فقه الحسنِ: الـتأصيل المقاصدي لمفهوم الفن الإسلامي وحدوده المعرفية

شارك:

إدهام محمد حنش؛ عميد كلية الفنون والعمارة الإسلامية، جامعة العلوم الإسلامية العالمية، الأردن.

محتويات المقال:
المقدمة
فقه الفن
أسلمة الفن وإسلاميته
الالتزام والفن الإسلامي
إشكاليات التكييف الفقهي
من التكييف الفقهي إلى التأصيل المعرفي
أولاً. الفن؛ المصطلح والمفهوم
ثانياً. الفن الإسلامي؛ المصطلح والمفهوم
ثالثاً. المقاربة المنهجية
رابعاً. مقاربة التأصيل الجمالي للفن الإسلامي
القيم والمقاصد؛ حقيقة الفن وحكمته
القيم معياراً لتصنيف المقاصد
المقاصد القيمية
نحو فقه جمالي لتقويم الفن الإسلامي والحكم عليه
فقهُ الحسنِ؛ المعرفة الإسلامية لعلم الجمال
أولاً. ما هو الحسن ؟
ثانياً. خطاب الحسن القرآني
ثالثاً. أهمية الحسن وضرورته المعرفية
رابعاً. فقه الحسن؛ المعرفة الإسلامية لعلم الجمال
فقه الحسن وتأصيل الفن الإسلامي
أولاً. الفن؛ آفاق الإبداع الإنساني وحدوده
ثانياً. طبيعة الفن الإسلامي وتصنيفه
ثالثاً. مفهوم الفن الإسلامي
رابعاً. التأصيل المقاصدي لمفهوم الفن الإسلامي
خامساً. حدود الفن الإسلامي وتصنيفه المعرفي
علوم الفن الاسلامي
أهميةُ الفن الإسلامي وضرورته المقاصدية
الخاتمة
المصادر والمراجع

المقدمة

كان الفنُّ (من حيث هو صنعة وحرفة وأثر) قائماً بقوة في حياة المسلمين وحضارتهم الزاهرة في الماضي، وخضعت بعضُ ظواهره الاجتماعية المتعلقة بالبناء والعمارة التي كانت تستجد في الماضي، بشكل مباشر؛ لفقه النوازل1، وخضع بعضها الآخر المتعلق بالصناعات والحرف المتعلقة بفنون الكتاب كالتجليد مثلاً، بشكل غير مباشر؛ لفقه الحسبة2. وأسهمَ فقه الوقف (الثقافي بخاصة)مساهمة فاعلة في تطور الفنون والعمارة والصنائع الإسلامية3وازدهارها في أغلب أرجاء العالم الإسلامي. وهكذا أسهمت مجالات علم الفقه التراثية الأخرى (بشكل مباشر أو غير مباشر) في ترسيخ علاقة الفن بنظام السياسة الشرعية وفقه العمران الإسلامي.

ولكن الفنَّ (من حيث هو موضوع) لم يحظ (من الناحية المعرفية) بكبير عنايةٍ، ودقيقِ معالجةٍ، وكثيرِ تنظير (فكري مباشر) في الدراسات الإسلامية التراثية، وبخاصة منها الدراسات الشرعية، فقلما نجد اهتماماً علمياً مقصوداً بالفن في الأدبيات الإسلامية التراثية؛ سواء ما تعلق منها على العموم بالسياسة الشرعية والعمران الإسلامي، أو ما تعلق منها على الخصوص بعلم الفقه (وأصوله) الذي لم يبحث في هذا الموضوع على نحو واضح ومتميز، ولم يفرد له مبحثاً (يذكر) بين مباحث الفقه العديدة المتعلقة بالعبادات والمعاملات والأحوال الشخصية والسلوكات الحضارية للمسلمين وغير ذلك من مجالات هذا العلم الشرعي الواسع والدقيق والمحكم.

وربما لذلك؛ صار الفنُّ في الثقافة الإسلامية الحديثة والمعاصرة موضوعاً جديداً (نوعاً ما. وكثيراً ما) نَظَر العلماء والمفكرون والمثقفون العرب والمسلمون المحدثون والمعاصرون إليه على أنه واحدة من النوازل الحضارية (الأجنبية أو الغربية) الوافدة إلى المجتمعات الإسلامية الحديثة والمعاصرة؛ شأنُها في ذلك شأن العديد من النوازل الحضارية الغربية الأخرى، كالحرية الشخصية والديمقراطية السياسية وغيرها من الأفكار والنظريات والنزعات والقيم والحركات والصناعات والتقنيات، والأساليب الأجنبية الحديثة في العيش والعمل والحياة العامة.

ويمكن القولُ: إن أبرز قنوات الاتصال ووسائله الناقلة لهذه الوافدات الحضارية والثقافية من العالم الغربي إلى عالمنا العربي الإسلامي هي، على سبيل المثال
لا الحصر:

أولاً. التنقيبات والاكتشافات والدراسات والمؤلفات الاستشراقية عن الآثار والأعمال والمصنوعات والمخطوطات وغيرها من التجليات الحضارية الإسلامية المتعددة في مجالات الفن الإسلامي المختلفة (من العمارة والخط والزخرفة والتصوير والتذهيب وغيرها) التي حركت اهتمام العلماء والباحثين العرب والمسلمين المعاصرين، وأيقظت في بعضهم الحماسة نحو التعمق والتخصص في الآثار، ومنها الفنون الإسلامية.

ثانياً. البعثاتُ والرحلات والسفرات العلمية والثقافية (الدراسية وغير الدراسية) العربية والإسلامية إلى الغرب؛ حيث ساعدت هذه الرحلات على اطلاع العلماء والمثقفين العرب والمسلمين على أشياء جديدة، لم يكن لمجتمعاتهم المحلية مثيل منها.

ومن أبرز هذه الأشياء، على سبيل المثال لا الحصر: المتاحفُ والمسارحُ والأوبرا ودور السينما والمعارض ومدارس الفن والعمارة والتصميم، وما شاكل ذلك من المؤسسات المتعلقة بفنون التصوير الأساسية كالرسم، والنحت، والتمثيل، والموسيقى، والغناء، وغيرها.

ثالثاً. المخترعاتُ الأجنبية الصانعة للصورة كآلة التصوير الضوئي (الفوتوغراف)، والناقلة للصوت كالتلغراف والراديو، وأخيراً: التلفزيون الذي أحدث ثورة الاتصال الحديثة القائمة على الصورة بوصفها الوسيلة والرسالة4؛ وهي النظرية التواصلية التي قلبت معادلات التأثير والتأثر في التفكير الإنساني المعاصر، من الاعتماد على الكلمة والنص واللغة في الخطاب، إلى الصورة والمشهد أو السياق والثقافة، فبنت الجسور بين ما يمكن أن نسميها العلوم الاتصالية ؛كالإعلام والفن (مثلاً) في علاقة معرفية ووظيفية واحدة، جعلت من هذين العلمين (الإعلام والفن) وجهين لعملة اجتماعية واحدة.

رابعاً. أنظمةُ التعليم الحداثية ومؤسساته الأكاديمية؛ كالمدارس والمعاهد والجامعات التي كانت المصدر الأساس لثقافة التنوير والتجديد والتطور. فقد اعتُبر تعليم الفن (الأكاديمي) ظاهرةً ثقافيةً تنويريةً بالنسبة لأغلب المجتمعات الإنسانية المعاصرة.

وكانت مجتمعات الأمة الإسلامية قد تلقت هذه الظاهرة الثقافية التنويرية تدريجياً منذ مطلع القرن التاسع عشر الميلادي؛ حيث حصل التحول الثقافي (العربي الإسلامي) في تعليم الفنون من المدارس المهنية التقليدية؛ كمدرسة الفنون والصنائع الإسلامية، ومدرسة الخطاطين وغيرهما، إلى أكاديميات ومعاهد وكليات الفنون الجميلة (الغربية في غالبيتها).

وربما كان هذا التحول  -إلى جانب عوامل أخرى ممائلة- قد أدى إلى تنامي الظاهرة الفنية وتفاعلها الثقافي في حركة المجتمع العربي الإسلامي ونسيجه الحضاري بقوة ورسوخ متواصل، حتى أصبحت المسألة الفنية، في كثير من الأحيان والأماكن، واحدةً من إشكاليات التفكير الإسلامي الحديث والمعاصر، وأكثرها تأثيراً في حياة الإنسان ونسيج المجتمع و(إلى حدٍ ما؛ في) نظام الدولة أيضاً.

ويمكن القولُ بأن هذه الإشكاليات تجلت في استجابة العرب والمسلمين لتحدي الفن بين الإيجاب والسلب. وتباينت مواقفهم الثقافية منه. واختلفت ردود أفعالهم الاجتماعية عليه، في ضوء المواقف الثقافية والاجتماعية (الدينية) لعلماء الدين والفلسفة واللغة والتراث (علم الآثار بشكل خاص) العرب والمسلمين المحدثين والمعاصرين من الظاهرة الفنية، وآرائهم الفكرية والفلسفية والعلمية حولها، سواء تعلقت طبيعة هذه الظاهرة وصِفَتُها الثقافية بالفنون، والمخترعات الغربية الحديثة الوافدة؛ عملياً على أيدي بعض الفنانين وتجار المعرفة أكثر من وفودها النظري، أو بالفنون والآثار الإسلامية التاريخية القديمة؛ الوافدة على أيدي بعض المستشرقين وتلامذتهم نظرياً في علم الآثار أو تاريخ الفن أكثر من وفودها العملي.

ويحسب لعديدٍ من علماء الشريعة الإسلامية رياديتهم في التصدي الشرعي لمسألة الفن الحضارية الحديثة وامتداداتها المعاصرة، كما كان لبعض المؤسسات الدينية الإسلامية دور رائد في التصدي لمعالجة الظاهرة الفنية وآثارها الاجتماعية.

من هؤلاء العلماء المحدثين؛ كلٌ من الشيخ محمد عبده (ت1323ھ/1905م) والشيخ محمد رشيد رضا (ت1354ھ/1935م) اللذين كان لهما فضل السبق الشرعي الحديث والمعاصر في التعامل مع الفنون التصويرية كالرسم والنحت (بالذات) بكل أريحية فقهية مقاصدية، في ضوء فوائدها الثقافية المتمثلة في الحفاظ على هوية الأمة ونهضتها الحضارية القائمة على العلم والإبداع والصناعة والإنتاج، والحقيقة التي تجعل «الشريعة الإسلاميةَ أبعد من أن تحرم وسيلة من أفضل وسائل العلم، بعد تحقيق أنه لا خطر فيها على الدين، لا من جهة العقيدة، ولا من وجهة العمل»5.

ومن هؤلاء العلماء المعاصرين كذلك ؛ الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، ومعه إلى حدٍ ما؛ الشيخ الدكتور أحمد الريسوني؛ الذي يمكن اعتباره صاحب المدرسة الفقهية المعاصرة (الأولى والطليعية) التي تقوم على التميز المنهجي في التعامل مع الفنون المختلفة (الوافدة وغير الوافدة) بالتعليل المقاصدي، والتكييف الفقهي، والتوظيف الشرعي.

أما المؤسسات الدينية الإسلامية (الرسمية بخاصة) مثل: دور الإفتاء، والمجامع الفقهية العاملة في العالم الإسلامي؛ فقد كان لها إسهامات متباينة بين الإمساك والتحرز والجرأة الفقهية على الفتوى الفنية (من حيث المحتوى والمضمون والموضوع - إن جاز الوصف)، فمثلاً كان لدار الإفتاء المصرية دور رائد في التعامل المقاصدي مع بعض الفنون الغربية الوافدة كالتصوير الفوتغرافي مثلاً، فقد كتب مفتي الديار المصرية (1334-1338ھ/1915–1920م) الشيخ محمد بخيت المطيعي (ت 1354ھ /1935م) رسالةً ونشرها بعنوان: الجوابُ الشافي في إباحةِ التصويرِ الفوتغرافي6.

ولكن؛ لا بد من الملاحظة بأن أغلبَ مقاربات هؤلاء العلماء وهذه المؤسسات، وتناولاتها المعرفية والمنهجية للمسألة الفنية قد اتجه نحو دراسة العلاقة الإشكالية بين الفقه والفن بوصفهما طرفي معادلة دينية اجتماعية7؛ غالباً ما بدت قلقةً في مفهومها المتكامل بين هذين الطرفين، ومحيرةً في الترجيح المتوازن بينهما، وملتبسةً في طبيعتها المعرفية والوظيفية؛ التي كثيراً ما يقيدها الحكم الشرعي بأصول الفقه وقيوده النصية، أكثر من مقاصده الشرعية المتعلقة بأي مجال معرفي آخر؛ سواء كانت له صلة معرفية مباشرة بالفن ؛كعلم الجمال، أو غير مباشرة كعلم الأخلاق. فكثيراً ما انبنى الحكمُ الشرعي للفن على حدود الفقه الصارمة في التعامل المعياري الحساس (من الناحية الدينية بين الحلال وظلاله كالمقبول، والحرام وظلاله كالمكروه) مع الفن، وكأنه واقعة أو نازلة أو ظاهرة أخلاقية بالدرجة الأولى؛ فردية أو جماعية حادثة في المجتمع، أو وافدة إليه ضمن الوافدات الفكرية والحضارية والثقافية الجديدة على العرب والمسلمين. 

فقه الفن

لقد واجه علماء الإسلام وفقهاؤه المحدثون والمعاصرون ما يحدث ويستجد من مسائل الفن وقضاياه في حياة المسلمين (المعاصرة بالذات) بـالفتـاوى الآنيـة والمباشرة وشبه الفردية؛ مما جعل هذه المحاولات في مستوى من التعامل الشرعي مع الفن لا يرقى في أحسن أحواله وأكثرها توفيقاً، إلى أن تكون هذه الفتاوى (وغيرها) مادة علمية موضوعية ناضجة ومتكاملة لما يمكن أن نسميه: فقه الفن8.

ولم ينضجهذا النوع من أنواع الفقه (الشرعي العام)، أو لم يصر هذا المجال من مجالاته، على غرار ما صار يشيع اليوم في الأوساط الدينية والثقافية والاجتماعية من أنواع الفقه ومجالاته المعرفية المتعددة والمتنوعة بشكل خاص؛ مثل: فقه الواقع، وفقه العصر، وفقه التحولات، وفقه الأقليات، وغير ذلك من تخصصات الفقه وملحقاته9؛ التي غالباً ما تكون عبارة عن فتاوى وآراء وتنظيرات شرعية ذات أفق معرفي أو اجتماعي محدود.

ولعل السببَ في ذلك يعود إلى صعوبة الإحاطة المعرفية الدقيقة بطبيعة الفن وحوادثه ووقائعه وأعماله، والعجز عن استيعابها على أكمل وجه، واستعصاء فهمها على أتم فهم، ومن بعد: تقرير حكم شرعي عليها من خلال أصول الفقه.

ولكن القاعدة (الأصولية) الفقهية الذهبية القائلة بأن «الحكم على الشيء فرع عن تصوره »10 لا تجعل هذه الصعوبة مهما كانت حاجزاً معرفياً فولاذياً أمام نشأة فقه فني حديث ومعاصر، وتناميه المتواصل على مقاصد الشريعة التي يمكن أن تغوص في كنه الموضوع الفني، فتستبين طبيعته المعرفية وغايته الاجتماعية الواضحة، لاسيما وأن عوامل ذاتية منها على سبيل المثال: قوة الفن الروحانية وجاذبيته النفسية لدى الإنسان، وعوامل أخرى موضوعية منها على سبيل المثال: حاجة الناس إلى نشاط الفن ودوره الثقافي والحضاري/العمراني؛ قد تؤدي (بل أدت فعلاً) إلى أن تتبدل الأهداف الأساسية لمحاولات هؤلاء الفقهاء في تبديد حيرة الناس، وتأمين تعاملهم الشرعي مع الفن، من المواجهة الفقهية المباشرة القائمة على الجدل المتباين للإشكاليات الفنية بين الحرام والحلال، إلى التوطين الشرعي للعديد من جوانب الفن وموضوعاته في الثقافة الإسلامية الحديثة والمعاصرة، على أساس التفسير المقاصدي لإشكاليات الفن الأخلاقية والثقافية والاجتماعية.

وكان لهذا التحول أو التطور في التعامل الديني (الشرعي) المحض مع الفنون، أثرُهُ الحاسمُ على تبلور فقه الفن بوصفه ركناً من أركان فقه النوازل القديم الجديد، على حساب الاهتمام العلمي والتخصص المعرفي بالموضوع الفني حصراً؛ تناولاً وتفسيراً وتبريراً مقاصدياً لطبيعة الفن (بالذات) المعرفية، ووظيفته الاجتماعية؛ بين الجواز والقبول والحلال تارة، وبين المنع والرفض والحرام تارة أخرى، في ضوء المقبولية الأخلاقية الدينية على أساس المنفعة وعدم الضرر الإنساني والاجتماعي.

وإذ يبدو البناء المقاصدي لفقه الفن قائماً من الناحية المعرفية أو من ناحية المحتوى على القيم الإنسانية (الأخلاقية بخاصة) والمنفعة الاجتماعية بشكل مباشر وكبير؛ فانه يبدو من الناحية المنهجية والوظيفية أو من ناحية الشكل قائماً على التكييف الفقهي لمسألة الفن على الأسس والقواعد الآتية11 :

أولاً. اعتبار الفن نوعاً من أنواع اللهو والمرح واللعب.

ثانياً. اعتبار الفن نوعاً من أنواع الشهوات والملذات.

ثالثاً. اعتبار الفن نوعاً من أنواع التحسينات.

رابعاً. اعتبار الفن نوعاً من أنواع الوسائل.

أسلمة الفن وإسلاميته

يقوم الـتكييف المقاصدي للفن على عديد من الفتاوى والأفكار والتنظيرات والمقاربات الشرعية، التي تشترط التزام الفن بالقيم الأخلاقية والاجتماعية/ الدينية بالدرجة الأولى.

ولعل ما يرشحُ عن هذا المنهج الفقهي من النتائج المعرفية المحتملة لهذه المقاصدية الأخلاقية يوحي بأن المعيار الوظيفي، وليس المعرفي، أو لنقل بشكل أكثر تحديداً: الوظيفة الفنية (وليس الفن ذاته) هي الأساس الأول والأخير لمسألة التكييف الفقهي للفن.

وهذا قد يجعل المقاربة المقاصدية تبدو وكأنها تحوم حول العلاقة الخارجية بين الفن والوظيفة، وتحديداً: وظيفة الفن. فقد تُعاين هذه المقاربة الفن من الخارج معاينةً محدودةَ التناول، أحاديةَ المنهج القائم على اعتبار الفن مسألةً من مسائل الفتوى الحادثة في زمان ومكان معينين ليس أكثر؛ قد تغشاها الحيرة في الغالب، ربما تغشاها الحيلة الشرعية في التصدي للواقعات الحضارية بعامة، والفنية الوافدة منها بخاصة ؛ لأن فتاوى الفن غالباً ما تنطلق من التصرف الزماني أو العاطفي المنفعل مع هذه الوافدات الحضارية والفنية؛ ولا تنطلق من التصرف الطبيعي القائم على العلاقة المعرفية بين الفن؛ بوصفه المجال المعرفي الذي نعمل فيه وعليه، والفقه؛ بوصفه أحد المصادر المعرفية المكونة لفلسفة الفن ونظريته المعرفية في النظام المعرفي الإسلامي الذي من المفترض أن يؤصل لهذه العلاقة من خلال التربية الجمالية الإيمانية12؛ وهي التربية التي تقدم «شروح العقيدة بوجه يُدخِل الفنَّ فيها، ومنهاج السلوك الإيماني يحقق ذلك في واقع التدين، ولا تنفك العقيدة عن صور التعبير الشرعي عنها، فلا بد من استكمال الدين باجتهاد فقهي أصيل يرسم لنا معالم الصراط المستقيم في الفن»13.

وقد يوحي هذا التناول أحادي الرؤية بشيءٍ من القصور المعرفي والمنهجي الواضح في هذه المقاربة السطحية الخجولة لوظيفة الفن، ومآلاته السلبية من وجهة نظر المؤسسة الدينية على سلوك الناس وحياة المجتمع، فلم تُعْنَ المؤسسة الفقهية عناية واضحة بالفن14 موضوعاً طبيعياً في حياة الناس والمجتمع الإسلامي، وظلت هذه المؤسسة الفقهية تعاين الفن بشكل مرحلي؛ معاينةً ضيقةً ومحدودةً وقاصرةً من حيث الرؤية المعرفية إلى الفن؛ ومنفصلة (نوعاً ما) عن النظام المعرفي الإسلامي العام ومنظومته الثقافية والحضارية الكلية.

وهذا قد يجعل المقاربةَ المقاصديةَ كلها ترتد منطقياً ومنهجياً بشكل سلبي على الدين نفسه. فلا يمكن ولا يجوز، وليس من الصحيح أيضاً: تكييف الدين مقاصدياً باعتبار ما قد يلجأ بعض منافقي المتدينين إلى اتخاذ الدين وسيلة للوجاهة والحظوة والمكانة والتكسب، وغير ذلك من المقاصد الذاتية الشخصية الضيقة والمحدودة جداً؛ التي لا صلة لها البتة بكليات الدين ومقاصده العامة والتفصيلية. وكذلك؛ يصعبُ القبولُ بفكرة التعامل مع الفن ومقاصده الحقيقية (الجمالية أولاً؛ باعتبار الفن الفضاء المعرفي لعلم الجمال) على أساس ما قد يبدو من الإنتاج القبيح (القبح: عكس الجمال وضده الأكيد) أو السلوك الإنساني الشاذ أخلاقياً لبعض المحسوبين على واقع الفن الاجتماعي (!). 

ولذلك؛ صار الفكرُ المقاصدي يواجه بعض الإشكاليات المعرفية والمنهجية المتعلقة بأسلمة الفن بوصفه واقعةً اجتماعية تاريخية وافدة تتطلب موقفاً شرعياً؛ يكاد يكون مرهوناً بأهداف هذا الفن وغاياته الوظيفية الخارجية المرتبطة بفهم الفن وتعريفه في أحسن الأحوال بأنه: «أحد وسائل الإنسان في التعبير عما يحسه أو يتطلع إليه أو ما أحبه من المحسوسات والمعاني»15.

وغالباً ما يشترط هذا الفكر المقاصدي لأسلمة هذه الوسيلة وإسلاميتها: التكييف الفقهي القائم على الالتزام بمبادئ الإسلام وقيمه الدينية والأخلاقية والاجتماعية على وجه الخصوص.

بعبارة أخرى: إن هذا الفكر المقاصدي لا يعبأ كثيراً بطبيعة الفن المعرفية، بقدر ما يعنى كثيراً بتحولات الفن الوظيفية المتغيرة في الزمان وفي المكان. ولكنْ بشرط أن تكون هذه التحولات القائمة بثبات على الالتزام بمبادئ الإسلام وقيمه كشرط تأصيلي لأسلمة الفن معرفياً، ولإسلاميته المعرفية أيضاً، حتى صار شبه لزوم معرفي ومنهجي عند عديد من الباحثين في العلاقة بين الفن والإسلام: توصيف الفن الإسلامي وتعريفه بعنوان: الفن الملتزم16.

الالتزام والفن الإسلامي

الالتزام في الفن: مقولةٌ نقديةٌ ظهرت في سياق التطور الثقافي الغربي الحديث والمعاصر17. وهذه المقولة تقوم على العلاقة الحتمية بين الفن والأيديولوجيا شرطاً فلسفياً لتكييف الفن وتوظيفه في خدمة الإنسان والمجتمع.

وتمثل هذه المقولةُ النقديةُ جوهر النظرية الاجتماعية للفن التي تنظر إليه على أنه موقف أخلاقي قبل كل شيء؛ وهذا الموقف نابع من المجتمع ومتجه إليه. إذ توكد نظرية الفن للمجتمع هذه على أهمية المضمون وتقديمه وأولويته على الشكل في العمل الفني؛الذي غالباً ما يكون تعبيراً عن الفن الملتزم بقدر التزامه بهذا المضمون؛ أياً  كانت فكرته الجوهرية، وكيفما يكون شكل التعبير عن هذا المضمون.

وغالباً ما تعاكس نظرية الفن الاجتماعية هذه؛ وتناقض النظرية الإستاطيقية: أي «العلمجمالية» الفنية؛ التي تنظر إلى الفن على أنه إبداع ذاتي مجرد من أية غاية، أو هدف، أو وظيفة سوى اللذة الحسية بالجمال (والقبح جزء منه) والتطهير النفسي بالفن وللفن من حيث إنه (في الأصل) شكل لا مضمون18.

وربما أخذ بعضُ دارسي الفن المسلمين مقولةَ الالتزام النقدية الغربية هذه، واستثمرها في التنظير لمفهوم الفن الإسلامي وحدوده المعرفية. فقد قدم بعض هؤلاء الدارسين المسلمين الالتزام على الإبداع مقوماً معرفياً وشرطاً مفهومياً للفن الإسلامي19.واعتبر بعض آخر من هؤلاء الدارسين الالتزامَ فلسفةَ الفن الإسلامي؛ التي تقوم على الموازنة بين الوجود والحرية عند الإنسان الملتزم بالإسلام تصوراً وسلوكاً ومنهاج حياة، وذلك من خلال إدراك «الفرق الكبير بين الالتزام والإلزام. فالإلتزام: فعلٌ واعٍ طوعي نابع من مبادئ الفنان ورغبته في التعبير عن حضوره الفاعل في واقعه، والتأثير في مجرى أحداثه. كما أنه يمثل إفصاحاً عن إحساس الفنان بمسؤوليته تجاه جمهوره وإدراكه لطبيعتها وحجمها، ثم تصرفه تبعاً لذلك.

أما الإلزام: فإكراهٌ وإجبار للفنان على توجيه إبداعه لخدمة قضية قد لا يؤمن بها، أو قد لا يتفق مع أسلوب معالجتها. وهنا حدث ولا حرج عن قهر حرية التعبير وخنق الإبداع وإشاعة الإسفاف»20.

يعني «الالتزام» في المفهوم الإسلامي: أن يمتلك الفنان (أولاً) تصوراً شاملاً متكاملاً صحيحاً للكون والحياة والإنسان، يوازيه انفتاح دائم وتوتر نفسي لا ينضب له معين إزاء الكون والحياة والإنسان. ومن بعد هذا؛ يجيء الالتزام عفوياً متساوقاً منساباً.. علاقته بالعطاء الفني لا تقوم مطلقاً على القسر والتكلف والإكراه، ولا تعترف أبداً بالمدرسية أو الوعظية أو المباشرة»21 في التعبير الفني.

ولكن الذي يمكن أن نفهمه بكل بساطة من هذا المفهوم الإسلامي للالتزام هو: أن هذا التصور الشامل المتكامل الصحيح للكون والحياة والإنسان إنما هو (بالدرجة القطعية اليقين): التصور الإسلامي لأخلاقيات الفن، والفنان، وسلوكياته الاجتماعية الكامنة في العمل الفني، أو الظاهرة في المجتمع الفني؛ بوصف هذه المنظومة الأخلاقية والسلوكية هي جوهر الفكر المقاصدي ومنهجه الذي لا يفرق بين الفنون (المختلفة أو المتفقة في طبيعتها المعرفية)؛ طالما التزمت هذه الفنون بالمضمون الأخلاقي والشكل السلوكي الحسن (المقصود)، سواء كان هذا الفن لا إسلامياً في أصله وطبيعته ووظيفته -ولكنه وافد إلى البيئة الاجتماعية والثقافية الإسلامية- أو كان هذا الفن إسلامياً أصيلاً في وجوده وطبيعته ووظيفته.

وبذلك؛ قد يتساوى في هذا الفكر المقاصدي: فن السينما؛ وهو السابع في تصنيف الفن الغربي مثلاً، مع فن الخط ؛ وهو الأول في تصنيف الفن الإسلامي. لا سيما وإن بعض الباحثين الإسلاميين في هذا الموضوع يرى بامكانية قيام فن إسلامي للسينما، أو: سينما إسلامية مثلاً22. وكذلك فن إسلامي آخر للمسرح : مسرح إسلامي23؛ وغيرهما من الفنون التمثيلية بمجرد التزام هذه الفنون بالمبادئ والقيم والمقاصد الأخلاقية، التي تقوم عليها البنية المعرفية للفنون الإسلامية الأصيلة. وبالتالي؛ يمكن أن يضاف هذا الفن الوافد الجديد معرفياً -بدون حرج ثقافي- إلى منظومة الفنون الإسلامية الحديثة والمعاصرة، وربما المستقبلية.

إشكاليات التكييف الفقهي

هذا التصور المقاصدي لأهمية الالتزام الديني والأخلاقي والاجتماعي قد يأخذنا إلى إشكاليات معرفية ومنهجية بالنسبة لعلماء الشريعة الإسلامية وفقهائها عند التعامل مع الفنون؛ على أساس التكييف الفقهي لوحده. ويمكن القول بأن أبرز هذه الإشكاليات المعرفية والمنهجية المركبة تتمثل في ما يمكن أن نسميه: تحيزات الفقه ضد الفن؛ على الرغم من تحولاته المعرفية والمنهجية في التعامل مع الفن من التقيد الصارم بالنصوص، إلى التأويل المفتوح بالمقاصد الحسنة والنافعة لأعمال
الفن ووظائفه.

ولعل أول هذه التحيزات هو التحيز المفهومي للفن باعتباره (في أحسن الأحوال) وسيلةً يمكن تكييفها وتوظيفها في ضوء التصور المقاصدي الموجه لصيرورة الفن (أي فن؛ بغض النظر عن أصوله الثقافية وطبيعته المعرفية ووظيفته الاجتماعية) فناً إسلامياً طالما التزم هذا الفن والفنان بمبادئ الإسلام وقيمه ومقاصده الأخلاقية والاجتماعية.

ولعل ثاني هذه التحيزات هو التحيز المعرفي، الذي قد يمارسه الفقه بوصفه مركز النظام المعرفي الإسلامي وسلطته القوية، ضد الفن بوصفه سلوكاً إنسانياً محكوماً بأهواء النفس ونزعاتها المتعلقة بالهوية الثقافية، أو ظاهرة حضارية متقلبة بين النفع والضرر في الاجتماع الإنساني. وبالتالي؛ فإن الفن لن يكون في التصور المقاصدي سوى هامش من هوامش النظام المعرفي الإسلامي؛ سواء كان هذا الهامش المعرفي (في تصوره، وليس في حقيقته) فناً وافداً من ثقافة أخرى إلى الثقافة الإسلامية، أم فناً أصيلاً فيها: فناً منفصلاً في الأصل عن النظام المعرفي الإسلامي أم فناً متصلاً به على نحوٍ ما كأن يكون (مثلاً) نابعاً منه أو تابعاً له.

ولعل ثالث هذه التحيزات هو التحيز المنهجي الذي يقوم على التصور المقاصدي الأحادي الوظيفي: الأخلاقي والاجتماعي، في التعامل مع الفن، دون التمييز بين ما هو إسلامي أصيل الانتماء إلى الفكر والمعرفة والثقافة والمجتمع الإسلامي، وما هو فن وافد إلى الفكر والمعرفة والثقافة والمجتمع الإسلامي، لنتعامل معه (بالتالي) في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية على أساس كونه وسيلة قابلة للتكييف، أم معرفة قابلة للتأصيل:

إن الحق المفهومي والمعرفي والمنهجي يؤكدُ على وجوب التفريق الثقافي المتعلق بالهوية بين الفنون الإسلامية الأصيلة ؛ كفنون الكتاب والمصحف الشريف من الخط والزخرفة وغيرهما مثلاً؛ وهي فنون لا يستقيم معها التكييف الفقهي في التعامل، لأنها عبارة عن نزوع إبداعي ذاتي نابع من النظام المعرفي الإسلامي، والفنون الغربية غير الإسلامية أصلاً، لكنْ الوافدة إلى المناخ الثقافي الإسلامي والبيئة الاجتماعية العربية ؛ كفنون التمثيل على المسرح، وفي السينما مثلاً. وهي فنون لا بد لها من التعامل الثقافي والاجتماعي معها، على أساس كونها نازلة حضارية أجنبية غريبة عن هذا المناخ الثقافي وعن البيئة الاجتماعية؛ تستدعي التكييف الفقهي الذي يؤمن دخولها المقبول من الناحيتين الثقافية والاجتماعية إلى المناخ الثقافي الإسلامي والبيئة الاجتماعية العربية، وتتطلب (أيضاً) تأصيلاً معرفياً بارعاً في توطينها المستقيم جمالياً وفنياً، أو مثاقفتها الوظيفية الاجتماعية مع النظام المعرفي الإسلامي.

وهذا قد يفرض تصوراً آخر جديداً لمفهوم الالتزام الفني وحدوده المعرفية وتطبيقاته المنهجية التي لا بد لها (جميعاً) من أن تقوم، في الفكر المقاصدي على الأقل، على التكامل المفهومي والمعرفي والمنهجي بين الفقه والفن على النحو الآتي:

أولاً. التكامل المفهومي للفن بين كونه عبارة عن وسيلة أو أداة24؛ من وجهة نظر علماء الشريعة المعاصرين، وبين كونه نتاجاً ثقافياً وحضارياً من وجهة نظر المؤرخين 25، وبين كونه معرفة مركبة من علوم الفكر والعمل والإبداع الإنساني26، من وجهة نظر نقاد الفن الباحثين في المفهوم الجمالي والبنية المعرفية لنظرية الفن الإسلامي. وبذلك يكون على الأقل: ركناً من أركان المعرفة الإنسانية؛ شأنه في هذا التوصيف شأن كلٍ من العلم والأدب والصناعة (التكنولوجيا)، من وجهة نظر المشتغلين بنظرية المعرفة وتصنيف العلوم  Epistemology.

ثانياً. التكامل المعرفي بين كل من الجمال والأخلاق في التصور المقاصدي لطبيعة الفن ووظيفته.

ثالثاً. التكامل المنهجي بين التكييف الفقهي والتأصيل المعرفي في التعامل مع الفنون بعامة؛ والفنون الإسلامية بخاصة.

 ولعل الجديد الذي نخرج به من ذلك كله؛ هو ضرورة إعادة التوازن الأخلاقي/الجمالي إلى مفهوم الالتزام وفلسفته في ضوء التصور المقاصدي لجماليات الفن الإسلامي وإبداعات الفنان المسلم؛ التي هي في الحقيقة المفهومية والمعرفية والمنهجية للالتزام: الوجه الآخر (والمكمل) لمقولة الالتزام الفني النقدية التي لا ينفصل فيها الشكل عن المضمون في العمل الفني؛ حيث: «لا يمكن لصورة قبيحة أن توحي بالخيال الجميل أو بالأفكار الكبيرة، فإن لمنظرها القبيح في النفس خيالاً أقبح، والمجتمع الذي ينطوي على صُور قبيحة لا بد أن يظهر أثر هذه الصورة في أفكاره وأعماله ومساعيه، فبالذوق الجميل الذي ينطبع فيه فكر الفرد يجد الإنسان في نفسه نزوعاً إلى الإحسان في العمل وتوخيا للكريم من العادات»27.

من التكييف الفقهي إلى التأصيل المعرفي

استخلاصاً مما سبق كله؛ يمكن القولُ بأن التكييف الفقهي/الشرعي الديني الخالص؛ أي تدخل الفقهاء للفتوى بشأن الفن والحكم عليه، من أجل ترشيد الفن وتوجيهه نحو المقاصد الحسنة من الناحية الأخلاقية القائمة على مبادئ الدين وأهدافه المتعلقة بمصالح الناس، قد يكون واحداً من الخصوصيات المنهجية الإسلامية في التعامل مع الفن الوافد بخاصة، ومثله تقريباً: الفن الإسلامي؛ باعتباره وسيلة قابلة للتكييف الفقهي(ربما)، ولكنه ليس المنهج الوحيد أو الأوحد والأفضل للتعامل مع كل الفنون المتنوعةوالمختلفة معرفياً ووظيفياً في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية. ذلك لأن أي فن في حقيقته هو: معرفة مركبة من علوم الفكر والعمل والإبداع الإنساني الصانع لكون الفن وسيلة، قبل أن يكون هو بذاته وسيلة قائمة بذاتها، دون متعلقات معرفية من مقدمات ونتائج:

وهذا قد يجعل البحث المعرفي في مفهوم الفن وطبيعته ووظيفته شرطاً منهجياً لازماً بالضرورة المعرفية في بناء الحكم الشرعي عليه والتعامل المناسب معه؛ على أساس:

أولاً. القاعدة الأصولية الفقهية (الخالصة): «الحكم على الشيء فرع عن تصوره».

ثانياً. الخبرة الجمالية والمعرفة الفنية والمزاولة المهنية (الصناعية مثلاً)؛ لأن «الوعي المعرفي هو رديف العلم الشرعي»28؛ أي الفقه. فقد احتفل التراث الإسلامي بذكر كثير من علماء الدين وفقهائه المشهورين الذين كانوا يمتهنون الكتابة والوراقة والطبابة والصناعة وغيرها من المهن الإجتماعية. وقد ذكر السمعاني بأن محمد بن إسحاق الهروي؛ وهو «الإمام المحدث الفقيه الشافعي الثقة»29 كان قد ألف «كتاباً حسناً ببخارى، أظنه لم يسبق إلى ذلك، سماه كتاب الصناع من الفقهاء والمحدثين»، وقد ذكر فيه «جماعة كثيرة؛ قريباً من خمسين نفساً»30.

ومن هنا؛ يتضح عدم تفرقة المفهوم العربي الإسلامي في ما بين الفن والصنعة والحرفة في المعنى والدلالة والقيمة، حيث لا يمكن «أبداً الفصل في الفن بين الصنعة وأساسها المادي من جهة، والعلم الذي ينقل حكمة ربط الأشياء بمبادئها الكلية بانتظام؛ فالفن بمعناه الأساسي هو صنعة وعلم معاً»31.

ولعل من أبرز مسارات هذا البحث المعرفي في مفهوم الفن وطبيعته ووظيفته:

أولاً. الفن؛ المصطلح والمفهوم32

لفظةُ الفن من أكثر الألفاظ العربية إشكاليةً في المعنى وفي الفهم وفي التداول؛ وذلك بسبب البون المعرفي الشاسع في ما بين (أولاً) معانيها اللغوية القديمة؛ الراسخة في أصل بنائها اللغوي الصرف؛ إذ يفيد المعجم العربي بأن معنى الفن لا يخرج في معناه وفي دلالته عن واحدٍ من معاني: الضرب، والنوع، والجنس من جهة، ومعانيها الدلالية في الثقافة العربية والإسلامية الحديثة والمعاصرة ومن جهة أخرى وثانياً ؛ فقـد قامت هذه المعاني الدلالية الحديثة على أساسٍ معرفي أكثر من قيامها على أساسٍ لغوي.

ويتصل هذا الأساسُ المعرفي تحديداً بعلم الجمال Aesthetics الذي كان مداراً من مدارات المثاقفة اللغوية - المعرفية التي قامت مؤخراً على الترجمة في ما بين بعض اللغات الأجنبية: الأوربية بخاصة واللغة العربية؛ حيث كان من أبرز نتائج هذه الترجمة الثقافية هو اكتساب لفظة الفن العربية تلك المعاني الدلالية المتعلقة تحديداً بعلم الجمال لمفردة Art الأجنبية. 

ولعل من المفيد في هذا السياق؛ أن نشيدَ ببعض المحاولات الجادة والحريصةِ لبعض اللغويين والمعرفيين العرب والمسلمين المحدثين؛ ومنهم على وجه الخصوص: المشتغلون بفلسفة الفن ونقده؛ لتأصيل هذه المعاني الدلالية الحديثة أو المكتسبة من اللغات الأجنبية لمصطلح الفن؛ باستدعاءِ المعاني اللغوية والدلالية التي أعطتها الثقافة الاجتماعية التراثية ورسمتها المعرفة الإسلامية للفظة الصنعة أو الصناعة ومفهومها الإبداعي، لتكون هذه المعاني والدلالات الأخيرة وكأنها بديلٌ لغوي ومعرفي عربي إسلامي (أصيل: تراثي ومعاصر) مكافئ لمعاني الإبداع والجمال والفائدة فيمصطلح الفن ومفهومه الفلسفي الحديث.  

ثانياً. الفن الإسلامي؛ المصطلح والمفهوم33

لا بد من الاعتراف المعرفي، والتسليم المنهجي إلى حدٍ ما بأن الفن الإسلامي بوصفه مصطلحاً ومفهوماً وموضوعاً حديثاً هو: اختراع أجنبي غربي بامتياز، تعودنقطة البدء التاريخية الأولى المتعلقة باكتشافه وولادة مفهومه في الثقافة الإنسانية الحديثة والمعاصرة إلى عصر النهضة الأوربية (Ressainance القرن الرابع عشر- القرن السابع عشر)، وله سماته الحداثية الأساسية التي قامت على معرفة الآفاق الثقافيةِ والحضاريةِ والفنية للإنسان في العالم؛ حيث أطلق الفنانون الغربيون من الإيطاليين وغيرهم، مصطلح أرابسك Arabesque على التصاميم والأشكال الزخرفية النباتية العربية تحديداً، قبل أن ينتشر تداوله مصطلحاً عاماً لمفهوم الفن الإسلامي؛ ظهر بصورته اللغوية ودلالته المعرفية هاتَين (لأول مرة) في حدودِ السنوات العشر الأولى من القرن التاسع عشر الميلادي تقريباً، بعنايةِ الاستشراق وفعالياته المتمثلة في بعض المقالات والدراسات والكتب والمعارض الفنية المتعلقة بالآثار والتحف والمخطوطات والمرسومات التي تعودُ إلى الحضارة الإسلامية.

وقد جاءَ هذا المصطلح رديفاً لمصطلح الفن العربي، الذي كان معروفاً منذ القرن السابع عشر الميلادي على نطاق يمكن وصفه بالواسع، لاسيما في أوساط المستشرقين الذين درسوا المواد المختلفة لهذا الفن، وكتبوا عنها المؤلفات العديدة منذ خمسة قرون تقريباً في سياق المعرفة الغربية الحديثة بحضارة الإسلام وثقافته. 

ويمكن القولُ بأن المقصود الاستشراقي العام لمصطلحي الفن العربي والفن الإسلامي بوصفهما مفهوماً واحداً لم يخرْج عن معنى مخلفات أو بقايا remains أو آثار antiquates الحضارة العربية الإسلامية التي تميزت على مدى يزيد على ألف عام مضت بالكثير (جداً) من الأعمال والنتاجات والمصنوعات الفنية الإسلامية.

ويعودُ الفضل في التنقيب عن هذه الآثار الفنية واكتشافها ودراستها إلى المستشرقين الذين اعتبروا هذه البقايا الأثرية تحفاً فنية تغري بالاقتناء، وتستحق الاحتفاظ بها، فقام كثير من المستشرقين بنقل كميات كبيرة منها إلى المتاحف museums الغربية.

وفي سياق العرضِ المتحفي للآثار والتحف الفنية الإسلامية برزت الحاجة إلى التعريف بها على سبيل تسويق الخدمات الثقافية التي تقدمها هذه المتاحف، فكانت هذه الحاجة (إلى حدٍ ما) عاملاً مهماً وأساسياً لنشأة دراسة هذا الفن؛ حيثُ دفعت الحاجة إلى إعداد كتالوكات، أو أدلة، أو ألبومات للمجموعات الفنية الإسلامية في بعض هذه المتاحف، إلى ظهور الدراسات والبحوث والكتب التي تعالج هذه الإعمال والمقتنيات بوصفها موضوعات فنية مهدت لنشوء الفنّ الإسلامي موضوعاً، وصيرورته جزءا ًمن الدراسات التاريخية للفن الإنساني.

وبذلك؛ نقلت هذه المؤلفات الدلالة الاصطلاحية للفن الإسلامي من المفهوم العياني المادي للآثار والنتاجات والمصنوعات والتحف الجميلة المتصلة بالإبداع الفني والحضاري الإسلامي، إلى المفهوم المعرفي النظري knowledge الذي يقوم على الرؤية الفلسفية، والنظرية الموضوعية، والمنهج العلمي.

ثالثاً. المقاربة المنهجية

لعل المنهج العلمي الأنسب لدراسة الفن والتعامل معه هو البحث الداخلي في بنية الفن وحقيقته الذاتية؛ بوصفه معرفة جمالية، وليس مجرد وسيلة من وسائل التعبير. وقد يرقى هذا البحث العلمي إلى مراتب الضرورة المنهجية في علم المعرفة ونظريتها التصنيفية للعلوم (الإبستمولوجيا) التي تعد الفن نوعاً، أو ركناً، أو مجالاً مهماً وأساسياً من أنواع المعرفة الإنسانية وأركانها ومجالاتها؛ التي لا يمكن نكرانها أو تجاهلها أو التغاضي عنها في المنظومة الحضارية لحياة الأنسان وسلوكه الثقافي في المجتمع.

ومن الناحية المنهجية؛ فإن هذا أمر قد يجعل أي اعتبار آخر لمسألةِ الفن غير اعتباره معرفة إنسانية تقوم على الإبداع والصناعة والعمران؛ اعتباراً خارجاً عن أصل المسألة الفنية وحقيقتها المقاصدية، فالفن من حيث هو معرفة إنسانية، له مقاصده الخاصة: التربوية والاجتماعية، والوظيفية، وغيرها، شأنه في ذلك شأن الدين34 نفسه من حيث هو معرفة إنسانية تقوم في الأصل على مقاصد كلية من العبادة والتعاون والعمران.

ومن هنا؛ قد يصبح من الأولى بهذه المقاربة الفقهية المقاصدية للظاهرة الفنية أن تميل إلى التصرف الناقد بالمفهوم العلمي البلاغي، والمدرك لأحوال الفن الفلسفية والوظيفية ؛إذا لم نقل: التقنية، والهادف إلى توطين الفن في المجتمع من خلال تأصيله تأصيلاً معرفياً متناغماً مع النظام المعرفي الإسلامي.

ونعني بعملية التأصيل هذه: التعامل مع الفن على أساس انتمائه المعرفي الأول والطبيعي إلى علم الجمال وفلسفة الفن، وعلى أساس التزامه المعرفي الأول والطبيعي أيضاً بقيم الدين ومقاصده الثابتة، ومصالح الناس المتغيرة بين المكان والزمان.

وهكذا؛ تتضح طبيعةُ المقاربة الجديدة بأنها مقاربة جمالية خالصة؛ يتضح اتجاهها الرئيس والمباشر نحو اعتبار المقاصد الجمالية للفن جزءاً من المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية ونظامها المعرفي.

 رابعاً. مقاربة التأصيل الجمالي للفن الإسلامي

ولعل من أول خطوات هذه المقاربة الجمالية وأبرزها على الصعيدين المعرفي والمنهجي:

أولاً. إدراك حقيقة الفن وحكمته؛ من حيث بنيته الداخلية، وطبيعته المعرفية، ووظيفته الذاتية السليمة؛ التي يقوم عليها أصلاً على مستوى النفس والمجتمع والعالم. أعني: المقاصد الإنسانية والاجتماعية والحضارية.

ولعل التصورَ الجديدَ الذي نخرج به من إدراك حقيقة الفن وحكمته هو: أن الفن الإسلامي يمكن أن يكون بذاته خطاباً35 إسلامياً جذاباً وملهماً لمباديء الدين وقيمه، أكثر من اعتباره وسيلةً، وأجدى منها في التعبير عن هذه المباديء والقيم.

ويمكنُ أن نقرأَ ذلك بكل وضوح في بعض المنشآت المعمارية الإسلامية الخالصة ثقافياً كمنارة قطب؛ التي بنيت خالية من الوظيفة الدينية، لتكون فحسب رمزاً لقوة الإسلام في شبه القارة الهندية.

ثانياً. إغناء المعرفة الفنية بالمرجعيات الإسلامية الأساسية كالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، بما يساهم في بلورة بنية معرفية إسلامية ناضجة لعلم الجمال وفلسفة الفن، تصلحُ لأن تكون مرجعيةً فكريةً كلية، وليست فقهية فحسب؛ لمسألة الفن بعامة؛ ولمقاصديته الخاصة؛ يستعينُ بهابعض علماء الأمة وفقهاؤها ومؤسساتها الدينية في التوطين الاجتماعي النافع والمفيدِ لمسائل الفن وظواهره المتجددة.

 ثالثاً. تطوير منهجيةٍ أصوليةٍ مقاصديةٍ لمقاربة العلاقة العضوية والحميمة بين الداخل الفلسفي والعلمي والتقني والوظيفي للفن والنظام المعرفي الإسلامي، بما يقوي خصوصية الفن الثقافية المرتبطةِ بهوية المجتمع الإسلامي وشخصيته الحضارية البناءة، على أساس أن يكون الفكرُ المقاصدي عنصراً، أو أساساً، أو مقوماً من عناصر وأسس ومقومات الفن الإسلامي المعرفية والمنهجية الضرورية، لا أن يكون الفقه والفن طرفين منفصلين لمعادلة اجتماعية معينة.

القيم والمقاصد؛ حقيقة الفن وحكمته

رغم أن علماء السياسة الشرعية وفقهاءَ العمران الإسلامي (التراثيين الأوائل) لم يلتفوا بشكل جدي مباشرإلى مكانة الفن ودوره في أدب السياسة الشرعية وفقه العمران؛ من التقاليد والتآليف والكتب التراثية؛ فإنه يمكن القول بأن تراث السياسة الشرعية وفقه العمران الإسلامي وتجلياتهما الحضارية يوحي بعناية واضحة ومتميزة -وإن كانت غير مباشرة- بالفن؛ تمثلتْ في اعتباره الفضاء الحضاري الرحب لتحقيق النهضة الاجتماعية، وتعزيز الهوية الثقافية، وتنمية الروح الإبداعية. وانعكست هذه العناية تطبيقاً وبشكل أكثر وضوحاً وتميزاً في مظاهر التنافس السياسي والاجتماعي والديني ؛ على اعتبار الفن المعماري، مثلاً، عنواناً اجتماعياً عريضاً وعلامة ثقافية بارزة لأعمال الخير الوقفية التي نشطت بشكل كبير في الحضارة الإسلامية:

لقد تنامى الدور المادي المباشر للأوقاف في إنعاش هذه الحركة الفنية الإسلامية وازدهارها الماثل في العمائر على اختلاف أنواعها البنائية والوظيفية، وفي المخطوطات من المصاحف والكتب، وفي المصنوعات من التحف والذخائر، وغير ذلك من الآثار الفنية الإسلامية36 الجامعة بين الجمال والاستعمال، وما يتعلق بهما من القيم الإنسانية والاجتماعية/الدينية؛ التي قامت عليها السياسة الشرعيةُ الإسلاميةُ في توطيد علاقة الفنون بعامة، والعمارة بخاصة، واقعاً حضرياً urban متميزاً في المدينة الإسلامية، من خلال ارتباطها المعرفي على مستوى النظرية والتطبيق، بالشريعة الإسلامية37 ارتباطاً معرفياً كلياً، عن طريقين38:

الأول. طريقُ الفقه وأصوله المستنبطة للأحكام من النصوص أولاً وأخيراً. وهو طريقٌ يجعل ارتباط الفن بالشريعة غير مباشر التأثر والتأثير. بل هو ارتباطٌ ظاهري وثانوي يأتي في سياق أن الشريعة هي التي تؤطر الحياة الإسلامية للفرد والمجتمع والدولة، وهي التي تدير علاقاتها الإنسانية من الداخل، وتصوغ صورتها الحضارية الراقية في الخارج. فعلى سبيل المثال لا الحصر: يقدم فقه العمران الإسلامي قاعدته الأصولية العامة «لا ضرر ولا ضرار»39 إطاراً عاماً صالحاً لتسيير مسائل البناء والعمارة بوصفهامجالاً من مجالات الفن الإسلامي، ولكن هذا الفقه يفصل، من حيث المقاصد، أحكام البناء والعمارة الشرعية بين: البناء الواجب كبناء المساجد، والبناء المندوب كبناء الأسواق، والبناء المباح كبناء المساكن، والبناء المحظور كبناء الخمّارات40.  

  أما الطريق الثاني فهو: الطريق الثقافي العميق بالنسبة للشريعة الإسلامية؛ أي هو الطريقُ الروحيُّ والجوهري العابر لنصوص الفقه وأحكامه الظاهرية إلى ما يمكن أن نطلق عليه: الحقيقة الجمالية41؛ حيث يمكن أن تكون هذه الحقيقة جوهر الدين وخطابه المقاصدي الذي يتجاوز الوسيلةَ والوظيفة والتأثير المباشر:

فعلى سبيل المثال لا الحصر: كثيراً ما كانتْ أعمال التنافس السياسي والاجتماعي والديني الوقفية الخيرية تنزعُ إلى أن تكون المنشآت المعمارية مثل: مسجد السلطان حسن في القاهرة باذخة الجمال في أشكالها الفنية، قوية التشكيل في بنيانها، واضحة الرمزية في دلالتها، عابرة التخصص في وظيفتها المباشرة الدينية أو الاجتماعية، إلى عديد من الوظائف الدينية والاجتماعية والثقافية والتعليمية وغيرها من القيم والخصائص والغايات والوظائف، التي يصعب تقييدها بأصول الفقه وقواعده العامة وأحكامه التفصيلية:

فعمارة المسجد الوقفية (مثلاً) ليست مجرد بناء وظيفي للصلاة؛ واجب من الناحية الشرعية لإقامة الدين وتحقيق «حسن العبادة»42 فحسب، بل هي أكثر من ذلك بكثير؛ إذا ما أدركنا الفقه الحضاري لعمارة المسجد الوقفية وتحولاتها العمرانية والوظيفية نحو ما صار يعرف في فقه العمارة الإسلامية وتاريخها العثماني (مثلاً: جامع السليمانية) بالــــ «كلية43 Kulleyya» متعددة الوظائف الدينية والعلمية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الوظائف المتحققة في مباني المسجد الوقفية ؛كالمدرسة، والمكتبة، والمقرأة القرآنية، والخلوة التعبدية الصوفية، والمطبخ، والمطعم، والمنام وما شاكل ذلك من مباني هذا المسجد الكلية المتعددة في وظائفها المباشرة، والمتسامية في مقاصدها الشرعية على ظاهر الفقه ونصوصه المقيدة للبناء والعمارة بوظيفة الصلاة الجامعة.

القيم معياراً لتصنيف المقاصد

ربما يكشفُ هذا التعدد الوظيفي لمثل هذه المنشأة المعمارية الإسلامية النادرة والفريدة في تاريخ العمارة الإنسانية عن علاقة حميمة ومتكاملة بين المقاصد بوصفها «روح الأعمال»44، والقيم Values بوصفها روح المقاصد والغايات والوظائف والمآلات والأهداف المرجوة والمتحققة (مثلاً) عبر هذا الفن المعماري الإسلامي الجميل والنافع معاً؛ حيث يمكن أن تقوم مثلُ هذه العلاقة على حقيقة أن المقاصد هي الوجه الآخر للقيم، أو هي قيمة القيم، أو هي القيمة المضافة لكل هذه القيم العليا من الحق والخير والجمال على العموم، ولكل واحدة من هذه القيم على الخصوص.

وقد تبدو المقاصدية علماً (أخلاقياً) معيارياً محضاً، لكن صلتها الفلسفية بالقيم الأخرى كالحقِ والجمالِ، وصلتها المعرفية بعلوم هذه القيم؛ أو العلوم التي تقوم بالدرجة الأولى على القيم الإنسانية والاجتماعية، كعلم المنطق وعلم الجمال؛ قد تجعل من المقاصدية علماً وصفياً-معيارياً بالمفهوم الإبستمولوجي لكل قيمة من هذه القيم الكونية الكلية، بحيث يمكن القول بإمكانية تقديم تصنيف جديد لمقاصد الشريعة الإسلامية؛ مرتبطٍ أو متعلقٍ بهذه القيم الأساسية من الحق والخير والجمال45 التي نؤمن بها، ونعمل عليها في تحقيق غايةِ الدين ومصالحِ الناس. 

وربما نستطيع أن نستمد الأهليةَ والمقبوليةَ والصلاحيةَ المعرفيةَ والمنهجيةَ لمثل هذا التصنيف القيمي للمقاصد من نظرية المقاصد الأم (أو الأولى) التي أطلقها الإمام الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي (ت790ھ/1388م) ومن منهجها الاستقرائي في استنباط مقاصد الشريعة وفي تصنيف هذه المقاصد على الوجه الذي رآه الشاطبي في أن المقاصد بعامة تصنف وظيفياً إلى ثلاثة أنواع هي:الضروريات، والحاجيات، والتحسينات46، أو الكماليات التي يندرج الفن عند كثيرٍ من علماء المقاصد المحدثين في إطارها العام.

ورغم إمكانية اعتبار هذا التصنيف الوظيفي، إلى حدٍ كبير، تصنيفاً معرفياً تأسيسياً لتشكل علم المقاصد، فإنه يمكن القول بأن عمل الشاطبي الرائد في استنباط المقاصد وتصنيفها، ربما فتح الباب واسعاً أمامَ الدرس الشرعي لاستثمار فكرة المقاصد الشاطبية هذه في استنباط مقاصد أخرى أساسية وفرعية، وانفتحت أمام علماء الشريعة الإسلامية والدارسين فيها؛ أفكارٌ جديدةٌ لإعادة تصنيف هذه المقاصد إلى مقاصد عامة (في الخلق والتكوين) تتعلق بالناس كافة، ومقاصد خاصة (في الدين والتشريع) تتعلق بالمسلمين خاصة، ومقاصد الخصوص المعرفية المتعلقة بالعلماء واللغويين والفلاسفة والفنانين وغيرهم47،  فضلاً عن التصنيفات العامة والتفصيلية؛ الخاصة والجزئية، المعرفية والوظيفية، الأصلية والتابعة، وهكذا.48

وقد يقال، من جهة أخرى، بأن ثمة مبالغة قد تحصل، أو حصلت، في محاولات استنباط المقاصد واقتراحها في هذا الشأن حتى ليبدو كل شيء، أو بدا، داخلاً في المقاصد ليحل علم المقاصد (تقريباً) محل علم أصول الفقه وقواعده في استنباط الأحكام والتدليل عليها، بناءً حجاجياً منطقياً، ومبرراً بأصول الفقه وقواعده إلى حدٍ ما، على أهمية المقاصد مفهوماً، ومنهجاً ومعرفةً، ومعياراً، ومقصداً في بعض أبواب التشريع الإسلامي ومنهجياته المتعلقة (معرفياً) بقيم الوجود والحياة والدين الأساسية: الحق، والخير، والجمال.

ولعل من أبواب التشريع الإسلامي ومنهجياته الواردة في هذا السياق: الاستحسان49 الذي يمكن أن يكون من الناحية المعرفية والإبستمولوجية؛ فضلاً عن الناحية التشريعية المقاصدية، أساساً منهجياً وصفياً - معيارياً (في آن) مُقرِّراً وضابطاً لكل ما يتعلق بهذه القيم المركزية في الوعي المقاصدي: التكويني بالذات؛ من علوم فاعلة ومؤثرة في: أولاً البناء والتأسيس المعرفي كعلوم اللغة والهندسة والمنطق على سبيل المثال لا الحصر. وثانياً في العمرانِ والتواصل المعرفي كعلوم الأخلاق والسلوك والتربية والدعوة على سبيل المثال لا الحصر.وثالثاً في التوصيفِ، والتذوق، والتقييم، والحكم النقدي؛ كعلم الجمال، وفلسفة الفن على سبيل المثال.

المقاصد القيمية

لعل ما يمكنُ أن تقدمه هذه التشكيلةُ المعرفية المتكاملة من علوم هذه القيمِ الفطرية في الوجود والطبيعة، والمرجعية في الوعي والتصور لصالح الدرس المقاصدي، الآتي:

أولاً. القيمة المعرفية لعلم المقاصد؛ باعتبار أن «القصدَ هو: حصول الغرض الصحيح، وقيام الباعث المشروع.. وللمقصد بهذا المعنى مضمون قيمي، فيكون القصد بمعنى حصّل فائدة أو حصل نية أو حصل غرضاً، فيشمل علم المقاصد إذ ذاك على ثلاث نظريات متمايزة فيما بينها: نظرية المقصودات، وهي تبحث في المضامين الدلالية للخطاب الشرعي، ونظرية القصود؛ وتبحث في المضامين الشعورية أو الإرادية، ونظرية المقاصد؛ وتبحث في الخطاب القيمي للخطاب الشرعي»50.

ثانياً. إمكان إعادة تصنيف مقاصد الشريعة الإسلامية تصنيفاً معرفياً، أكثر منه تصنيفاً وظيفياً، يستندُ إلى قيم الحق والخير والجمال الثابتة: رؤية، ومنهجاً، وموضوعاً؛ أكثر من استناده إلى المصالح المتغيرة: تقديراً، وتأثيراً، وتكييفاً، وتوظيفاً في البيئة والمكان والزمان؛ بحيث يمكن تصنيف مقاصد الشريعة الإسلامية إلى: مقاصد حقانية، ومقاصد خيرية، ومقاصد جمالية.

فالمقاصد الحقانية ‒التي تقوم على الحكمة بوصفها وضع كل شيء في نصابه‒ يمكن أن تشكلَ الجوهرَ المعرفي لعلوم المنطق، والقانون، والشريعة، والفقه، وكل ما يتعلق بالضروريات (الوجودية والتكوينية والمعرفية) في الحياة والدين والاجتماع الإنساني السوي.

والمقاصد الخيرية مثل : الإحسان، والتزكية، والفضل، هي الجوهرُ المعرفي لعلوم الأخلاق والتربية والسلوك والعلاقات، وكل مايتعلق بالحاجيات الإنسانية والاجتماعية الأساسية في العيش الطبيعي: الكريم والآمن والنافع. 

والمقاصد الجمالية مثل: الحسن، والإبداع، والإتقان، والكمال، هي الجوهر المعرفيُّ لعلم الجمال، وفلسفة الفن، وكل ما يتعلق بآداب الجودة وتقاليدها الحقانية والخيرية في الأداء والعمل والإنتاج الفاضل والمفيد.

وبالعودة إلى ما تتمتع به المقاصد من أهمية معرفية وقيمية ودلالية بالنسبة لجوهر الخطاب الإسلامي مع الآخر (أياً كان)، فقد صارت المقاصد كلية من الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية التي يمكن تصنيفها إلى51:

أولاً. الكليات العقدية كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى.

ثانياً. الكليات المقاصدية كالحسن والإحسان ﴿وأَحسن كما أحسن اللهُ إليك﴾ [القصص: 77] وقوله تعالى: ﴿هل جزاء الإحسان إلا الإحسان﴾ [الرحمن: 60]. إضافة إلى: التعليم، والتزكية، وجلب المصالح، ودرء المفاسد، والقيام بالقسط والعدل.

ثالثاً. الكليات الخلقية كالتقوى والاستقامة والأخلاق.

رابعاً. الكليات التشريعية التي منها على سبيل المثال لا الحصر: الأصل في الأشياء الإباحة والتسخير، تحليل الطيبات وتحريم الخبائث، الوفاء بالعهود والأمانات، التعاون على البر والتقوى، وغيرها من أصول الفقه وقواعده الكلية.

ولا شك في أن هذه الكليات العقدية والمقاصدية والخلقية والتشريعية كلها هي منظومةٌ معرفيةٌ واحدة، يصعبُ الفصلُ أو التفريق بين مقوماتها المترابطة والمتعالقة والمتكاملة في الفلسفة الدينية الواحدة، والثابتة، وفي الواقع الاجتماعي المتنوع والمتغير.

ولكن يمكن ترتيب هذه الكليات وفق أهميتها ومكانتها ومقصدها المعرفي والعبادي والحياتي؛ حيث يمكن القول بأن كل هذه الكليات العقدية والمقاصدية والخلقية والتشريعية تقوم في حقيقتها الجوهرية على مقصدين رئيسين جامعين هما: التقوى والحسن.

فالتقوى هي الفضيلة الجوهرية والمركزية والمحورية لنظام الشريعة الإسلامية ومقاصدها الدينية والدنيوية التفصيلية والكلية52، وبذلك فهي تشكلالعمود الفقريلما يمكن أن نسميه: نظرية المقاصد الأخلاقية في النظام المعرفي الإسلامي.

أما الحُسْنُ فهو: المفهوم الإسلامي الأثير في تقييم كل فضيلة، وفي التعبير عن كل ما هو جميل. وبذلك فالحسن هوالعمودالفقريلما يمكن أن نسميه: نظرية المقاصد الجمالية في النظام المعرفي الإسلامي بعامة، وفي فلسفة الفن الإسلامي بخاصة.

نحو فقه جمالي لتقويم الفن الإسلامي والحكم عليه

تُعْنَى فلسفة التقويم (أو المعيار Axiology) بالنظر العلمي الحقيقي في العلاقة العضوية الحميمة والمتكاملة والمتوازنة والمنضبطة بين المضمون والشكل Content & Form في طبيعة الأشياء وحقيقتها المعرفية؛ الهندسية والموسيقية المنعكسة في العلوم والآداب والفنون والصناعات وما شاكل ذلك؛ حيث تكون الهندسة بالذات قانون الإنشاء والتركيب فيها، كما تكون أيضاً أداة تفكيكها البنيوي وتحليلها المقاصدي.

وتعمل فلسفة التقويم، في الأساس، على تفحص نظام العلاقة المحكم بين القيم والمقاصد؛ لا سيما وأن الأشياءَ أو المعارفَ أو الوسائلَ تؤخذ بمقاصدها 53 الحقانية والخيرية والجمالية، التي غالباً ما تكون منظومة كلية واحدة، ومتكاملة من حيث البنية المعرفية المؤسسة، والمؤصلة لفلسفة التقويم (أو المعيار المقاصدي- إن صح الوصف)، التي غالباً ما ترتبط معرفياً ونظرياً بعلم الجمال وفلسفة الفن، أكثر من ارتباطها بأي مجال معرفي آخر؛ وغالباً ما تتجلى منهجياً وتطبيقاً في مجالات النقد Criticism الإبداعية الخاصة بالأدب والفن.

وإذا ما حاولنا استثمار َالحقائق والمعارف والمعايير المتصلة بنظام العلاقة المحكم بين: قيم الحق والخير والجمال، ومقاصد الشريعة في بناء النظرية النقدية الإسلامية على تقويم مقاصدية الفن الإسلامي، فإن من الواجب المعرفي والمنهجي؛ بناء (أو استحضار) المرجعية المعيارية لفلسفة التقويم المقاصدي لهذا الفن؛ حيث يمكن أن تتمثل هذه الفلسفة المرجعية في نظرية المقاصدية الجمالية أو علم مقاصد الفن الإسلامي؛ وهو العلم الذي يقوم على المنظومة الكلية لقيم (أولاً) الحق بوصفه مصدراً لكل القيم الهندسية الفاضلة والقوانين المنطقية الصحيحة لبنية الفن الإسلامي المعرفية، وتجلياته الإبداعية في الفضاء المعرفي الإنساني/الذاتي. و(ثانياً) الخير الذي هو مصدر القيم الأخلاقية الناظمة لوظيفة الفن الإسلامي الحضارية والحاكمة لأدائه الاجتماعي، الملتزم بأصول الدين وقيم الثقافة وقواعد المعرفة الإسلامية، و(ثالثاً) الجمال بوصفه الصفة والقيمة والمعرفة والصناعة والثقافة الذوقيةالتي تجعل الفن بعامة، والفن الإسلامي بخاصة وسيلةً، أو لغة تعبير وتخاطب وتأثير جمالية عالمية؛ أبسط من غيرها من الوسائل واللغات، وأوضح بل وأكثر تداولاً في التواصل الإنساني.

ولكن هذا الفن بعامة، والفن الإسلامي بخاصة، يقوم من الناحية المعرفية على الجمال (أولاً وأخيراً)؛ من حيث الفلسفة والنظرية والكينونة والعمل والمقصد؛ بوصفها جميعاً مقومات علم الجمال وفلسفة الفن المعرفية وتحولاته الثقافية والوظيفية في تعارف الشعوب وتكامل الثقافات، وحوار الحضارات في المجتمع الإنساني المعاصر.

وبذلك؛ تكون نظرية المقاصد الجمالية للفن الإسلامي وكأنها، بل هي مبحث خاص ومتميز من مباحث علم مقاصد الشريعة الإسلامية، حيث يستند هذا المبحث المقاصدي الخاص والجديد على ما يمكن أن نسميه: فقه الحسن بوصفه المعرفة الإسلامية لعلم الجمال وفلسفة الفن.

فقهُ الحسنِ؛ المعرفة الإسلامية لعلم الجمال

أولاً. ما هو الحسن ؟

يبدو الحسن في المفهوم الإسلامي أدقَ معنى وأشملَ دلالة وأوسع تداولاً من الجمال، فالحسنُ هو الجمالُ وما وراءه من المقاصد الأخلاقية وغيرها، إذ إن الحسن هو»  كل ما هو ضد القبح أو ضد السوء من أحوال الخَلق والخُلق؛ أو الفعل والصفة»54؛ أي إن الحسن اسم جامع لكلٍ من الجمال والأخلاق في صعيد العقل والعمل55.

أما الجمال فهو: «ما يشتهر ويرتفع به الإنسان من الأفعال والأخلاق، ومن كثرة المال والجسم، وليس هو من الحسن في شيء؛ ألا ترى أنه يقال لك في هذا الأمر جمال ولا يقال لك فيه حسن، وفي القرآن: ﴿ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون﴾ [النحل: 6] يعني الخيل والإبل. والحسن في الأصل للصورة، ثم استعمل في الأفعال والأخلاق. والجمال في الأصل للأفعال والأخلاق والأحوال الظاهرة ثم استعمل في الصور»56 .

ومهما يكن من أمرِ هذه الفروق اللغوية والتباينات الدلالية النسبية في ما بين الحسن والجمال، يبقى الاثنان صفة فطرية وطبيعية للأشياء كلها، إذ إنه «لكل شيء حسنه وجماله»57، ويبقى مفهومها واحداً في عمومه الثقافي والمعرفي الذي غالباً ما يكون الشيء الحَسَن أو الجميل في منظوره هو الشيء «الكائن على وجه يميل إليه الطبع وتقبله النفس»58؛ لما فيه من «كمالٍ في الأعضاء، وتناسبٍ في الأجزاء»59 و«ملاءمةٍ في الأشكال والأوضاع؛ بحسب مادته؛ بحيثُ لا يخرج عما تقتضيه مادته الخاصة من كمال المناسبة والوضع»60.

ولكن ما يُغلِّب الحسنَ على الجمال (أخيراً) هو التداولُ الأكثرُ والأوسعُ والأشملُ للحسن في القرآن الكريم61 أولاً وقبل كل شيء، ومن بعده في كل من الوعي والنظر والتفكر الإسلامي بعامة، وفي الوعي والنقـد والحكم الجمالي الإسلامي بخاصة؛ لتوصيف الأشياء والأعمال والأفعال والأقوال والمعارف، وتعريفها، وتقويمها في ضوء الموازنة التداولية القرآنية؛ مثالاً أول وأعلى، بين الجمال والحسن؛ حيث يبدو الخطاب القرآني للحسنِ هو الأغزر لفظاً، والأدق معنى، والأوسع دلالة، والأبعد مدى في التعبير عنالمفهوم الجمالي الكلي والشامل لمعاني الجمال والزينة والبهاء والسرور والنفع وغيرها من معاني القيم الأساسية ودلالاتها في الثقافة العربية والمعرفة الإسلامية، وهو المعيار المنهجي عالي القيمة. 

ثانياً. خطاب الحسن القرآني

من هنا؛ يقدم القرآنُ الكريم الجمال صفةً أخلاقية حميدة لكل ما هو نافع للإنسان والمجتمع، بينما يقدم القرآن الكريم الحسن قيمة مقاصدية كلية وواحدة وجامعة لكل من الجمال والأخلاق الواجبة والمثالية لحقائق الأشياء، والأعمال، والأقوال والمعارف والأفكار، وطبائعها الفطرية الأساس في تكوينها، وفي توصيفها، وفي تعريفها، وفي تقويمها معرفياً على أسس العلاقة العضوية بين الجلال الإلهي، والجمال الإنساني؛بوصف الجلال هو مطلق كمال الجمال الذي يختص الله تعالى به وحده ﴿ذو الجلال والإكرام ﴾ [الرحمن: 27]، وبوصف الجمال هو حقيقة من حقائق جلال الله سبحانه؛ وصفة من صفاته تعالى: «إن الله جميل يحب الجمال»62.

فالجلالُ الإلهي نفهمه قرآنياً في تفسير آيات ﴿الأسماء الحسنى﴾ من سور: الأعراف: 180، والإسراء: 110، وطه: 8، والحشر: 24، والصفات العلى لله تبارك وتعالى ﴿أحسن الخالقين﴾ [المؤمنون: 14]، والصافات: 125. فهو تعالى ﴿الذي أحسن كل شيء خلَقَه﴾ [السجدة: 7]. وهو سبحانه الذي «كتب الإحسان على كل شيء»63، وأمرَ ﴿بالعدل والإحسان﴾ [النحل: 90]، في كل شيءٍ من الوعي، والمعرفة، والعمل، والعبادة، وغير ذلك من قيم الحياة ومقاصدها الكلية والتفصيلية ﴿وأحسن كما أحسن الله إليك﴾ [القصص: 77]. فالإحسانُ مفهومٌ قرآني عام لما يجب أن يكون عليه من الفضل المقاصدي القائم على قيم الحق والخير والجمال في حسن العبادة «أن تعبد الله كأنك تراه»، وحسن العمل وإتقانه «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»64، وحسن الخلق، وحسن الرفقة أو الصحبة، وحسن المعاشرة، وحسن الموعظة: ﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾ [النحل: 125]. وحسن الصورة لكل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى ﴿صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون﴾ [البقرة : 138]. 

ومن هنا؛ يمكن القول بأن هذا المقصود الجلالي يتمثل بشكل مكثف في الإحسان بوصفه:

القيمة الحقانية الأعلى مرتبةً مقاصدية لمعرفة الله تعالى، والأعلى مقاماً لعبادته تعالى: «أن تعبد الله كأنك تراه».

القيمة الجمالية الأولى والخاصية الأساس لصنع الله تعالى ومخلوقاته كافة: «كتب الله الإحسان على كل شيء».

القيمة الأخلاقية الخيرية الواجبة في العلاقات، وفي التعاملات، والتشريعات الإنسانية (بين الإنسان وخالقه) والاجتماعية (بين الإنسان وبيئته) ﴿هل جزاء الإحسان إلا الإحسان﴾ [الرحمن: 60].

أما الجمالُ الإنسانيُّ؛ فيمكن أننفهمَهُ قرآنياً في آيات خلق الإنسان في ﴿أحسن تقويم﴾ [التين:4]. وتصويره في أحسن صورة ﴿وصوركم فأحسن صوركم﴾ [غافر:64].  أي: إن الله تعالى خلقَ الإنسان في أحسن تقويم بين سائر المخلوقات «وجعل صورته أحسن الصور، وشكله أحسن الأشكال»65 التي «أراد بها ما خُـص الإنسان بها (الصورة) من الهيئة المدركة بالبصر والبصيرة، وبها فضله على كثير من خلقه».

ومن هنا؛ يمكنُ القول بأن هذا المصنوعَ الجماليَ يتمثلُ بشكل مكثف في حسن العمل الخالص لله تعالى في كل شيء: نية وسلوكاً ومقصداً، فالحسن هو القيمة المعيارية المثالية والأعلى لاختبار العمل الإنساني ﴿ ليبلوكم أيُّكم أحسن عملاً﴾ [تبارك: 2]. مهما كانت طبيعة هذا العمل الحضارية؛ بين السياسة والاجتماع والاقتصاد وغير ذلك، ومهما كان مجاله المعرفي بين العلم والأدب والفن والصناعة.

ثالثاً. أهمية الحسن وضرورته المعرفية

يؤكدُ الخطابُ القرآني على أن الحسن إلهي في أصله، وفي مصدره، وفي فضله الذي أنعمَ الله به على الإنسان خلقةً وصورة. وهداه إليه في الحياة سلوكاً وفعلاً. وفهمه إياه قيمة عليا في الوجود وفي الوعي؛ ليصبح الحسن (بالتالي) عبارة عن تجليات إنسانية في الوعي اللغوي والمعرفي.

فمفهوم الحسن (اللغوي- الاصطلاحي) يتمثل في كونه «عبارة عن كل مبهج مرغوبٍ فيه».

ومفهوم الحسن (المعرفي- الإستمولوجي) قد يتمثل في كونه علماً، أو فقهاً مفروضاً في الإدراك الإنساني لكل ما هو «مستحسن من جهة العقل، ومستحسن من جهة الهوى، ومستحسن من جهة الحس»66

وبذلك يكون الحسن في النظام المعرفي الإسلامي: إما مكتسباً بالفطرة؛ إذ إن الله سبحانه وتعالى قد آتى الإنسانَ «شطراً من الحسن»، أو مكتسباً بالصنعة والتعليم ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا﴾ [النساء: 59].

ولعل من المسائل الفكرية الأساسية التي تعكسُ التشكل المعرفي لفقهِ الحسن في التراث الإسلامي: مسألةَ التحسينِ والتقبيحِ وتعلقاتها المنهجية بالشرع، أو العقل أصلاً لتصورات العلماء ومصدراً لاجتهاداتهم العَقَدية والفقهية التي وضعت؛ أعلت مكانة الحسن في المعرفة الإسلامية، وجعلته سقفاً معيارياً منهجياً أعلى لحسابات القيمة الجمالية الأخلاقية المشتركة في الأشياء، والأعمال، والأفعال، والأقوال، والمعارف، والأفكار.

ومن هنا؛ يمكن اعتبار التحسين والتقبيح البؤرة المعرفية والمقاصدية لنظرية النقد الفني الإسلامية التي تتجه لدراسة وتحليل وتقويم ما لا حصر له من حقائق الوحدة والتنوع ومظاهرهما ومجالاتها الإنسانية والاجتماعية والثقافية والعلمية وغيرها في الحسن؛ بوصفه الفقه الجمالي الأثير عند أهل العلم والأدب والفن المسلمين في التقويم المعرفي.

فقد كان الحسنُ درجةَ التقويم المعرفي الأعلى في علومِ الكلام والأصول والفقه وغيرها من العلوم الدينية، مثلما استخدموه في علوم الأخلاق والأدب والفن وغيرها من العلوم الدنيوية: حسنُ الأدب، وحسنُ الاستهلال، وحسنُ الخط، وحسنُ المقصد، وحسنُ التأليف، وحسنُ الحديث، وحسنُ الطريقة، وحسنُ النظم، وحسنُ الترسل، وحسنُ التوسل، وحسنُ البيان، وغير ذلك من الألفاظ والمصطلحات والتعابير المتعلقة بالعلوم والآداب والفنون الإسلامية، فضلاً عن عديدٍ من المفاهيم الحقانية، والخيرية، والجمالية التي يربطها القرآن الكريم بالحسن علىمستوى الوصف والتعليل والتفضيل.

رابعاً. فقه الحسن؛ المعرفة الإسلامية لعلم الجمال

مما سبق؛ يمكن أن نؤصلَ لعلم الجمال وفلسفة الفن إسلامياً بمعاني الحسن اللغوية، والمعرفية الدالة على اعتباره مفهوماً قرآنياً متميزاً؛ بكونه أشمل في التعبير عن قيم الوجود الأساسية وهي: الحق، والخير، والجمال. وهي القيم التي تشكل نسقاً معرفياً واحداً من فقه كل قيمةٍ من هذه القيم؛ باعتبار أن الفقه هو موهبة الفهم الربانية: «من يرد الله به خيراً، يفقهه في الدين»67، وفي العلم والحياة قياساً على الفقه في الدين.

ورغم أن الفقهَ قد يكون علماً بالمطلق؛ كما هو الحال في علم الفقه وأصوله، فإنه غالباً ما يبدو في حقيقته المعنوية اللغوية والدلالية الثقافية: الإسلامية؛ أدق مفهوماً وأخص موضوعاً من العلم68.

وبذلك؛ يمكنُ أن ينعكسَ فقهُ الحسن بوضوحٍ على معنى علم الجمال وطبيعته في المعرفة العربية الإسلامية انعكاساً كلياً ومؤثراً في بنائه المنهجي؛ الذي يرقى بدراسات الجماليات الإسلامية المعاصرة معرفياً من الحدود التجريبية المحدودة للجمال الفني الذي يصنعه الإبداع الإنساني؛ كما في المنظور الفلسفي الغربي، إلى حدودٍ أبعدَ من الآفاق الكلية المتعلقة بقيم الجمال الفنية والأخلاقية؛ لأن الجمالَ في المنظور الإسلامي ليس قيمةً مجردة بذاتها، بل هو قيمةٌ منتظمةٌ في نسق القيم الكلي المبني على ترابط الحق والخير والجمال.

ويمكن أن نتحقق معرفياً ومنهجياً من انعكاس فقه الحسن في علم الجمال بشكل خاص ومميز؛ من خلال معانيه ودلالاته الأساسية الدالة على الحقائق والمباديء والاعتبارات المعرفية الآتية:

أولاً. الحسن مقصد طبيعي من مقاصد الفطرة والخلق؛ كما نراه في حسن التقويم مثلاً.

ثانياً. الحسن منسك تعبدي ديني من مناسك الإخلاص في التوحيد؛ كما نتمثله في حسن العمل، وحسن العبادة: الإحسان.

ثالثاً. الحسن مسلك، أو سلوك، إنسانيٍ من مسالك العيش والمعاملة والعمران؛ كما هو المثال في حسن الخلق.

رابعاً. الحسن مظهر معرفي جمالي من مظاهر التفكير والتصنيع والإبداع الفني؛ كما هو المثال في حسن الصنعة بعامة، وحسن الخط بخاصة.

وتتألف البنية المعرفية لفقه الحسن من كل الأصول والقوانين والمراتب الفنية الآتية:

أولاً. حسن البنية؛  أي النظام والتأليف والتقويم؛ هو الحسن الفطري في أصل الخلق الإنساني والطبيعي والكوني؛ بوصف الحسن قيمةً ضروريةً ذاتيةً في الأشياء؛ بما أنه: «كتب الله الإحسان على كل شيء».

وهذا الحسن هو الحسنُ القياسي (الرياضي والهندسي والموسيقي) المتعلقُ بصور الأشياء وأشكالها المنظورة والمحسوسة بالبصر، ومن هذه الأشياء التي تعنينا بشكل خاص ومباشر هنا: الصور، والأشكال، والأعمال، والمصنوعات الجمالية التي تتألف منها بنيات الفنون (المكانية والكتابية والتشكيلية والتطبيقية) الإسلامية؛ كالعمارة، والخط، والزخرفة، وغيرها.

 ثانياً. حسنُ المعرفة (الوعي والإدراك والحس)؛ باعتبار الفقه هو «حسن إدراك»69 القيمة الفضلية التي نشأت المعرفة الإسلامية بها من خلال التأسيس القرآني، وقامت عليها في ترتيب العلوم والآداب والفنون والصنائع الإسلامية، حتى صار الحسنُ المعرفي هو المرتبة العالية والأثيرة لدى أهل الفكر والعلم والأدب والفن والصناعة في توصيف هذه الأشياء المعرفية وتعريفها وتصنيفها. وصار هذا الحسن أيضاً أحد مبادئ الرؤيـة المعرفية فيها، وعنوان معيارها المنهجي، وخلاصة مفهومها المعرفي الصحيح لبنيتها العلمية أو الأدبية أو الفنية الواضحة والمميزة في قيام الموضوع الرئيس لهذه العلوم والآداب والفنون والصناعات، وفي تفريع موضوعاتها الأصلية في مراتب التوصيف، والتعريف، والتفضيل، والتصنيف على أساسِ مراتب الحسنِ ودرجاتِه.

ولعلَّ «حسن الخط» هو من أكثر أنواع الحسن المعرفي ومجالاته وضوحاً وتميزاً وتداولاً في العلوم والآداب والفنون والصناعات الإسلامية. فحسن الخطِ مفهومٌ معرفي ومصطلح جمالي إسلامي لما يعرف اليوم بعلم جمال الخط وفنه اليدوي Calligraphy؛ بوصفه أصل المنظومة المعرفية للفن الإسلامي، وجوهرها الجمالي المحرك للعلاقات البينية لكل أجناس هذا الفن وأنواعه وفروعه وموضوعاته وتحولاته المفهومية والمعرفية والوظيفية والتصنيفية.

و«حسن الخط لا حدَّ معرفياً وجمالياً له»70.

ثالثاً. حسنُ المقصدِ  ــ المعنى والغاية والوظيفة ــ وحكمته وكينونته الاعتبارية المدركة بالبصيرة (القلب والحال). وهو ما يمكن أن يكون هنا مضمون العملِ ومحتواه المتصل أساساً بـعلم الأخلاق بشكل خاصٍ، والملتزم بقيم الحق والخير بشكل عامِ، موضوعاً جوهرياً ورئيساً في العلوم والآداب والفنون والصناعات الإسلامية.

فقه الحسن وتأصيل الفن الإسلامي

إن التأصيلَ المعرفي للفن الإسلامي يقوم على العلاقة العضويةِ الحميمةِ بين كل من: أولاً ــ فقه الحسن بوصفه نظامَالمعرفةِ الإسلاميةِ بكل مجالاتها العلمية والأدبية والاجتماعية والثقافية وغيرها. وثانياً ــ الفن الإسلامي بوصفه ركناً من أركان هذه المعرفة على العموم، وبوصفه أيقونةَ المعرفة الجمالية الإسلامية المركبة من علوم الدين والصناعة والإبداع الإنساني على الخصوص. 

وفي هذا السياق؛ يقوم التأصيلُ المقاصدي لمفهوم الفنِّ الإسلامي وحدوده المعرفية على العلاقة العضوية الحميمة بين كل من: أولاً: الفقه بوصفه العلمَ الشرعي العام للأحكام، والمنهجَ المقاصدي الخاص لفهم المسألة الفنية والتعامل معها في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية، وثانياً: فقه الحسن ونظريته المقاصدية بالذات؛ التي يمكنُ أن تشكلَ الرؤية والمنهج والنظرية العلمية (الذاتية أو الداخلية العميقة) المؤسِّسة لكل من:

أولاً. مفهوم الفن الإسلامي وبنيته المعرفية؛ بوصفه كليةً حدية وتعريفية منطقية قادرة على توصيف الأفكار الجمالية والأعمال الفنية وتعريفها، وتصنيفها في النظام المعرفي الإسلامي. 

ثانياً. حدود الفن الإسلامي المعرفية، أي: منظومة الفنون الإسلامية وترتيبها.

ثالثاً. خصائص الفن الإسلامي وصفاته الخاصة والعامة التي تحدد هويته وتميزه عن غيره من الفنون الإنسانية الأخرى.

رابعاً. مقاصد الفن الإسلامي.

وخلاصة القول في ذلك كله هي: أن فقه الحسن بوصفه المعرفة الإسلامية لعلم الجمال وفلسفة الفن، هو النبعُ الصافي والمصدر الأول لـتأصيل الفن الإسلامي، من الناحيتين المعرفية والمنهجية. على ما قد يستلزمه هذا الفن من حسن البنية والتقويم، وحسن المعرفة والصورة، وحسن المقصد والقيمةالذاتية، والإضافية المشتركة في الأشياء، والأعمال، والأفعال، والأقوال، والمعارف، والأفكار الفنية.

أولاً. الفن؛ آفاق الإبداع الإنساني وحدوده

الفنُّ مفهومٌ معرفيٌ يتعلقُ بعلم الجمال؛ الذي هو آخر علوم الفلسفة التي منها: فلسفة الفن تحديداً. ويقوم بشكل أكثر تحديداً على الصناعة والإبداع الإنساني.

ومن هنا؛ غالباً ما يعدُّ الفن نوعاً من أنواع المعرفة، أو مجالاً من مجالاتها، أو شكلاً من أشكالها القابلة للتصنيف المنهجي في نظرية المعرفة (الإبستمولوجيا) المعاصرة إلى: علم، وأدب، وفن، وصناعة.

ويتميز الفنُّ عن غيره من هذه المصنَّفات المعرفية بأنه: معرفةٌ جماليةٌ خالصةٌ وكليةٌ، تقوم من حيثُ الفلسفة والنظرية والكينونة والأثر والوظيفة على الإبداع والصناعة والعمران الإنساني. وبعبارة أخرى شارحة؛ يمكن القول بأن الفن هو:

● مجالٌ معرفي واسع وعريض وعميق ومتنوع الألفاظ والمفاهيم والمصطلحات الخاصة بالظاهرة الجمالية وتجلياتها الإبداعية في آثار، وأعمال، ولوحات، وعروض، وما شاكل من المخطوطات، والمصورات، والمصنوعات، والمعروضات التي غالباً ما توصف اليوم بأنها فنية؛ تنتمي معرفياً إلى الفنون الجميلة، أو التطبيقية (العملية: النافعة). 

● ويدخل في هذا المجال المعرفي الواسعِ أصنافُ عدةٌ من الفنونِ؛ منها ما هو ذو طبيعةٍ بصريةٍ غالبة كالفنون التشكيلية (التصوير: الرسم والنحت). ومنها ما هو ذو طبيعةٍ سمعيةٍ غالبة كالموسيقى والغناء. ومنها ما هو ذو طبيعةٍ حركيةٍ غالبة كالتمثيل المسرحي والسينمائي. ومنها ما هو ذو طبيعة وظيفية غالبة، أي: مقصودة وموجهة التأثير؛ كالفنون الاتصالية ومنها الإذاعة والتلفزيون.

هذا من جهةٍ، ومن جهة أخرى: هناك أصنافُ الفن الثقافية والحضارية التي تعرف أيضاً بالفنون العتيقة، أو التقليدية  Traditional المتعلقة بثقافاتِ الشعوب وحضاراتها. ومنها على سبيل المثال: الفنون الفطرية، والفنون الشعبية، والفنون القديمة (الآثار)، والفنون الإسلامية  مثل: الخط، والزخرفة، والتذهيب، وغيرها.

ومن جهةٍ ثالثةٍ: هنالك ما يطلق عليه مجازاً (لا حقيقة) اسمُ الفن؛ كالسحر، واللعب، والطبخ، وما شاكل71 من الفنون المجازية؛ وذلك نتيجة إعجاب الناس بها، وليس من باب حقيقتها الجمالية وطبيعتها المعرفية ووظيفتها الاستعمالية. فإعجاب الناس بها دفعهم إلى وصفها بالفن، ونسبوها اليه، وهي ليست منه في الحقيقة والطبيعة والوظيفة الجمالية.

ولعل ما تُوحي به هذه القائمة الطويلة من أصناف الفن وأنواعه المتوالدة على سبيل الحقيقة والمجاز بلا حدود؛ هو التباينُ في الطبيعة المعرفية والوظيفية لكل صنف عن غيره من هذه الأصناف الفنية، أو لكل فن عن غيره من هذه الفنون، حسبما يمكن أن تفيد به نظريات تصنيف الفن العديدة والمتباينة.

ثانياً. طبيعة الفن الإسلامي وتصنيفه

تعدُّ الإشكاليات المتعلقة بطبيعة الفن الإسلامي وتصنيفه من أبرز الإشكاليات المعرفية والمنهجية التي واجهتها، ولا تزال تواجهها، نظريات تصنيف الفنون؛ بل إن هذه الإشكاليات هي إحدى أبرز إشكاليات البحث العلمي الحديث والمعاصر المتعلق بالفن بعامة، والفن الإسلامي بخاصة.

وبعض هذه الإشكاليات لم يُحسم بعدُ بسبب بُعْدِ، أو انحراف، اتجاهات البحث العلمي الحديث والمعاصر الاستشراقي وغير الاستشراقي: العربي الإسلامي، عن مقاصد الموضوع الحقيقية. وبسبب صعوبة الفهم التأصيلي لطبيعة الفن الإسلامي وحدوده المعرفية. ولكن أفضل الحلول المعرفية لبيان طبيعة هذا الفن، وأفضل المداخل المنهجية لتصنيفه هي: المقاربة المقاصدية الجمالية؛ التي تضعه معرفياً وبشكل كلي في دائرة الجمال والفن، وليس في أي دائرة معرفية أخرى كالأخلاق أو غيرها؛ مما قد يخص الإنسان الباحث في الموضوع أو يخص مجتمعه هدفاً ومقصداً وغاية، ولا يخص الموضوع الجمالي والفني ذاته. وتضعه منهجياً في عمق نظرية التصنيفِ المعرفية الكلية للفنون الإنسانية للأمم والشعوب، وللثقافات والحضارات، وللأديان والفلسفات؛ بوصفه عنواناً حيوياً بارزاً ومتواصلاً عبر المكان والزمان من عناوين التعبير الشخصية؛ الإبداعية الذاتية والموضوعية، عن خصوصية الإسلام الثقافية وهوية المسلمين الحضارية.

وفضلاً عن هاتين الإشارتين المعرفية والمنهجية؛ لابد من القول في هذا السياق بأن هذه المقاربة المقاصدية لتصنيف الفن الإسلامي وبيان حدوده المعرفية تنطلق (أولاً وأخيراً) من نظرية التأصيل المقاصدي ــ الجمالية الأخلاقية الواحدة ــ لمفهوم الفن الإسلامي وحدوده المعرفية، تمييزاً لها عن المقاربات التصنيفية الأخرى التي قدمها بعض دارسي الفن الإسلامي المعاصرين.

ثالثاً. مفهوم الفن الإسلامي

ثمة أكثرُ من مفهوم للفن الإسلامي؛ يكاد يكون متنوعاً بين اتجاهات معرفية ثلاثة هي:

الاتجاه الأول؛ يفيد بأن للفن الإسلامي مفهوماً عاماً وواسعاً جداً بلا حدود؛ شاملاً لكل أجناس الإبداع الإسلامي وأنواعه وأشكاله وأساليبه وأعماله اللغوية والأدبية والفنية، وغيرها على حد سواء، مما لا تمييز معرفياً فيها بين العلم والأدب والفن.

وعلى هذا المفهوم العام والواسع والمطلق للفن الإسلامي؛ قام تصنيف الفنون الإسلامية عند الباحث أسامة القفاش (على سبيل المثال) على النحو الاتي72:

أولاً. الفنون السمعية التي تقوم على هندسة الصوت؛ مثل: الموسيقى، والغناء، وتلاوة القرآن وتجويده، والآذان، وتراتيل الحج، والحداء، والنصيب، والنشيد، وما شاكل ذلك.

ثانياً. الفنون البصرية التي تقوم على هندسة الشكل مثل: العمارة، وتنسيق الحدائق، والتصوير، والزخرفة، وتطبيقات هذه الفنون البصرية على الخشب والنحاس والخزف وما شاكل ذلك.

ثالثاً. الفنون السمعية البصرية التي تنقسم إلى كل من (أ) فنون الحكي كالقصة (القرآنية والشعبية)، والسيرة (النبوية والشعبية) والمقامة، و(ب) فنون الحركة كالرقص (الصوفي والشعبي) وركوب الخيل.

رابعاً. الفنون اللغوية التي تنقسم إلى كل من (أ) فنون القول كالشعر والنثر، و(ب) فنون القلم كالخط العربي.

أما الاتجاه الثاني؛ فيفيد بمفهوم متوسط في سعته، ويقوم على شمول كل ما له علاقة مباشرة بالشعور والإحساس والتذوق الجمالي والفني طبعاً، عبر الأذن والسماع كالموسيقى والنغم، وعبر العين والإبصار كالعمارة والرسم.

نجد مثلاً أن المفكر الإسلامي إسماعيل الفاروقي، وزوجته العالمة بالموسيقى الإسلامية لمياء الفاروقي73 قد نظرا إلى الفنون الإسلامية على أنها «تعبيرات قرآنية في اللون والخط والحركة والشكل «، يمكن تصنيفها إلى كل من:

أولاً. فنون الأدب: القرآن والحديث والأمثال والأقوال السائرة والخطبة والوصايا والمقامات والشعر.

ثانياً. فنون الخط بالحرف العربي: التراثية والتشكيلية والتعبيرية والرمزية والتجريدية (الحروفية).

ثالثاً. فنون الزخرفة: النباتية والهندسية

رابعاً. فنون المكان الفضاء أو الفراغ: المتعلقة بالعمارة الدينية كالمساجد، والمدنية كالقصور، والتجميلية الترويحية كالحدائق.

خامساً. فنون الصوت وهندسته المتعلقة بعلم الموسيقى: ترتيل القرآن الكريم، والسماع (الصوفي وغيره)، والمقام، والغناء.  

ويتميز الاتجاه الثالث والأخير لمفهوم الفن الإسلامي بأنه اتجاه غالباً ما يكون أكثر تحديداً من الناحية المعرفية، ويكاد يكون هو المفهوم الأكثر تداولاً علمياً عند أغلب مؤرخي هذا الفن ونقاده المعاصرين.

ونحن، بدورنا، نتبنى هذا المفهوم المعرفي الجمالي للفن الإسلامي لأنه يقوم على:

أولاً. كل ما له علاقة بصرية تحديداً مباشرة بصناعة الجمال الإنسانية في الإبداع الإسلامي.

ثانياً. كل ما له علاقة معرفية بمنجزات هذا الإبداع المتحققة في مجالات فنون العمارة، وفنون الكتاب، وما يتصل بهما من الفنون التطبيقية، أو الصنائع الفنية الإسلامية.

ثالثاً. كل ما له علاقة مقاصدية بالتوفيق المبدع بين جمالية هذه الفنون واستعمالاتها الوظيفية في البناء المعماري، وفي صناعة الكتب والمخطوطات، وفي إنتاج الأدوات والأثاث، وغير ذلك من المصنوعات الوظيفية المختلفة.

رابعاً. التأصيل المقاصدي لمفهوم الفن الإسلامي

تباين مفهومُ الفنِّ الإسلامي في ضوء التوصلات الآثارية، والتوجهات المعرفية، والتصورات الفكرية لبعض الباحثين في هذا الفن، وبعض المشتغلين عليه من المؤرخين والنقاد والمفكرين وغيرهم الذين حاولوا تعريف الفن الإسلامي في اتجاهين وصفيين عامين؛ ولكن رئيسين ومؤثرين في دراسات الفن الإسلامي المختلفة؛ وهما:

أولاً. الاتجاه التاريخي الذي يعرف هذا الفن بالحدود الزمانية والمكانية الجغرافية لأعمال المسلمين ونتاجاتهم الحضارية، فهو فن لا ديني، بل هو فن دنيوي بامتياز74.

ولكن هذا الاتجاه يركزُ على الوصف الخارجي العام لهذا الفن، وكأنه ظاهرة آثارية archaeological (: بقايا حضارية) تاريخية حصلت في الماضي، وانقطعت في كينونتها الإبداعية، وصيرورتها الإنتاجية، وسيرتها الإنسانية والإجتماعية، عن الحاضر والمستقبل.

ثانياً. الاتجاه الديني الذي يعرفُ هذا الفن بمقاصده العامة المتمثلة في «التعبير الجميل عن الكون والحياة والانسان من خلال تصور الاسلام للكون والحياة والانسان. (أو هو بعبارة أخرى): التعبير الجميل عن حقائق الوجود من زاوية التصور الاسلامي لهذا الوجود»75، «وذلك ضمن قواعد الإسلام الخاصة ليؤدي هدفاً شرعياً، ويثير انفعالاً معيناً يتفق مع تصور الإنسان للكون والحياة والإنسان»76.

ولكن هذا الاتجاه، يركز، مثل سابقه، على الوصف الخارجي العام لوظيفة هذا الفن، ومدى التزامها الفكري بالتصور الإسلامي للوجود.. أكثر من تركيزهما على تحديد طبيعة هذا الفن المعرفية، وماهيته الجمالية، وصورته الوظيفية.

من هنا تماماً؛ تنشأ الحاجة، بل والضرورة، إلى التأصيل المعرفي لمفهوم الفن الاسلامي تأصيلاً مقاصدياً؛ يمكن أن يقوم على بُعدَين متلازمَين هما:

البعد الأول: المفهوم المعرفي النظري العام المتعلق بالفن الإسلامي؛ من حيث هو فكر فني، أو علم من العلوم الإسلامية، وبذلك، يمكن تعريف الفن الإسلامي بأنه:

الفنٌّ الذي ينطلق، من حيث رؤيته المعرفية، من الوعي الإسلامي للخلق والكون والوجود والإبداع الإنساني. والذي يلتزم، من حيث موضوعه العلمي، بقيم الحكمة الإسلامية المتمثلة في معرفة الحق وعمل الخير ومحبة الجمال. والذي ينبني، من حيث الصورة، على عناصر وأشكال فاضلة في مناسباتها الهندسية والرياضية والتأليفية (الموسيقية) في تكوين العمل الفني وصناعته الجمالية. والذي يتوجب أن يكون من حيث التعبير؛ خطاباً جمالياً (دعوياً) للنفس الإنسانيةفي تلبية حاجاتها الحيوية والضرورية؛ من التربية، والتزكية، والتذوق، والترقي في حوارها الذاتي مع الموضوع، أو الآخر الإلهي والطبيعي والإنساني.

البعد الثاني: المفهوم الجمالي العملي الخاص المتعلق بالفن الإسلامي؛ من حيث هو إبداع إنساني: فني تشكيلي؛ حيثُ تقومُ بنية هذا المفهوم الجمالية على ثلاثةِ أنساق رئيسة؛ متلازمة ومتكاملة؛ هي:

أولاً. النسق الهندسي المتعلق بالشكل والتشكيل والتكوين الفني، باعتبار الفن صورةً تقوم على الهندسة الفاضلة؛ بوصفها العلم الذي يعنى بقيم التناسب والتفاضل والتكامل المعرفية والجمالية؛ لتقويمِ الشكل والحركة والبنية في أجناس الفن الإسلامي وأنواعه المختلفة كالعمارة والخط والزخرفة والتذهيب وغيرها.

ثانياً. النسق الدلالي المتعلق بالمحتوى والمضمون والخطاب الفني، باعتبار الفن رمزاً موضوعياً (: ماورائياً) متصلاً من الناحية المعرفية والمنهجية، بحقائق الإبداع الإلهي للكون الطبيعي والإنساني والاجتماعي. 

ثالثاً. النسق المعرفي المتعلق بالفلسفة والنظرية والتصنيف، باعتبار الفن «صناعة شريفة»77؛ وهي بذلك عبارة عن معرفة مركبة من الفكر والعمل، أو العلم والعمل. فالصناعة هي العمل الصادر عن الفكر، والمقترن بالعلم في الإنتاج الفني؛ فالصناعة هي الفن في المفهوم العربي الإسلامي، إذ أن «الفكر مفتاح الصنائع البشرية»78. وإن هذه «الصنائع لا بد لها من علم»79 يدبرها.

رابعاً. النسق المقاصدي المتعلق بالهدف والغاية والوظيفة، باعتبار الفن وسيلة ورسالة معاً وفي آن واحدٍ. أو قل: وسيلة رسالية جامعة بين الاستعمال والجمال؛ بوصفهما مقصداً إسلامياً واحداً ينطلق من النص القرآني المقدس وتفسيره الهادف إلى بناء حكمة الفن الإسلامي على فقه المقاصد الجمالية الأخلاقية الواحدة؛ بوصفها مقاصد كلية واحدة؛ لا انفصام نظرياً فيها، ولا تفريق عملياً بينها، فلا بين الفن بوصفه وسيلة مثلاً، ولا بين غايته الأخلاقية أو الجمالية أو الجمالية الأخلاقية المشتركة، ولا تبرر الغاية الوسيلة (مثلاً، كما في نظرية الفن للفن)، وذلك كله لأن الفنَّ هو وسيلة الإنسان الغائية في تمثّل قوانين الحسن الفطرية وتجلياتها التقليدية (Traditional: الطبيعية الأزلية) في الآفاق وفي الأنفسِ.

خامساً. حدود الفن الإسلامي وتصنيفه المعرفي

ومن هنا؛ يمكن تصنيف الفن الإسلامي وتبين حدوده المعرفية في دائرةٍ واسعة ومتكاملة من المجالات والموضوعات الفلسفية الجمالية والهندسية والعمرانية والتواصلية التي تدور حول:

أولاً. فنون الكتاب الإسلامي المتمثل في المصحف الشريف والمخطوطات الإسلامية. وهذه الفنون الأصيلة هي: فن الخط Calligraphy، وفن الزخرفة Ornamentation، وفن التذهيب Illumination، وغيرها.

ثانياً. فنون العمارة الإسلامية وهندستها الداخلية المتعلقة بأنظمة البناء وتشييد أماكن السكن والمعيشة والعبادة والعمل وغيرها.

ثالثاً. الفنون التطبيقية أوالصنائع الإسلامية المتعلقة بالخشب والحجر والمعدن والنسيج والزجاج وغير ذلك من المواد والخامات.

علم مقاصد الفن الإسلامي

من هنا أيضاً؛ فإن من الواجب في هذا السياق القول: أن مقاصدَ الفن الإسلامي هي مادة معرفية نظرية وتطبيقية جوهرية لعلمٍ من علوم هذا الفن ونظرياته التي يمكن تصنيفها إلى أربع منظومات معرفية على النحو الآتي80 :

أولاً. تتمثل منظومة النظريات والعلوم المؤسِّسة لبنية الفن الإسلامي المادية والبصرية في كل من: علم الهندسة الشكلانية Geometry، وعلم الموسيقى Musicology (الحركة والإيقاع)، وعلم الصورة Imagology، وعلم المناظر أو البصريات Optics، وغيرها من النظريات والعلوم المتعلقة بمبادئ وأسس ومقومات وعناصر بنية هذا الفن التشكيلية العامة plastic ؛ التي يمكنُ أن يبدعَ فيها الفنان.

ثانياً. تتمثل منظومة النظريات المكوِّنة لماهية الفن الإسلامي وقيمه وخصائصه وطبيعته الإستاطيقية في كل من: علم الجمال Aesthetics، وعلم عناصر الفن، وعلم النقد الفني Criticism، وغيرها.

ثالثاً. أما منظومة النظريات والعلوم الواصِفة أو الموجهة للفن الإسلامي؛ فتتمثل في كل من: علم المقاصد (فقه الفن الإسلامي وأصوله)، وعلم نفس الفن الإسلامي، وعلم اجتماع الفن الإسلامي (العمران)، وغير ذلك من العلوم الإسلامية الخاصة بالتكييف الثقافي للفن الإسلامي.

رابعاً. يمكن أن نضيف مزيداً من النظريات والعلوم المساعدة للفن الإسلامي في صناعة مواده، وتطور تقنياته، وبناء تصميماته، وتصوير أشكاله وغير ذلك مما يتعلق بمسائل هذا الفن وقضاياه العملية على وجه التحديد؛ كما هو الحال (مثالاً لا حصراً) في مساعدة نظرية «حل الذهب» التي توصل اليها عالم الكيمياء الإسلامية الرائد جابر بن حيان (ت199ھ/815م) لفناني التذهيبِ المسلمينَ في تطور تقنيات فن التذهيب الإسلامي وأدائِه في استعمال مداد الذهب السائل، بدلاً من لواصق الذهب الورقية، فضلاً عن تطور صناعة الحبر المضيء الإسلامية ودورها في أن يكون ذلك تحولاً معرفياً نوعياً بالنسبة لفن التذهيب وتميزه الثقافي والجمالي:

علوم الفن الاسلامي

علوم الفن الاسلامي

وتبدو أهمية علم المقاصد ماثلة في التوظيف المقاصدي لكل هذه المنظومة المعرفية الصانعة للفن الإسلامي. ولذلك؛ فإن علم مقاصد الفن الإسلامي يرتبط (أساساً) بعلاقات بينية/تكاملية حميمة مع نظرائه من علوم الفن الإسلامي ونظرياته المماثلة؛ كعلم نفس الفن الإسلامي الذي يقوم على فكرة السعادة الإنسانية، وعلم اجتماع الفن الإسلامي الذي يقوم على الاستخلاف والعمران، وعلم التواصل الإسلامي الذي يقوم على الدعوة والموعظة الحسنة.

وتتمثل أبرز مقاصد الفن الإسلامي في المعاني والمفاهيم والمبادئ والقيم المعرفية المجردة، التي غالباً ما تنبثق منها الأحكام الذوقية، أو تبنى عليها القواعد العملية: التقنيات التأليفية، والتشكيلية لعلم عناصر الفن. أو تتحدد في ضوئها الوظائف النفعية؛ حيث يمكن رسمُ حدود الفن الإسلامي المقاصدية الكلية، الجمالية أولاً، والأخلاقية ثانياً، والوظيفية أخيراً، في كلٍ من:

أولاً: مقاصد التوحيد الإيمانية؛ القائمة على حسن العبادة من الإكرام والتجليل والتسبيح والتنزيه المطلق لله سبحانه وتعالى. 

ثانياً. مقاصد الإبداع المعرفية؛ القائمة على حسن العمل من التفكر والتعلم والتصنيع والتفنين. 

ثالثاً. مقاصد التقويم الجمالية؛ القائمة على حسن الصورة وهندستها الفاضلة بالتناسب والتكامل والتفاضل. 

رابعاً. مقاصد الالتزام الأخلاقية؛ القائمة على الإحسان وقيمه الدينية كالإخلاص، والإنسانية كالتزكية، والاجتماعية كالنفع، والعملية كالإتقان.

خامساً. مقاصد البناء العمرانية؛ التي غالباً ما تقوم على العلاقة العضوية الحميمة بين كل من الجمال والاستعمال، أو الشكل الفني والوظيفة الاجتماعية في أي عمل.

الوحدة المقاصدية للفن الإسلامي

لتوضيح كلِّ تلك المقاصد بوصفها جوهر الوحدة الخصائصية للفن الإسلامي نقول بإيجاز: إنَّ القرآن الكريم يؤكدُ على أن كل الرسالات الإلهية إلى الإنسانية تؤلف دين الفطرةِ الواحد القائم على التوحيد المطلق لله سبحانه وتعالى؛ إذ إن التوحيد هو أصل كل الأديان والشرائع ومقصدهما الأول والأخير.

وهذه الرسالة القرآنية الجامعة هي الحقيقة الثابتة في الوعي والتصور والوجود والمعرفة الإسلامية التي تؤكد على أن التوحيد هو مبدأ  كل شيء من فكرة ومعرفة، وكل ظاهرة وحال، وكل صناعة وعمل، وكل عين وأثر81.

وبالتالي؛ فهو مبدأ كل قيم الكون الأساسية من الحق والخير والجمال. وهو جوهر الإسلام ووسيلته وغايتـه ومقصده الكلي والتفصيلي لتحقيق تكامل الحياة الإنسانية وسعادتها في الدنيا والآخرة.

ومن فكرة التوحيد الكلية هذه، انطلق الإسلام في تقديم ثقافته الجمالية السامية وحضارته الاجتماعية الراقية أنموذجاً حياً للثقافات الإنسانية والحضارات الدينية ذات الأصل الواحد والمصدر المقدس. فقد قامت فكرة التوحيد الإسلامية على مفهوم وحدة الحياة وتكاملها المعرفي واتساقها العبادي مع العلاقة الفطرية الحميمة بين الله الواحد الأحد، الخالق البارئ، البديع الصانع المصور، وبين الإنسان خليفته في عمارة الأرض؛ الملهم ربانياً بالمعرفة والصناعة والإبداعِ الحضاري عبر كل الأزمان والأماكن.

ويمكن القولُ: إن هذه الحقائقَ المعرفيةَ الإلهاميةَ الربانيةَ والإبداعيةَ الإنسانيةَ تشكلُ جوهرَ علمِ الجمال الإسلامي، وتجعل من الفن الإسلامي أحدَ أبرزِ أشكالِ هذه المعرفةِ ومظاهرِها الحضارية الهادفةِ الى تحقيق مقاصدِ الإسلام والإيمان والإحسان والحق والخير والجمال، والفنُّ الإسلامي بوصفه رمز التوحيد أو الوحدة الإلهية: (لا إله إلا الله) وشروطها المعرفية المتعالية على كل ما يمكن أن ينزل بها إلى حدود التشكيل أو التشبيه أو التجسيد.

ولذلك فإن الفن الإسلامي ينزعُ من حيث الفكرةُ والاتجاهُ والأسلوبُ والشكلُ إلى ما يمكن أن نطلق عليه الرمزية الحقانية ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [الحج: 54]؛ التي تقوم على محاكاة نظام الجوهر وقانونه الهندسي الطبيعي/الكيفي للصورة، لا المحاكاة الانطباعية/الكمية لشكل الصورة وظاهرها الخارجي؛ الذي افترضه أرسطو واشتغلت عليه فلسفة الفن الغربية.

وإذ يبدو من كل ما تقدمَ أن فكرة التوحيدِ هي الأساسُ المعرفي لعلم الجمال الإسلامي بعامة، وهي أيضاً الجوهر المعرفي لنظرية الفن الإسلامي بخاصة، فإنه (كذلك) يمكن القولُ:أن فكرةَ التوحيدِ ذاتها هي الجوهر المعرفي لنظرية النقد الفني الإسلامية التي تقوم على وحدة مقاصد الفن الإسلامي وتكاملها في سياق التراتب المعرفي لمفاهيم التوحيد ومقاصده المتماهية في علم الجمال، والمتعلقة بفلسفة الفن على النحو الآتي:

أولاً. مفهوم الدين والشريعة الإسلامية للتوحيد؛ وهو مفهوم يقوم بشكلٍ مطلقِ على معرفة الله تعالى وعبادته الخالصة Monotheism أولاً وقبل كل شيء؛ مفهوماً تأسيسياً لكل مفاهيم التوحيد اللاحقة له في الترتيب؛ مثل مفهوم الفكر والفلسفة (الحكمة) الإسلامية للتوحيد، فيبدو هذا التوحيد الديني وكأنه هو «الفقه (الجمالي) الأكبر»82لمعرفة الله تعالى وعبادته.

ثانياً. مفهوم الفكر الإسلامي للتوحيد؛ وهو مفهوم معرفي نقدي تحليلي المنهج. يقوم بشكل عام على فكرة الوحدة والكثرة Synthesis في الخلق والوجود والطبيعة. ويقوم بشكل خاص على العلاقة الجمالية بين ما هو مجرد غيب شبه مُدرك: لا مرئي، وما هو شاخص للعيان (شهود محسوس: مرئي) في الفن الإسلامي بوصفه ركناً من أركان المعرفة الإسلامية، فيبدو هذا التوحيد النقد فني Criticism of Art وكأنه «الفقه الأسمى»83 لجوهر الفن الإسلامي وحقيقته المقاصدية.

ثالثاً. ينعكس هذان المفهومان معرفياً ومنهجياً، أو نظرياً وعملياً، في ما يمكن أن نطلق عليه: التوحيد الفني؛ وهو مفهوم جمالي أساسٌ لنظرية النقد الفني الإسلامية؛ يقوم على مبادئ الوحدة في التنوع أو أسس التنوع في الوحدة84؛ التي يقوم عليها علم عناصر الفن في مجالات الإبداع والتأليف والتكوين الفني Composition.

أهميةُ الفن الإسلامي وضرورته المقاصدية

تقوم نظرية المقاصد الجمالية على العلاقة العضويةِ الحميمة بين فطرةِ الحسن والجمال في الكون والطبيعة والوجود كله؛ وفي الوعي والمعرفة والإبداع الإنساني من جهة، وعلم الجمال الإسلامي أو فلسفة الفن الإسلامي بوصفها ركناً (مثل: العلم والأدب والصناعة) من أركان المعرفة الإسلامية على العموم من جهة ثانية، وبوصف الفن الإسلامي ذاته أيقونة المعرفة الجمالية الإسلامية المركبة من علوم الدين والصناعة والإبداع الإنساني على الخصوص، وبوصفه مقوماً من مقومات حياة الإنسان والمجتمع والدولة والحضارة الإسلامية، لا سيما وأن:

أولاً. فقه العمران يقوم على عمارة الأرضِ بوصفها حسن العمل وجماله الذي يقتفي أثر الحكمة الإلهية في الطبيعة؛ فتصبح الصناعة (بذلك) محاكاةً إنسانية لقوى الطبيعة وقوانينها الفطرية، ولتصبح هذه المحاكاة تقليداً جمالياً لمبادئ ﴿صنع الله الذي أحسن كل شيء خلقه﴾ [السجدة:16]. وتجلياتها في الفن بوصفه ظاهرة معرفية - اجتماعية تقوم على الفعل والإبداع الإنسانيين.

ثانياً. الفن الإسلامي هو فنٌ حياتي يقـوم على كلٍ من «الصنعة والتفنين» في الممارسة الإبداعية التقليدية المتوارثة والمندمجة في النسيج المعرفي والاجتماعي؛ على مبدأ التوحيد في ما بين الجمال والاستعمال، في صعيد واحد جامع لقيم السمو والذوق والسرور في روح الفن الجمالية، ولوقائع العيش والنفع والفائدة والكسب الوظيفي المباشر في العمل الفني، لتلبية حاجة الإنسان والمجتمع المعرفية الضرورية المتمثلة في الإحسان؛ بوصفه قمة هرم الحكمة الإنسانية، الجامع لعلم كل حق وعمل كل خير ومحبة كل جمال، وبوصفه سر الإتقان ومبدأه الذي تقوم عليه هذه الممارسة الإبداعية في حدها الأدنى الذي لا بد من أن تكون فيه جزءاً من البنية المعيشية والحضارية للمجتمع الإسلامي.

ثالثاً. يدخل الفن، نظرياً وعملياً، بشكل بنيوي في قيام كل أدب أو علم أو صناعة؛ حيث يرتقي الفن في التراث الفكري العربي الإسلامي فوق كل هذه المعارف بدخوله العضوي فيها، لا سيما اعتباره سر الصنعة المتوارث في تنظيم مهني خاص، يستندُ إلى القانون المعرفي والاجتماعي الذي أقرته المعرفة العربية الإسلامية في هذا المجال بالتعارف على أن الصناعة نسب معرفي وحسب اجتماعي أيضاً.

رابعاً. وهكذا؛ تبدو ضرورة الفن الإسلامي المعرفية بوصفه رمزاً كلياً جامعاً لـ ﴿زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق﴾ [الأعراف: 32وتعبيراً عنها في الآفاق وفي الأنفس: ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم﴾ [فصلت: 53] ؛ ليصبح بالتالي لغة من لغات الإسلام الثقافية في الخطاب والحوار والدعوة. بعبارة أخرى: «إذا كان القرآن لغة الإسلام الأولى المهيمنة التي تخاطبُ البشرَ، وهو الذي صاغ الشخصيةَ الفكرية الإسلامية، وجمع ملامحها، فالفن الإسلامي هو لغة الإسلام الثانية، وهو الذي صاغ الشخصية الجمالية الإسلامية، وجمع لها الملامح والهوية العميقة. بل نستطيع أن نقول إن صورةَ الإسلام الملموسة في العالم لا تتمثل في العقيدة الدينية التي يحملها من توحيد وصلاة وزكاة وغيرها، وإنما يضاف إلى ذلك بقدر ما تأتي به الصورة الانطباعية التي يتركها الفن الإسلامي في نفوس وأعين غير المسلمين»85.

ومن هنا؛ يكشفُ التفسيرُ النقدي المقاصدي لذلك كله عن أن الفن بعامة، والفن الإسلامي بخاصة، لا يبدو مجردَ حاجةٍ كمالية تحسينية لا قيمة لحضورها أو غيابها في التواصل الاجتماعي الإنساني، بقدر ما يمثل هذا الفنُّ حاجةً جمالية ضرورية بالفطرة في الوجود وفي المعرفة، حيث يمكن القول بأهمية إعادة النظرِ في ترتيب مكانة الفن الإسلامي بين المقاصد الضرورية والحاجية والتحسينية. حيث يمكن القول: إن هذا الفنَّ يبدو حاجةً وضرورةً أكثر منه مجرد عمل تحسيني أو كمالي، وبالتالي؛فإن مقاصدية الفن الإسلامي توجب تقديمه من مربع التحسينات في تصنيف أولويات الأشياء والمصالح في الحياة إلى مربع الضروريات.

الخاتمة

الفن الإسلامي ركن من أركان المعرفة الإسلامية؛ يقومُ على الجمال أو الحسن بوصفه القيمة الأساس، والبؤرة المركزية لدائرة القيم الكلية للوجود: الحق، والخير، والجمال، في الوعي وفي المعرفة وفي الإبداع الفني الإسلامي، وبوصفه مقصداً وغاية وخاصية ووظيفة أولى لهذا الفن في التعبير عن هوية الحضارة الإسلامية.

وتُعدُّ القيمُ والمقاصدُ الإيمانية، والإبداعية، والجمالية، والأخلاقية، والاجتماعية، مقوماً من مقومات الفن الإسلامي المعرفية المتصلة بالنظام المعرفي الإسلامي، حيث يقوم علمُ مقاصد الفن الإسلامي على مقاصد جمالية تشكل وجهاً واحداً من وجهي المقاصد الحسنة الكلية التي تتألف من منظومة القيم الأخلاقية ومنظومة القيم الجمالية معاً.

إن نظرية المقاصد الجمالية للفن الإسلامي هي الرديفُ المعرفي المكافئ لنظرية المقاصد الأخلاقية (الإنسانية والاجتماعية) التي تؤكد الشريعة الإسلامية عليهما معاً شرطاً أساساً لأسلمة الفن وإسلاميته.

ولا تتحقق نظريةُ المقاصد الجمالية هذه بواسطة التكييف الفقهي للفن بوصفه وسيلة من وسائل التعبير والترفيه والترويح، بقدر ما تحقق من خلال التأصيل المعرفي له بوصفه ركناً من أركان المعرفة الإنسانية، تأصيلاً مقاصدياً قابلاً لأن يكون مقوماً من مقومات هذا الفن المعرفية، وعلماً من علومه الأساسية.

ولعل مما يعزز مقاصدية الفن الإسلامي، نظرياً وعملياً، مقترحات متواضعة تفيد بما يأتي:

أولاً. تعزيز مكانة الدرس الجمالي الإسلامي ودوره في البرامج والمؤسسات الدينية؛ العلمية والأكاديمية والثقافية والاجتماعية.

ثانياً. العمل العلمي المؤسسي الجماعي، على تأصيل الفن الإسلامي معرفياً، وعلى توطينه تخصصاً علمياً في البرامج الأكاديمية للتعليم العالي: الديني، والفني، على حد سواء.

ثالثاً. بناء برامج خاصة للتربية الفنية الإسلامية، وتنفيذها في المؤسسات التعليمية والاجتماعية.

رابعاً. عناية المؤسسات الدينية الإسلامية المتقدمة ومنها: مجمع الفقه الإسلامي باحتضان علماء الجماليات الإسلامية وفلاسفة الفن الإسلامي في خبرائها المتخصصين في المجالات العلمية المختلفة، كالطب والفلك وغيرهما.

خامساً. إنشاء مراكز أبحاث متقدمة خاصة بالفن الإسلامي، إلى جانب مراكز هذا الفن الإبداعية والتطبيقية.

ولعل من المناسب في هذا السياق أن نقترح على مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي أن تضيف إلى مراكزها العلمية والبحثية العاملة (مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، مركز دراسات المخطوطات الإسلامية، وغيرهما) مركزاً علمياً وبحثياً جديداً بعنوان: مركز دراسات الفنون الإسلامية.

المصادر والمراجع

ـ الإبستمولوجيا البديل: مراس العلم وفقهه، أبو يعرب المرزوقي، تونس: الدار المتوسطية للنشر، 2007م.

ـ إحياء فقه الدعوة: العمارة الدعوية، محمد أحمد الراشد، د.مط، 2012م.

ـ إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، بيروت: دار ومكتبة الهلال، 2004م.

ـ الأدب الملتزم، جان بول سارتر، ترجمة جورج طرابيشي، بيروت: دار الآداب، 1965م.

ـ الأذكار من كلام سيد الأبرار المسمى حلية الأبرار وشعار الأخيار، الإمام النووي، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، دمشق: مطبعة الملاح، 1971م.

ـ الإسلام بين الشرق والغرب، علي عزت بيكوفيتش، ترجمة: محمد يوسف عدس، القاهرة: دار النشر للجامعات. 

ـ إشارات المرام من عبارات الإمام، كمال الدين البياضي، تحقيق أحمد فريد المزيدي، بيروت: دارالكتب العلمية، 2007م.

ـ أطلس الحضارة الإسلامية، إسماعيل الفاروقي ولوس الفاروقي، ترجمة: عبد الواحد لؤلؤة، الرياض: مكتبة العبيكان، 1998م.

ـ الإعلان بأحكام البنيان، ابن البناء الرامي (ت 734ھ/1334م)، تحقيق ودراسة: فريد بن سليمان، تقديم: عبد العزيز الدولاتلي، تونس: مركز النشر الجامعي، 1999م.

ـ الإمتاع والمؤانسة، أبو حيان التوحيدي، تحقيق: السندوبي، ط2، الجزائر: 1992م.

ـ الأمة هي الأصل، أحمد الريسوني، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2012م.

ـ الأنساب، عبد الكريم السمعاني، تحقيق: عبد الله البارودي، القاهرة: مكتبة ابن تيمية، 1980م.

ـ تجديد المنهج في تقويم التراث، طه عبد الرحمن، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط2، 1993م. 

ـ التحولات الفكرية للفنون والعمارة الإسلامية، إدهام محمد حنش، في كتاب: التحولات الفكرية في العالم الإسلامي من القرن العاشر إلى الثاني عشر الهجري، تحرير: عليان الجالودي، الأردن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2014م.

ـ تحولات المصطلح في لغة الفن الإسلامي، إدهام محمد حنش، بحث منشور في كتاب: الفن في الفكر الإسلامي، الأردن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2013م.

ـ تصنيف الفنون العربية الإسلامية، سيد أحمد بخيت علي، بيروت: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2012م.

ـ التطور في الفنون (وبعض نظريات أخرى في تاريخ الثقافة. 3 أجزاء)، تأليف: توماس مونرو، ترجمة: محمد على أبو درة ولويس اسكندر جرجس وعبد العزيز توفيق جاويد، مراجعة: أحمد نجيب هاشم، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1972م.

ـ التوحيد ومضامينه في الفكر والحياة، إسماعيل راجي الفاروقي، الأردن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2016م.

ـ جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي، بيروت: مؤسسة الرسالة، 2001م.

ـ الجمال رؤية مقاصدية، عصام أحمد البشير، لندن: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، 2015م.

ـ الجواب الشافي في إباحة التصوير الفوتغرافي، محمد بخيت المطيعي، القاهرة: المطبعة الخيرية، 1935م.

ـ حوار الدين والفن، حسن عبد الله الترابي، تونس: دار الراية، 1986م.

ـ دستور الأخلاق في القرآن الكريم، محمد عبد الله دراز، تعريب: عبد الصبور شاهين، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1983م.

ـ رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا، تحقيق عارف تامر، بيروت: منشورات عويدات، 1995م. 

ـ الرسالة العذراء، إبراهيم بن المدبر، نشر زكي مبارك، القاهرة: دار الكتب المصرية، 1931م.

ـ روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ابن قيم الجوزية، بيروت: دار الكتاب العربي، 1992م.

ـ الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق: عبد المنعم بشناوي، بيروت: دار البشائر الإسلامية، 1998م.

ـ سوسيولوجيا الفتوى؛ المرأة والفنون أنموذجاً، حيدر ابراهيم علي، الجزائر: دار القصبة للنشر، 2014م.

ـ شرح الأصول من علم الأصول، محمد بن صالح العثيمين، تحقيق: نشأت المصري، الإسكندرية (مصر): دار البصيرة، 1422ھ.

ـ شرح القواعد الفقهية، أحمد الزرقا، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1403ھ.

ـ الشريعة الاسلامية والفنون، أحمد مصطفى علي القضاة، بيروت: دار الجيل، عمان: دار عمار، 1988م.

ـ شعب الإيمان، أبو بكر البيهقي، بيروت: دار الكتب العلمية، 2000م.

ـ صحيح البخاري، دمشق: دار ابن كثير، 2002م. 

ـ صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن حجاج، بيروت: دار الكتب العلمية، 2000م.

ـ الصور والتماثيل؛ فوائدها وحكمها، محمد رشيد رضا، مجلة المنار، آذار 1904م، المجلد السابع، الجزء الأول.

ـ الظاهرة الجمالية في الاسلام، صالح أحمد الشامي، بيروت: المكتب الإسلامي، 1986ھ. 

ـ الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، نشر حسام الدين القدسي، بيروت: دار الكتب العلمية، د.ت. 

ـ فقه العمران: العمارة والمجتمع والدولة في الحضارة الإسلامية، خالد عزب، القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 2012م.

ـ فلسفة الالتزام في فلسفة الفن الإسلامي، نجيب بن خيرة، مقالة منشورة ألكترونياً في ملتقى ابن خلدون للعلوم والفلسفة والأدب:  www.almultaka.net.

ـ الفن الإسلامي التزام وإبداع، صالح أحمد الشامي، بيروت: دار القلم، 1990م.

ـ الفن في اللغة العربية؛ صورة الخطاب وخطاب الصورة، إدهام محمد حنش، تونس: المجلة العربية للثقافة (سنوية محكمة، تصدر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ألكسو: جامعة الدول العربية)، العدد 62،  2016م.

ـ الفن المعاصر؛ صوره وآثاره، فلسفته وأحكامه، علي بن حمزة العمري، السعودية؛ جدة: دار الأمة للنشر والتوزيع، 2010م.

ـ الفنون الزخرفية والتصوير، ريتشارد إيتنغهاوزن، في: تراث الإسلام، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون، 1998م.

ـ الفنون والجماليات في خدمة مقاصد الشريعة، إبراهيم البيومي غانم، التفاهم: مجلة تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية (مسقط. عُمان)، العدد الثالث والأربعون، 1435ھ/2014م.

ـ في النقد الإسلامي المعاصر، عماد الدين خليل، ط3، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1984م.

ـ قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، رابطة العالم الإسلامي، د.ت.

ـ قيم خوالد في الفن الإسلامي، تيتوس بيركهارت، مقال في كتاب: مقالات في الفنون الإسلامية، الأردن: جامعة البلقاء التطبيقية ومؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي، 2005م.

ـ قيم الوقف والنظرية المعمارية؛ صياغة معاصرة، نوبي محمد حسن، أوقاف: مجلة فصلية علمية محكمة تصدرها الأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت، العدد 8، مايو 2005م.

ـ الكليات، أبو البقاء الكفوي، تحقيق عدنان درويش ومحمد المصري، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1998م.

ـ الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية، أحمد الريسوني، الكويت: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2009م.

ـ كيف نفكر في الفن الإسلامي، أوليغ كرابار، الدار البيضاء: دار توبقال، 1996م.

ـ علم المقاصد الشرعية، نور الدين الخادمي، الرياض: مكتبة العبيكان، ط3، 2010م.

ـ  علوم الفن الإسلامي؛ التصنيف المعرفي والعلاقات البينية، إدهام محمد حنش، في كتاب: العلاقات البينية بين العلوم الاجتماعية والعلوم الأخرى: تجارب وتطلعات، أبحاث المؤتمر الدولي الثالث لكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، مسقط، 2015م.

ـ عناصر الوحدة في الفن الإسلامي، شاكر مصطفى، في كتاب: الفنون الإسلامية: المبادئ والأشكال والمضامين المشتركة، دمشق: دار الفكر، 1989م.

ـ مبادئ فن العمارة الإسلامية والمشكلات الحضرية المعاصرة، سيد حسين نصر، مقال في كتاب: مقالات في الفنون الإسلامية، الأردن: جامعة البلقاء التطبيقية ومؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي، 2005م.

ـ المخصص، ابن سيده، بيروت: دار الكتب العلمية، د.ت، السفر الأول.

ـ المستصفى من علم الأصول، أبو حامد الغزالي، بيروت: مؤسسة الرسالة.

ـ مشكلة الثقافة، مالك بن نبي، ترجمة عبد الصبور شاهين، بيروت: دار الفكر.

ـ مفاهيم الجمال: رؤية إسلامية، أسامة القفاش، فرجينيا (أمريكا): المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996م.

ـ مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، تحقيق صفوان عدنان داوودي، دمشق: دار القلم، 2002م.

ـ مقدمة ابن خلدون، ابن خلدون، تحقيق عبد الله محمد الدرويش، دمشق: دار يعرب، 2004م.

ـ المدخل، ابن الحاج العبدري المالكي (ت 737ھ/1336م)، مصر الإسكندرية: المطبعة الوطنية، د. ت.

ـ معجم مصطلحات الفكر الإسلامي المعاصر؛ دلالاتها وتطورها، فاتح محمد سليمان، بيروت: دار الكتب العلمية، 2012م.

ـ المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2004م.

ـ منظومة القيم العليا: التوحيد- التزكية- العمران، فتحي ملكاوي، الأردن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2013م.

ـ منهج الفن الإسلامي، محمد قطب، القاهرة: دار الشروق، ط2، 2006م.

ـ الموافقات في أصول الشريعة، أبو إسحاق الشاطبي، تحقيق: محمد عبد الله دراز، بيروت: دار الكتب العلمية، 2004م. ـ نظرية الفن الإسلامي، إدهام محمد حنش، الأردن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2013م.

([1]) يُنظر مثلاً: الإعلان بأحكام البنيان، ابن البناء الرامي (ت734ھ/1334م)، تحقيق ودراسة: فريد بن سليمان، تقديم: عبد العزيز الدولاتلي، تونس: مركز النشر الجامعي، 1999م، ص 8.

([2]) ينظر مثلاً: المدخل، ابن الحاج العبدري المالكي (ت 737 ھ/1336م)، مصر، الإسكندرية: المطبعة الوطنية،
د. ت، 4/133.

([3]) ينظر: الفنون والجماليات في خدمة مقاصد الشريعة، إبراهيم البيومي غانم، التفاهم: مجلة تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، مسقط،  عُمان، العدد الثالث والأربعون، 2014م، ص234. 

([4]) كانت هذه المقولة الماكلوهانية (مارشال ماكلوهان، ت1980م) وما تزال (حتى اليوم) البؤرة الدلالية لواحدة من أشهر نظريات علم الاتصال وأكثرها انتشاراً وتأثيراً لوسائل الإعلام (الشفوية والكتابية والطباعية والإلكترونية) في الوعي والمعرفة والتاريخ والحياة الإنسانية بعامة. وغالباً ما تصلح هذه المقولة لأن تكون أيضاً البؤرة الدلالية لنظرية الفن بوصفه معرفة تقوم على الصورة التي هي وسيلة التعبير الفني ورسالته؛ فالفن (في حقيقته المعرفية): شكل (وسيلة) ومضمون (رسالة).

([5]) الصور والتماثيل؛ فوائدها وحكمها، محمد رشيد رضا، مجلة المنار، آذار 1904م، المجلد السابع، الجزء الأول، ص35.

([6]) القاهرة: المطبعة الخيرية، 1935م.

([7])  ينظر: سوسيولوجيا الفتوى؛ المرأة والفنون أنموذجاً، حيدر ابراهيم علي، الجزائر: دار القصبة للنشر، 2014م، ص 449 وما بعد. 

([8]) لا يزال موضوع الفـن بعيداً عن التـعليم الديني ومـؤسساته التقـليدية والحـديثة (الجامعية بخاصة)؛ إذ يصعبُ

القول بوجود فقه الفن (بل والفن الإسلامي حتى) مجالاً معرفياً وتخصصاً أكاديمياً بين العلوم والمواد والمساقات الدراسية في مؤسسات التعليم العالي بالمعاهد والكليات والجامعات في العالم الإسلامي. 

([9])  فقه السنة، فقه السيرة، فقه المقاصد، فقه الموازنات، فقه الأولويات، فقه الاختلاف، فقه التنزيل، فقه المجتمع، فقه النفس، فقه النصر والتمكين، فقه الجهاد، فقه النعمة، فقه التيسير، وغير ذلك من مصطلحات الفقه المركبة مع بعض الأحوال والمسائل والموضوعات الخاصة بالإنسان والمجتمع والأمة. ينظر: معجم مصطلحات الفكر الإسلامي المعاصر؛ دلالاتها وتطورها، فاتح محمد سليمان، بيروت: دار الكتب العلمية، 2012م، ص 341.

([10]) شرح الأصول من علم الأصول، محمد بن صالح العثيمين، تحقيق: نشأت المصري، الإسكندرية (مصر): دار البصيرة، 142ھ، ص 604.

([11]) ينظر: الأمة هي الأصل، أحمد الريسوني، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2012م،ص75. 

([12]) ينظر: الظاهرة الجمالية في الإسلام، صالح أحمد الشامي، بيروت: المكتب الإسلامي، 1986م، ص145.

([13])  حوار الدين والفن، حسن عبد الله الترابي، تونس: دار الراية، 1986م، ص22.

([14]) مثلاً لذلك: لم يصدر المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومقره: مكة المكرمة، سوى ثلاثة قرارات تتعلق بالفن، من بين مجمل قراراته المائة واثنين الصادرة في دوراته السبعة عشر المنعقدة على مدى سبعة وعشرين عاماً ممتداً من العام 139ھ/1977م حتى العام 1424ھ/ 2004م.

يراجع: قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، رابطة العالم الإسلامي، د.ت.

([15]) الجمال رؤية مقاصدية، عصام أحمد البشير، لندن: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، 2015م، ص36.

([16]) الفن المعاصر؛ صوره وآثاره، فلسفته وأحكامه، علي بن حمزة العمري، السعودية؛ جدة: دار الأمة للنشر والتوزيع، 2010م، ص24.

([17]) ينظر على سبيل المثال: الأدب الملتزم، جان بول سارتر، ترجمة جورج طرابيشي، بيروت: دار الآداب، 1965م. وفيه؛ يلخص سارتر فلسفته الوجودية للالتزام بقوله: «يدرك الكاتب الملتزم أن الكلامَ عملٌ، ويعلم أن الكشفَ نوعٌ من التغيير، وأنه لا يستطيع الكشف عن شيء إلا حين يقصد إلى تغييره، وقد تخلى عن ذلك الحلم المتعذر التحقيق مَن رسم صورة للمجتمع، أو للحالة الإنسانية دون تحيز فيها؛ فالإنسان هو المخلوق الذي لا يحتفظ حيال موجود ما بالحيدة، والإنسان كذلك هو المخلوق الذي لا يمكن أن يرى حالة دون أن يغيرها؛ لأن نظرته تسجل، أو تهدم، أو تصور، أو تفعل فعل الأبدية في تمثيل الأشياء، إما بالحب، أو البغض، أو الغضب، أو الخوف، أو السرور، أو الحنق، أو الإعجاب، أو الأمل، أو اليأس، فبهذه المشاعر يتكشف الإنسان والعالم عن حقيقتهما».  

([18]) لمزيد ممن المعلومات حول هذه النظريات الغربية وسياقاتها التاريخية، ينظر: التطور في الفنون (وبعض نظريات أخرى في تاريخ الثقافة. 3 أجزاء)، تأليف: توماس مونرو، ترجمة: محمد على أبو درة ولويس اسكندر جرجس وعبد العزيز توفيق جاويد، مراجعة: أحمد نجيب هاشم، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1972م.

([19]) الفن الإسلامي التزام وإبداع، صالح أحمد الشامي، بيروت: دار القلم، 1990م.

([20]) فلسفة الالتزام في فلسفة الفن الإسلامي، نجيب بن خيرة، مقالة منشورة إلكترونياً في ملتقى ابن خلدون للعلوم والفلسفة والأدب: www.almultaka.net، 7 /6/2010م.

([21])  في النقد الإسلامي المعاصر، عماد الدين خليل، ط3، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1984م، ص189.

([22]) جرى أول عرض سينمائى في مصر في مقهى (زوانى) بمدينة الإسكندرية في 1896م، واعتبر‏‏ العام 1907م ‏بداية‏ ‏الإنتاج‏ ‏السينمائي‏ ‏المصري للأفلام ‏الإخبارية‏ ‏القصيرة التسجيلية، أما‏ ‏أول‏ ‏فيلم‏ ‏روائي‏ ‏فلم‏ ‏يظهر‏ ‏إلا‏ ‏في‏ ‏سنة‏ 1917م بعنوان: ‏الشرف‏ ‏البدوي. ولكن لم يحصل أول تصادم ثقافي مع السينما إلا في عام 1926م عندما حاولت شركة ألمانية إنتاج فيلم سينمائي عن النبي محمد ﷺ، فتصدت المؤسسات المصرية الرسمية (الملك) والدينية (الأزهر الشريف) والاجتماعية كلها بقوة لهذا المشروع الفني الوافد بالرفض وعدم الموافقة من منظور شرعي، ومنعت إنتاج هذا الفيلم. ومنذ ذلك الوقت؛ والسينما في علاقة متوترة مع الفقه والشريعة والدين بشكل عام.

([23])  ينظر: سوسيولوجيا الفتوى (مرجع سابق)، ص490.

([24]) الفن المعاصر (مرجع سابق)، ص20.

([25]) ينظر: كيف نفكر في الفن الإسلامي، أوليغ كرابار، الدار البيضاء: دار توبقال، 1996م.

([26]) ينظر كتابنا: نظرية الفن الإسلامي، إدهام محمد حنش، الأردن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2013م، ص14.

([27])  مشكلة الثقافة، مالك بن نبي، ترجمة عبد الصبور شاهين، بيروت: دار الفكر، ص115.

([28])  إحياء فقه الدعوة: العمارة الدعوية، محمد أحمد الراشد، د.مط، 2012م، ص12. 

([29]) الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق: عبد المنعم بشناوي، بيروت: دار البشائر الإسلامية، 1998م، ص 28.

([30])  الأنساب، عبد الكريم السمعاني، تحقيق: عبد الله البارودي، القاهرة: مكتبة ابن تيمية، 1980م، 3/255،
4/ 207.

([31])  قيم خوالد في الفن الإسلامي، تيتوس بيركهارت، مقال في كتاب: مقالات في الفنون الإسلامية، الأردن: جامعة البلقاء التطبيقية ومؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي، 2005م، ص93.

([32])  حاولنا استقراء واستقصاء معاني كلمة الفن ودلالاتها ومفاهيمها في اللغة والثقافة والمعرفة الإسلامية التراثية والحديثة والمعاصرة، في بحثنا المتواضع بعنوان: الفن في اللغة العربية؛ صورة الخطاب وخطاب الصورة، المنشور في العدد 62 من المجلة العربية للثقافة (سنوية محكمة. تونس: 2016م) التي تصدر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو): جامعة الدول العربية. 

([33])  تحولات المصطلح في لغة الفن الإسلامي، إدهام محمد حنش، بحث منشور في كتاب: الفن في الفكر الإسلامي، الأردن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2013م، ص19.

([34])  ينظر: الإسلام بين الشرق والغرب، علي عزت بيكوفيتش، ترجمة: محمد يوسف عدس، تقديم: عبد الوهاب المسيري، القاهرة: دار الشروق، ط3، 2013م، ص141.

([35])  إحياء فقه الدعوة: العمارة الدعوية (مرجع سابق)، ص11.

([36])  ينظر: الفنون والجماليات في خدمة مقاصد الشريعة، (مرجع سابق)، ص234. 

([37])  ينظر: قيم الوقف والنظرية المعمارية؛ صياغة معاصرة، نوبي محمد حسن، أوقاف: مجلة فصلية علمية محكمة تصدرها الأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت، العدد 8، مايو 2005. 

([38])  مبادئ فن العمارة الإسلامية والمشكلات الحضرية المعاصرة، سيد حسين نصر، مقال في كتاب: مقالات في الفنون الإسلامية، الأردن: جامعة البلقاء التطبيقية ومؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي، 2005م، ص143.

([39])  جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي، بيروت: مؤسسة الرسالة، 2001م، 2/207، (الحديث32).

([40])  فقه العمران: العمارة والمجتمع والدولة في الحضارة الإسلامية، خالد عزب، القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 2012م، ص37. 

([41])  الجمال في المنظور الإسلامي: حقيقة مركبة الظاهر والباطن، فالجمال «ينقسم قسمين: ظاهر وباطن، فالجمال الباطن هو المحبوب لذاته، وهو جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة، وهذا الجمال الباطن هو محل نظر الله من مبدعه وموضع محبته..». روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ابن قيم الجوزية، بيروت: دار الكتاب العربي، 1992م، ص231. بعبارة أخرى؛ يؤكد المنظور الإسلامي على ضرورة إدراك هذه الحقيقة المعرفية المركبة من «جمال الصورة المدركة بعين الرأس، وجمال الصورة المدركة بعين القلب ونور البصيرة» إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، بيروت: دار ومكتبة الهلال، 2004م، 2/343، والأخذ بها في دراسة الفن الإسلامي على أساس صعوبة الفصل المعرفي والمنهجي بين الإثنين في العمل الفني الإسلامي لأنه يقوم في الأصل على مبدأ الوحدة (التوحيد) في ما بين الشكل والمضمون.

([42])  الحديث النبوي الشريف: «اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك». الأذكار من كلام سيد الأبرار المسمى حلية الأبرار وشعار الأخيار، الإمام النووي، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، دمشق: مطبعة الملاح، 1971م، ص103.

([43])  التحولات الفكرية للفنون والعمارة الإسلامية، إدهام محمد حنش، في كتاب: التحولات الفكرية في العالم الإسلامي من القرن العاشر إلى الثاني عشر الهجري، تحرير: عليان الجالودي، الأردن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2014م، ص579.

([44])  الموافقات في أصول الشريعة، أبو إسحاق الشاطبي، تحقيق: محمد عبد الله دراز، بيروت: دار الكتب العلمية، 2004م. 

([45])  يقابلها في المنظور الإسلامي: منظومة القيم العليا: التوحيد- التزكية- العمران، فتحي ملكاوي، الأردن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2013م.

([46])  الموافقات في أصول الشريعة (مرجع سابق)، ص206.

([47])  ينظر مثلاً: مقاصد الفلاسفة، أبو حامد الغزالي، مصر: مطبعة السعادة، 1331ھ.

([48])  علم المقاصد الشرعية، نور الدين الخادمي، الرياض: مكتبة العبيكان، ط3، 2010م، ص73. 

([49])  ينظر: المستصفى من علم الأصول، أبو حامد الغزالي، بيروت: مؤسسة الرسالة، د.ت، 1/409.

([50]) تجديد المنهج في تقويم التراث، طه عبد الرحمن، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط2، 1993م، ص98.

([51]) الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية، أحمد الريسوني، الكويت: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2009م، ص59.

([52]) ينظر: دستور الأخلاق في القرآن الكريم، محمد عبد الله دراز، تعريب: عبد الصبور شاهين، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1983م.

([53])  ينظر: شرح القواعد الفقهية، أحمد الزرقا، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1403ھ، ص131.

([54])  مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، تحقيق صفوان عدنان داوودي، دمشق: دار القلم، 2002م، ص235.

([55])  المخصص، ابن سيده، بيروت: دار الكتب العلمية، د.ت، السفر الأول، ص11.

([56]) الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، نشر حسام الدين القدسي، بيروت: دار الكتب العلمية، د.ت، ص13.

([57])  إحياء علوم الدين (مرجع سابق)، 2/342. 

([58])  الكليات، أبو البقاء الكفوي، تحقيق عدنان درويش ومحمد المصري، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1998م، ص433.

([59])  الإمتاع والمؤانسة، أبو حيان التوحيدي، تحقيق: السندوبي، ط2، الجزائر: 1992م، ص87.

([60]) مقدمة ابن خلدون، ابن خلدون، تحقيق عبد الله محمد الدرويش، دمشق: دار يعرب، 2004م، 1/117.

([61])  يرد الحسن فعلاً وإسماً وصفة في القرآن الكريم أكثر من مائتي مرة، ويرد الجمال إسماً فقط في القرآن الكريم بما لا يتجاوز ثماني مرات.

([62])  صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن حجاج، بيروت: دار الكتب العلمية، 2000م، 2/77.

([63])  صحيح مسلم (مرجع سابق)، 13/90.

([64])  شعب الإيمان، أبو بكر البيهقي، بيروت: دار الكتب العلمية، 2000م، حديث رقم 5313.

([65]) رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا، تحقيق عارف تامر، بيروت: منشورات عويدات، 1995م، 3/227.

([66])  مفردات ألفاظ القرآن (مرجع سابق)، ص235.

([67])  صحيح البخاري، دمشق: دار ابن كثير، 2002م، ص71.

([68])  مفردات ألفاظ القرآن (مصدر سابق)، ص642.

([69])  المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2004م، ط4، ص699 .

([70]) الرسالة العذراء، إبراهيم بن المدبر، نشر زكي مبارك، القاهرة: دار الكتب المصرية، 1931م، ص14.

([71])  تصنيف الفنون العربية الإسلامية، سيد أحمد بخيت علي، بيروت: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2012م، ص57.

([72])  مفاهيم الجمال: رؤية إسلامية، أسامة القفاش، فرجينيا (أمريكا): المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996م، ص21.

([73]) أطلس الحضارة الإسلامية، إسماعيل الفاروقي ولوس الفاروقي، ترجمة: عبد الواحد لؤلؤة، الرياض: مكتبة العبيكان، 1998م، ص243، 479.

([74])  الفنون الزخرفية والتصوير، ريتشارد إيتنغهاوزن، في: تراث الإسلام، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون، 1998م، 1/321.

([75])  منهج الفن الإسلامي، محمد قطب، القاهرة: دار الشروق، ط2، 2006م، ص119.

([76])  الشريعة الإسلامية والفنون، أحمد مصطفى علي القضاة، بيروت: دار الجيل، عمان: دار عمار، 1988م، ص31.

([77])  مقدمة ابن خلدون، مرجع سابق، 2/137. 

([78])  الإمتاع والمؤانسة، مرجع سابق، ص113.

([79])  مقدمة ابن خلدون مرجع سابق، 2/137.

([80])  علوم الفن الإسلامي؛ التصنيف المعرفي والعلاقات البينية، إدهام محمد حنش، في كتاب: العلاقات البينية بين العلوم الاجتماعية والعلوم الأخرى: تجارب وتطلعات، أبحاث المؤتمر الدولي الثالث لكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، مسقط، 2015م.

([81]) التوحيد ومضامينه في الفكر والحياة، إسماعيل راجي الفاروقي، الأردن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2016م.

([82]) الفقه الأكبر: عنوان كتاب في أصول الدين؛ ينسب إلى الإمام أبو حنيفة النعمان، شرحه كثير من العلماء، لعل من أبرزهم: ملا علي القاري، وكمال الدين البياضي الذي يرد في كتابه: إشارات المرام من عبارات الإمام  (تحقيق أحمد فريد المزيدي، بيروت: دارالكتب العلمية، 2007م) ما معناه: أن الفقه الأكبر بمفهوم الإمام أبي حنيفة النعمان هو «معرفة النفس ما لها وما عليها».

([83])  الإبستمولوجيا البديل: مراس العلم وفقهه، أبو يعرب المرزوقي، تونس: الدار المتوسطية للنشر، 2007م، ص137.

([84])  قيم خوالد في الفن الإسلامي، مرجع سابق، ص85.

([85])  عناصر الوحدة في الفن الإسلامي، شاكر مصطفى، في كتاب: الفنون الإسلامية: المبادئ والأشكال والمضامين المشتركة، دمشق: دار الفكر، 1989م، ص140.

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
الفنون في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية، 2017، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، لندن، ص 175-241.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.

صوت وصورة

مقالات مختارة

إقرأ المزيد

الفنون الخادمة للمقاصد، والمقاصد الخادمة للفنون

نور الدين بن المختار الخادمي؛ وزير الشؤون الدينية السابق بالجمهورية التونسية، وأستاذ جامعي. محتويات المقال:أولا: تأطيرُ البحث وأهميتهثانيا: أهداف البحثثالثا: إشكالية الموضوعرابعا: موضوعات البحث ومنهجهخامسا: خطة البحثسادس...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

إشكالية الفنون الجميلة في علاقتها بمقاصد الشريعة

إبراهيم البيومي غانم؛ عضو مجلس خبراء مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ومستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، مصر. محتويات المقال:تمهيدأولاً: في النظرية العامة للفنون ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

المسألة الفنية في النظرِ المقاصدي من خلال مدخل التكييف والتوظيف

أحمد الريسوني؛ مدير مركز المقاصد للدراسات والبحوث بالرباط – المغرب، وعضو مجلس خبراء مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية بمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي. محتويات المقال:تقديمالمبحث الأول: المسألة الفنية من خلال مدخل التكيي...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

الفنون ومقاصدها عند الإمام القرضاوي: الرؤية والتطبيق

وصفي عاشور أبو زيد؛ دكتوراه في مقاصد الشريعة الإسلامية، كلية دارالعلوم، جامعة القاهرة. محتويات المقال:مقدمةالمبحث الأول: الفنون عند الإمام القرضاوي: تتبعٌ واستقراءأولا: الفنون الإبداعية أو ما كتبه الشيخ في الفنونثانياً: ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

اللغة الكونية للفن الإسلامي

منور ثامر المهيد؛ مدير عام مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي- عمان - الأردن محتويات المقال:انعكاس الحقائق في الظواهر الطبيعيةالجيومتري وانعكاسها في الطبيعةالدائرةالنسق الهندسي في الفن المقدس وتجلياته الوجوديةالنِسبُ ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

روح العمارة الدينية: أنموذج جامع السليمانية

رجب شنتورك؛  رئيس جامعة ابن خلدون، اسطنبول. محتويات المقال:1- علاقة الرمز والمرموز له وطريقة التأويل في الفكر العثماني2- جامعُ السليمانية بلسان المهندس المعماري سنان3- القانوني وسنان: سلطانا ومهندسا من حيث الخلفية ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد الشريعة وهندسة الحروف كمقبسين للإرادة الإلهية

أحمد مصطفى؛فنّان وعالم معروف دوليًا، وزميل في الفن الإسلامي والتصميم بمركز الدراسات الإسلامية بأكسفورد- المملكة المتحدة. على النقيضِ مما يفترضه عديد من الغربيِّين؛ فإنَّ الإسلامَ لا يعتريه أي إجهادٍ في الجمع بين العلم وا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

رؤية فلسفية للجمال في النظر الإسلامي الأصولي

الشيخ محمد غورماز، الرئيس الأسبق لهيئة الشؤون الدينيَّة بتركي إنَّ علمَ المقاصد والغايات، هو من العلوم المفتخرة لدى المسلمين، فهو - وإن ظن البعض بساطته - ذو أثرٍ ضخم، وامتدادٍ عريض؛ يلقي ظلالَه على كل العلوم الإسلامية، ب...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

ترقية الإيمان مقصداً للفنّ

عبد المجيد النجار: رئيس المركز العالمي للبحوث والاستشارات العلمية تونس. محتويات المقال:توطئةأولاً: الدين والفنّثانياً: دور الفنّ في ترقّي الإيمان التصديقي1 - دور الفنّ في حصول الإيمان2 - دور الفنّ في تقوية الإيمانثالثاً:...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

الأصول المُعْربة عن الفنون، والفنون المُعَبرة عن الأصول

نورالدين بن مختار الخادمي: وزير سابق، وأستاذ التعليم العالي بتونس. محتويات المقال:تمهيدإشكالية البحثالدراسات السابقةموضوع البحثالمحور(1) تأطير الأصول للفنونالمحور(2) تعبير الفنون عن الأصولالمحور(3) محور الأدلة الشرعية أو...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد القرآن الجمالية وتمثُّلاتها المعرفية في الفنون الإسلامية (التعريف والتأصيل والتصنيف)

إدهام محمد حنش: عميد كلية الفنون والعمارة الإسلامية جامعة العلوم الإسلامية العالمية (الأردن). محتويات المقال:المقدّمةعلمُ المقاصدِ: الدينُ والفلسفةُالنظريات المقاصديةنظرية العمل المقاصديالمقاصد؛ غايات، ووسائل، وطرائقالطر...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

إسلامية الفنون الإسلامية: بين التنظير المعرفي والتطبيق الإجرائي

صلاح الدين شيرزاد: دكتوراه في تاريخ الفن الإسلامي، عضو هيئة التدريس في جامعة السلطان محمد الفاتح بمدينة إستانبول- تركيا. محتويات المقال:تمهيدبدايةُ التسميةالدافع لضبط المصطلحميادين فنون المسلمينفن العمارةأصناف العمارة- ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصدُ الفنونِ العُمرانِية في المدينةِ الإسلامية: قراءةٌ في نصوصٍ تراثيةٍ ورؤيةٌ في الواقعِ المعاصر

إبراهيم البيومي غانم: أستاذ العلوم السياسية ومستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (مصر)، وعضو مؤسس وعضو مجلس خبراء مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية مؤسسة الفرقان لندن. محتويات المقال:استهلالأولاً: المدينة ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

وظائف الفنون الأدبية في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية (دراسة تأصيلية في طبيعة الفنون الأدبية ومقاصدها الجمالية)

عبد الملك بومنجل: مدير مخبر المثاقفة العربية في الأدب ونقده، جامعة سطيف، جمهورية الجزائر محتويات المقال:1: أسئلة الجوهر والغاية في فلسفة الفن وعلم الجمال.1.1: جمال المُدرَك أم ذوق المدرِك؟2.1: جمال الشكل أم جمال المضمون؟...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

المسرح الإسلامي وفق النسق المقاصدي

جميل حمداوي: أستاذ التعليم، وأديب وناقد، وكاتب ـ المملكة المغربية. محتويات المقال:المقدمةأولاً: مفهوم المسرح الإسلاميثانياً: التصورات المسرحية الإسلامية1ــ نجيب الكيلاني ومقصديةُ المتعة والفائدة2: محمد عزيزة، ومقصدية الص...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

الخطاب الجمالي للفن الإسلامي وسياقاته المقصدية

عَمَّارة كحلي: مدرس بـكلية الأدب العربي والفنون بجامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم ـ جمهورية الجزائر.  محتويات المقال:مقدّمة1: نحو تجديد الفهم المقاصدي في باب نوازل الجمال والفنون2: صناعة الزينة والجمال في المصادر العربي...

مقالات متعلقة بأيام دولية

أنشطة ذات صلة

Back to Top