعبير بالمسرح على الشكل الإغريقي الروماني الذي عرفوه. إذ لا يخفى أن هذا المسرحَ كان يُتَوسلُ به في أداء الطقوس والشعائر الدينية، فضلاً عن أنه كان مرتبطاً بالصراع، ولاسيما في مواجهة القضاء والقدر، والدين الإسلامي يحدُّ من هذا الصراع، ويحثُّ على الطمأنينة النفسية بالدعوة إلى الإيمان بالقدر خيره وشره62».

ويستثني الباحثُ التونسي محمد عزيزة، من أطروحة نفي المسرح عند العرب، ما يسمى بالتعازي الشيعية؛ حيث قال: «الاستثناءُ الوحيد لقاعدة الغياب المسرحي هذا هو التعازي الشيعية؛ التي أعطت الإسلامَ اعتباراً من القرن السابع الشكلَ الدراميَّ الوحيدَ الذي يعرفُه63».

وتتكون التعازي الشيعية من ثلاثة فصولٍ أساسية هي:

1 - المشاهد التي تسبق معركة كربلاء.

2 - مأساة كربلاء وآلام السيد الحسين.

3 - عقب كربلاء64.

إذاً، لقد انطلق محمد عزيزة من مقاربةٍ تاريخيةٍ دراميٍة في تثبيت رؤيته الرافضة لوجود المسرح عند العرب؛ لأنَّ الصراع الدرامي اليوناني يتنافى مع عقيدة الإسلام وقيمه العليا. وفي الوقت نفسه، فقد نَفَى هذا المسرحَ وفقَ رؤية مقاصدية وأخلاقية وتعبدية.

3: عمر محمد الطالب، ومقصدية الإثبات والتأصيل

يُعدُّ العراقي عمر محمد الطالب من الباحثين العرب الذين اهتموا بالمقاربةِ التاريخية في دراسة المسرح العربي، في كتابه: ملامح المسرحية العربية الإسلامية65. وقد أثبت هذا الباحث أسبقيةَ العراق في الاهتمام المبكر بالمسرح بكل تجلياته وأشكاله الفطرية والتخييلية واللعبية والأدبية. وفي هذا السياق، يقول:«عُرف خيالُ الظل في العراق قبل مصر، فقد ورد عن مظفر الدين صاحب أربل بالعراق المتوفى عام 630هـ، أنه كان يستعد ُّكل عام للاحتفال بذكرى المولد، فإذا كان أول صفر زيَّنوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المتجملة، وتعد في كل جوق من الأغاني، وجوق من أرباب الخيال وأصحاب الملاهي، فكان مظفر الدين ينزلُ كل يوم بعد صلاة العصر ويقف على قبةٍ ويسمع غناءَهم ويتفرج على خيالاتهم وما يفعلون في القباب66».

ويثبتُ هذا الرأيَ الباحثُ المصري إبراهيم حمادة حينما قال: «إنَّ خيال الظل ربما وفد على مصر مع الوفود العديدة التي جاءت مصر لزيارة الإمام الفاطمي، أو مع التجار الذين كانوا يفضلون بيع بضائعهم للفاطميين بسبب ثرائهم الفاحش، وولعهم باقتناء كل غريب طريف وكل نفيس فريد. وكان الفاطميون مولعين بالفنون على اختلاف ألوانها؛ يُكرمون أربابَ الفنونِ إكراماً لم نسمع بمثله في أيةِ دولة من الدول، فلا غرو أن يحظَى فنُّ خيالِ الظلِّ بالاهتمام في عصر الفاطميين لأصحاب هذا الفن ولأرباب المساخر؛ وإنهم كانوا يستأجرونهم للترفيه عن المرضى في المستشفيات ولإضحاك الجنود في ثكناتهم67».

وعُرف خيال الظل عند الأتراك بالكراكوز. ويعني هذا: أن خيالَ الظل استعان بمسرح الدمى والعرائس في تقديم الفرجة الدرامية للصغار والكبار على حد سواء. ويقول عباس الجراري في الأساطير التركية: إنَّ نشأة َكراكوز ترجع إلى حادثٍ وقع في أيام السلطان أورهان عند منتصف القرن الرابع عشر الميلادي. فهذا السلطان كان قد أمر ببناءِ جامع، وكان يشرفُ على بنائه شخصان: أحدهما بناءٌ هو كراكوز، والثاني حدادٌ هو حاجي عيواظ. ولكن مرح هذين الرجلين وميلهما إلى القص والحكي والتسلية حالا دون إنجاز العمال للبناء في الوقت المحدد. وأصدر السلطان أمره بقتل الرجلين، ولكنه سرعان ما تملكه الندم والحزن على ذلك فلجأ أحد مسلييه، واسمه كوسترى، إلى وضع ستارٍ في إحدى غرف القصر، وأخذ من خلالها يعرض أمام السلطان شخصية الرجلين المرحين بمغامراتهما المضحكة68.

وتُظهر الوثائقُ التاريخية أن خيال الظل كان موجوداً بالعراق في القرن الثالث الهجري إبان الدولة العباسية، وكان يطلق عليه الناس «الخيال»، واختلف حوله الناس. فهناك من كان يعتبره وسيلة للفكاهة والخلاعة والانحراف والضلال. وهناك من كان يعتبره وسيلة للتثقيف وترقيةِ الذوق69.

وكان من أشهر كتاب خيال الظل: محمد بن دانيال الموصلي، الذي توفي في القرن الثامن الهجري (710هـ)، فقد خلَّف ثلاث تمثيليات من نوع خيال الظل هي: الأمير وصال، وعجيب وغريب، والمتيم والضائع اليتيم. ولقد وصلتنا هذه المسرحيات في شكل نسخ مخطوطة بالقاهرة واستانبول. بيد أن أولى مسرحية وصلتنا ضمن خيال الظل تسمى بمسرحية (حرب العجم) أو ( لعب المنار)، و«سميت كذلك لأنها تتناوُل الحروب الصليبية، ولأن أحداثها وقعت في الإسكندرية، وترجعُ إلى القرن السادس أو السابع الهجري. وقد أخبر عنها وأورد جزءا منها الشاعر الزجال: داود العطار، في مخطوطة ضمنها بعض أزجاله70».

وعليه، فقد استمر خيالُ الظلِّ إلى عصرنا الحالي باستعمال الأدوات القديمة نفسها. وفي الوقت نفسه، استفاد من تقنيات جديدة على مستوى العرض والإضاءة، وصنع الشخوص، وبناء السينوغرافيا والديكور.

و يذهب الباحث العراقي عمر محمد الطالب إلى أن المسرح العربي الإسلامي ليس حديث العهد، بل هو مسرح موغل في القدم، ويصرح قائلاً:«إنَّ ما يؤكدُ وجهةَ نظرنا عن وجودِ مسرح عربي إسلامي قديم، أنَّ المسرح الحديث تأثر تأثرا كبيراً بالتراث العربي؛ حيث وجدوا في القص الشعبي كألف ليلة وليلة، والسير الشعبية، مادةً أولية جاهزة تعينُهم على تحقيق الهدف الذي ينشدونه في المسرح. أعني تحقيق التسلية والترفيه، وذلك لما في هذه القص من مغامرات عجيبة وموضوعات مثيرة، وأجواء خيالية حافلة بعناصر التشويق والمفاجآت التي تتوجه إلى فضول المشاهد، وتخلق عوامل الدهشة والتوقع والانتظار، ومن ثم المتعة والسرور... ومن الواضح أن أغلبَ هذه القص التي قامت عليها العروض المسرحية كان قصاً شائعاً معروفاً لدى الجمهور الذي ما برح يجد متعة كبرى حين يرى هذه القص؛ التي يعرفها جيدا، تُمثل أمامه في المسرح71

ولا ينبغي للمخرجِ المسرحي أن ينطوي على ذاته وتراثه شكلاً ومضموناً؛ بل عليه أن ينفتحَ أيضا على التجارب الدرامية العالمية والأشكال الفنية توظيفا واستثماراً؛ تلك التجاربُ التي تتطور بشكل سريع بفضل مؤهلات التكنولوجيا المعاصرة والثورة الرقمية المعاصرة.وينحو هذا المنحى عمر محمد الطالب في كتابه: ملامح المسرحية العربية الإسلامية، حينما قال: «إن المسرح فنٌ أدبي وبصري، يستمد أصوله من مقومات الأمة وثقافتها وأصولها، ولا يشترطُ فيه أن يكون منسوخاً عن المسرح اليوناني القديم أو المسرح الأوربي الحديث، إنما يجبُ أن تكون له مقوماتُه الخاصةُ المستمدة من ثقافة الأمة وحضارتها ومعتقداتها مادام الأصل في المسرح وجود المشاهدين بالدرجة الأولى، أما المكان فلا فرق أن يقدم العرض في مجلس أو خيمة أو ساحة أو فضاء، في شارعٍ أو مقهى أو في قاعةٍ يطلق عليها اسم مسرح72».

ومن أهم الظواهرِ التي استخلصها الدارس، والدالة على وجود المسرح العربي: ظاهرةُ التعازي الشيعية، والطقوسُ الصوفية، والأعياد الدينية، وأدب المقامات، وخيال الظل، ومسرح العرائس، والمسرحُ الشعري في المعلقات، وغزلُ عمر بن أبي ربيعة، ومقالبُ جحا، ونقائض جرير والفرزدق والأخطل...

ويتبينُ لنا، مما سبق، أن عمر محمد الطالب لا ينفي المسرح عن العرب كما فعل محمد عزيزة، بل يثبتُ أن العرب قد عرفوا المسرح الإسلامي منذ وقتٍ مبكر، كما يدل على ذلك طقوسهم اللعبية والدينية، وكتاباتهم الأدبية، وفنونهم البصرية والمشهدية كتعازي الشيعة، وخيال الظل، ومسرح العرائس...ومن هنا، فقد تناولَ الباحث المسرح الإسلامي بالمفهوم التقليدي، ولم يتناوله بالمفهوم المعاصر.

4: عماد الدين خليل، ومقصدية الأسلمة المنفتحة

يرى عماد الدين خليل أن المسرحَ، بكل آلياته وتقنياته الدلالية والفنية والجمالية، هو فنٌ مركب وشامل بامتياز، يعبر عن أزمةِ الإنسان في مختلف جوانبها الذاتية والموضوعية، ويرصد مأساة العصر في شتى تجلياتها المتنوعة. وفي هذا الصدد، يقول عماد الدين خليل:«إذا كانت سائرُ الفنون تنبثق عن تجربةِ إنسان واحد إزاءَ عصره، فإن العملَ المسرحي يتجاوزُ هذه التجربة الأساسية الواحدة إلى تجاربَ أخرى تسهم في تقديمها شتى الإمكاناتُ والطاقاتُ التي لا يتم العمل المسرحي إلا بها، كالممثل والمخرج والوسائل المادية والجماهير...ثم إنَّ أي فن من الفنون المعاصرة لن يتأتى له أن يبلغَ ما بلغه المسرح من روعةٍ وعمقٍ في تصوير أزمة العصر الراهن بكل أبعادها الفردية والجماعية، باعتباره جُمَاعَ الفنون كلها: الكلمة والحركة والموسيقى والصورة والتعبير والأضواء والظلال، وخاصة بعدما هيأت له التكنولوجيا الحديثة من وسائل آلية مكنته من أداء مهمته أروع أداء. هذا إلى أن الكاتب المسرحي نفسه لا يمارس إنتاجه إلا وهو يتخيلُ شخوصه وأحداثه تتحركُ على خشبة المسرح، وتعكس بوضوح ما يريد أن يقوله. وهذه الشروط التي تلزم العمل المسرحي تجعلُه أكثر طواعيةً للتعبير عن أزمة العصر وتصوير معالمه الكبرى73».

ومن ثمَّ، يُعد المسرحُ أيضا مرآةً لنقل تجارب الذات وتناقضات الواقع الموضوعي، والتقاطِ تفاصيل المجتمع في صراعه الجدلي، وتصوير معاناة الحياة الإنسانية وفوضى العالم والكون والإنسان في عالم معاصر فقد إنسانيتَه وأصالته وقيمه الحقيقية74. ومن هنا، فإنَّ «المسرح المعاصر، على اختلاف اتجاهاته، ما هو إلا تجسيدٌ حيٌ للقيم والمؤثرات التي تعمل عملها في حضارة هذا القرن، وفي تجاربه الإنسانية في شتى أبعادها75».

وأكثر من هذا، فلقد أصبح المسرحُ المعاصر مسرحَ قلقٍ وفوضى واغتراب واحتجاج ضد القيم المادية الكمية. بمعنى: أنَّ المسرح المعاصر تعبيرٌ صادق وأمين عن مجتمع فقد قيمه وأصالته ونضارته وسعادته، وغدا يغرق في الفوضى والشقاء والنكد والخطيئة. وفي هذا الإطار، يقول عماد الدين خليل:«إن تزايدَ النتاج المسرحي في العقود الأخيرة من هذا القرن (العشرين)، وظهورَ اتجاهات مسرحية جديدة بين فترة وأخرى، ومحاولة عدد كبير من الكتَّابِ جعلَ المسرح منصةَ احتجاج ضد قلق القرن العشرين وفوضاه وعذابه... ما هي إلا شواهدُ على أن هذا اللونَ من الفنون يشد الآن أنظار قادة الفكر والفن؛ ليعبِّروا من خلاله عما يعانونه في خضم حضارة لا تعرفُ الإنسان. وليس أروع من أن تتحول الأفكارُ إلى حركةٍ، والكلماتُ إلى صراخ.. إن قرننا العشرين يحاول أن يسدَّ ويغمض عينيه، وينطلقَ بالبشرية المنكودة إلى مصيرها المفجع.. وإن الشعرَ والهمسَ والسردَ الصامتَ المحصور بين دفتي كِتاب، لن يجدي إزاء هذا العمى وهذا الصمم. فلا أقلَّ من أن يكون المسرحُ ملجأ يأوي إليه كل أولئك الذين يريدون أن يرفعوا صوتهَم إلى أعلى طبقة، علَّهم يستطيعون أن يُسمِعوا قرنهم المنكود ما يجولُ في خواطرهم من أملٍ في الخلاص...أو يفتحوا عينيه كي يتجاوز الهاويةَ التي تنظره في نهاية الطريق76».

وهكذا؛ يعدُّ المسرحُ فنا شاملا مركبا يُستخدم أداةً للتعبير عن التجارب الذاتية والموضوعية، ويعتبر أيضاً وسيلة جمالية لنقل الواقع المدرك مع تفسيره وتغييره.

ومن هنا، يدعو عماد الدين خليل إلى مسرحٍ إسلامي يقوم على التمثيل والتشخيص والإخراج؛ بغيةَ التعبير عن هموم الإنسان الذاتية، وتصويرِ مشاكل الحياة الفردية والجماعية، ورصدِ مختلف الأزمات التي يعانيها الإنسان المسلم في عصره هذا، وتجسيدها فنياً وجمالياً من خلال الاقتراب من الجماهير. يقول عماد الدين خليل:«أفليسَ من حق الفنانِ المسلم أن يدلي بدلوه في هذا الميدان المؤثر الخطير؟ أليس من حقه أن يرتادَ الآفاق الجديدة الرحبة التي يطرحها هذا الفن، ويعرضُ على قومه وأمته صورا تعتمد الحركة والإيماءة، يقتطعها من واقعها المرير... صوراً تحيل الهمسةَ إلى صرخة، والكلمةَ إلى انطلاقة، والسكونَ إلى مزيج من التشابك الدائم بين الأضواءِ والظلالِ؟ أليسَ من حق الفنان المسلم أن يعتمد َكل ما يقدمُه له هذا الفن من إمكانات، كي يجسد أمام الناس الأفكارَ التي تدور في خاطره، والعواطف التي تعتمل في فؤاده، والمشاعر التي تجيشُ في نفسه ووجدانه، والرؤى التي تناغيه من بعيد.. يجسدها على الخشبةِ، وجهاً لوجه أمام الحشود التي تهزها الحركة والإيماءةُ والتعبيرُ والصرخةُ، وتستثيرها بعمق إيقاعات الضوءِ والظلالِ، والظهور والغياب؟! بل أليس من واجب الفنان المسلم هذا، أن يسهمَ في أي ميدانٍ من ميادين الفن الفسيحة، مادام يرى فيها فاعلية معطاءً يمكن أن تقربه من هدفه أو تقرب الجماهير منه؟!77».

وهكذا، يقف عماد الدين خليل موقفاً إيجابياً من المسرح، ويدافع عنه كثيراً، ولا يُحرِّمُه كما يفعل الآخرون الذين يقفون منه موقفاً سلبياً قوامه التحريم؛ مستدلين في ذلك بموقف الإسلام من الصورة بصفة عامة. ومن ثم، يدعو عماد الدين خليل إلى الانفتاحِ على مستجدات الحضارة الغربية بصفة خاصة، والحضارة الإنسانيِة بصفة عامةً، بشرط التشبث بالإسلام، والتمسك بالاختيار الحضاري الإسلامي. وفي هذا السياق، يقول عماد الدين خليل:«هذا الدرسُ العظيمُ، أو ما يمكن تسميته «الاختيار الحضاري الإسلامي»، هو الذي هيأ لهم [للمسلمين] أن يتسلموا زمامَ المبادرة، وأن يتولوا قيادةَ التراث البشري بنجاح منقطع النظير، وسط عواصف الجاهلية وأنوائها التي أحاطت بهم من كل مكان... وهو...هو الذي يتيحُ لكل إنسانٍ مسلم، في كل آونة وفي أي مكان، فرصةَ الاختيار إزاء ما يحيطُ به من حضارات. وهل أجدرُ من الفنان المسلم، ذلك الذي يحترقُ وجدانُه بالحب والشوق، ويتحرقُ لكل ما من شأنِه أن يتيحَ له فرصةَ التعبير عما يعتمل في نفسه إزاء عصر التمرد والقلق والانعزال؟! هل أجدر منه بهذا الاختيار، وكسبِ هذه الفرصة التعبيرية الرائعة التي أتاحها له الدينُ العظيم الذي علَّمه إياه الإسلامُ؟!78».

وعلاوة على ذلك، يعترفُ عماد الدين خليل بالنشأة الغربية أو اليونانية للمسرح مضموناً وشكلاً حينما قال: «والمسرح شكل ومضمون... وما أظن أحداً يماري في أن الشكل المسرحي نبتةٌ تفتحت في الغرب، ثم أينعت وأتت أكلها هناك، وإن هذا الشكل َالذي بدأ بالتراجيديات اليونانية في المعابد والعراء المكشوف، ظل يتطورُ - عبر العصور - حتى بلغ قمةَ تعقيده وروعته في العصر الحديث؛ بما أتاحته له التكنولوجيا المعاصرةُ من إمكانيات، وبما تهيأ له من متخصين على درجة كبيرةٍ من التمكن في شتى حقول العمل المسرحي79».

إنَّ عماد الدين خليل يجيزُ للمبدع المسرحي المسلمِ أن ينفتح على الأشكال والاتجاهاتِ ومدارس الإخراج والتشخيص، لكنه لابد أنْ يختار المضمون الذي يتناسب مع بيئة الإسلام وشروطها وظروفها ومقاييسها؛ بمعنى أنَّ الأشكالَ الفنية والجمالية، والتجاربَ الإخراجية يمكن الاستفادة منها قدر الإمكان، ما دامت تجاربُ عالميةٌ وإنسانيةٌ، لا تتعارض مفاهيمها النظرية والتطبيقية مع القيم الإسلامية. وفي هذا الاتجاه، يقول عماد الدين خليل:«وفرصةُ الاختيار المطروحة أمام الفنان المسلم، إذاً، هي أن يقبل المسرح كشكل فني وأن يرفض المضمون... والإسلامُ لم يقف يوماً إزاء الأشكال، لا في ميدان الحكم والإدارة، ولا في ميدان الاقتصاد والاجتماع، ولا في ميدان الآداب والفنون، على العكس - هو علمنا - أن الأشكالَ قضيةٌ ديناميكية؛ لا يقر لها قرار، وتكنيك متحرك لا يقفُ عند حد، إلا لتجاوزه إلى حدود أخرى... ومن ثم، فإن التشبثَ بالشكل الواحد عبر العصور هو مناقض لطبيعة الأشياء. والإسلامُ يرفضُ من الأشكال فقط تلك التي ترتبط عضوياً بمضامينها، وأصبحَ من الصعب فصلُ إحداها عن الأخرى، وإلا تعرضتا للقتل، أو أخرجتا المتشبثين بهما عن قواعدهم العقائدية الأصيلة. أشكالٌ فكرية أو عقائدية من هذا النوع، دعا الإسلام إلى رفضها، والاستعلاءِ عليها، وعلى ما تبشر به من مضامين، صوبَ أشكالٍ ابتكرها الإسلام نفسه، وربطها ربطاً حيوياً بقيمه وأهدافه80».

وتأسيساً على ما سبق، يرفضُ المسرح الإسلامي المضامين العبثية والفوضوية واللامعقولة، ويدعو إلى بناءِ الإنسان بناءً إسلامياً صحيحاً، مع السمو به حضارياً وأخلاقياً ودينياً. فضلاً عن الاستفادة من الأشكال والإمكانيات السينوغرافية العالمية، وتمثل تجارب الاتجاهات الإخراجية المعروفة في الساحة الفنية العالمية. «وإذا كان الفنانُ المسلم يشعر باستعلائه إزاءَ ما يطرحه الفن المسرحي من مضامين عبثية خاوية، أو مادية مغرقة، أو خيالية مريضة، أو واقعية هابطة، أو طبيعية مسرفة، أو رمزية وثنية، فإنه - من جهة أخرى - يفتحُ صدره للأشكال المسرحية الديناميةِ التي بدأت في العراء المكشوف، وظلت تتطورُ حتى بلغت - في العصر الحاضر - المسرحَ الآلي الدوار الذي يتيح عرض أشد المسرحيات تدللا وتمنعا على رجال الديكور ومهندسي الإنارة، وجدران المسرح الثلاث81».

وإذا كان عمادُ الدين خليل يفصل بين الشكل والمضمون، ويرى أنَّه من الأفضلِ الاستفادة من الأشكال؛ لأن المضمونَ يمكن التحكم فيه وإخضاعه لمشرط الإسلام، فإن لي موقفاً معاكساً؛ فليس هناك مضمون وشكل، بل هناك شكل يدلُّ. بمعنى أن الشكل يحمل في طياته دلالاتٍ ومضامين تعبيرية. ومن ثم، فالأشكال المسرحيةُ، هي في الحقيقة، مضامين وأطروحات فكرية وتصورات فلسفية، لا يمكن الاعتمادُ عليها، فإذا أخذنا القالب العبثي، أو مسرح اللامعقول، أو المسرح الطبيعي، فإن هذه الأشكال المسرحية تحملُ، في طياتها، دلالاتها الخاصة من عبثية وفوضوية وكشف وعراء. ومن ثم، علينا أن نحتاط في اختيار المضامين والأشكال معاً.

ويهدفُ المسرح الإسلامي - حسب عماد الدين خليل - إلى تغييرِ الواقع اللاإسلامي بالثورةِ عليه، وتصحيح قيمه إن كانت مادية، أو كانت عبثية أو وجودية. بمعنى؛ أن عماد الدين خليل يرفضُ الالتزامين: الماركسي والوجودي، ويدعو إلى الالتزام الإسلامي القائم على الحقِ، والربانيةِ، والعدالةِ، والحنفيةِ الفضلى. ومن ثم، فالهدف من الفن الإسلامي، بصفة عامة، هو تطهيرُ الأمة من أدوائها وأوبئتها المادية والمعنوية؛ بخلقِ أجواء الصفاء والمحبة والانسجام وحبِّ العمل، وغرسِ التفاؤل في نفوس المسلمين.

وعليه؛ يدعو عماد الدين خليل إلى مسرحٍ إسلامي يتناغمُ فيه الكل في إطارِ الوحدة الربانية، والابتعاد عن العقوق والعصيان والعبثية، يقول: «إن تصور الإنسان المسلم للفن وموقفه من الطبيعة ينبثق - أولا وأخيراً - عن هذه القاعدة الكبرى التي أتيح للإنسان والطبيعةِ أن يتحركا على مسرحها ذي الأبعاد اللامرئية... الوحدة التي تضم كل الجزئيات والتناقضات الظاهرية والقيم المتعارضة، في كيانٍ واحد متماسك، أو عالمٍ متناغم جميل، أو لحنٍ يطرب الأسماع ويهز القلوب ويعمق مجالي الفكر والإدراك. إن الأديان جميعاً جاءت لكي تشير إلى أن الإنسان، عالما كان أم فناناً، وجب أن يسعى من أجلِ هذا المصيرِ العظيم: الوحدة والتوافق بين الإنسان والعالم والطبيعة والكون... الوحدة التي ترفضُ الذوبان السالب والفناء... كما ترفض- في الوقت نفسه- التمزق والتبعثر والازدواج والعصيان»82. وعليه، نقول: إنَّ الهدفَ من المسرح الإسلامي هو تخليقُ المجتمع البشري في ضوءِ القرآن الكريم والسنة النبوية، وتطهيرِ الإنسان نفسياً واجتماعيا ًوأخلاقياً وحضارياً.

ويحقُّ للمسرح الإسلامي أن يعبرَ عن جميع المضامين التي تؤرقُ الإنسان والمجتمع معاً في عصرنا هذا، بشرط أن يكون ذلك المحتوى صادرا ًعن رؤية إسلامية وإنسانية ملتزمة، أو معبراً عن رؤية حضارية ربانية منفتحة. بمعنى؛ أن يبتعدَ الفنانُ المسلم عن المضامين العبثية والفوضوية والإباحية، وينأى عن كلِّ ما يدعو إلى الانعزالِ والاغتراب والتطرف والعداء والكراهية والمجون والإلحاد والتشكيك. ومن، ثم يدعو عماد الدين خليل الفنانَ المسرحي المسلمَ إلى تقديمِ مضامينه بكل جرأة، وفي شتى المضامين التي لا تتنافى مع الإسلام؛ بل يحول مضامينه المسرحية إلى رسائلَ إنسانيةٍ ربانية وأخلاقية، تدعو إلى المحبة والسلام والتعاون والتعايش والأخوة. وفي الوقت نفسه، يجعل منها رسائل ثورة واحتجاج ضد القمعِ والتطرفِ والكراهيةِ. ويعني هذا كله أن ينطلق، في مضامينه ومحتوياته، من رؤية إسلامية متزنةٍ ومعتدلة.

وفي ضوء ما سبق؛ لابد أن ينبني المسرحُ الإسلامي - في مضامينه وأشكالِه الفنية والجمالية والدلالية - على الرؤية الإسلامية الصحيحة، ويقوم على التصور الحضاري العقدي البناء، وأن ينطلقَ من الالتزام الإسلامي نظرية وممارسة ووظيفة. وهكذا، فالمسرح الإسلامي قابلٌ لأن يستوعب جميع المضامين والمحتويات المتنوعة والمختلفة، بشرط ألا تتنافى مع الشريعة الربانية والفطرة الإسلامية النقية التي لا تشوبها شائبة.

ويستوجب الإخراجُ المسرحي، في التصور الإسلامي، أن يُحدِثَ المخرجُ تعديلات فنيةً وجماليةً و«ركحية83» مختلفةً على الأشكالِ المسرحية المستوردة؛ لكي تستجيب لمقاييس العرض المسرحي الإسلامي؛ سواءٌ أكان ذلك على مستوى اختيار المضمون، أم على مستوى تأثيثِ الخشبة سينوغرافياً، أم على مستوى التشخيصِ، أم على مستوى التقنيات الصوتيةِ والبصرية. علاوة على هذا، يكيف المخرجُ الإسلامي التياراتِ والاتجاهاتِ المسرحيةَ العالميةَ، بمختلف مدارسها وتوجهاتها النظرية والتطبيقية، مع التصور الإسلامي شكلاً، ومضموناً، ورؤيةً.

وأكثر من هذا؛ يمكنُ للمسرح الإسلامي أن يحتفظَ ببعض الثوابتِ المشتركة التي يتفق فيها المسرح العالميُ بصفة عامة، مثل: الخشبة، والحركة، والممثل، وتقنيات الصوت والإضاءة. لكن يمكن للمخرجِ أن يتصرفَ في المضامين والأشكال المسرحية والإخراجية الأخرى حتى تنسجم مع الرؤيةِ الإسلامية. ومن منطلقٍ آخر؛ يرى عماد الدين خليل: أنَّ المسرحَ الإسلاميَّ لا يُعنَى بالمضامين والأشكال الفنية والجمالية والدراميةِ فحسب، بل يهتم أيضاً بمساءلة السينوغرافيا، أو تأثيث الخشبة «الركحية»، ويعنى هذا أن المسرح الإسلامي يعطي أهمية كبرى للمؤثرات الصوتية والتعبيرية والبصرية التي تخدم السينوغرافيا. ومن ثم، لا يتناقضُ المسرحُ الإسلامي مع هذه الإمكانيات المادية، إذا وُظفت توظيفاً إيجابياً لا يتناقضُ مع الرؤية الإسلامية الصحيحة.

وأخيراً؛ لا يمكن الحديثُ عن مسرح إسلامي فنياً وجمالياً ودرامياً، إلا بتأصيلِ المسرحِ العربي مضموناً وشكلاً وبناية ورؤية ولغة وحوارا، مع الانفتاح على كل التجارب المسرحية العالمية الأخرى استفادة وامتصاصاً وتفاعلاً وحواراً.

5: أحمد الريسوني، ومقصدية الفنون الإسلامية

يعدُّ الباحث المغربي أحمد الريسوني من الباحثين المعاصرين، الذين تناولوا قضيةَ الفنون الجميلة وفق رؤية مقاصدية، بربط الوسيلة الفنية بالغرض، أو الغاية، أو المقصدية، كما يبدو ذلك جلياً في كتابه: الأمة هي الأصل: مقاربة تأصيلية لقضايا: الدميقراطية - حرية التعبير - الفن84. ويعني هذا أنَّ الفنَّ سلاحٌ ذو حدين: له إيجابياتٌ وله سلبيات. ومن ثم، إذا استُخدم الفن باعتباره وسيلة في ما يتنافى مع الإسلام، فهو حرام؛ وإذا استعمل هذا الفن في خدمة الإسلام من جهة أولى، وبناء الإنسان من جهة ثانية، وتغيير الواقع الفاسد من جهة ثالثة، ومحاربة المستبدين من جهة رابعة، فهو حلال وواجبٌ في الوقت نفسه.

إذاً؛ يعتبرُ أحمد الريسوني الفنَ وسيلة من الوسائل، وكل وسيلة لها غاية، أو هدف، أو مقصد. ويعني هذا أن كَّل عمل فني وسيلةً من أجل تحقيق رسائل مباشرة وغير مباشرة. لذا، نحكم على الوسيلة الفنية من خلال هدفها وغرضها ومقصدها الشرعي. وتتخذ الوسائل في الإسلام حكم المقاصد. ومن ثم، فالوسائل تابعة للمقاصد. أي: حكم المقصد هو حكم الوسيلة. وإذا كانت الوسائل تجلب مقاصدَ غير مشروعةٍ، فالوسائل ستكون، بدورها، غيرَ مشروعة، وإذا كانت الوسائلُ مشروعة بمقاصدها، فهي جائزة لاستعمالها. أي: نحكم على الوسيلة من خلال مقصديتها، وخاصة إذا كانت متعينةً. وهناك من يستعمل الفن وسيلة للفساد والعبث. في حين، هناك من يستخدمه وسيلةً للبناء والترقية والتهذيب. ويعني هذا أن الفن وسيلةٌ فعالة للخير أو الشر، أو سلاح فعال حسب طبيعة الإنسان الذي يستخدمه.

إذاً؛ الفنُّ أداة للتعليم، والدعوة، والموعظة، والتهذيب، والتثقيف، والإعلام، والتواصل، والإصلاح، والتغيير، وخدمة القضايا الاجتماعية والسياسية، وليس تسليةً وترفيهاً وحسب؛ بل له دور كبير في خدمة المجتمع. ويعني هذا أن الفنون تحمل، في طياتها، رسالة التغيير وتعديل السلوك وإصلاحه. ومن هنا، يكون فناً واجباً وضرورياً، لا يمكنُ الاستغناء عنه.

ويلاحظ الشيخ الريسوني؛ أن فنون اليوم ليست مثل الفنون القديمة (الغناء والمجون والمزامر)، بل هناك فنونٌ جديدة، لا يمكن حصرها في سبعة فقط: الأدب، والمسرح، والرقص، والرسم، والنحت، والموسيقا، والسينما، بل هناك أنواع عدة كفن الطبخ، وفن الخياطة، وفن التعليم، وفن الإدارة، وفن التدبير، وفن الرياضة، وفن السياقة... إذاً، يدرس أحمد الريسوني الفنون الإسلامية وفق المقاربة المقاصدية؛ حيث استعرض موقفين فقهيين: موقف يقف من الفنون الجميلة موقفَ نبذٍ ورفض وتحريم. وفي المقابل، هناك من يدافعُ عنها جملة وتفصيلاً وفق ضوابط الشرع الإسلامي.

وقد انطلق الريسوني من كون الفنِّ مهنةً أو حرفة أو صناعة يُراد منها التَّكَسُّب على حدِ مذهب ابن خلدون في مقدمته المشتهرة. وللحكم على الفن فقهياً لابد من التمييز بين الوسائل والمقاصد، أو لابد من ربط الوسائل بالأغراض ومقاصد الشريعة. ويعني هذا أن الوسائلَ قد تكون بريئةً ومحايدة في أداء وظيفة معينة، ولكن عندما تلتصقُ بالمقصدية والهدف، هنا، يتحددُ الحكم الشرعي حسب مشروعية الوسيلة وعدم مشروعيتها. ويعني هذا ضرورة تكييف الفنون باعتبارها وسائلَ مع مقاصدها الشرعية.

ومن هنا، فالفنون هي حاجة فطرية وغريزية في الإنسان الذي لا يمكن أن يستغني عن الفن، ما دامت هي خاصيةً تولد معه بشكل طبيعي. ويعني هذا أن الناسَ ينجذبون إلى الفنون باعتبارها ميولاً ورغباتٍ ومنازع، جُبل عليها الإنسان. فلا يمكن ُللإنسان أن يعيشَ دون موسيقا أو غناء؛ كميله، مثلا، إلى الموشحات الأندلسية، أو عشقه للطرب الأندلسي. ويمكن توظيف الفن من أجل تحقيق أهداف إنسانية واقعية، أو خدمةِ أهداف حضارية، ودينية، وتربوية، وعقدية، وإصلاحية. ومن هنا، يُعد التوظيف من أهم المبادئ التي يستندُ إليه موقف حكم الفقهاء من الفنون، وقد كانت تلك المواقف مختلفةً، تحريماً وجوازاً، وفق مقاصدها ووظائفها وغاياتها.

ويرى الشيخ الريسوني أن الفنونَ جائزة شرعاً، ما دامت تلبي حاجةً من حاجيات الإنسان، وهي كذلك من التحسينيات، مادام الفنُّ يهذب الذوق، ويحققُ الجمال، ويسمو بالإنسان، ويحسِّن سلوكَه. وبالتالي، فهو ليس ضرورة من ضرورات الحياة الخمس. أي: ليس من الكليات الشرعية الضرورية، مادام دورها ثانوياً قياسا إلى الكليات الشرعية الخمس. وهكذا، تعد الفنون حاجةً مجتمعية، ينبغي توجيهها وترشيدها وفق مقاصد الشرع الإسلامي. ومن ثم، لا يوافقُ الشيخ الريسوني ما ذهبَ إليه الفقهاء الذين يحرمون الفنون قاطعة، ويستعملون في ذلك فقه سدِّ الذرائع، أو فقه اتقاءِ الشبهات، بدلا من توجيه الشباب المتعطشين إلى الفنون، وإرشادهم إلى كيفية اختيارها، وكيفية استعمالها لخدمة الشرع، وتوظيفه للسمو بالإنسان أيضاً.

وعلى العموم؛ يدافع أحمد الريسوني عن الفنون الجميلة، ويعدها تحسينات وحاجيات أساسية، ما دامت تخدمُ حاجياتِ الإنسان، وتلبي رغباتِه، وتشبعُ ميوله. ومن ثم، فالفنون وسيلةٌ لخدمة الأخلاق والإنسان والتربية والدعوة؛ ولاسيما أن الفنون لها دور وتأثيرٌ إيجابي في نفسية الإنسان لتوجيهه وتعديل سلوكه، وخاصةً إذا كان هذا الفن يراعي مقاصد الشريعة الإسلامية85.

ويرى أحمد الريسوني أيضاً؛ أن ليس من حقِّ الفقهاء أن يوقفوا الحياة الجارية، أو يضعوا الحواجز أو الضوابط من أجل التحكمِ في الناس، بل عليهم أن يوجهوا ويسهموا في ترقيةِ الفنون من أجل خدمة الحياة. ولم يعد الفن - اليوم- كما كان في القديم؛ إذ كان الفقهاءُ يقصدون بالفنِّ الغناء، والمعازف، والرقص، واللهو، والمجون. بيد أن للفنون - اليوم- تكييفا آخر بعيداً عن مفهوم اللهو والعبث لوجود دلالات سيميائية وظيفية أخرى. ويعني هذا أن الفن قد فقدَ وظائفه التقليدية، ولم يعد أداة للعبث واللهو والمجون، بل له دورٌ كبير في الحياة، مادام يهدف إلى تعديلِ السلوك وتغييره، ومحاربةِ الفساد، والثورةِ على الاستبداد، فالفن أكثر من ترفيهٍ وتسلية. بيد أن الريسوني لا يقبل أن يَستغلَّ الفن أنوثةَ المرأةِ وجسدها تعويضاً عن ضعف العمل الفني. ولا يكون الفن أيضاً وسيلة لتكريس التخلف والفساد، أو يكون في خدمةِ الاستبداد. ومن جهة أخرى، يلح الريسوني على ضرورة وجود نقادٍ من أجل توجيه الفنانين والمبدعين وترقيتهم، والرفع من مستواهم وترشيدهم إلى ما هو أفضل وأسمى.

وعلى العموم؛ فلقد وظف أحمد الريسوني المقاربةَ المقاصدية في الحكمِ على الفن المسرحي من الوجهة الفقهية والشرعية والأصولية، وبنى حكمَه على الجواز؛ لأن المسرحَ من الحاجيات والتحسينات، وقد ربطَ الوسيلةَ بالمقصديةِ والهدف والغرض في بناء حكمه الشرعي، مركزاً على مبدأي التكييف والتوظيف.

الخاتمة

نستنتجُ، مما سبق ذكره: أنَّ أهمِّ ما يمكن الحديثُ عنه في المسرح الإسلامي هو المضمونُ الذي يتميز بالخصوصية والفرادة والتميز؛ لأنه مضمون نابعٌ من الشريعة الربانية والهدي النبوي الشريف. ويتناقض هذا المضمون - فعلاً- مع كل الفلسفات الفنية الغربية الموغلة في التجريد والترميز والإباحية والعبثية والتيهِ والضلال، التي تعبر عن ذلك الإنسان الغربي الباحث، بجدية وهوس شديدين، عن مادياتِ الدنيا الفانية، ومتعِ الجنس الزائلة.

أما الأشكالُ الفنية والجمالية والتجارب الإخراجية، فيمكنُ الاستفادةُ منها قدر الإمكان، ما دامت تجارب عالمية وإنسانية لا تتعارض مفاهيمُها النظرية والتطبيقية مع القيم الإسلامية. وفي هذا السياق، يقولُ عماد الدين خليل: «وفرصة الاختيار المطروحة أمام الفنان المسلم، إذاً، هي أن يقبلَ المسرح كشكلٍ فني، وأن يرفض المضمون... والإسلامُ لم يقف يوما إزاء الأشكال، لا في ميدان الحكم والإدارة، ولا في ميدان الاقتصاد والاجتماع، ولا في ميدان الآداب والفنون، على العكس- هو علمنا- أن الأشكالَ قضية ديناميكية لا يقر لها قرار، وتكنيك متحرك لا يقف عند حد، إلا لتجاوزه إلى حدود أخرى86».

وهكذا، نصلُ إلى أن المسرح الإسلامي - سيكون بلا محالة- هو مسرحُ المستقبل، مادام ذلك المسرح يرتكزُ في مبادئه السمحة على تنوير الإنسان تنويراً عقدياً، وتوعيته أخلاقياً، وبنائه حضارياً في ضوء الشريعة الإسلامية الربانية، ووفق العقيدة النيرة السليمة والصحيحة. وكلُّ مسرح يقوم - في المقابل - على نشر فلسفةِ العبث واللاجدوى، ويسعى إلى التجريد المجاني، ويستهدف الغوايةَ الشبقية، وتشجيع الرذيلة، وإباحة الفساد، والاستهتار بالقيم الأخلاقية والدينية، فإنه - بلا شك ولا ريب - مسرحٌ زائلٌ سيؤول يوماً إلى الفشل، والفناء، والانقراض.

هذا، ويمكن الحديث عن أنواعٍ عدة من المقاصد التي تتعلقُ بالمسرح الإسلامي، ويمكن تحديدُها في ما يلي:

1ـ مقصدية المنع أو التحريم مع أحمد بن الصديق ومحمد الزمزمي.

2ـ مقصدية المتعة والفائدة مع نجيب الكيلاني.

3ـ مقصدية الأسلمة مع عماد الدين خليل.

4ـ مقصدية الصراع التراجيدي المرفوض مع محمد عزيزة.

5ـ مقصدية الإثبات والتأصيل مع محمد عمر الطالب.

6ـ مقصدية التشريع وفق الغرض والوسيلة مع أحمد الريسوني ويوسف القرضاوي.

وفيما يخص التوصيات والاقتراحات الممكنة: لابد من الاهتمامِ بالمسرح الإسلامي وتشجيعِه في المدارس والمؤسسات التعليمية والجامعية والفنية والقنوات الإعلامية والفضائية؛ بشرط ألَّا يخدش الأخلاق الإسلامية، أو يسيءَ إلى المجتمع الإسلامي وعقيدته، أو تتنافى أهدافُه مع مقاصد الشريعة الإسلامية. ومن ثم، لابد أن تكون مقصديتُه التنوير من جهة، والتخليق من جهة أخرى.

وثمة مقاصد فرعية أخرى لابد أن تتوافر في المسرح الإسلامي، ويمكن حصرها فيما يلي:

1ـ الجمع بين الفائدة والمتعة، والتأرجح بين الجد والترويح عن النفس ترفيهًا وتسلية. ولا ينبغي أن يكون الترفيه مجانياً وعبثاً، بل يكون هادفاً ومفيداً مرتبطاً بتنمية الوعي وتطويره؛ ذهنياً ووجدانياً وعملياً، في خدمة النفس الإنسانية بعد العمل المتعب الشاق.

2ـ التوفيق بين المضامين الهادفة والأشكال الفنية الجمالية الجيدةِ، في أثناء تقديم الفرجات المسرحية ذات المنظور الإسلامي.

3ـ تقديم مضامين درامية متنوعة جادة وبناءة ومسؤولة، في رؤاها وتصوراتها المقصدية.

4ـ قيام المسرح الحقيقي على الالتزامِ الإسلامي، بدلاً من الارتكاز على الالتزام الماركسي كما في الكثير من المسرحيات البريختية، أو الالتزام الوجودي العبثي كما في مسرحيات سارتر ومسرح اللامعقول، أو الالتزام الرأسمالي الليبرالي المتوحش، كما هو الحال في الكثير من المسرحيات الغربية الداعية إلى الحرية الفردية، وحرية التملك والتبرجز.

5ـ التركيز على التطهير الأخلاقي والصراع الدرامي الديني والأخلاقي والحضاري.

6ـ الاهتمام بالتغيير الأخلاقي الروحاني، والعمل على الإصلاحِ الديني الإيجابي، وتعديل القيم والسلوكيات السلبية المشينة، على مستوى الرصدِ والتلقي في أثناءِ الاشتباك الدرامي والنفسي بين الممثل والمتفرج.

7ـ التشديد على الرسالة في بناء الشخص حضارياً، وتوعيته أخلاقياً، قبل التشديد على الشكلِ والجمال والزينة.

8ـ أن تحملَ المسرحيةُ الإسلامية ثقافةً ربانية إنسانية منفتحة. وتتضمنُ أيضا ثقافةً محررة، ومتحررة، واضحة، ومتوازنة، ومسؤولة، وواعية، مصداقا لقول الرسول ﷺ: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته87».

9ـ أن يكون المسرحُ الإسلامي مسرحاً شاملاً في تقنياته الفنية والجمالية، ومفيداً وممتعاً؛ موضوعاً وعرضاً ورؤية.

10ـ أن يسمو المسرحُ الإسلامي بالإنسان جسداً وروحاً، مع ترسيخ القيمِ الأصيلة في سبيل تحقيق الخيرِ والنماء والحق والعدل والحرية والجمال.

المراجع

المصادر الإبداعية:

عز الدين المدني: مسرح الزنج وثورة صاحب الحمار، الشركة التونسية للتوزيع، تونس، الطبعة الرابعة، 1987م.

المصادر القديمة:

أبو إسحاق الشاطبي: الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق عبد الله دراز، دار الكتب، بيروت، طبعة 1994م.

أحمد الأبشيهي: المستطرف من كل فن مستظرف، القاهرة، الطبعة الثانية سنة 1953م.

عز الدين بن عبد السلام: القواعد الصغرى: الفوائد في اختصار المقاصد، تحقيق إياد خالد الطباع، دار الفكر المعاصر، دمشق، الطبعة الأولى1999م.

محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي: الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله ﷺ وسننه وأيامه = صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة: الأولى، 1422هـ.

المراجع باللغة العربية أو مترجمة إليها:

أحمد بن الصديق: إقامة الدليل على حرمة التمثيل، دار العهد الجديد، مصر، الطبعة الأولى سنة 1941م.

أحمد الريسوني: نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، المعهد العلمي للفكر الإسلامي، هرندن، فيرجينيا، و.م.أ، الطبعة الأولى، 1991م.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: الفكر المقاصدي قواعده وفوائده، دار الكلمة للنشر والتوزيع، المنصورة، مصر، طبعة 2014م.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: الأمة هي الأصل: مقاربة تأصيلية لقضايا: الدميقراطية، حرية التعبير، الفن، دار الكلمة للنشر والتوزيع، المنصورة، مصر، الطبعة الأولى 2014م.

أحمد صالح الشامي: الفن الإسلامي التزام وابتداع، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1990م.

أحمد ظريف: فلسفة التجاذب في الفن المسرحي- نظرية الاستدراك- مطبعة الراحة، المغرب، الطبعة الأولى 2007م.

أرنست كونل: الفن الإسلامي، ترجمة وتحقيق: أحمد موسى، دار صادر للطباعة، بيروت، الطبعة الأولى سنة 1966م.

برنار توسان: ماهي السيميولوجيا، ترجمة: محمد نظيف، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، الطبعة الثانية سنة 2000م.

تمارا الكساندروفنا بوتينتسيفا: ألف عام وعام على المسرح العربي، ترجمة: توفيق المؤذن، مطبعة دار الفارابي، بيروت، الطبعة الثانية، 1990م.

ثروت عكاشة: التصوير الإسلامي، بيروت، سنة 1977م.

جمال الدين محمد عطية: نحو تفعيل مقاصد الشريعة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هرندن، فرجينيا، و.م.أ، الطبعة الثانية، 2008م.

حسام الغمري: الإسلام والفن، دار الفاروق للاستثمارات الثقافية، الطبعة الأولى سنة 2006م.

الحسان شهيد: الخطاب المقاصدي المعاصر مراجعة وتقويم، مركز نماء البحوث والدراسات، الرياض، طبعة 1434هـ

حسن الوزاني: الأدب المغربي الحديث، دراسة وببليوغرافيا، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2002م.

دندل جبر: حكم الإسلام في الصور والتصوير، مكتبة المنار، الزرقاء، الأردن، الطبعة الثالثة سنة 1986م.

سمير الصايغ: الفن الإسلامي، قراءة تأميلية في فلسفته وخصائصه الجمالية، دار المعرفة للطباعة المنشر، الطبعة الأولى سنة 1988م.

سيد قطب: التصوير الفني في القرآن، دار الشروق، القاهرة، طبعة 2010م.

الطاهر بن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية، دار السلام، القاهرة، الطبعة الأولى سنة 2005م.

طه جابر العلواني: مقاصد الشريعة، دار الهادي، الطبعة الأولى سنة 2002م.

عباس الجراري: الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه، مكتبة المعارف الرباط، طبعة ثانية، الرباط، المغرب.

عبد الكريم برشيد: حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة 1985م.

عبد الجبار الرفاعي: مقاصد الشريعة: آفاق التجديد، دار الفكر، دمشق، دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة الأولى 2002م.

عبد الله بن بيه: علاقة المقاصد بأصول الفقه، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات مقاصد الشريعة، الطبعة الأولى سنة 2006م.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: مشاهد من المقاصد، الرياض، الطبعة الثانية 2012م.

عبد المجيد النجار: مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى سنة 2003م.

علال الفاسي: مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، مكتبة الوحدة العربية، الدار البيضاء، طبعة 1963م.

عماد الدين خليل: في النقد الإسلامي المعاصر، مؤسسة الرسالة، بيروت، بدون تحديد لتاريخ الطبعة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: فوضى العالم في المسرح الغربي المعاصر، مؤسسة الرسالة، بيروت، بدون تحديد لتاريخ الطبعة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: في الفن التشكيلي والمعماري، دار ابن كثير، دمشق- بيروت، الطبعة الأولى سنة 2007م.

عمر محمد الطالب: ملامح المسرحية العربية الإسلامية، منشورات دار الآفاق الجديدة بالدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة1987م.

كير إيلام: سيمياء المسرح والدراما، ترجمة رئيف كرم، المركز الثقافي العربي، بيروت، طبعة 1992م.

محمد عزام: المسرح المغربي، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق، الطبعة الأولى سنة 1987م.

محمد عزيزة: الإسلام والمسرح، ترجمة: رفيق الصبان، منشورات عيون المقالات، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1988م.

محمد عمارة: الإسلام والفنون الجميلة، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الثالثة 2007م.

محمد قطب: منهج الفن الإسلامي، دار الشروق، القاهرة، الطبعة السادسة 1983م.

محمد الكغاط: المسرح وفضاءاته، البوكيلي للطباعة والنشر، القنيطرة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1996م.

محمد كمال الدين إمام: الدليل الإرشادي إلى مقاصد الشريعة الإسلامية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، الطبعة الأولى سنة 2007م.

مصطفى بغداد: المسرح المغربي قبل الاستقلال، منشورات الرهان الآخر، مطبعة دار القرويين، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2000م.

مصطفى رمضاني: المسرح الاحتفالي، مطبعة اتحاد كتاب العرب، دمشق، الطبعة الأولى سنة 1993م.

نجيب الكيلاني: مدخل إلى الأدب الإسلامي، كتاب الأمة، قطر، العدد:14، سنة 1987م.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: حول المسرح الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية سنة 1987م.

يوسف حامد العالم: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، المعهد العلمي للفكر الإسلامي، هرندن، فيرجينيا، و.م.أ، طبعة 2، 1993م.

نور الدين بن مختار الخادمي: الاجتهاد المقاصدي: حجيته، ضوابطه، مجالاته، الجزء الأول، كتاب الأمة، قطر، الرقم 65، السنة الثامنة عشرة، 1419هـ.

يوسف القرضاوي: الحلال والحرام في الإسلام، دار المعرفة، الدار البيضاء، طبعة 1985م.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: الإسلام والفن، القاهرة، طبعة 1995م.

المراجع الأجنبية:

Martin, Cécile; Chaumet, Pascale.- Premiers repérages sur les politiques des conseils régionaux en faveur du spectacle vivant.- Grenoble : Observatoire des politiques culturelles, 2008,  No 13.

رسائــل جامعيــة:

مصطفى رمضاني: الاحتفالية والتراث في المسرح المغربي، السفر الأول، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، رسالة مرقونة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، الموسم الجامعي:1985-1986م.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: الاحتفالية والتراث في المسرح المغربي، السفر الثاني، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا مرقونة، الموسم الدراسي الجامعي:1985-1986م.

المقالات:

أبو المعالي: ( قراءة في كتاب مسرح عز الدين المدني والتراث)، فضاءات مسرحية، تونس، العدد الأول، السنة الأولى، 1985م.

أحمد محمد عطية: (نحو تأصيل المسرح العربي)، مجلة قضايا عربية، لبنان، العدد:12، السنة 7، 1980م.

جميل حمداوي: (من أجل نظرية إسلامية جديدة)، مجلة الفرقان، المغرب، العدد:64، 2010م.

حسن الأمراني: ( نحو ثقافة بانية: الخصائص)، مجلة المشكاة، وجدة، المغرب، العدد5و6، السنة الثانية، يونيو1986م.

حكمت صالح: ( نحو مسرح إسلامي معاصر)، الجزء الأول، مجلة المشكاة، المغرب، السنة الأولى، العدد:4، مارس 1985م.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: ( نحو مسرح إسلامي معاصر)، الجزء الثاني، المشكاة، العدد الخامس والسادس، السنة الثانية، يونيو1986م.

سعدي يونس: (من تجربتي المسرحية: الشكل والمضمون في مسرح الشارع)، مجلة أقلام، العراق، عدد المسرح العربي.

طاهر دفع الله: (في المسرح الإسلامي)، حوار، مجلة المشكاة، العدد:5-6، يونيو 1986م.

عبد الكريم برشيد: (في التصور المستقبلي لتعريب المسرح العربي)، مجلة الأقلام، العراق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: (بيان المسرح الاحتفالي- كتابة جديدة-)، مجلة التأسيس، المغرب، العدد الأول، سنة 1987م.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ: ( التراث في المنظور الاحتفالي)، مجلة الفرقان، المغرب، العدد:64، 2010م.

عز الدين المدني: (نحو كتابة مسرحية عربية حديثة)، مجلة الحياة الثقافية، تونس، عدد خاص بالمسرح، العدد:4، سنة 1978م.

محمد إبراهيم: (المسرح والصورة ودكتاتورية المخرج)، جريدة الفنون، الكويت، العدد:85، السنة الثامنة 2008م.

مصطفى رمضاني: ( الاتجاهات الأساسية في مسرح الهواة بالمغرب)، مجلة المشكاة، بوجدة، المغرب، السنة الأولى، العدد:4، دجنبر 19مارس 1985م.

الروابط الرقمية:

أحمد الريسوني: (قضايا الفن وإشكالاته)،

https://www.Youtube.com/watch? v=oJQS6_TXtrw
ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
الفنون في ضوء مقاصد الشريعة 2 ، 2019، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، لندن، ص 345-394.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.

صوت وصورة

مقالات مختارة

إقرأ المزيد

الفنون الخادمة للمقاصد، والمقاصد الخادمة للفنون

نور الدين بن المختار الخادمي؛ وزير الشؤون الدينية السابق بالجمهورية التونسية، وأستاذ جامعي. محتويات المقال:أولا: تأطيرُ البحث وأهميتهثانيا: أهداف البحثثالثا: إشكالية الموضوعرابعا: موضوعات البحث ومنهجهخامسا: خطة البحثسادس...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

إشكالية الفنون الجميلة في علاقتها بمقاصد الشريعة

إبراهيم البيومي غانم؛ عضو مجلس خبراء مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ومستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، مصر. محتويات المقال:تمهيدأولاً: في النظرية العامة للفنون ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

فقه الحسنِ: الـتأصيل المقاصدي لمفهوم الفن الإسلامي وحدوده المعرفية

إدهام محمد حنش؛ عميد كلية الفنون والعمارة الإسلامية، جامعة العلوم الإسلامية العالمية، الأردن. محتويات المقال:المقدمةفقه الفنأسلمة الفن وإسلاميتهالالتزام والفن الإسلاميإشكاليات التكييف الفقهيمن التكييف الفقهي إلى التأصيل ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

المسألة الفنية في النظرِ المقاصدي من خلال مدخل التكييف والتوظيف

أحمد الريسوني؛ مدير مركز المقاصد للدراسات والبحوث بالرباط – المغرب، وعضو مجلس خبراء مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية بمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي. محتويات المقال:تقديمالمبحث الأول: المسألة الفنية من خلال مدخل التكيي...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

الفنون ومقاصدها عند الإمام القرضاوي: الرؤية والتطبيق

وصفي عاشور أبو زيد؛ دكتوراه في مقاصد الشريعة الإسلامية، كلية دارالعلوم، جامعة القاهرة. محتويات المقال:مقدمةالمبحث الأول: الفنون عند الإمام القرضاوي: تتبعٌ واستقراءأولا: الفنون الإبداعية أو ما كتبه الشيخ في الفنونثانياً: ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

اللغة الكونية للفن الإسلامي

منور ثامر المهيد؛ مدير عام مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي- عمان - الأردن محتويات المقال:انعكاس الحقائق في الظواهر الطبيعيةالجيومتري وانعكاسها في الطبيعةالدائرةالنسق الهندسي في الفن المقدس وتجلياته الوجوديةالنِسبُ ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

روح العمارة الدينية: أنموذج جامع السليمانية

رجب شنتورك؛  رئيس جامعة ابن خلدون، اسطنبول. محتويات المقال:1- علاقة الرمز والمرموز له وطريقة التأويل في الفكر العثماني2- جامعُ السليمانية بلسان المهندس المعماري سنان3- القانوني وسنان: سلطانا ومهندسا من حيث الخلفية ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد الشريعة وهندسة الحروف كمقبسين للإرادة الإلهية

أحمد مصطفى؛فنّان وعالم معروف دوليًا، وزميل في الفن الإسلامي والتصميم بمركز الدراسات الإسلامية بأكسفورد- المملكة المتحدة. على النقيضِ مما يفترضه عديد من الغربيِّين؛ فإنَّ الإسلامَ لا يعتريه أي إجهادٍ في الجمع بين العلم وا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

رؤية فلسفية للجمال في النظر الإسلامي الأصولي

الشيخ محمد غورماز، الرئيس الأسبق لهيئة الشؤون الدينيَّة بتركي إنَّ علمَ المقاصد والغايات، هو من العلوم المفتخرة لدى المسلمين، فهو - وإن ظن البعض بساطته - ذو أثرٍ ضخم، وامتدادٍ عريض؛ يلقي ظلالَه على كل العلوم الإسلامية، ب...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

ترقية الإيمان مقصداً للفنّ

عبد المجيد النجار: رئيس المركز العالمي للبحوث والاستشارات العلمية تونس. محتويات المقال:توطئةأولاً: الدين والفنّثانياً: دور الفنّ في ترقّي الإيمان التصديقي1 - دور الفنّ في حصول الإيمان2 - دور الفنّ في تقوية الإيمانثالثاً:...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

الأصول المُعْربة عن الفنون، والفنون المُعَبرة عن الأصول

نورالدين بن مختار الخادمي: وزير سابق، وأستاذ التعليم العالي بتونس. محتويات المقال:تمهيدإشكالية البحثالدراسات السابقةموضوع البحثالمحور(1) تأطير الأصول للفنونالمحور(2) تعبير الفنون عن الأصولالمحور(3) محور الأدلة الشرعية أو...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد القرآن الجمالية وتمثُّلاتها المعرفية في الفنون الإسلامية (التعريف والتأصيل والتصنيف)

إدهام محمد حنش: عميد كلية الفنون والعمارة الإسلامية جامعة العلوم الإسلامية العالمية (الأردن). محتويات المقال:المقدّمةعلمُ المقاصدِ: الدينُ والفلسفةُالنظريات المقاصديةنظرية العمل المقاصديالمقاصد؛ غايات، ووسائل، وطرائقالطر...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

إسلامية الفنون الإسلامية: بين التنظير المعرفي والتطبيق الإجرائي

صلاح الدين شيرزاد: دكتوراه في تاريخ الفن الإسلامي، عضو هيئة التدريس في جامعة السلطان محمد الفاتح بمدينة إستانبول- تركيا. محتويات المقال:تمهيدبدايةُ التسميةالدافع لضبط المصطلحميادين فنون المسلمينفن العمارةأصناف العمارة- ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصدُ الفنونِ العُمرانِية في المدينةِ الإسلامية: قراءةٌ في نصوصٍ تراثيةٍ ورؤيةٌ في الواقعِ المعاصر

إبراهيم البيومي غانم: أستاذ العلوم السياسية ومستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (مصر)، وعضو مؤسس وعضو مجلس خبراء مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية مؤسسة الفرقان لندن. محتويات المقال:استهلالأولاً: المدينة ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

وظائف الفنون الأدبية في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية (دراسة تأصيلية في طبيعة الفنون الأدبية ومقاصدها الجمالية)

عبد الملك بومنجل: مدير مخبر المثاقفة العربية في الأدب ونقده، جامعة سطيف، جمهورية الجزائر محتويات المقال:1: أسئلة الجوهر والغاية في فلسفة الفن وعلم الجمال.1.1: جمال المُدرَك أم ذوق المدرِك؟2.1: جمال الشكل أم جمال المضمون؟...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

الخطاب الجمالي للفن الإسلامي وسياقاته المقصدية

عَمَّارة كحلي: مدرس بـكلية الأدب العربي والفنون بجامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم ـ جمهورية الجزائر.  محتويات المقال:مقدّمة1: نحو تجديد الفهم المقاصدي في باب نوازل الجمال والفنون2: صناعة الزينة والجمال في المصادر ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية

أنشطة ذات صلة

Back to Top