ترقية الإيمان مقصداً للفنّ

شارك:

عبد المجيد النجار: رئيس المركز العالمي للبحوث والاستشارات العلمية تونس.

محتويات المقال:
توطئة
أولاً: الدين والفنّ
ثانياً: دور الفنّ في ترقّي الإيمان التصديقي
1 - دور الفنّ في حصول الإيمان
2 - دور الفنّ في تقوية الإيمان
ثالثاً: مقاصد الفنّ في ترقّي الإيمان العملي
1 - مقاصد الفنّ في ترقية السلوك البيئي
2 - السلوك البيئي بين القرآن والحضارة الراهنة
المراجع
من رسومات يحيى بن محمود الواسطي

توطئة

الإيمانُ المعتدُّ به هو ما وقر في القلب من تصديق بما جاء به النبي  ﷺ من حقائق الوحي، مضافاً إليه العمل السلوكي بمقتضيات ذلك التصديق من أفعال الجوارح، فإذا ما اختلّ هذا أو ذاك بالجحود انهدم الإيمان، وإذا ما اختلّ العمل السلوكي بالتقاعس أو الاستهتار انحدر الإيمان في سلّم القيمة إلى تخوم تلامس الانهدام، فسُمّي عند أهل السنة بحالة الفسق أو العصيان. وإذن فإنّ الإيمان يقوى ويضعف، ويزيد وينقص في كيْفه بعمق التصديق وسطحيته، وفي كمِّه بسعة دائرة الأعمال الموافقة لمقتضيات التوحيد وضيقها.

ولقوّة الإيمان وضعفه ولترقّيه وهبوطه في كلٍّ من كيفه وكمّه، عواملُ تتعلَّق بعقل الإنسان وإرادته الحرّة، وذلك هو مناط التكليف بالإيمان؛ فالتدبُّر بالعقل في آيات الكون وفي آيات الذكر الحكيم يقوى به الإيمان في شدّة التصديق، والمثابرة على الأعمال تورّث في الإيمان زيادة وتعلو به درجة، فالإيمان يزيد وينقص كما استقرّ عليه أهل العلم بناء على قوله: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [التوبة :124]

إنّ التدبّر في آيات الله تعالى من أهمّ المسالك التي تؤدّي إلى زيادة الإيمان وترقيته، بما هي صنعةٌ إلهية تظهر فيها صفاته تعالى علماً ونظاماً ورحمةً وتدبيراً، فيؤول التدبّرُ فيها من الوقوف على حقائقها الظاهرة إلى دلالاتها الغائبة تسليماً يقينياً منها بحقيقة صانعها وعظمته وكمال صفاته، ثمّ انعكاساً لذلك اليقين على الجوارحِ فتستقيمُ في سلوكها بتنفيذ ما جاء من تلقاء ذلك الصانع العظيم من تكليف عملي في شؤون الحياة، فإذا الإيمان يرتقي بالتدبّر في آيات الله المسطورة والمنظورة من ظواهر الصنعةِ إلى اليقين بالصانع إلى العمل بأوامره ونواهيه؛ ولذلك جاءت في القرآن الكريم الأوامر تترى بالنظر في آيات الكون والتدبّر فيها بمقصد ترقية الإيمان كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌﱠ﴾ [العنكبوت :20] وفي قوله تعالى: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﱠ﴾ [ص :20].

ومن آياتِ الله تعالى ما أودعه في خلقِه من جمال الصنعة تناسقاً في الأحجام والألوان، وتناسباً في الأصوات والنغمات، ونظماً في العبارات والكلم، تقع على ذلك الجمال الأبصارُ، وتصغي له الأسماعُ، وتستقبله الأحاسيسُ والمشاعرُ فتتفاعل معه تفاعلاً تصدر منه بتعابير من الصور والأصوات ونظم الكلم، فيبرز ذلك الجمالُ من مكامنه التي أكمنه الله فيها ليكون تعابير يتناقلها الناسُ بينهم وينفعلون بها انفعالاً يكون فيه غذاء للأرواح في موازاة غذاء الأبدان، وذلك هو الفنّ، إذ الفنّ في أجلى تعاريفه هو التعبيرُ عن الجمال.

وقد جاء في الذكر الحكيم توجيه مؤكَّد إلى التدبّر في آيات الجمال صوراً كانت أو أصواتاً أو كلماً منظوماً، وأرشد إلى أنّ تلك الآياتِ تكون طريقاً بالتأمّل فيها والانفعال بها؛ إلى قوّة الإيمان بمبدعها يقيناً في التصديق، واستجابة للأمر والنهي، وذلك على غرار ما جاء في قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﱠ﴾ [الكهف :7]. فالتعابير الجمالية هي إذن في القرآن الكريم مناط دعوة للتدبّر فيها مثل سائر آيات الله الأخرى بمقصد ترقية الإيمان تصديقاً بالقلب وإحساناً في الأعمال.

أولاً: الدين والفنّ

العمارة الإسلامية داخل مبنى ديني في المغرب

إذا كان قد لحق بالفنّ أحياناً ما حرّفه عن وجهته الصحيحة في أن يكون آية للتدبّر لترقية الإيمان، فصار سبباً في التسفّل بدل الترقّي والابتعاد عن الله بدل الاقتراب منه، وأصبحَ كأنما هو عنوانٌ مناقض للدين متنافٍ معه؛ فإنّ ذلك ليس إلا عارضاً من العوارض الطارئة عليه، وإلا فإنه يبقى من آياتِ الله تعالى في الكون إذا ما أُحسن التعامل معه لا يكون إلا مسلكاً من مسالك ترقية الإيمان في كلٍّ من بُعديه النظري التصديقي والعملي السلوكي؛ فبين الدين والفنّ إذن صلة وطيدة سواء من حيث التشابه في الطبيعة أو من حيث تبادل التأثّر والتأثير بينهما.

فالدين انطلاقٌ روحي في المطلق الذي يتجاوز العالم المحسوس، فهو إيمانٌ بجملةٍ من الحقائق الغيبية؛ ألوهيةً ونبوّةً وبعثاً للحساب، وهو توقانٌ دائم إلى ذلك العالم الغيبي اقتراباً من الله تعالى، وسعياً في مرضاته، ورجاءً في نوال نعمائه في يوم الحساب. إنه صلةٌ روحية بين الإنسان وبين عالم غير هذا العالم الذي يعيش فيه بجسمه، تجد فيه الروحُ غذاءً، كما يجد الجسم غذاءه في عالم المادّة، وتتفاعل معه بأحاسيس الفرح والرجاء والأمل والحبّ، كما يتفاعل الجسم مع عالم المادّة بالشبع والريّ والنشاط والراحة والغبطة.

والفنُّ بما هو تعبيرٌ عن الجمالِ، هو أيضاً علاقة بين الإنسانِ وعالمِ آخرَ غيرَ مرئيٍ؛ هو عالمُ ما وراء مشاهدِ الجمالِ المحسوسةِ من المجرّداتِ المطلقة التي لا تحدّها حدود المحسوس، فتنفعل بها القوى الروحية في الإنسان والمشاعر والأحاسيس فيه، وتجدُ فيها غذاءً من البهجة والفرحِ والنعيم، كما يجد الجسم غذاءه في المطعوم والمشروب. إنّ ثمّة شيئاً مشتركاً في الطبيعة بين الدين والفنّ؛ بما في كلِّ منهما من انعتاق من عالم المحسوس إلى عالم المطلق المجرّد، وبما يحصلُ في كل منهما من لذّة الروح؛ ولذلك فإنّ من يشهد مظهراً من مظاهر الجمال شديدة الجمالية وينفعل به، لا يلبثُ أن ينطق في تلقائية بالقول: سبحان الله، أو ما في معناها من التعابير، فالدين والفنّ هما إذن من طبيعة واحدة؛ وقد عبّر أحدهم عن هذه العلاقة بين الدين والفنّ بقوله: «الفنّ هو القراءة في الطبيعة عن جوهر غير طبيعي، وإعطاء ذلك الجوهر الشكل المرئي المناسب له»1؛ كنايةً بالجوهر غير الطبيعي عن غيبيات الدين.

ولهذا التشابه في الطبيعة بين الدين والفنّ من حيثُ إنّ كلاً منهما يتجاوزُ المحسوس المشهود، ويتوقُ إلى المطلق المجرّد، وأنّ في كلٍّ منهما غذاءٌ للروح وراء غذاء الأجساد؛ نجد التفاعل بينهما قائماً في الاتجاهين، فالفنّ قد يكون طريقاً إلى الدين مؤدّياً إليه ومقوّياً له، والدين قد يكون طريقاً إلى الفنّ موجّهاً إليه وحاثّا عليه ومرشّداً إليه.

إنّ القرآن الكريم آية فنّية من آيات الله يتبدّى فيها التعبير عن جمال الكلم وجمال النظم وجمال المعنى في أرقى ما يكون الجمال. وهذه الآيُة جعلها الله تعالى سبيلاً إلى الإيمان به بما أودع فيها من رقيّ التعبير الفنّي إلى درجة الإعجاز، وكانت هذه الآية الفنّية مدخلاً للدين عند سامعيها الأُوَلِ، على عهد نزول القرآن الكريم، وظلّت كذلك إلى يوم الناس هذا، فأولئك الذين أُخذوا بسحرِ هذه الآية عند أول سماعها، أو عند التأمّل فيها فآمنوا بربّ العزّة أكثر من أن يُحصوا عدداً، وهذا مثال على أنّ الفنّ كثيراً ما يكون مدخلا إلى الدين.

وفي الاتّجاه المعاكس؛ فإنّ الدين كثيراً ما يكون سبيلاً إلى الفنّ، فالإيمانُ بالله والتوقان إليه، وامتلاءُ الضمائر بحبّه، وكذلك الإيمان بالنبيّ الكريم، والشوقُ إليه، وعمران القلوب بمحبّته؛ كانت كلّها عبر الزمن ملهما لفيضٍ من التعابير الفنّية: مدائحَ، وأشعاراً، وترانيم، وألحاناً. وقد كان القرآن الكريم والإيمان به وهو العنوان الأكبر للدين ملهماً لتعابير فنّية لا تنتهي من إبداعاتٍ في خطّ أحرفه، وزخارف في أوراق مصحفه، وتجويد في أصوات تلاوته. وهكذا كانت الأديانُ على مرّ التاريخ حتى الوثني منها سبيلاً للتعابير الفنّية رسوماً وصوراً ونحوتاً وترانيم وأهازيج.

كأنّ الدين والفنّ يصدران إذن من مشكاةٍ واحدة، هي مشكاة الفطرة التي خلق الله عليها الإنسان في توقها إلى المطلق المجرّد الذي لا تحدّه حدود الحواسّ، فينفتح إذن كلّ منهما على الآخر في حركة تفاعل أخذاً وعطاءً، فكما أنّ آيات الجمال كثيراً ما تكون معبراً للإيمان، فقد شهد التاريخ أنّه قد «انفعل كثيرون بالدين ليخرجوا ألواناً جميلة من النغم والموسيقى والتصوير والزخرفة والشعر والكلم الأدبي الرائع»2.

لقد وقر في نفوس الكثيرين اليوم أنّ الفنّ مناكفٌ للدين مناقضٌ له، يسير في عكس اتّجاهه خلاف ما قرّرناه آنفاً. وإنه لحقٌ أنّ بعض الفنّ كذلك، ولكنّ تلك أحوالٌ عارضة للفنّ، وليست من صلب طبيعته، فقد يفسق الفنّ عن فطرته في التوق إلى المطلق المجرّد، ويتسفّل إلى حياة المادّة الشهوانية، فإذا هو يجعل من تلك الحياة المادّية غايةً عليا، تصرفُه عن الآفاق الرحبة للحياة الروحية التي يلتقي فيها الفنّ والدين، وإذا هو يسير في اتّجاه الارتكاس المعاكس لاتجاه الترقّي الذي هو اتّجاه الدين. ولمّا رأى الناس أنّ فئة من أهل الفنّ قد زاغوا بفنّهم عن طبيعته الأصلية في السموّ، وسدروا في غواية الشهوات، وجافوا الدين بهذه السيرة؛ وقرَ في نفوسهم أنّ الفنّ عامّةً مناقضٌ للدين مخاصمٌ له، وليس الأمر في حقيقته إلا انحرافاً بالفطرة عن سمتها، كما تنحرف فطرة التوحيد التي فطر الإنسان عليها إلى الشرك بعوامل اجتماعية وتربوية، وكما يحتاج الإنسانُ إلى استعمال العقل والإرادة الحرّة لتستوي فطرتُه على التوحيدِ مقاومًة لعوامل الرّان، فإنه يحتاج أيضاً إلى ضرب من الجهاد ليتّجه بفنّه إلى الوجهة الفطرية التي تلتقي مع الدين ولا تناقضه، والتي ترقّي الإيمان في كلّ من شقّيه التصديقي والعملي.

لقد كان سيد قطب فيما نقدّر أكثرَ الباحثين إدراكاً لهذه الصلة بين الدين والفنّ، وأدقّهم بيانا لدور الفنّ المعروض في القرآن الكريم في تثبيت الإيمان وترقّيه، فقد خصّص لذلك كتابه الفريد التصوير الفني في القرآن، ومن فرائد ما قاله في هذا الصدد: «التعبير القرآني يؤلّف بين الغرض الديني والغرض الفني فيما يعرضه من الصور والمشاهد، بل لاحظنا أنه يجعلُ الجمال الفني أداةً مقصودة للتأثير الوجداني، فيخاطب حاسّة الوجدان الدينية بلغة الجمال الفني، والفن والدين صنوان في أعماقِ النفس وقرارة الحسّ، وإدراك الجمال الفني دليل استعدادٍ لتلقي التأثير الديني، حين يرتفع الفنّ إلى هذا المستوى الرفيع، وحين تصفو النفس لتلقّي رسالة الجمال»3.

ثانياً: دور الفنّ في ترقّي الإيمان التصديقي

مرتكزُ الإيمان هو التصديقُ القلبي بما جاء في الدين من أحكامٍ تتعلّقُ بعالمِ الغيب، أو بعالم الشهادة. وفي نطاق العلاقة بين الدين والفنّ، كما بيّناه؛ فإنّ للفنّ دوراً كبيراً في الإيمان، سواء من حيث حصوله ابتداء، أو من حيث ترقّيه وقوّته بعد حصوله.

الأويغور يؤدون قطعة فنية مسجد كاشغر، شينجيانغ - الصين

1 - دور الفنّ في حصول الإيمان

إنّ الفنَّ بما هو تشرّبٌ روحي للجمال، يفتح للإنسان آفاقاً واسعة في تصوّره لحقيقة الوجود، فالانتقال من ظواهر الجمال المحسوسةِ إلى ما ورائها من متعةٍ تتجاوز المتعةَ الحسّية، يحدث في النفس شعوراً بأنّ العالم الذي نعيش فيه ليس محصوراً في هذا العالم المشهود، وإنما هو ممتدٌّ إلى آفاق أخرى، لا تدركها الحواسّ، وحينما يحدث هذا الإحساسُ في النفس فإنّ الإنسان يتهيّأ لأن ينتقل بتصوّره للوجود من هذا الوجود المادّي، إلى وجود آخر غير مادّي، وهذه أوّل خطوة من الخطوات المهيّئة للإيمان.

وبناء على ذلك فإننا نجدُ القرآن الكريم، وهو يدعو الناس إلى الإيمان، يوجّههم إلى التملّي في مشاهد الجمالِ في البيئة المادّية، معتبراً أنّ هذه البيئة ليست موئلاً لانتفاع الإنسان انتفاعاً مادّياً محسوساً فحسب، وإنّما هي أيضاً مصدرٌ مهمٌّ لغذائه الرّوحي، فبالإضافة إلى ما تشبع من شوقه إلى الملإ الأعلى باعتباره فطرةً طبيعيّة فيه، وذلك بما تتضمّن من الدّلالات الغيبية كما بيّنّاه سابقا، فإنّها تشبع فيه أيضاً الشّوق إلى الجمال، فالإنسانُ مفطورٌ على حاسّة جمالية تطلب إشباعا بالتّملّي من مشاهد الجمال، كما تطلب حواسُّه المادّية إشباعاً بمباشرتها لمطالبها الجسمية.

وبناء على هذا المعنى؛ جاءت البيئةُ الطبيعية في التّصوير القرآني تتضمّن بعداً جمالياً، وجاء هذا التّصوير الجمالي يقصُد من بين ما يقصد إلى تلبيةِ الشّوق الإنساني إلى الجمال، وتحقيق المتعةِ الرّوحية بذلك، فإذا البيئةُ في سياق هذا المعنى تُبرَز على أنّها نعمةٌ من النّعم الرّوحية للإنسان بما تحقّق له من متعة الجمال، كما هي نعمةٌ من النّعم المادّية بما تحقّق له من متعة الإشباع المادّي، وهو ما كان القرآن الكريم يؤكّد عليه ويوجّه إليه في عرضه لمشاهد الطبيعة، ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ﴾ [الحجر:16]، ففي التّقدير الإلهي للبيئة صناعة جمالية عُبّر عنها بالتّزيين، وهي صناعة قُصد منها قصداً إمتاع الإنسان، كما يفيده التعبير بتنسيب التّزيين إلى النّاظرين، وكذلك ما جاء في قوله تعالى عن الأنعام: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ  وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ [النحل:5 - 6]، فقد هُيّئت هذه الأنعام بصنعةٍ جمالية من أجل أن يكون للإنسان فيها متاع روحي، وكذلك الأمر في الدّوابّ، فقد كان من أغراض خلقها متعةُ الجمال للإنسان كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل:8]، فكما خُلقت هذه الدوابّ للمنفعة المادّية، متمثّلة في الرّكوب وحمل الأثقال، خُلقت أيضاً لمنفعة روحية متمثّلة في المتعة بما رُكّب فيها من جمال الزّينة.

وليس هذا البيان القرآني في خصوص عرض الجمال البيئي بياناً على سبيل التّصوير المجرّد لذلك الجمال، وإنّما هو عرضٌ فيه توجيهٌ للإنسان على سبيل الحثِّ إلى أن يتوجّه إلى مشاهد الجمال في البيئة توجّها قاصداً لمزاولة الانتفاع الرّوحي والتّمتّع بنعمة الجمال فيها، باعتبار ذلك مندرجاً ضمن الابتغاء من فضل الله المعروض في الطّبيعة. وهذا الفضلُ كما هو معروض في المنافع المادّية لمرافق البيئة، هو معروضٌ أيضاً في المنافع الرّوحية ومنها متعةُ الجمال، وكلُّ ذلك طُلب من الإنسان التّوجّه إليه بالابتغاء، وجُعل ذلك الابتغاء من مظاهر البحث عن الله كما جُعل الصّدود عنه من مظاهر الجفاء، وهو ما يفيده قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَﱠ﴾ [النحل:14]. فالابتغاءُ من فضل الله في البحر أكلاً من اللّحم الطّريّ، وتمتّعا بجمالِ الحلية على حدّ سواء هو أمرٌ مطلوب من الإنسان لما يفضي إليه من تقرّب إلى الله تعالى، وفي التّأكيد على ذلك جاء النّكير على من يمنع متعة الجمال كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:32]. وهكذا يكون العرض القرآني لجمال البيئة عرضاً مقصوداً فيه قصداً التّوجيه إلى المتاع الرّوحي، تهيئة للانتقال إلى معرفة الله والإيمان به.

وفي هذا السياق نبّه القرآنُ الكريم إلى أنّ مظاهرَ الجمال في البيئة الطبيعية، يمكن أن تكون عامل إغواء يركن بالإنسان إلى الحضيض المادّي بدلاً من أن يسمو به إلى الأفق الرّوحي، وذلك حينما يُنظر إلى الجمال النّظرة السّطحية التي لا تتجاوزُ إثارة الغرائز المادّية إلى إثارة الحاسّة الجمالية، فإذا هذا الجمال يكون سبباً في الإغراق في الإشباع المادّي من حيث كان غرضه التّعديل من ذلك الإشباع بتوجيه المتعة إلى الأفق الرّوحي، ليكون التّعامل مع البيئة تعاملاً متوازناً، وذلك المعنى هو الذي أشار إليه القرآن الكريم في قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الكهف:7]، فقد جاء الجمال البيئي في هذه الآية عرضا تُرشّد فيه المتعة الجمالية بما يفضي بها إلى العمل الصّالح، ويجنّب أيلولتها إلى الفساد، ورأس الأعمال الصالحة السعي إلى الإيمان بالله.

وقد جاء هذا التّرشيد لمتعةِ الجمال البيئي في القرآن الكريم متمثّلا فيما وُجّه إليه عرض ذلك الجمال من وجهة الاعتبار الإيماني، فقد كان عرض الجمال البيئي في القرآن الكريم يتضمّن في أغلب الأحوال توجيهاً إلى الاعتبار بما في ذلك الجمال من الدّلالة على القدرة الإلهية المصوّرة له، أو التّفضّل الإلهي المقصود منه، أو الحكمة الإلهية المتمثّلة فيه، أو غير ذلك من معاني العبرة الإيمانية المختلفة، وذلك حتى تستهوي صور الجمال البيئي الإنسانَ بما هي موافقة لحاسّة الجمال فيه، و«تجذب نظر النّاظرين فتوحي إلى ما فيها من آية للمتفكّرين، تدلّهم على ما وراء الأشياء من خالق، وتعرّفهم بما له من صفات الكمال والحكمة والإبداع»4.

ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ [النمل: 60]، فالجمال في الحدائق هو صورةٌ جمالية داعية بعجيب صنعها وتناسق عناصرها وألوانها إلى التّيقّن بوحدانية الله تعالى، بإدراك عجز كلّ الآخرين عن إبداع ذلك الجمال. وكذلك ما جاء في قوله تعالى بعد وصف الجمال في الأشجار المثمرة حال إثمارها: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَﱠ﴾ [الأنعام: 99]، فهذا المشهد الجمالي هو آية دالّة عند التّأمّل فيها على الله تعالى وجوداً وصفات، مفضية إلى الإيمان به.

وإنّما يوجّهُ القرآن الكريم الأنظار إلى الجمال البيئي توجيهاً يرشد إلى المعاني الإيمانية ليرفع من أثر ذلك الجمال في النّفس إلى ما يناسب قيمته الرّوحية المتعالية، ويحول دون أن يُبتذَل بأيلولته إلى سبب لمجرّد إشباع شهوة مادّية هي من خواصّ الحيوانية، وذلك كأن يفضي استهواء الجمال في الغزال إلى ذبحه وأكله، أو استهواء الجمال في الشجرة إلى قطعها حطباً للطّبخ، فالجمال قيمةٌ روحية فعلها الطّبيعي في النّفس الإنسانية أن تغذّي الرّوح بمتعة معنوية تسمو بها إلى آفاق عليا من الإنسانية، وهل من تلك الآفاق ما هو أعلى من الاتّجاه وجهة الله تعالى الذي جاء هذا التوجيه القرآني يرشّد به انفعال الإنسان بالجمال البيئي؟ إنّه إذن ضربٌ رفيع من الارتقاء بأثر الجمال البيئي في النفوس إلى ما ينعكس إيجابا على سلوك الإنسان إزاء البيئة بتوجيهه وجهةَ العبرة العقدية عطفاَ على توجيهه وجهة المتعة الروحية5.

إنّ هذا الموقف القرآني من التعبير الفنّي عن الجمال البيئي في اتّجاهه الروحي الذي يتقرّب من الله هو موقفٌ يكاد يكون القرآن الكريم قد اختصّ به من بين الأديان والمذاهب، فإذا كان لا يكاد يخلو دين ولا مذهب من تصوّر جمالي لمشاهد البيئة، فإننا حينما نقارن ذلك التّصوّر بالتّصوّر الجمالي كما قرّره القرآن الكريم يظهر الفرقُ بيّنا بينه وبينها، سواء في تقرير قيمة الجمال نفسها كعنصر من حقيقة البيئة، أو في توجيه أثر تلك القيمة في النّفس بما ينعكس على الحياة الروحية للإنسان، وذلك ما يبدو في المقارنة ببعض الأديان والمذاهب في الأمرين جميعا.

فحينما يقرأ القارئُ العهدين القديم والجديد فيما يتعلّق منهما بالبيئة الطّبيعيّة فإنّه يخرج من قراءته بانطباع عامٍّ، لا يجد فيه لهذه البيئة بعداً جماليا كجزء من حقيقتها، بل على العكس من ذلك ربّما خرج بصورة عنها هي أقرب إلى القبح والتّجهّم منها إلى اللّطف والجمال؛ فالأرض مقترنة باللّعنة بسبب خطيئة آدم في الأكل من شجرتها المحرّمة، وهي وما عليها من الموجودات البيئيّة أداةُ تخويف ووعيد للمخطئين من النّاس، وهي وما عليها أيضا قد تسبّبت في تعب الإله وإعيائه بعد خلقها، فأيّ موقع للجمال يكون إذن في هذه الصّورة القاتمة للأرض وما عليها من عناصر بيئّة؟6

والفلسفة اليونانية قام شقّ منها على اعتبار الجمال الطّبيعي ليس جمالاً حقيقياً، وإنّما هو مجرّد ظلّ متّصف بالدّونية لجمال حقيقيّ هو الجمال الموجود في عالم المثل، وعلى ذلك فإنّ أيَّ شيء في البيئة يُرى جميلا فإنَّ جماله ليس إلاّ ضرباً من الوهم الذي يقع في النّفس، إذ حقيقته الجمالية لا وجود لها إلاّ في عالم المثل التي تستقرّ فيه الأشياء كلّها على وجه الحقيقة الواقعية، فأيُّ جمالٍ إذن في بيئة طبيعيّة هي نفسها ليس لها وجود حقيقي؟ إنّ هذا المعنى هو الذي تتضمّنه نظرية أفلاطون المثالية وامتداداتها الظّاهرة والخفيّة في الثّقافة اليونانية، وهو معنى لا يكون فيه الجمال قيمةً أصيلة في ذات البيئة الطّبيعيّة، وإنّما هو ظلّ موهوم للجمال بالذّات القائم في عالم المثال7.

وقد قامت الفلسفةُ الحديثة التي عليها انبنت الحضارة الرّاهنة على معنى للجمال في الطّبيعة اعتُبر فيه قيمة يضفيها الإنسان عليها، وليست حقيقة موضوعية متأصّلة فيها نابعة من ذاتها، فقد كان ديكارت، وهو أبو الفلسفة الحديثة، يعتبر أنّ الجميل والبهيجَ لا يدلُّ على أكثر من موقفنا في الحكم على الشّيء المتَكلَّم عنه، كما كان سبينوزا يعتبر أنّ الجمال ليسَ صفة في الشّيء المنظور بقدر ما هو الأثر الحاصل منه في النّفس. وقد أحدث هذان الفيلسوفان تيّاراً قويّا بهذا المفهوم للجمال، وأثّر تأثيراً بالغا في مجمل الفلسفة الحديثة. ورغم أنّ مفهوماً جديداً نشأ منذ عقودٍ يعتبر الجمال حقيقة موضوعية في الطّبيعة المشاهدة، إلاّ أنّ المفهوم الدّيكارتي للجمال ما تزال له صولة في عموم الفكر الفلسفي الحديث، وهو مفهوم يجعل الجمال المشاهَد في البيئة الطّبيعية مجرّد انطباعٍ ذاتي للمشاهِد، لا مصداق له في الواقع، أي أنّ البيئة في ذاتها لا تنطوي على شيء من الجمال8.

وفيما يتعلّق بتوجيه القيمة الجمالية في البيئة؛ نرى الغالب من الثّقافات لا تولي اهتماماً لترشيد الإحساس الجمالي في الإنسان، بحيث يكون جمال البيئة الطّبيعيّة عامل سموّ روحي ينعكس إيجاباً على الحياة الروحية للإنسانِ، وإنّما يُرسل في الغالب إرسالاً لينتهي في كثير من الأحيان إلى إثارة للغرائز الحسّية في الإنسان، تنتهي إلى الإغراق في الاستهلاك المادّي لإشباع تلك الغرائز، دون أن يكون له أثرٌ يذكر في تغذية الرّوح بتوجيه ذلك الإحساس وجهةَ السّموّ إلى الآفاق العليا التي يتوق إليها الإنسان.

ولعلّ من أوضح الأمثلة على ذلك ما يُلحظ في الثّقافة الرومانية من نزوع الفنّ في التعبير عن جمال الطّبيعة إلى إبراز القوّة العضلية في الحيوان والإنسان، وإبراز القوّة الجنسية فيهما أيضاً كما يبرز ذلك في المأثور من تلك التّماثيل المجسّمة للعضلات المفتولة وللأعضاء الجنسية. وفي الحضارة الرّاهنة يُوجّه الفنّ في التّعبير عن الجمال توجيها بيّنا في شطر كبير منه إلى إشباع الغرائز بالمزيد من الاستهلاك المادّي لمقدّرات البيئة، كما يبدو جليّا في صناعة الإشهار (= الدعاية والإعلان) النّافقة التي تبرزُ الجمال في الإنسان وفي مظاهر الطّبيعة دفعا للمضيّ في طريق المتعة الحسّيّة دون أن يكون للمتعة الرّوحية في ذلك حساب.

يتبيّن ممّا تقدّم أنّ التصوير القرآني للجمال البيئي للبيئة يتضمّنُ من البعد الرّوحي فيها ما لا يتضمّنه غيره من التّصوّرات التي أسّستها الأديان والمذاهب، وذلك سواء فيما يتعلّق بالدّلالة العقدية لمشاهد البيئة باعتبار ما يتجلّى في كلّ مشهدٍ من تلك المشاهد، من حضورٍ إلهي بصفات الكمال حكمة ورحمة وقدرة، وما يتجلّى فيها من دلالة على البعث في الحياة الأخرى بعد هذه الحياة، أو فيما يتعلّق بالحقيقة الجمالية كعنصر موضوعي من عناصر البيئة يفعل في النّفس بالتّغذية الرّوحية فعلاً تسمو به إلى آفاق عليا من الروحانية، يبتعد فيها عن الحيوانية ويقترب بها من المطلق.

هكذا نرى أنّ القرآن الكريم وهو يدعو إلى الإيمان بحقائق الغيب توحيداً ونبوّة وبعثاً؛ يوجّه الإنسانَ إلى تمثّلِ الفنّ المعبّر عما أُودع في الطبيعة من جمال تمثّلا تنفتح له النفوس وتتبعها العقول على عالم رحب يتجاوز عالم المادّة، وتتهيّأ به لتؤمن بأنّ وراء هذه الصنعة الجمالية صانعاً عظيماً هو الذي صنع هذا الجمال، وهو الذي عبّر عنه في آيات فنّية مسطورة في كتاب معجز، كما عبّر عنه في آيات فنّية منظورة مبثوثة في الكون صوراً وأصواتاً وألواناً؛ فإذا الفنُّ مدخلٌ كبير من مداخل الإيمان، وإذا الإيماُن مقصد عظيم من مقاصد الفنّ، وإذا هذا المدخل للإيمان وهذا المقصد للفنّ خصيصة يكاد الإسلام ينفرد بها من بين الأديان والمذاهب.

2 - دور الفنّ في تقوية الإيمان

قد يحصل الإيمان من باب الفنِّ، ولكنّه يبقى عند حدّ تلك «الدهشة» الأولى التي انقدح بها الإيمان، لا يتجاوزها إلى أن يصبح الإيمان بالله إيماناً راسخاً لا تزحزحه عوامل الغواية التي قد تنشأ من الفنّ نفسه، حينما ينحرفُ بالنفوس إلى التسفّل بالإشباعات المادّية؛ ولذلك فقد جاء التوجيهُ القرآني يرافق النفوس في انفعالها بالفنّ انفعالاً إيمانياً ليكون ذلك الانفعال متّجهاً صعداً نحو تقوية ذلك الإيمان الذي يحصل بالدهشة الفنّية الأولى، حتى يبلغ الإيمانُ ما يُعبّر عنه بدرجة الإيقان، وهي الدرجة التي يصبح فيها الإيمان راسخاً لا تزعزعه الفتن، فيكون إذن مقصد الفنِّ في الإيمان ليس حصوله ابتداءً فحسب وإنما تعهّده بالتقوية والترقّي أيضاً.

إنّ القرآن الكريم ينتقلُ في تعبيره الفنّي عن الجمال من مجرّد أن يكونَ ذلك مثيراً لما طُبعت عليه النفس من فطرة الانفعال بمشاهد الجمال والاستمتاع الروحي بها تهيئة للنفس أن تنقدح فيها شرارة الإيمان؛ ينتقلُ من ذلك إلى أن تصبح الآيات الفنّية أدلّةً روحية وعقليةً على حقائق الإيمان، ترسّخها في النفوس وتثبّتها فيها، فتنتقل إذن من درجة مجرّد العرفانِ إلى درجة الإيقان، ومن درجة الهشاشة المعرفية إلى درجة الرسوخ الإيماني الذي لا تزعزعه الفتن.

ولذلك فإننا نجد القرآن الكريم يورد تعابيره الفنّية أحياناَ لإثارة الوجدان وإيقاظ الحاسّة الجمالية في الإنسان للانفتاح الروحي على عالمٍ آخرَ وراء عالم المادّة، تهيئةً للنفوس كي تعرف الله، وذلك في مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِﱠ﴾ [الصافات: 6]، وقوله تعالى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ﱠ [فصلت: 12]؛ لإنّ هذه الآيات وأضرابها سيقت في سياق لفتِ انتباه الإنسان إلى ما في الكون من مظاهر الجمال؛ إثارةً لوجدانه كي ينتبه إلى أنَّ وراء هذا الوجود المادّي وجوداً آخرَ غيبياً معنوياً.

ولكننا نجد القرآن الكريم في كثير من الأحيان يورد تعابيره الفنّية عن الجمال في سياق آخر، هو سياق الاستدلال على حقائق الإيمان، وعلى رأسها وجود الله تعالى وتوحيده، وذلك في مثل قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ [النمل:60]. فآيات الجمال في هذه الآية سِيقت للاستدلال على وحدانية الله تعالى، فهو وحده القادر على صنعها، وفي مثل قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ. وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر: 27 - 28] فقد وردت هذه الآيات في مورد محاجّة المكذّبين للاستدلال على وجود الله ووحدانيته ببديع خلقه وآيات الجمال فيه. وهذا الاستدلال كما هو متّجهٌ إلى المنكرين ليراجعوا موقفَهم الإنكاري فإنه متّجهٌ أيضاً إلى المؤمنين لتقوية إيمانهم بالوقوف على هذه الآيات الجمالية اتّقاءً لأن يفتنهم جحود الجاحدين، وهو ما عبّر عنه حسن الترابي بقوله: «ففي مشاهد الجمال الطبيعي تتبدّى بدائعُ صنع الخالق الذي أتقن كلّ شيء، فإذا التمسها المؤمن زادته علما بربه وإيمانا بكماله، وأفعمته حباً له وتوقانا إلى لقائه»9. وفي كلّ من هذا وذاك انتقالٌ بمقصد التعبير الفنّي القرآني من الاستدراج، إلى الإيمان، إلى الاستدلال عليه وتأكيده وترسيخه.

وقد جاء في القرآن الكريم أنّ تمثّلَ الآية الجمالية العظمى؛ وهي آيات الذكر الحكيم، تثمرُ في النفس زيادةً في الإيمان بالقوّة والرسوخ، وذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَﱠ﴾ [الأنفال:2]، فالمؤمنون وإن كانوا مؤمنين إلا أنّ التملّي في التعابير الفنية عن الجمال وأرقاها التعبير القرآني يزيد من إيمانهم ويرقّيه ويعصمه من عوامل الضعف والتراجع؛ لما يقوم به من مقام الاستدلال على وحدانية الله وعظمته، وهو ما أشار إليه الإمام ابن عاشور في قوله: «كيفية تأثير تلاوة الآيات في زيادة الإيمان: أنّ دقائق الإعجاز التي تحتوي عليها آيات القرآن تزيد كلّ آية تنزل منها أو تتكرّر على الأسماع سامعيها يقينا بأنها من عند الله فتزيد استلالاً على ما في نفسه، وذلك يقوي الإيمان حتى يصل إلى مرتبة تقرّب من الضرورة»10.

إنّ الإيمان يحصلُ بالتصديقِ بحقائق الغيب فلا يزول بالجحود إلا نادراً، ولكنّ تمكّن التصديق في النفس يسعه أن يتزايد أو يتناقص بالحضور أو الغفلة، وبالتقليد أو الاستدلال وبالعمل بالمقتضيات أو بالكسل عنها. ومن عوامل زيادة الإيمان وقوّته التفكّر في آيات الله المبثوثة في الكون، فهي المجلى الذي يتجلّى فيه الله تعالى بصفاته فيكون كلّ مشهد منها مذكّراً بالله فيستمرّ الإيمان، ويتراكم ويستقرّ ويقوى بهذا الحضور الدائم؛ حضورَ مشاهد الكون التي لا تغيب عن حواسّ الإنسان.

وفي القلب من مشاهد الكون التي هي مجلى الصفات الإلهية المذكّرة بالله تكونُ مشاهد الجمال، فهي الأقرب إلى ملحظ الإنسان، والأكثر جلباً للتأمّل، والأسهل في التفاعل معها والانفعال بها، والأكثر إثارة لفطرة التدين التي فُطر عليها الإنسان؛ فهي لا تحتاجُ إلى تدبّر عميق تكشف به القوانين وتفكّ به الألغاز العلمية الدقيقة؛ ولذلك جاء القرآن الكريم غنياً بتلك المشاهد الجمالية، موجّها النظر إليها، بل كان هو ذاته آيةً جمالية في قمّة الإبداع البياني حدّ الإعجاز، فما ذلك إلا ليكون أحد المقاصد الهامّة للتعبير الفني عن الجمال هو بالإضافة إلى حصول الإيمان ابتداء تعهّده بعد حصوله دوماً ليقوى في النفوس، ويتعمّق فيها وليقاوم عوامل الغواية التي قد تنالُ منه بالران أو بالضعف والفتور.

ثالثاً: مقاصد الفنّ في ترقّي الإيمان العملي

الإيمان تصديقٌ بالقلب وعمل بالجوارح، فإذا ما بقي الإيمان مقتصراً على التصديق القلبي بحقائق الغيب دون أن ينتج ذلك التصديق عملاً سلوكياً إلى مقتضياته من أوامر الله ونواهيه؛ فإنه مهما كان قوياً في تصديقه لا يُعتبر في الإسلام الإيمان المعتدّ به، ويبقى إيماناً ناقصاً كما يراه أغلب الإسلاميين. وقد ينتهي إلى البطلان عند القليل منهم؛ ولذلك فإنّ للعمل السلوكي الأهمّية الكبيرة في ميزان الإيمان كما يثبته ذلك التعبير القرآني المتكرّر كثيراً، والذي يقرنُ باطّراد بين الإيمان والعمل الصالح، مما يشير إلى أنّ العملَ الصالح هو عنصر من عناصر الإيمان، ويتكامل مع الإيمان التصديقي.

وكما أنّ للفنّ دوراً في ترقية الإيمان التصديقي فإنّ له دوراً في ترقية الإيمان العملي. فإذا كان الفنُّ هو التعبير عن الجمال فإنّ الأعمالَ السلوكية للإنسان هي مناط للجمال؛ فمن كان متمثّلا للفنّ ممتلئَ النفس بالحسّ الجمالي، فإنّ ذلك يكون له الأثر البالغ في جمال الأعمال وحسنها؛ ولذلك فقد جاء القرآن الكريم يوجّه إلى التملّي في آياتِ الجمال سيعقّب على ذلك بآثار هذا التملّي في إحسان الأعمال، وذلك في مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الكهف:7]، فالربط بين الزينة وهي مظهر جمال وبين حسن الأعمال فيه إشارة إلى ما في تمثّل الجمال من أثرٍ في إحسان الأعمال وترقية الإيمان العملي، وهو ما أشار إليه ابن عاشور في قوله: «من لوازم هذه الزينة أنها توقظ العقول إلى النظر في وجود منشئها...ولذلك علّل جعل ما على الأرض زينةً بقوله لنبلوكم أيكم أحسن عملاً؛ أي أفوت في حسن العمل من عمل القلب الراجع إلى الإيمان والكفر وعمل الجسد المتبدّي في الامتثال للحقّ والحيدة عنه»11.

وإذ لا يسمح المجال لتبيان أثر الفنّ في ترقية الإيمان العملي في تفاصيله؛ فإننا نعمدُ إلى بيان هذا الأثر في ترقية الإيمان العملي في مجال التعامل مع البيئة الطبيعية بمبرّر الصلة الوطيدة بين الجمال الذي أودعه الله تعالى في الطبيعة، وبين التعامل مع هذه الطبيعة بالاستثمار وما جاء في ذلك من بيان قرآني في أثر التملّي في جمال الطبيعة على السير فيها بالاستثمار الرفيق، وذلك ما يبدو ذا أهمية بالغة بالنظر إلى ما أقدمت عليه الإنسانية في الحضارة الراهنة من فساد عملي في الأرض، تبدَّى فيما أصبح يُعرف بالأزمة البيئية، فإحسانُ التعاملِ مع البيئةِ يندرجُ في صميم الإيمان العملي؛ إذ هو الشرط الضروريُّ للتعمير في الأرض، ذلك التكليف العملي الذي من أجله خلق الإنسان. وقد يحسن في هذا الصدد أن نعقد المقارنة بين مقاصد الفنّ في ترقية الإيمان العملي كما جاء في القرآن الكريم وكما ظهر في الحضارة الإسلامية، وبين مقاصد الفنّ في الحضارة الحديثة، وعلاقتها بالسلوك العملي في البيئة؛ ليظهر الفارق في النتائج بين المقصدين وآثارهما في الواقع.

1 - مقاصد الفنّ في ترقية السلوك البيئي

تبيّن لنا أنّ العنصرَ الجمالي عنصر أساسي من حقيقة البيئة في البيان القرآني، وأنّ هذا العنصر البيئي يقابله في ذات التركيب الرّوحي للإنسان حاسّة جمالية بها يتمثّل الجمال المبثوث في البيئة الطبيعية مثلما في تركيبه الجسمي معدّات غذائيّة بها يتمثّل الغذاء المادّي من البيئة وبناءً على هذا التّوافق التكويني بين الإنسان والبيئة في خصوص الجمال، فقد جاء القرآن الكريم يوجّه إلى سلوكٍ بيئيّ يطلب فيه الإنسانُ من البيئة غذاءً جمالياً، كما يطلب منها غذاءَه المادّي، فهو إذن سلوك استثمار جمالي يسعى به فيها ضمن سعيه العامّ في الاستثمار الرّوحي الذي حرص القرآن الكريم على أن يجعله ضمن التّوجيه العملي للسّلوك البيئي.

ويتمثّلُ هذا التّوجيه السّلوكي الجمالي في لفتِ القرآن الكريم انتباهَ الإنسان إلى مظاهر الجمال في البيئة، وعرضَ نماذج من ذلك عليه، وحثّه على التّأمّل فيها وتغذية حاسّته الجمالية منها، وذلك في مثل قوله تعالى: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6) وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ [الأنعام:5-6]

إنّ هذا التّوجيه القرآنيّ إلى السّلوك في البيئة سلوكاً يستثمر آياتِ الجمال فيها يقترن، على نفس الصّعيد، بذلك السّلوك الذي يستثمر آيات النّعمة المادّية، وهو اقترانٌ يوحي بأهمّية السّلوك الاستثماري الجمالي، فكأنّما حكم وجوب السّعي في البيئة بالاستثمار يشمل أيضاً الاستثمار الجمالي. ولعلّ ممّا يؤكّد ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾[الأعراف:32] ففي هذا القول ردٌ استنكاريّ على من كان يعتبر استثمار العطاء الجمالي الذي أخرجه الله تعالى في البيئة ضرباً من السّعي الذي لا فائدة فيه، فانتهى به إلى المنع، وبمفهوم المخالفة فإنّ هذا الضّرب من السّعي في البيئة هو سعي مطلوب لما تحصل به من الفوائد.

إنّ الاستثمار الجمالي لمشاهد البيئة هو سلوكٌ يطلب إشباعاً لحاسّة الجمال في الإنسان، وهي حاسّة روحية. وإذا ما وقعت تغذيتُها بمشاهد الجمال؛ كان ذلك عامل ترقّ روحي بما هو نزوع بالرّوح إلى آفاق المطلق، وبما هو مفضٍ إليه من توليد مشاعر الحبّ والرّأفة والرّحمة في الإنسان، إذ الإحساسُ الجمالي من شأنه تربية النّفس على تلك المشاعر، وكلّ تلك المظاهر وجوهٌ من التّرقّي الرّوحي للإنسان الذي هو جزء من الترقّي الإيماني العملي.

وإنما يؤدّي الاستثمارُ الجمالي لمشاهد البيئة إلى هذا الإيمان العملي في السلوك البيئي لأنه قبل ذلك يؤدي إلى معرفة الله تعالى والتّقرّبِ منه؛ باعتبار أنّ «صور الجمال في الكون المشهود تجذب نظر النّاظرين فتوحي إلى ما فيها من آية للمتفكّرين، تدلّهم على ما وراء الأشياء من خالق، وتعرّفهم بما له من صفات الكمال»12. فلمّا يقوى في النفوس الإيمانُ بالله جرّاء مشاهد الجمال البيئي؛ فإنّ ذلك تظهر آثاره في السلوك إيماناً عملياً بإحسان الأعمال كما جاء في قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ﱠ [الكهف:7]. فالجمال في مشاهد البيئة إنّما جُعل إذن سبباً من أسباب العمل الصّالح الذي هو عنصر من مكوّنات الإيمان، وذلك إذا ما أحسن الإنسان قراءة تلك المشاهد، وسلك في استثمارها الروحي السّلوك الصّحيح.

وحينما يكون السّلوكُ في البيئة سلوكاً استثمارياً جمالياً صحيحاً، فإنّ ذلك من شأنه أن يوفّر عاملاً ينخرطُ به الإنسان في النّظام البيئيّ العامّ؛ لأنه إذا كان الإنسان قد رُكّب في تكوينه على حاسّة جمالية، وإذا كانت البيئة قد هُيّئت على مشاهد جمالية، فإنّ ذلك يقتضي منطقياً تكاملاً ينخرط به الطّرفان في النّظام البيئيّ العامّ، كما يقتضي منطقيّاً أيضاً أنّه إذا لم يتمّ ذلك التّكامل فعلياً بسلوكٍ بيئيّ جمالي من قِبل الإنسان فإنّ ذلك سيفضي إلى نشاز مّا في انخراط الإنسان في الدّورة البيئيّة.

ومن النّاحية العملية؛ فإنّ السّلوكَ البيئيّ بالتمثّل الجمالي يثمرُ في العلاقة بين الإنسان والبيئة رابطةً روحيةً، تنضاف إلى تلك الرّابطة المادّية، وذلك بما يؤثّر الإحساس الجمالي في النّفس من الشّعور بالمحبّة والرّأفة والرّحمة إزاء البيئة، وهذه الرّابطة الرّوحية من شأنها أن تعدّل الانخراط البيئي للإنسان من انخراط قد ينتهي به الإنسان إلى وجه استثمار مادّي مسرفٍ يميل بالسّلوك البيئيّ نحو الاستنزاف المرهق، إلى انخراط استثمار عدلٍ؛ تنزع فيه المطالب المادّية للأخذ من مقدّرات البيئة، بقدر ما تنزع فيه مشاعر الرّفق والرّحمة المترتّبة على التمثّل الجمالي إلى الحدّ من غلواء تلك المطالب المرهقة للبيئة، فإذا هو موقفٌ سلوكيّ في التّعامل البيئي يتّصف بالقسط، ويمثّل الانخراط الصّحيح للإنسان في النّظام البيئيّ بحسب ما قُدّر عليه ذلك النّظام القائم على التّكامل بين مكوّنات البيئة، بحسب الطّبائع التي خلقت عليها والوظائف التي هُديت إليها أو كُلّفت بها.

ويقع في النّفس أنّ في قصّة ثمود مع ناقة صالح ڠ التي جعلها له آية؛ ما يقوم مثالاً قرآنياً بليغاً على الرّبط بين السّلوك الاستثماري الجمالي في البيئة تحقّقاً وتخلّفاً، وبين آثاره فيها صلاحاً وفساداً. فالصّورة التي صُوّرت بها النّاقة في قوله تعالى: ﴿وإلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الأعراف:73] مع ما جاء في الخبر من أنّه كان يتبعها فصيل، هذه الصورة توحي بأنّ عنصر الجمال فيها كان من بين العناصر في كونها آية13، ولكنّ قوم صالح لمّا لم يقرؤوا آية الجمال في هذا المشهد البيئي، ولم يتمثّلوها تمثّلاً جمالياً، وغلبت عليهم شهواتهم المادّية14، انتهى بهم الأمرُ إلى سلوك في البيئة مفسدٍ فيها، وهو ما تمثّل في قتل النّاقة وفصيلها قتلاً عبثاً، وكذلك الأمر في كلّ قصور عن قراءة الجمال في البيئة، فإنّه ينتهي في الأغلب إلى فساد بيئيّ.

لقد كان لهذا التّوجيه القرآني إلى التمثّل الجمالي للبيئة أثر واقعيٌّ بيّن في سيرورة الحضارة الإسلامية، فقد سلكت هذه الحضارة في جميع وجوهها مسلك القراءة الجمالية لمشاهد البيئة، وكانت حضارة تسير في الأرض لتتمثّل ما أودع الله تعالى فيها من قوانين مادّيّة، ولتتمثّل في ذات الوقت ما أودع فيها من آيات الجمال، وقد سجّلت قراءتها الجمالية تلك فيما حفلت به الأشعار ودواوين الأدب من التّغنّي بجمال الطّبيعة، وفيما وُشّيت به العمائر والبسط والأدوات المختلفة من رسوم وزخارف فنّيّة تحاكي ما في مشاهد الطّبيعة من الجمال.

وهذا التمثُّل الجمالي الذي انتهجته الحضارة الإسلامية ظاهراً في قراءة البيئة قراءةً جماليةً، كان له الأثر البيّن في التّعامل السّلوكي العملي معها. فقد كان تعاملاً مع كائنات وهيئات يُنظر إليها بمنظار الجمال فتبدو جميلةً، وليست مجرّد مادّةٍ قاحلة كالحة متجهّمة، وهو ما أورث سيرة حضارية بيئيّة طابعها الرّفقُ والرّحمةُ، مثلما يظهر فيما كان يُخصَّص من أوقاف لرعاية فصائل من الحيوانات البرّيّة وحفظها من أن ينالها التّلف. ولمّا لم يكن في تلك الفصائل غنى مادّيّ ذو شأن فإنّ البعد الجمالي فيها كان هو العامل المهمّ في ذلك الإجراء السّلوكي. وكذلك فقد كان ما عُرف في الحضارة الإسلامية من حفاظ على الزّروع والأشجار والحيوان من أن يطالها الفساد، حتّى في أحوال الحرب، مسلكاً حضارياً يوجّهه فيما يوجّه الإحساس الجمالي بتلك المشاهد التي صنعها الله تعالى صنعاً جميلاً؛ فلا ينبغي إذن أن يبدّد جمالها عبثاً، وليس هذا كلّه إلا أثرٌ لإيمان عملي ثمرة من ثمار الفنّ تعبيراً عن الجمال كما جاء في القرآن الكريم.

2 - السلوك البيئي بين القرآن والحضارة الراهنة

إنّ هذه الصّورة القرآنية للسّلوك البيئي سلوكاً استثمارياً روحياً، لو قورنت بما في ثقافات أخرى؛ وخاصّة بما في الثّقافة الغربيّة فيما انتهت إليه من سلوك بيئيّ؛ لتبيّن الفرق كبيراً بين الطّرفين، ولظهرت بتلك المقارنة خصوصية المنظور القرآني في جعله التمثّل الجمالي لمشاهد البيئة عاملاً من عوامل ترقية الإيمان بإحسان التصرّف فيها. فالثّقافة الغربيّة كانت إجراءاتها السّلوكية في التّعامل الرّوحي مع البيئة مخالفة للإجراءات السّلوكية القرآنية في أكثر الأحوال؛ سواء من حيث الأصل في التعامل المعرفي مع البيئة، الذي يتأسّسُ على تصوّر الحقيقة الوجودية لهذه البيئة، أو فيما ينتج عن ذلك من تصوّر لحقيقة الجمال فيها، وما يثمره ذلك من نمط سلوكي في التعامل معها.

لقد كانت الثّقافةُ اليونانيّة وهي أحد الجذور المهمّة للثّقافة الغربيّة لا تسلك مسلك الاستثمار المعرفي للبيئة المادّية من واقع طبيعتها المادّية، إذ كان العالم المادّي المحسوس ليس بذي غنى في معرفة الحقيقة، وإنّما التّعقّل المجرّد هو المسلك الصّحيح إلى ذلك، وقد بدا هذا الأمر واضحاً وشاملاً في الفلسفة الأفلاطونية وامتداداتها؛ إذ لم تكن ترى في عالم المادّة إلاّ ضرباً من الظّلال للحقائق الموجودة في عالم المثال، ولم تكن الفلسفة الأرسطية ترى غنى في سلوك معرفيّ يستطلع من مشاهد البيئة ما وراءها من حقائق الغيب، فكانت توجّه في ذلك إلى سلوك التّعقّل بديلاً من الانطلاق من الواقع الطبيعي المحسوس كما روي من نقد أرسطو لأنكسيقوراس حينما حاول معرفة الله من التّأمّل في الكواكب فاستهجن أرسطو هذا الأسلوب باعتباره أسلوب العوامّ، وأما أسلوب الخواصّ المثمر للحقيقة فهو التعقّل المجرّد وقال:«لو أنّ أنكساقوراس بدلاً من اعتماده في إثبات وجود الإله على حكمته الممثّلة في سير الكواكب في أفلاكها، كان قد اعتمد على أنّ خيريته الممثّلة في داخل نفوسنا تجذبنا إليها دائماً؛ لكان أقرب إلى الحقّ وأدنى إلى الحكمة منه إلى نهج العامّة الذين يعتمدون على الحسّ»15، فقد كانت الفلسفة اليونانية إذن في عمومها لا توجّه إلى السّلوك في البيئة مسلك الاستثمار المعرفي من خلال طبيعتها المحسوسة، بل كانت توجّه إلى نقيض ذلك.

وقد انحدر إلى الفلسفة الحديثة أثر قويّ من هذا المسلك اليوناني؛ إذ قامت هذه الفلسفةُ على نزعةٍ مثاليةٍ غالبةٍ لا تتّصفُ فيها البيئة المادّية بوجود حقيقيّ، فأصبحت القراءةُ المعرفـيّة لهذه البيئة المادّية لا تعدو أن تكون قراءةً من الإنسان لذاته، وذلك ما عبّر عنه في جرأة أناتول فرانس (Anatole France) حينما قال: «كلّ الذين يزدهون بأنّهم يضعون أيّ شيء في آثارهم إلاّ أنفسهم منخدعون بأكذب الأوهام.. وإذا أراد النّاقد أن يتوخّى الصّراحة فعليه أن يقول: أيّها السّادة سوف أتحدّث عن نفسي حول موضوع شكسبير أو باسكال أو...»16.

وإذا كانت القراءة المعرفيّة للبيئة بحسب هذه الفلسفة المثالية ليست إلاّ قراءةً للنّفس، فأيّ مجال إذن يبقى لتوجيه سلوكيّ معرفيّ يستثمر البيئة روحياً بالوقوف على حقائقها الذّاتيّة، بلـهَ دلالاتها على حقائق الغيب؟! إذ البيئة في هذه الفلسفة لا تتضمّنُ تلك الدّلالات أصلا. لقد اتّجهت الثّقافة الغربيةُ بناء على هذه الخلفيّة الفلسفيّة وجهةً في السّلوك المعرفي إزاء البيئة تكاد تخلو من أيّ معنى للتمثّل الرّوحي؛ سواء بما يحصل من ذات الحقيقة البيئيّة من رقيّ ينشئه مطلق العلم، إذ ذلك العلم لا يعدو أن يكون علماً بالذّات، أو بما يحصل من دلالة على الغيب حيث تلك الدّلالة مفقودة أصلاً..

وأمّا الفلسفةُ الحديثةُ في تيّارها المادّي الحسّي، فهي قد انتهت بالثّقافة الغربية في هذا الخصوص إلى نفس النّتيجة ولكن بطريقة مخالفة. فهذه الفلسفة لا تقرّ من الوجود إلاّ بما هو مادّيٌ، وليس العقل نفسه فيها إلاّ انعكاساً للمادّة، وذلك وضع ينتفي فيه أيّ معنى للانتفاع الروحي بمعرفة حقائق البيئة؛ إذ الصّلة بين الإنسان والبيئة التي يمكن أن تمرّ من خلالها تلك المنفعة هي صلة مفقودة أصلًا، وتصبح معرفة حقائق البيئة من قِبل الإنسان تشبه أن تكون عمليّة محكومة بآلية بحتة، تخلو من أيّ بعدٍ روحي، فهذه الفلسفة ليس من شأنها إذن أن توجّه السّلوك المعرفي البيئي وجهة تمثّل روحي لافتقارها للأسس التي يمكن أن يقوم عليها ذلك التّوجيه.

والأمر في التمثّل الجمالي للبيئة في الثّقافة الغربية لا يبعد كثيراً عن الأمر في التمثّل المعرفي؛ فالجمالُ البيئي في الفلسفة الحديثة بناءً على التمثّل المعرفي إنّما هو جمالٌ من إضفاءِ العقلِ، وليس من واقعِ البيئة؛ إذ البيئةُ باعتبارها مادّةً لا تتّصف إلاّ بخواصّ الكمّ وليس الجمال منها. ويترتّب على ذلك: أنّ الإحساسَ الجمالي بمشاهد البيئة ليس في حقيقته إحساساً بتلك المشاهد، وإنّما هو مجرّد إحساس بالذّات، وإذا كان ذلك الإحساس يحقّق متعة شخصيّة فإنّها في حقيقتها ليست متعة تحقّقها ذات المشاهد البيئيّة، وإنّما هي متعة يحقّقها التّخيّل الإنساني لما في تلك المشاهد من الجمال.

وفي نطاق هذا المفهوم الفلسفي لا يبقى مبرّر لتمثّل البيئة تمثّلا جمالياً؛ إذ ليس في طبيعتها الذاتية ما يمكن تمثّله في هذا الشّأن. ولذلك فإنّه لا يُنتظر أن يكون في الثّقافة الغربيّة المتأسّسة على هذه الفلسفة توجيه سلوكي إلى طلب المنفعة الرّوحية في الجمال البيئيّ. وإذا كان قد ظهر تيّار جديد يعاكس الاتّجاه الفلسفي المشار إليه ويعتبر ردّ فعل عليه كما عبّر عن ذلك هنري بوانكاريه  Henri Poincare في قوله: «العالم لا يدرس الطّبيعة لأنّ في دراستها منفعة، ولكنّه يدرسها لأنّه يجد متعة في ذلك، وهو يجد في دراستها متعة لأنّها جميلة»17، وإذا كانت أيضا قد ظهرت في الثّقافة الغربية تيّارات رومانسية تتغنّى بالجمال الطّبيعي، فإنّ هذا وذاك لم يبلغ أيٌّ منهما إلى مرحلة تغيير فاعل لوجهةِ حضارةٍ وجّهتها بقوّة تلك الفلسفة التي تعتبر جمال البيئة مجرّد انطباع ذهني لا وجود له في الواقع.

وقد كان للفقر الثّقافي في التّوجيه إلى سلوك استثماري روحي أثر بيّن في السّلوك البيئي للحضارة الغربية؛ إذ كان غالب هذا السّلوك يتعامل مع البيئة بعلاقة مادّية تخلو من الطلب للمنفعة الرّوحية، وتتمحّض لطلب المنفعة المادّية، فاختلّ إذن توازن ذلك التّعامل؛ إذ طغى الشّره لاستنزاف الموارد المادّية دون أن يردّه رادّ من مغزى روحي يخفّف من غلوائه. وانتهى الأمر بهذه الحضارة إلى زحف على البيئة يشبه الغزو الذي يبغي افتكاك ما فيه إشباع للشّهوات، ولا يبالي بما قد يحدث من الدّمار، وهو ممّا أدّى إلى ما تعانيه البيئة اليوم من أزمة مشهودة.

لقد كانت الحضارةُ الإسلامية تنحو منحى التّوجيه الثّقافي العملي المباشر إلى التّعامل مع البيئة تعاملاً يكون فيه للتمثّل الرّوحي نصيب وافر يوازي الاستثمار المادّي. وذلك سواء كان استثماراً معرفيّاً بحقيقة البيئة في ذاتها أو في دلالاتها العقدية، أو كان تمثّلاً جمالياً بما هُيّئت عليه من مشاهد الجمال. ولكنّ الحضارة الغربية كان التّوجيه الثّقافي العملي فيها يخلو أو يكاد فيما يتعلّق بارتفاق البيئة من معنى التمثّل الرّوحي، ويتمحّض للاستثمار المادّي، فسلكت هذه الحضارة في البيئة مسلك الاستنزاف المرهق، فيما سلكت الحضارة الإسلامية فيها مسلكاً عدلاً تحقّق فيه الحفظ والصّيانة18.

وليست هذه النتيجة في إحسان التعامل مع البيئة الطبيعية إلا أثراً من آثار التوجيه القرآني في التوجيه إلى التمثّل الفني لمشاهد الجمال في الطبيعة تمثّلاً يؤدّي إلى الإيمان التصديقي بعالم الغيب وعلى رأسه وحدانية الله تعالى، وإلى التعهّد المستمرّ لذلك الإيمان ليرتقي إلى درجات الإيقان، وليثمر إيماناً عملياً يتمثّل في إحسان التعامل مع البيئة في نطاق الإحسان للأعمال بصفة عامّة، باعتبار ذلك عنصراً من عناصر الإيمان. وقد جاء القرآن الكريم ليوجّه التمثّل الفنّي للجمال؛ كي يكون مقصده الأكبر ترقية الإيمان تصديقاً وعملاً. والله ولي التوفيق.

المراجع

ابن عاشور (الشيخ محمد الطاهر)، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنسر، تونس 1984م.

إسماعيل الفاروقي، التوحيد جوهر الحضارة الإسلامية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، بيروت 2015م.

حامد صادق قنيبي، الإنسان والكون في التصور الإسلامي، مطبعة الفلاح، الكويت1980م.

حسن عبد الله الترابي، الإيمان وأثره في الحياة، ط 2، دار القلم، الكويت 1979م.

حسن عبد الله الترابي، الدين والفن، الدار السعودية للنشر والتوزيع، جدة 1987م.

روبرت م أفروس، العلم في المنظور الجديد، تر: كامل خلايلي، دار المعرفة الكويت 1989م.

سيد قطب، التصوير الفني في القرآن، ط 10، دار الشروق، القاهرة 1988م.

عبد المجيد النجار، قضايا البيئة من منظور إسلامي، وزارة الأوقاف، قطر، 1999م.

كاصد الزيدي، الطبيعة في القرآن، دار إفريقية، بغداد 1980م.

محمد بن عمر، فخر الدين الرازي (ت 606 هـ)، التفسير الكبير، ط دار الفكر، بيروت 1995م.

محمد غلاب، المعرفة عند المفكرين المسلمين، الدار المصرية للتأليف، مصر 1969م.

يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، لجنة التأليف، القاهرة 1936م.

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
الفنون في ضوء مقاصد الشريعة 2 ، 2019، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، لندن، ص 25-54.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.

صوت وصورة

مقالات مختارة

إقرأ المزيد

الفنون الخادمة للمقاصد، والمقاصد الخادمة للفنون

نور الدين بن المختار الخادمي؛ وزير الشؤون الدينية السابق بالجمهورية التونسية، وأستاذ جامعي. محتويات المقال:أولا: تأطيرُ البحث وأهميتهثانيا: أهداف البحثثالثا: إشكالية الموضوعرابعا: موضوعات البحث ومنهجهخامسا: خطة البحثسادس...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

إشكالية الفنون الجميلة في علاقتها بمقاصد الشريعة

إبراهيم البيومي غانم؛ عضو مجلس خبراء مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ومستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، مصر. محتويات المقال:تمهيدأولاً: في النظرية العامة للفنون ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

فقه الحسنِ: الـتأصيل المقاصدي لمفهوم الفن الإسلامي وحدوده المعرفية

إدهام محمد حنش؛ عميد كلية الفنون والعمارة الإسلامية، جامعة العلوم الإسلامية العالمية، الأردن. محتويات المقال:المقدمةفقه الفنأسلمة الفن وإسلاميتهالالتزام والفن الإسلاميإشكاليات التكييف الفقهيمن التكييف الفقهي إلى التأصيل ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

المسألة الفنية في النظرِ المقاصدي من خلال مدخل التكييف والتوظيف

أحمد الريسوني؛ مدير مركز المقاصد للدراسات والبحوث بالرباط – المغرب، وعضو مجلس خبراء مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية بمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي. محتويات المقال:تقديمالمبحث الأول: المسألة الفنية من خلال مدخل التكيي...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

الفنون ومقاصدها عند الإمام القرضاوي: الرؤية والتطبيق

وصفي عاشور أبو زيد؛ دكتوراه في مقاصد الشريعة الإسلامية، كلية دارالعلوم، جامعة القاهرة. محتويات المقال:مقدمةالمبحث الأول: الفنون عند الإمام القرضاوي: تتبعٌ واستقراءأولا: الفنون الإبداعية أو ما كتبه الشيخ في الفنونثانياً: ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

اللغة الكونية للفن الإسلامي

منور ثامر المهيد؛ مدير عام مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي- عمان - الأردن محتويات المقال:انعكاس الحقائق في الظواهر الطبيعيةالجيومتري وانعكاسها في الطبيعةالدائرةالنسق الهندسي في الفن المقدس وتجلياته الوجوديةالنِسبُ ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

روح العمارة الدينية: أنموذج جامع السليمانية

رجب شنتورك؛  رئيس جامعة ابن خلدون، اسطنبول. محتويات المقال:1- علاقة الرمز والمرموز له وطريقة التأويل في الفكر العثماني2- جامعُ السليمانية بلسان المهندس المعماري سنان3- القانوني وسنان: سلطانا ومهندسا من حيث الخلفية ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد الشريعة وهندسة الحروف كمقبسين للإرادة الإلهية

أحمد مصطفى؛فنّان وعالم معروف دوليًا، وزميل في الفن الإسلامي والتصميم بمركز الدراسات الإسلامية بأكسفورد- المملكة المتحدة. على النقيضِ مما يفترضه عديد من الغربيِّين؛ فإنَّ الإسلامَ لا يعتريه أي إجهادٍ في الجمع بين العلم وا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

رؤية فلسفية للجمال في النظر الإسلامي الأصولي

الشيخ محمد غورماز، الرئيس الأسبق لهيئة الشؤون الدينيَّة بتركي إنَّ علمَ المقاصد والغايات، هو من العلوم المفتخرة لدى المسلمين، فهو - وإن ظن البعض بساطته - ذو أثرٍ ضخم، وامتدادٍ عريض؛ يلقي ظلالَه على كل العلوم الإسلامية، ب...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

الأصول المُعْربة عن الفنون، والفنون المُعَبرة عن الأصول

نورالدين بن مختار الخادمي: وزير سابق، وأستاذ التعليم العالي بتونس. محتويات المقال:تمهيدإشكالية البحثالدراسات السابقةموضوع البحثالمحور(1) تأطير الأصول للفنونالمحور(2) تعبير الفنون عن الأصولالمحور(3) محور الأدلة الشرعية أو...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد القرآن الجمالية وتمثُّلاتها المعرفية في الفنون الإسلامية (التعريف والتأصيل والتصنيف)

إدهام محمد حنش: عميد كلية الفنون والعمارة الإسلامية جامعة العلوم الإسلامية العالمية (الأردن). محتويات المقال:المقدّمةعلمُ المقاصدِ: الدينُ والفلسفةُالنظريات المقاصديةنظرية العمل المقاصديالمقاصد؛ غايات، ووسائل، وطرائقالطر...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

إسلامية الفنون الإسلامية: بين التنظير المعرفي والتطبيق الإجرائي

صلاح الدين شيرزاد: دكتوراه في تاريخ الفن الإسلامي، عضو هيئة التدريس في جامعة السلطان محمد الفاتح بمدينة إستانبول- تركيا. محتويات المقال:تمهيدبدايةُ التسميةالدافع لضبط المصطلحميادين فنون المسلمينفن العمارةأصناف العمارة- ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصدُ الفنونِ العُمرانِية في المدينةِ الإسلامية: قراءةٌ في نصوصٍ تراثيةٍ ورؤيةٌ في الواقعِ المعاصر

إبراهيم البيومي غانم: أستاذ العلوم السياسية ومستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (مصر)، وعضو مؤسس وعضو مجلس خبراء مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية مؤسسة الفرقان لندن. محتويات المقال:استهلالأولاً: المدينة ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

وظائف الفنون الأدبية في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية (دراسة تأصيلية في طبيعة الفنون الأدبية ومقاصدها الجمالية)

عبد الملك بومنجل: مدير مخبر المثاقفة العربية في الأدب ونقده، جامعة سطيف، جمهورية الجزائر محتويات المقال:1: أسئلة الجوهر والغاية في فلسفة الفن وعلم الجمال.1.1: جمال المُدرَك أم ذوق المدرِك؟2.1: جمال الشكل أم جمال المضمون؟...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

المسرح الإسلامي وفق النسق المقاصدي

جميل حمداوي: أستاذ التعليم، وأديب وناقد، وكاتب ـ المملكة المغربية. محتويات المقال:المقدمةأولاً: مفهوم المسرح الإسلاميثانياً: التصورات المسرحية الإسلامية1ــ نجيب الكيلاني ومقصديةُ المتعة والفائدة2: محمد عزيزة، ومقصدية الص...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

الخطاب الجمالي للفن الإسلامي وسياقاته المقصدية

عَمَّارة كحلي: مدرس بـكلية الأدب العربي والفنون بجامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم ـ جمهورية الجزائر.  محتويات المقال:مقدّمة1: نحو تجديد الفهم المقاصدي في باب نوازل الجمال والفنون2: صناعة الزينة والجمال في المصادر العربي...

مقالات متعلقة بأيام دولية

أنشطة ذات صلة

Back to Top