إدهام محمد حنش: عميد كلية الفنون والعمارة الإسلامية جامعة العلوم الإسلامية العالمية (الأردن).
المقدّمة:
لو تأملنا في الطبيعةِ المعرفية لعلم المقاصد جيداً؛ لتوصلنا إلى أنه أقربُ ما يكون (معرفياً) إلى ذلك النوع من العلوم البينية الواصلة بين الدين والفلسفة (مثلاً)؛ فرغمَ نشأةِ علم المقاصد وتطوره في سياق بعض علوم القرآن الكريم، كعلم التفسير وأصوله، وبعض علوم الشريعة كعلم الفقه وأصوله، يبدو علمُ المقاصد أقرب ما يكون (صلةً معرفيةً ومنهجيةً) بفلسفة الدين، منها بعلوم الدين التقليدية؛ فلو حاولنا (أيضاً) التذكير ببعض ملامحِ نشأةِ علم المقاصد وتطوره في الدراسات القرآنية والشرعية التراثية؛ يتوجب القول بأنَّ القرآن الكريم هو المصدرُ الأولُ والأساسُ والأصلُ لكل ما يتعلقُ بأصولِ هذا العلم ومسائِله ومناهِجه المعتبرة، فالقرآنُ الكريم (في مجمله) هو خطاب مقاصدي بامتياز؛ فهو «نور الحياة (الذي يجمع بين) علم القالب والمسائل المكنونة»1:﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ﴾ [الواقعة: 77-78].
وربما يعودُ البحثُ الرائدُ في موضوع مقاصد القرآن الكريم (من النواحي المفهومية والمعرفية والمنهجية) إلى الإمام أبي حامد الغزالي (ت:505هـ/1111م) الذي حاول في كتابه الموسوم باسم: جواهر القرآن بيان «سر القرآن ولبابه الأصفى ومقصده الأقصى»، منطلقاً من توصيف المقاصد القرآنية بأنها «لبابُ آياتِ القرآن» وجواهرُها ونفائسُها ودررُها، وتصنيف هذه المقاصد بالعموم إلى «نمطَين اثنين»؛ الأول منهما: «علمي» أي نظري فلسفي ديني يتعلق بذات الله تعالى وأفعاله وصفاته؛ سماه: الجواهر؛ التي هي بالدرجة الأولى مقاصد عَقَدية خاصة بتوحيد الله تعالى. أما الثاني فهو: «عملي» أي سلوكي تربوي تعبدي، يتعلق ببيان الصراط المستقيم والحث عليه؛ وسماه: الدرر2؛ التي هي، بالدرجة الأولى، مقاصدُ تشريعية خاصة بتعليم الإنسان وتزكيتِه:﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [البقرة: 129]، [آل عمران: 48، 164]
وقد كان هذا التأسيسُ المعرفيِّ والمنهجيِّ الغزّاليِّ لموضوع مقاصد القرآن الكريم ولا يزال هو الأساسُ الذي بنى عليه بعُض علماءِ التفسير وفقهاءِ الشريعة نظرياتِهم العامةَ المتعلقةَ بمقاصدِ القرآن، وقيامها على كلٍ من التوحيدِ والتزكيةِ.
ولكنَّ الإضافة المعرفية التي أفاضت بها بعض الدراسات المقاصدية المعاصرة لتعزز من أهمية هذا الموضوع وضرورته الحيوية للعلاقة بين فلسفة الدين القائمة على توحيد الله تعالى ومعرفته، وفلسفة الحياةِ القائمةِ على تزكية النفس وتهذيبها الرباني؛ تتمثلُ في العمران بوصفه مناطَ التكليف الإلهي بعمارة الأرض: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]، وتتمثلُ أيضاً في غايةِ أو مقصدِ العمل الإنساني (الديني والدنيوي)؛ «فغاياتُ القرآن العليا ومقاصدهُ الحاكمة على العموم، ثلاثةٌ هي: التوحيدُ والتزكيةُ والعمرانُ: التوحيد؛ وهو حق الله تعالى على خلقه، والتزكية؛ وهي المؤهل للإنسان لحمل رسالة القرآن، والعمرانُ حق الكون»3.
وتُعدُّ هذه المقاصد القرآنية العليا والحاكمة أصولَ كلِّ ما يمكنُ استنباطه من مقاصد الشريعة الإسلامية، فهذه المقاصد القرآنية هي الأصل والمصدر المفهومي والمعرفي والمنهجي لكل مقاصد الشريعة التي كان للإمام أبي إسحاق الشاطبي (ت 790هـ/ 1388م) فضل تصنيفها إلى الضروريات والحاجيات والتحسينات أو الكماليات من مقاصد الشريعة الإسلامية وترتيبها بخاصة وفق ما صار يعرف بفقه التراتب المقاصدي؛ الذي يقوم على أن المقاصد هي عبارة عن منظومةٍ من المقاصد الأصليةِ والمقاصد التابعة، أو المقاصدِ الكلية والمقاصد الجزئية؛ أو المقاصدِ الأساسية والمقاصد التكميلية4.
علمُ المقاصدِ: الدينُ والفلسفةُ
ولكن هذا العلم قد تحول رويداً رويداً من هذا البحث الديني (الشرعي أو: الفقهي الخالص) في الفتاوى الحادثة بحوادث الأمور والأشياء والقضايا المستجدة عبر الأزمان والأماكن والمجتمعات والثقافات الإسلامية، إلى البحث الفلسفي الديني طبعاً في كل ما يتعلقُ بنوازل الحياة المستحدثة، وسياقاتها الحضارية الحديثة، والواقعية الجديدة.
وقد أسهم هذا التحولُ في صيرورة علم المقاصد وقيامه من الناحية المعرفية على رؤى ونظرات ومراجعات وأفكار وأحكام وقواعد تشريعية متجددة؛ في ضوء النصوص القرآنية، والوقائع النبوية، وما وراءهما من المعاني والدلالات والحِكَم والغايات التفسيرية والتأويلية بوصفها موضوعاً محورياً لمجالٍ معرفي ناشئ وجديد من مجالات التفكير الفلسفي وعلومه المتعلقة بأصول الدين العامة وكلياته المطلقة. كما أسهمَ هذا التحول في صيرورة علم المقاصد وقيامه من الناحية المنهجيةِ على الاستقراءِ والتحليل والاستنباط في ضوء بعض العلوم الإسلامية الأولى والأساسية؛ كالتفسير والفقه وأصولهما المنهجية الرصينة، في البحث والمناظرة والتقويم العملي.
لقد تشكل هذا المجالُ المعرفي القديم الجديد علماً فلسفياً دينياً أكثر من كونه علماً دينياً تقليدياً، بفضل هذا التفكير الفلسفي والاجتهاد المقاصدي، والتفسير النقدي لما قد يستجدُّ من الواقعات والظواهر والصناعات والأشياء والمستحدثات الحضارية المتعلقة بحياة الإنسان والمجتمع ومصالحهما الدينية والدنيوية، وبفضلِ ما تمخضت عنه الدراساتُ المقاصدية التراثية والمعاصرةُ من جديد الوصفات والمقولات والأحكامِ وغير ذلكَ من مخرجات أية علاقة موضوعية شبيهة بالعلاقة المنطقية الأم بين السبب والنتيجة، في كل مجالٍ من مجالاتِ الحياة المتباينةِ بتباين الموضوعات والأحداث والوقائع والدروس الصادرة عنها.
وغالباً ما تكونُ هذه المخرجاتُ المعرفية في صورةِ القيم والمقاصدِ والمصالحِ التي تكاد تبدو نسيجاً رابطاً بين كلٍ من بعض العلوم الدينية النقدية كعلم التفسير وأصوله، وعلمِ الفقه وأصوله، من جهةٍ، وبعض العلوم الفلسفية النقدية كعلم الحق (:المنطق)، وعلم الخير (:الأخلاق) وعلم الجمال (:الفن)، بما قد يجعلُ علمَ المقاصد يتصل اتصالاً وثيقاً بالأصول الفلسفية لكل تلك العلوم، ويعزز الانتماء المعرفي والمنهجي لهذا العلم النقدي المتجدد إلى كلٍ من فلسفة الدين وفلسفة القيم وفلسفة العمل وفلسفة الحضارة؛ حيث غالباً ما تكونُ النظرة الفلسفية إلى «الحقيقة الدينية بذاتها على أنها وحدة واحدة لها ثلاثة مظاهر هي: الحق والخير والجمال، فكل ما لدينا من حركةٍ فكرية يجب أن يقود إلى الحق، وكل ما بين أيدينا من عملية سلوك يجب أن يكون هدفها وغايتها الخيُر، كما أن كل ما يوجه أبصارنا وإحساساتنا ومشاعرنا وعواطفنا يجب أن يتوجه إلى الجمال. فالدينُ عندنا موسوعة لها أبواب الإرادة والفكر والقول، وفصول العمل والصنع والسلوك. وكل هذه ينبغي أن تتوجه إلى غاية واحدة موحدة؛ هي الحقُّ والخيرُ والجمالُ؛ سواء كانت تلك الإرادة والقول والعمل من الفرد أو من المجتمع5».
ومن هنا؛ انفتحت أمام الدراسات المقاصديةِ الحديثة والمعاصرة آفاقٌ واسعة، وفضاءاتٌ رحبة، ومجالاتٌ معرفية متنوعة؛ تجعلُ هذا العلم المتجدد يبدو حراً في التفكير المقاصدي؛ واسعاً في المنهج المقاصدي؛ ممتداً في الموضوع المقاصدي الذي ينتهي، من الناحيتين النظرية والعملية، إلى كل ما يتعلقُ بالغايةِ الدينية والقيمة الفلسفية والمصلحة الاجتماعية والوظيفة العمرانية لوجود الإنسان وحياته الدنيوية والدينية؛ من النظريات المقاصدية التي لم تعد تتوقف عند معانٍ لغوية ودلالية محدودة لمفهوم المقاصد، ولا عند الغايات الشرعية (الفقه وأصوله) المحدودة لعلم المقاصد وأهدافه الدينية، بقدر ما أصبح التنظيرُ المقاصدي يمضي بقوة نحو آفاقٍ وفضاءاتٍ ودوائرَ أخرى، من المجالات المعرفية، والموضوعات الدينية، والمسائل الفلسفية، والقيم المعيارية، والقواعد الأصولية، والأحكام الفقهية، وغير ذلك مما يتعلقُ بالمصالح الإنسانية والاجتماعية والحضارية التي جَعلت (كلُّها) المقاصدَ تبدو وكأنها فلسفة الدين الإسلامي؛ أي إنها تبدو وكأنها روحُه الديني وجوهرُه الفلسفي، إذ يقولُ الإمام الشاطبي: «إن الأعمال بالنيات، والمقاصد معتبرة في التصرفات من العبادات والعادات6», ويشرح الدكتور أحمد الريسوني ذلك فيقول: إن «المقاصد أرواح الأعمال، فالفقهُ بلا مقاصد؛ فقه بلا روح. والفقيه بلا مقاصد؛ فقيه بلا روح؛ إذا لم نقل بأنه ليس بفقيه. والمتدينُ بلا مقاصد؛ تدينه بلا روح. والدعاة إلى الإسلام بلا مقاصد هم أصحابُ دعوةٍ بلا روح7».
النظريات المقاصدية.
يمكن تفسيرُ لفظة المقاصد على ثلاثة معانٍ متداخلة متكاملة في نسق مشترك الدلالة والإرادة والحكمة مضموناً قيمياً أخلاقياً (نظرياً وعملياً) لثلاثةِ نظريات أصولية متمايزة بعض الشيء فيما بينها؛ يشتمل عليها؛ ويتألف منها علم المقاصد «أولاها: نظرية المقصود(ات)؛ وهي تبحث في المضامين الدلالية (المدلولات) للخطاب الشرعي. والثانية: نظرية القُصود (مفردها: القَصد)؛ وهي تبحث في المضامين الشعورية أو الإرادية. والثالثة: نظرية المقاصد (مفردها: مقصد)؛ وهي تبحث في المضامين القيمية للخطاب الشرعي8»؛ سواء كانت هذه المضامينُ أحكاماً معللة بالأوصاف أو مصالحَ معللة بالغايات.
وتبدو نظريةُ المقاصد وكأنها الفضاء المعرفي الأرحب لعلم المقاصد؛ الذي يمكن القول بأن هذا العلم يقوم على منظومة من أصناف المقاصد وأنواعها9، التي يمكن أن تتقولب في نظريات قابلة من الناحيتين المعرفية والمنهجية للتراتب والتصنيف إلى الآتي أو ما يقترب منه:
النظريات المقاصدية العامة؛ بحسب أصولها ومصادرها المعرفية، كأن نقول مثلاً: مقاصد القرآن، ومقاصد الشريعة، ومقاصد الخلق، ومقاصد المكلفين، ومقاصد العلماء، ومقاصد الفلاسفة، ومقاصد اللغة، وهكذا.
النظريات المقاصدية الخاصة؛ بحسب (أولاً) مرتبتها المقاصدية: الكلية أو الجزئية؛ الإجمالية أو التفصيلية؛ الأصلية أو التابعة؛ العامة أو الخاصة وهكذا، و(ثانياً) طبيعتها المعرفية أو موضوعها كأن نقول مثلاً: المقاصد التربوية والمقاصد العمرانية وهكذا، و(ثالثاً) أهميتها المنهجية وقيمتها النافعة في المآلات التطبيقية والفوائد العملية التي غالباً ما تعود بالخير الكلي على مصلحة الإنسان والمجتمع والعالم؛ وهو ما يمكن أن ندعوه باسم: تحقيق المقاصد؛ فعلم المقاصد «ليس مقصوداً لذاته، بل للعمل به، فمراتب العلم ثلاث: علم تقليدي، وعلم استدلالي، وعلم تحقيقي راسخ؛ وهذا هو المطلوب شرعاً، لأن هذا النوع الثالث هو الذي يبعث على العمل، ويعصم من الزلل»10.
نظرية العمل المقاصدي:
لكلِ نظريةٍ تطبيقٌ؛ وفي ذلك قيمتُها الحقيقية، ولكن ما يحقق هذه المعادلة الفاضلة بين النظرية والتطبيق هو نظرية العمل التي هي عبارة عن الآداب والتقاليد والوسائل التي تعمل على تحويل النظرية إلى تطبيق. إن المقاصدَ تبقى بلا قيمة أو فائدة أو نفع؛ ما دامت هي نظرية فلسفية دينية مجردة لم تتحقق في أيٍ من مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية المختلفة.
وعليه؛ فإن النظرية المقاصدية، أياً كانت؛ هي بحاجةٍ ماسة وضرورية إلى نظرية عملٍ؛ تُحّولهُا من فضاء الفكر لموضوعي المفتوح إلى ميدان العمل الذاتي، في واحدٍ أو أكثر من مجالات الحياة الإنسانية والعمران الاجتماعي، الذي تتحقق فيه تنزّلات وتمثُّلات وتحقيقات أو تطبيقات وتفعيلات المقاصد11 والقيم والمصالح.
تنطلقُ نظريةُ العمل المقاصدي من أن الأشياءَ أو المعارفَ أو الوسائل تؤخذ بمقاصدِها 12، وتقومُ على أساس المضمون القيمي المتمثل في أن الشريعةَ كلها إنما هي تَخَلُّقٌ بمكارم الأخلاق؛ حيث شكلت الأخلاق، عند الكثير من العلماء، مقاصد كلية للدين، بل إن البعض اعتبر «حُسْنَ الخلق هو الدين كله، وهو حقائق الإيمان وشرائع الإسلام... فالدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين»13.
ولكن بعضَ الباحثين المعاصرين14 اعتبر هذهِ المعادلةِ المقاصديةِ بين الأخلاق والدين لا تتناسب واعتبار مكارم الأخلاق من المقاصد التحسينية والكمالية، وليس من الضروريات والحاجيات؛ فحاول قلبَ المعادلة باعتبار أن الدينَ هو الأصلُ في مكارم الأخلاق؛ وهو الأصلُ في التقويم الأخلاقي للأفعال؛ والقواعد الخلقية موصولة بالقواعد الدينية وصلاً لا انفصام فيه، فالدينُ كله أخلاق، أحكاماً ومقاصد قابلة للتصنيف إلى ما هو ضروري، ومنها ما هو حاجي، ومنها ما هو تحسيني.
ومهما كان في ذلك من إشكاليات العلاقة وملابساتها بين هذه الاعتبارات؛ لكلٍ من الدين والأخلاق، يبقى الاعتبارُ الأول لعلم المقاصد؛ حسب ما رآه إمام هذا العلم وأحد كبار مؤسسيه: أبو إسحاق الشاطبي، قائماً على أن هناك قيمة تعلو كل القيم؛ وهي المصلحة البشرية. وبهذا رد الشاطبي القيم الأخلاقية إلى طبيعة المجتمع وطبيعة النفس البشرية. وفي الوقت نفسه؛ تهدف هذه القيم إلى ما ينبغي أن يكون15 عليه بناءُ الصورةِ الأخلاقيةِ للإسلام. ولكنَّ النظر النقدي الأصوليَّ16 في طبيعة العلاقة المفهومية والمعرفية والمنهجية العضوية والحميمة بين كلٍ من المقاصد والمصالح، ومدياتها الفلسفية الدينية لا تقفُ بالمصلحة البشرية (بوصفها قيمةً ومقصداً) عند الأخلاق وحدها؛ بل إن النقدَ الأصولي قد يذهبُ إلى ما هو أبعدُ من ذلك الاعتبار المقاصدي الأخلاقي لوحده، ويكشفُ عن وجهةِ نظر فلسفة الدين في مثلِ هذه العلاقة الترادفية من حيث المفهوم، والتكاملية من حيث المعرفة، والتواصلية من حيث المنهج والوظيفة؛ بين كلٍ من المقاصد والمصالح في إطار منظومة القيم الكلية المتمثلة في الحق والخير والجمال، بما قد يدعونا إلى إمكان إعادة تصنيف مقاصد الشريعة الإسلامية تصنيفاً معرفياً أكثر منه تصنيفاً وظيفياً يستندُ إلى قيم الحق والخير والجمال الثابتة: رؤية ومنهجاً وموضوعاً؛ أكثر من استناده إلى المصالح المتغيرة: تقديراً وتأثيراً وتكييفاً وتوظيفاً في البيئة والمكان والزمان، بحيث يمكنُ تصنيف مقاصد الشريعة الإسلامية إلى: مقاصد حقَّانية، ومقاصد خيرية، ومقاصد جمالية:
فالمقاصدُ الحقانية؛ وهي التي تقوم على الحكمة بوصفها وضع كل شيء في نصابه الصحيح، يمكن أن تشكلَ الجوهر المعرفي لعلومِ المنطقِ والقانونِ والشريعةِ والفقهِ، وكل ما يتعلق بالضروريات الوجودية والتكوينية والمعرفية، في الحياة والدين والاجتماع الإنساني.
والمقاصد الخيرية؛ من الإحسان والتزكية والفضل مثلاً؛ هي الجوهرُ المعرفي لعلومِ الأخلاقِ والتربيةِ والسلوكِ والعلاقاتِ، وكل ما يتعلق بالحاجيات الإنسانية والاجتماعية الأساسية في العيش الطبيعي: الكريم والآمن والنافع.
والمقاصد الجمالية؛ من الحسن والإبداع والإتقان والكمال مثلاً؛ هي الجوهرُ المعرفيُّ لعلمِ الجمال وفلسفة الفن، وكل ما يتعلقُ بآداب الجودة وتقاليدها الحقانية والخيرية في الأداء والعمل والإنتاج الفاضل والمفيد17.
من هنا؛ تبرزُ أهمية نظرية العمل المقاصدي ودورها المنهجي في:
أولاً: «تمييز ُأخلاقِ المقاصد18» أو المقاصد الأخلاقية بوصفها نظريةً من النظريات البينية المشتركة لكل من فلسفة الدين، وفلسفة القيم، وفلسفة العمل، وفلسفة الحضارة.
ثانياً: الاستحضارُ الدائمُ والضروريُ للقيم الفلسفية الدينية الأخرى بعداً تكاملياً من أبعاد نظرية العمل المقاصدي، كقيم الحق ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأولئك الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ﴾[الأعراف: 8-9]، وقيم الجمال ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾[النحل: 5-6] بوصفها موضوعاً ومعياراً لما يجب أن تكون عليه الأخلاق العملية والسلوك المقاصدي من «الهيئة والقدر والمنزلة بين الحق والصواب19».
ثالثاً: تقييم وتقويم وتمييز وترتيب الأشياء والأعمال والمصالح، على أساس التفاضل والتوازن والتكامل، في كثافة القيمة وصورتها البارزة، في المقاصد بوصفها قيماً جمالية وصفية خالصة في طبيعتها المعرفية؛ تصلح لأن تكون أيضاً، وفي الوقت ذاته، قيماً أخلاقية معيارية لترتيب الأعمال والأحوال والأحكام والمصالح والأشكال والصور وغير ذلك، في مراتب الجميل والأجمل، الحَسَن والأحسن، الفاضل والأفضل، الصالح والأصلح، وهكذا.
المقاصد؛ غايات، ووسائل، وطرائق:
لعلَّ أولَ الأسس التي تستندُ إليها آلياتُ تحقيقِ المقاصدِ والتحقق منها تقويماً وتصنيفاً وترتيباً؛ هو الوحدة المفهومية المتكاملة لكل من المقاصد والقيم والمصالح بوصفها نسقاً تراتبياً مكفولاً بالمعرفة المقاصدية وآفاقها المفتوحة؛ لإعادة تصنيف المقاصد مرة أخرى، إلى ما كان بعض الباحثين20 قد أطلقَ عليه: القيم الغائية والقيم الوسيلية، وكأنه يريد أن يقولُ إن: هناكَ مقاصد هي عبارة عن كونها غاية بذاتها، ومقاصد أخرى هي عبارة عن وسيلة بذاتها، مضيفاً بذلك الوسيلة باباً آخر إلى باب الغاية التي غالباً ما توصف بها المقاصد بعامة، فغالباً ما كان الشاطبي يؤكد على أن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها وإنما قُصد بها أمور أخرى هي معانيها، وهي المصالح التي شُرعت لأجلها. وهذا قد مهد لبعض الباحثين المعاصرين تعريف المقاصد بأنها «المعاني الغائية التي توجهت إرادة الشارع إلى تحقيقها عن طريق أحكامه21».
ولكن قد لا يكفي تعريفُ المقاصدِ وتصنيفها وترتيبها بين كونها غايةً أو وسيلة فقط، فقد نحتاجُ إلى اعتبار بعضها الثالث ما يمكن أن نسميه: طريقة Manner. بعبارة توضيحية أخرى يمكن القول: إنَّ بعضَ المقاصد هي في حقيقتها غاية منشودة على طول الخط كالتوحيد، وبعضها الآخر يُعتبر وسيلة للعيش الإنساني الكريم كالعمران، وبعضها الثالث يمكن اعتباره طريقة تتفاضل فيما بينها ومن خلالها الأعمالُ كالإحسانِ الذي هو: «فعل الشيء وإتقانه الواجب، [ولذلك فقد] سمي ما يتحراه الإنسان من أحسن الطرائق: إحساناً22».
فغالباً ما تتمثلُ مقاصد الشريعة وحكمتُها العالية في غايةٍ معينة، يحاول الإنسانُ الوصول إليها، وفي قيمة فضلية valuable يعمل الإنسان على اكتسابها والتحلي بها صفةً من صفاته، وفي سلوك إيماني وفعل ديني يترقى الإنسان في منازله ومراتِبه وصوره العبادية الجميلة في الإتقان؛ والمتعالية في الكمال الأخلاقي الجمالي.
ولا شكَّ في أن هذه الصور العبادية الجميلة، وأن صفات الكمال المتعالية، هي معالمُ الطريقة المقاصدية النابعة من فلسفة الدين وحكمته التوحيدية الواجبة حكماً تقريرياً قابلاً للامتثال والالتزام والاستلهام في كل ما يتعلق بالوجود والخَلْق والكون والطبيعة والوعي والمعرفة والعمل والإبداع والصورة والغاية والمقصد:﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات: 56].
فالعبادةُ هي حكمةُ الدين ومقصدُه الذي يقوم على نسيج مترابطٍ متماسك ٍمتواصل متكامل من الثلاثيات المفهومية والمعرفية والمنهجية والمقاصدية الدينية المتمثلة في كلٍ من: ثلاثية الإسلام والإيمان والإحسان، وثلاثية الحق والخير والجمال، وثلاثية الغاية والوسيلة والطريقة. حيث يمكنُ أن نقرأ مثل هذا الترتيبِ الثلاثي في مقاصدِ العباداتِ على سبيل المثال لا الحصر، عند كثيرٍ من العلماء الذين اشتغلوا على مقاصد الصلاةِ جوهراً لمقاصد العبادات كلها، وألَّفوا فيها، مثل: الحكيم الترمذي23 (ت 320هـ/ 869م)، والعز بن عبد السلام24 (ت 660هـ/ 1262م)، وقطب الدين محمد بن أحمد القسطلاني25 (ت 686هـ/ 1287م)، وغيرهم، من الذين أجمعوا على أن مقاصد العبادات بعامة هو التقرب إلى الله عز وجل؛ ومقاصد الصلاة بخاصة تتمثل في تجديد العهد بالله ودوام ذكره تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14].
وهذه المقاصدُ كلُّها هي غايةُ العبادات التي تشترطُ الشريعة الإسلامية تحقيقَها عبر وسائل عمليةٍ من النيةِ والذكر والقراءة والتسبيح والأذكار والدعاء، واستقبالِ القبلة والتكبير والقيام والركوع والرفع والسجود والجلوس والتسليم التي هي أركان الصلاة وواجباتها وسننها المطلوبةُ أداءً باطناً وظاهراً لتمام الصلاة وكمالهِا.
«ولا يمكننا أداءُ الصلاة حق الأداءِ، أو قريباً منه، إلاّ إذا علمنا صفة صلاة النبي ﷺ مفصَّلة، وما فيها من واجبات، وآداب، وهيئات، وأدعية، وأذكار26» وما شاكل ذلك من صفات الصلاةِ النبوية وأحوالِها المتمثلةِ في إسباغ الوضوء، وتمامِ الركوع والسجود، وكمالِ الطمأنينة والخشوع والخضوع.
وهناك العديدُ من الأحاديثِ النبويةِ الشريفةِ التي تؤكدُ على وجوب تحلِّي المصلي بهذه الآداب والهيئات والصفات والأحوال العبادية؛ لعل منها على سبيل المثال لا الحصر؛ حديث الرسول الأكرم محمد ﷺ: «خمس صلوات افترضهن الله عز وجل. مَن أحسن وضوءَهن، وصلّاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن... كان على الله عهدٌ أن يغفر له. ولمن لم يفعل؛ فليس له على الله عهد. إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه27».
ولكن حديث الإحسان بأن «تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه؛ فإنه يراك28» يظلُّ هو الحديث النبوي الشريف الأكثر بياناً لحقيقة الصلاة العبادية وذوقها الجمالي بوصفها «قرة عيون المحبين، ولذة أرواح الموحدين، ومحك أحوال الصادقين، وميزان أحوال السالكين29»، لأرقى مراتبِ العبادة وأسمى مقاماتها الكائنة في «التحقق بالعبودية على مشاهدة حضرة الربوبية بنور البصيرة30». وهو الحديث النبوي الشريف الأكثر تعبيراً عن القيم الإضافية التي يضفيها الإحسانُ على الصلاة والعبادات والإنسان والمجتمع من النواحي: الإيمانية الأخلاقية، والإبداعية الجمالية، والاجتماعية الحضارية:
فعلى صعيدِ القيمِ الأخلاقيةِ التي يضفيها الإحسانُ في الصلاةِ على التربية الإيمانية للمسلم؛ نستلهمُ مقاصد التوحيد والصدق والإخلاص والشكر الجميل لله تعالى؛ كما جاء في الحديث النبوي الشريف الذي تنقلُه لنا أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها زوج رسول الله وحبه ﷺ عن إحسانه (بمعنى: الإتقان والزيادة والمداومة): «أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً31».
وعلى صعيدِ القيم الإبداعية التي يضفيها الإحسانُ في الصلاة على التربية الجمالية للمسلم؛ نستلهم مقاصد الأداء الحق والإتقان والنفع والتجمل في المظهر: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾[الأعراف: 31]، وفي السلوك؛ قال الحافظ ابن حجر في شرح حديث الإحسان: «تقول أحسن يحسن إحساناً. والإحسان مصدر يتعدى بنفسه وبغيره تقول: أحسنتُ كذا إذا أتقنته. وأحسنت إلى فلان إذا أوصلت إليه النفع. والأول هو المراد لأن المقصود إتقان العبادة. وقد يلحظ الثاني بأن المخلص مثلاً محسن بإخلاصه إلى نفسه، وإحسان العبادة: الإخلاص فيها، والخشوع، وفراغ البال حال التلبس بها ومراقبة المعبود32».
أما على صعيدِ القيمِ الحضارية ِالتي يضفيها الإحسانُ في الصلاة على المجتمع المسلم؛ نستلهمُ مقاصدَ الإدارة النافعة والمفيدة لقوى الإنسان وطاقات المجتمع في استثمار الوقت والعمل والإنتاج33.
ومن ذلك كله؛ يمكن أن نخلصَ إلى أنَّ القيمَ الإضافيةَ، أو المقاصدَ الأسمى للإحسان؛ لا تتمثلُ في جمالية الصلاة وطريقتها المثلى34 في التربية الإيمانية للفرد والمجتمع من خلال زيادة تحسين العبادات وإتقانها فحسب، بل وفي بناء جماليةِ الدين كله؛ باعتبار أن الإسلام هو ظاهر الدين، والإيمان هو باطن الدين، والإحسان هو تحسين الظاهر والباطن على حدٍ سواء.
الطريقة بين علم الجمال وعلم المقاصد:
تبدو الطريقةُ مفهوماً عربياً إسلامياً لأسلوب المعاملة والعمل والسلوك والإبداع الإنساني، مأخوذاً من ألفاظ القرآن الكريم ومعانيه للتعبير عن «كل مسلك يسلكه الإنسان في فعل، محموداً كان أو مذموماً35».
ويطلقُ اسم الطريقة في اللغة على شرف السيرةِ وحسنها من الحال، والمذهب، والسنة، والدين. قال الأخفش في تفسير قوله تعالى:﴿ وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ﴾[طه: 63] أي بسنتكم ودينكم وما أنتم عليه من مثال الحال والمآل36.
ويعرف بعضُ فلاسفة الدين والتدين الطريقةَ أنها: السيرةُ المختصة بالسالكين إلى الله تعالى من قطع المنازل والترقي في المقامات العبادية، أي إن «الطريق: هو القصد إلى الله تعالى37».
ونقرأُ لبعض علماء الجمال وفلاسفة الفن المسلمين الأوائل تعريفهم الخاص للطريقة بأنها: الأسلوبُ والشكلُ والأداءُ والصورةُ والصفةُ وكل ما يستند التقويم الجمالي فيها على قيم التفاضل والتكامل والتناسب الهندسية للفنون الإسلامية؛ البصرية منها كفن الخط38، أو السمعية منها كفن الموسيقى39.
ومن هنا؛ يمكنُ أن نلحظ الطريقةَ وكأنها مثلما تبدو الميدان العملي لعلم الجمال وفلسفة الفن؛ تبدو الطريقة أيضاً وكأنها الوظيفة الجمالية لعلم المقاصد. وبذلك؛ يمكن أن تكون الطريقة:
أولاً: رابطاً منهجياً تكاملياً بين كلٍ من فلسفة الحياة وفلسفة الإنسان وفلسفة العمران وفلسفة الإبداع الإنساني.
ثانياً: تعبيراً غائياً عن التكامل المعرفي بين مقصوداتها المتعلقة بوجود الإنسان وحياته من الخلق والوعي والسلوك والقيم وغير ذلك من كليات المعرفة الإنسانية بعامة، وكليات المعرفة الدينية بخاصة.
ثالثاً: مقصداً جمالياً يتحراهُ الإنسان في أدائه الذاتي، وفي علاقاته الاجتماعية، وفي عمله العمراني النافع.
الجمال موضوعاً مقاصدياً:
يبدو الجمال لأول وهلةٍ فكرةً جديدة جداً على الدراسات المقاصدية، وعليه؛ فلا غرابة في أن تتأثر دراسته المقاصدية ببعض إشكاليات التقاطع والتنافر المحتمل بين كل من علم المقاصد وعلم الجمال، لاسيما وأن هذين العِلْمَين الإسلاميين يعيشان ذات الحالة المعرفية والمنهجية من التشكل الحديث والقلق، وربما غير الناضج بَعْدُ؛ الذي قد لا يجعلُ التواصل والتكامل بين هذين العلمين أكثر وضوحاً ومقبولية بينهما؛ فعلمُ المقاصد ما يزال ينمو بعيداً عن التأصيل المعرفي والمنهجي لكل ما يتعلق بالذوق الإنساني من الآداب والفنون الجميلة؛ لتظل الرؤية المقاصدية المتعلقة بالجمال رؤية وصفية أدبية أخلاقية أكثر من كونها رؤية معيارية عِلْمَ جَماليةً، فهذه الرؤيةُ التقليدية تنظر الجمال بعين الأخلاق الافتراضية التي تقوم على التخيّل الموجَّه والمجاز المقصود والتصور المستحسن؛ لا بعين الجمال الطبيعية وحقيقته التصويرية وهويته الواقعية.
بل ما يزالُ علم المقاصد محكوماً بأصول الفقه الإلزامية وقواعده الأخلاقية ِالصارمة منهجياً في التعامل مع هذه الآداب والفنون على أسس التكييف والتوظيف في ضوء التصور الديني التقليدي العام لطبيعة الجمال وتحولاته المعرفية والمنهجية التي تقوم على «أن الجمال ينقسم إلى قسمَين: ظاهر، وباطن: فالجمال الباطن هو المحبوب لذاته، وهو جمالُ العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة، وهذا الجمالُ الباطن هو محل نظر الله من عبده، وموضع محبته، وهذا الجمال الباطن يُزَيِّنُ الصورة الظاهرة وإن لم تكن ذات جمال، فتكسو صاحبَها من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتست روحُه من تلك الصفات، فإن المؤمن يُعطَى مهابةً وحلاوةً بحسب إيمانه، فمن رآه هابه، ومن خالطه أحبه، وهذا أمر مشهود بالعيان، فإنك ترى الرجل الصالح المحسن ذا الأخلاق الجميلة من أحلى الناس صورة، وإن كان أسود أو غير جميل، ولا سيما إذا رُزق حظاً من صلاة الليل، فإنها تُنَوِّرُ الوجهَ وتحسَّنُه. ومما يدلُّ على أنَّ الجمالَ الباطن أحسنُ من الجمال الظاهر أن القلوب لا تنفكُّ عن تعظيم صاحبه ومحبته والميل إليه، وأما الجمال الظاهر فزينةٌ خصَّ الله بها بعض الصور عن بعض، وهي من زيادة الخَلْق التي قال الله تعالى فيها:﴿ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ﴾[فاطر:1]. قالوا: هو الصوت الحسن والصورة الحسنة40».
ولعلَّ أولَ وأبرز ما يفصح عنه هذا التصور التقليدي للجمال؛ أهميتُه الثانوية التي تتمحور بالدرجة الأولى حول دور وظيفي متمثل في توصيف ما هو معنوي مجرد، وتقييده أدبياً بصورة ذهنية مُتَصَوَّرة مجازاً وليس حقيقة؛ تكادُ تنتهي بمفهوم الجمال وتعريفه العام إلى الأخلاق، بشكل دائري: عوداً على بدء، ويكاد هذا المفهومُ الأخلاقي للجمال ينتهي بالجمال مقاصدياً بتأثير علوم اللغة والتفسير والفقه، إلى الأخلاق الدينية بالذات؛ بوصفها أصلّ الدين وجوهره وصورته الجمالية التي توحي لنا بها بعضُ العبارات القرآنية مثل:﴿ صبر جميل﴾ [يوسف: 18و 83] [المعارج: 5] ؛ ﴿ سراح جميل﴾ [الاحزاب: 28و49] ؛﴿ صفح جميل﴾ [الحجر: 85] ؛﴿هجر جميل﴾ [المزمل: 10]؛ ومثيلاتها من صور الأخلاق الجميلة التي أوحت لابن تيمية الحراني (ت 728هـ/ 1328م) وضعها في مقام «الجمال الأفضل؛ وهو كمال الخُلُق وحسنه41»، باعتبار «أن الله عز وجل قد جعل الدين جميلاً، وقَصَدَ أن يكون التدين جميلاً؛ قصداً تشريعياً أصيلاً يغطي علاقات المسلم مع ربه، ومع الإنسان، ثم علاقته مع البيئة أو الكون والطبيعة، وكل ذلك يدخل تحت مفهوم العبادة الذي هو غاية الغايات من الخلق والتكوين. إن هذه الجمالية هي حقيقة مبثوثة في أصول الدين وفروعه التي تتمثل في كلٍ من الإيمان والإسلام والإحسان؛ فالإيمان يسكن نورُه القلبَ، فتُجَمَّل الأفعال والتصرفات التي هي فعل الإسلام، ثم تترقى هذه في مراتب التَّجَمُل؛ لتصل درجة الإحسان بوصفه عنوان الجمال الأعلى في الدين، أي: أن التدين هو تَمَثُّلُ قيم الجمال، وهو التزين بأنوارها في السلوك والوجدان. ولا شك في أن ذلك كله يفيد أن الجمال هو جوهرٌ أصيل في الدين، وهو أيضاً: قَصْدٌ مبدئي أصيل من الدين، فخطاب الوحي قام على مقاييس الجمال، وبيَّن منهاج التجمل بالدين42».
مقاصدية الجمال:
لعلَّ ما يمكن أن يسعفَنا به هذا التصور الفلسفي لجمالية الدين، تلك الجمالية التي تقوم على تمييز الجمال مقصداً نوعياً خاصاً من حيث الموضوع والغاية، أو من حيث الشكل والوظيفة، يؤطرُ الأخلاق النظرية والعملية، مقصداً نوعياً مماثلاً؛ هو أن الدرسَ المقاصدي ينبغي أن يعيدَ النظر الفلسفي في كفاية القيم الأخلاقية وأسبقيتِها بالنسبة لبنية المعرفة المقاصدية، وذلك في ضوء حقائق التعادل والتكامل والتوحد فيما بين بعض المفاهيم الأساسية لكل من علم المقاصد وعلم الجمال؛ منها على سبيل المثال لا الحصر: المصلحة والقيمة أو المقاصد والمحاسن؛ إذ أن هناك علاقات دلالية نسيجية متظافرة بين هذه المفاهيم على أساس اللغة والاصطلاح والمنهج المقاصدي؛ فالمصلحة وتحولاتُها القيمية في حياة الإنسان والمجتمع والعالمِ هي المدار النظري والعملي لعلم المقاصد بوصفه علم العناية الفقهية الأصولية «بإبراز الجانب الأخلاقي والاجتماعي للشريعة الإسلامية43»، حيث يكون «الحكم الشرعي ناهضاً بتقويم الأخلاق [لأن] الأصل في المصلحة هو الخُلُق44».
ولكن التحقيق النقدي فيما وراءَ المصلحةِ من المعاني والدلالات والتمثلات والتطبيقات ذات الوجهَين الأخلاقي والجمالي قد يقلب المعادلة المقاصدية لصالح الجمال وهيمنته اللطيفة تصوراً؛ والكثيفة غلبةً على المضمون الأخلاقي للمصلحة والقيمة والضرورة المقاصدية، حيث يمكن استخلاص الجمالية المقاصدية الفاضلة في رعاية مصالح الإنسان الأساسية وقيمه العليا في الوجود والحياة والوعي والمعرفة، أو (بعبارة أخرى) يمكن تمييز ُمقاصدَ جماليةً مكافئةً لمقاصد الدين الأخلاقية؛ تؤسسُ لعلم المقاصد نظريته الجمالية التي يمكن استمدادها من ثلاثة مصادر رئيسة على الأقل؛ هي:
أولاً: فلسفة الاستخلاف؛ بوصفه مقصداً عمرانياً، وحكمتُها القرآنية بالنسبة للإنسان والمجتمع والعالم؛ حيث يستمدُ علم المقاصد منها العناصر الموضوعية لنظريته الجمالية؛ وتتمثل هذه العناصر في كلٍ من: الأفعال الإبداعية، والقوى المنهجية، والقيم المعيارية، والعناصر التكوينية، والتجارب القياسية، والخصائص الوظيفية، والأدوات الضابطة لمصالح العمل الإنساني وغاياته الربانية الفاضلة والنافعة والمفيدة:﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾[الانشقاق: 6].
ثانياً: فلسفة الفن؛ بوصفه مقصداً إبداعياً إنسانياً، وبمرجعية المبادئ الإسلامية لهذه الفلسفة؛ فرغم أنَّ علمَ الجمال الإسلامي لا يزال وليداً غضاً يحبو في سياق الدعوات والمقترحات والمحاولات الأدبية الرامية إلى تأسيس مثل هذا العلم، وبنائه بناءً معاصراً على غرار ما هو موجود في الفلسفة والمعرفة والثقافة والحياة الغربية من العلوم الجمالية التي تعنى بالإبداع الإنساني (تذوقاً وتقييماً وحكماً) كعلم الأدب أو الشعرية Poetics، وفلسفة الفن أو الإستاطيقا Aesthetics ؛ التي تعنى بالمعرفة الحسية وأبعادها المتمثلة في الإبداع الفني الواقعي، والإنتاج الصناعي العملي، استطاع هذا العلمُ القديم الجديد بناءَ ذاته معرفياً على تصورات الفكر الفلسفي الإسلامي لطبيعة الجمال الذاتية والموضوعية جوهراً باطناً، وشكلاً ظاهراً، ومقصداً أصيلاً45 في وحدةٍ وجوديةٍ وحياتيةٍ واحدةٍ تؤسس لمسائلَ أساسيةٍ وهامة لما هو قاسمٌ معرفي ومنهجي مشترك بين علم الجمال وعلم المقاصد؛ منها على سبيل المثال لا الحصر: طبيعة النظرية المقاصدية وقوتها، وصورة العمل المقاصدي وقيمته، وخصوصية المقاصد وأهميتها، وغير ذلك من المسائل المشتركة بين العلمين.
ثالثاً: فلسفة النقد بوصفه مقصداً حُكمياً جمالياً بالدرجة الأولى. وآليات هذه الفلسفة النقدية المنهجية الإسلامية؛ الأصولية الفقهية، والفلسفية الجمالية، التي تقوم بالدرجة الأولى على كلٍ من:
الذوق الفطري46.
الاستحسان بأبعاده الثقافية العامة في النظر إلى أمور الحياة الاجتماعية وتقويمها، وأبعادِه الفقهية الخاصة؛ كأحد طرق التشريع واستنباط الأحكام، وأبعاده الجمالية المتعلقة بالنقد الأدبي بمعنى استحسان المعاني والأساليب البلاغية، والنقد الفني بمعنى استحسان الخط والطرائق الكتابية47.
المـــــَـلَـكات المقاصدية في تنمية الوعي الإبداعي، وتحقيق المناطات الشرعية، وتقويم المصالح الجماليةِ النافعة والمفيدة في تمثيل الوظيفة الجمالية لعلم المقاصد، وإبرازها في تهذيب الفن الإسلامي وتشكيله على آداب ومبادئ وأسس خاصة وأصيلة، من القيم والعناصر والمقاصد الجمالية.
مفهوم المقاصد الجمالية:
ولعل ما يعين على ذلك؛ النظرَ في المسائل الدلالية الآتية على سبيل المثال لا الحصر:
تقوم المصلحة من الناحية اللغوية على معاني: الصلاح والنفع والتقويم والمناسبة. ويقابلُها في الضد اللغوي كلمة المفسدة التي تعني: كل ما هو معاكس لهذه المعاني الحسنة. وتقوم من الناحية الاصطلاحية على: حفظ حقوق الناس الشرعية وأحوالهم الطبيعية في الحياة الحرة الكريمة، وذلك من خلال رعاية مقاصد الدين بالامتثال لأوامر الشرع بجلب المصالح، والالتزام بنواهيه بدرء المفاسد48.
تعليل الحفاظ على الضروريات الدين والنفس والعقل والنسل والمال مثلاً بالغايات والأوصافِ المقاصدية المتعلقة بالحفاظ على الفطرة؛ التي هي صورةُ الإنسان الأولى، ومثالها الأعلى في الجمال والكمال.
تضمين المصلحة لقيم الجمال والكمال النفع والحسن والصلاح مثلاً، انطلاقاً من كونها لفظة على وزن مفعلة وهي: «مشتقة من الصلاح بمعنى حسن الحال؛ وهو كون الشيء على هيئةٍ كاملةٍ بحسب ما يُراد لذلك الشيء (من كمال الصلاح وجماله)، كالقلم يكون على هيئته الصالحة للكتابة49».
ولعلنا نجدُ في هذه المسائل وغيرها ما يبررُ لبعض العلماءِ عدمَ التفريق بين مقاصد الشريعة من جهة، ومحاسنها؛ أي جمالياتها من جهة أخرى، وتعريفهم الجوهري لمقاصد الشريعة بأنها هي: «المعاني المُستحسَنة طريقةً، والقريبة من الحُسْن صورةً، واللاصقة به غايةً؛ على وجه الإجمال من واجب تحسين الشرائع50»،وتنزيلها أو تفعيلها في السياق العمراني أو الحضاري المناسب، لا سيما أن فقه التقصيد بعامة: أولاً هو يتأسس على العلاقةِ العضوية الحميمة بين فلسفة الدين (: علم المقاصد من جهة) وفلسفة الجمال (: علم الفن من جهة أخرى). ثانياً هو يقومُ من الناحية المعرفية على تَعادُلِ المصلحةِ بالقيمة وتَماثُلِ الصلاحِ بالحُسْن. ثالثاً: هو يعتمدُ من الناحية المنهجية على الذوقِ والاستحسانِ في إمكان بناء نظرية متكاملةٍ لفلسفة العمل الإنساني؛ تقوم على كلٍ من الأخلاق والجمال بوصفهما جوهرَ مقاصدِ الشريعة الإسلامية ومظهرها الواضح مضموناً فيما سميناه: المقاصد الأخلاقية، والواضح شكلاً وصورة وعملاً وطريقةً فيما سميناه: المقاصد الجمالية.
وفي سبيل بيانِ مفهوم المقاصد الجمالية ونظريتها المعرفية؛ يمكنُ القول إن مفهومَ المقاصد العام يكاد يخلص إلى كونها عبارة عن: مصالح وقيم وحكم وغايات وكمالات استحسانية، في صورة أحكام تقريرية وتقويمية لكل من الأخلاق والجمال.
وعليه؛ فإن المفهومَ الخاص لأيٍ من المقاصد الأخلاقية أو المقاصد الجمالية لا يخرجُ عن تلك الصورة المثالية لما يجب أن تكون عليه تلك المصالح والقيم والحكمِ والغايات والكمالات الاستحسانية بوصفها أحكاماً أخلاقية تقريرية واجبة دينياً بالنسبة لجوهر الفعل المقاصدي ومضمونه، وبوصفها أحكاماً جمالية تقويمية ممكنة فلسفياً لشكل الفعل المقاصدي وصورته.
ومن هنا؛ لا يمكن لأي من هذه المقاصد الأخلاقيةِ أو الجمالية أن تُفصم بأي شكلٍ من الأشكال عن مقاصد القرآن الكريم ومقاصد الشريعة الإسلامية، وربما لا يمكن فصمها عن غيرهما من أنواع المقاصد الأخرى، وذلكَ لأن كلاً منهما إنما هو نظريةٌ من نظريات علم المقاصد.
نظرية المقاصد الجمالية:
يمكن استخلاصُ البؤرة المقاصدية لخطاب القرآن الجمالي من خلال استقراء ألفاظ الجمال وعباراته القرآنية المتنوعة في المرتبة التفصيلية؛ والتخصص الأدق؛ والوظيفة المقاصدية الأكثرَ فاعلية في تفجير الإبداع الإنساني وتنشيط البناء الحضاري. ويمكن بناء فكرة القرآن الجمالية على المعاني والدلالات والتحولات والتنزُّلات الجمالية الكامنة والظاهرة في عديدِ النصوصِ والسياقات القرآنية الناطقة به؛ والموحية إليه؛ والدالة عليه دلالة ضمنية غير مباشرة في التعبير عن مفاهيم جمالية خاصة ومتميزة.
وهناك قائمة طويلة وعريضة وعميقة وراسخة من الألفاظ والمقولات والمفاهيم والقيم والموضوعاتِ الجمالية العامة والخاصة التي يعرضها القرآن الكريم، ويؤكدها الحديث النبوي الشريف شارحاً لها وموضحاً بشكل عملي.
ولعل من العذر والواجب؛ التنويه إلى أن هذه العجالةَ البحثية المتواضعة تضيق بمفردات هذه القائمة الجمالية؛ ويصعب عليها الإحاطة التقريرية والتوضيحية التامة بها، ولكنها تحاول أن تعرض، ليس أكثر، بعض هذه الألفاظ والمقولات والمفاهيم والقيم والموضوعات الجمالية العامة والخاصة على سبيل المثال لا الحصر، في صيغة مفردات النظرية الجمالية الإسلامية وعناوينها البارزة؛ مثل ثنائيات: التوحيد والإلهام، الجلال والجمال، الخلق والإبداع، الصنع والعمل، المحاكاة والاستلهام، الحسن والإحسان، الزخرف والزينة، الإنشاء والتكوين، العمارة والعمران، التلوين والتذهيب، النفع والسرور، القبول والمحبة، النور والإشراق، الوزن والتقدير، التقويم والتفضيل، التسوية والتصوير، المناسبة والإمكان، التمام والكمال، وما شاكل ذلك من المقولات الجمالية الإسلامية51.
فقه ترتيب المقاصد الجمالية:
ومن هنا؛ يمكن لنظريةِ المقاصد الجمالية أن تستلهمَ الخارطة الذهنية العامة لعلم المقاصد؛ وهي خارطةٌ تقوم على ثلاثة دوائر مهمة هي: دائرة المقاصد الكلية العامة، ودائرة المقاصد الخاصة أو الوسطى، ودائرة المقاصد الأدق خصوصية أو الجزئية التفصيلية52. وعليه؛ فإن الخارطةَ الذهنية لنظرية المقاصد الجمالية يمكن أن تُصَمَّم على نحو هو أقرب ما يكون شكلاً ومضموناً إلى الخارطة الذهنية لعلم المقاصد؛ ثلاثية الدوائر المقاصدية، هي:
المقاصد الجلالية؛ وهي المقاصدُ الأصلية والكلية العامة التوحيدية، التي ترتقي بأي عملٍ إنساني بعامة، والعمل الفني الإسلامي إلى ما يفوق الشكل والمضمون معاً، من القيم والخصائص والأبعاد المتعالية في قدسيتها الأحدية التي لا تدركها الأبصار، والمتسامية في رمزيتها الإيمانية53 إلى﴿بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ [البقرة: 117، الأنعام:101]:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11]. ولعل من أبرز المقاصد الجمالية التي تغلب عليها الصفة الجلالية (على سبيل المثال لا الحصر): التوحيد والإلهام، النور والإشراق، الجلال والجمال.
المقاصد الجلالية-الجمالية؛ وهي مقاصد تابعة للأولى، ومقاصد أصليةٌ لما بعدها في فقه ترتيب المقاصد، ولذلك فهي المقاصد الوسطى أو الواصلة فيما بين مقاصد التوحيد الأصلية المتعلقة بالإيمان والعبادة، ومقاصد العمران الحضارية. ولعل من أبرز المقاصد الجمالية التي تغلب عليها الصفة المشتركة بين الجلال الإلهي والجمال الإنساني: الحسن والإحسان، الإنشاء والتكوين، العمارة والعمران.
المقاصد الجمالية التابعة والجزئية والخاصة؛ بوصفها مبادئَ غائيةً من جهة الكمال، وأسساً تقويمية من جهة الإنشاء، لصيرورة الأصول الهندسية والقواعد العملية عناصر واحدةٍ ومتنوعة لتكوين الفن الإسلامي وبنيته التشكيلية، وبوصفها قيماً معيارية من جهة الحكم لتصنيف أجناس هذا الفن ومنظومته الإبداعية. ولعل من أهم هذه الألفاظ والمفاهيم والقيم والمقاصد الجمالية الخاصة على سبيل المثال لا الحصر: الزخرف والزينة، الوزن والتقدير، التقويم والتفضيل، التسوية والتصوير.
المقاصد الجمالية والفنون الإسلامية:
لعل أبرزَ ما يميز هذه الألفاظ والمفاهيم والأفكار والمقولات الجمالية القرآنية والحديثية على العموم هو: تعلُّقها المعرفي العضوي بكليات القرآن العقدية؛ والكليات المقاصدية؛ والكليات الخُلُقيّة؛ والكليات التشريعية؛ حيث تتمثل الكليات المقاصدية في هذا السياق بأربعة مقاصد هي: حسن العمل؛ والتعليم والتزكية؛ وجلب المصالح ودرء المفاسد؛ وأخيراً: قيام الناس بالقسط؛ وهو العدل54.
ومن هنا؛ فإن هذه المقاصد الجمالية تتميز بانتمائها المعرفي إلى القيم القرآنية العليا والحاكمة التي هي: التوحيد والتزكية والعمران؛ حيث يكون الجمال بعداً لازماً وأصيلاً من أبعادها الفلسفية والمعرفية والمنهجية والمقاصدية، وحيث إن المقاصدَ الجمالية لا تنفصمُ، ولا يمكن أن تنفصمَ، إطلاقاً عن المقاصد الأصلية والكلية للقرآن الكريم والشريعة الإسلامية: التوحيد والتزكية والعمران، وبالتالي فهي تنبعُ منها وتتفرع عنها في صورة مقاصدية أقل مستوى معرفياً وأدق عملاً منهجياً؛ إذ غالباً ما تشكل طبيعتُها المقاصديةُ التابعة والجزئية والتفصيلية أو التكميلية على الخصوص الجوهرَ اللطيف، والروح الباصرة، والبؤرة الدلالية لكل ما يتعلق بالكينونات الفنية من المقاصد الجمالية الواجب تمثلها معرفياً ومنهجياً في سياقات:
تعريف الفنون الإسلامية بوصفها ركناً من أركان المعرفة والثقافة والحضارة الإسلامية؛ شأنها شأنُ الآداب والعلوم والصناعات.
تأصيل هذه الفنون بوصفها نسقاً معرفياً مركباً من علوم الدين والفكر والعمل والإبداع الإنساني55.
تصنيفها بوصفها عملاً ابداعياً منهجياً في مقاصده الخادمة لكلٍ من الإنسان والمجتمع والعالم.
أولاً: المقاصد الجمالية وتعريف الفنون الإسلامية:
ظهر مصطلحُ الفنون الإسلامية لأول مرة في غضون القرنِ الثامن عشر الميلادي، وبدأ مفهومُه المعرفي يتنفس بشكل بسيط ومتواضع في الثقافة العربية والإسلامية في بدايات القرن العشرين56 على أساس ما تقدمُه الاكتشافات والتنبيهات والأفكار والأطروحات الاستشراقية حول الآثار الفنية والمعمارية والصناعية الإسلامية؛ حيث تبلور المفهومُ الاستشرافي للفنون الإسلامية على أساس هذه الرؤية الحضارية التاريخية للفنون الإسلامية. ويكاد هذا المفهومُ في معاجم الفنون الإنسانية وقواميسها العالمية يستقر على تعريف الفنون الإسلامية أنها: «الفنون التي أنتجها الفنانون الذين يدينون بالدين الإسلامي، من المحيط الأطلسي إلى غرب ووسط آسيا والهند، والذي ظهرت بوادره من القرن السابع الميلادي»57.
وإزاء هذا المفهوم؛ بدأت الثقافةُ العربية والإسلامية مؤخراً تتململ رويداً رويداً في ترتيب رد فعل معرفي إسلامي على الصياغة الاستشراقية لمفهوم الفنون الإسلامية، ينطلقُ من فلسفة الدين القائمة أولاً وأخيراً على عقيدةِ التوحيد التي أثرَّت بشكل فاعل في تكون خصائص هذه الفنون العامة: التجريد والبعد عن المحاكاة، كراهية تصوير الكائنات والبعد عن التجسيم، وتلازم الجمال والمنفعة، وموافقة مقاصد الشريعة58 بعامة، وبالذات قاعدتها الأصولية التي تقول: «ما حسَّنه الشرع فهو حَسَن59»، فالحسن هو موافقة الحق «فما وافق الحقَّ منه فهو حسَن، وما لم يوافق الحقَّ منه فلا خيرَ فيه60».
ومن هنا؛ يمكنُ تعريف الفنون الإسلامية بأنها على العموم: الفنون التي تنطلق من « التصور الإسلامي للوجود»61، وأنها تقوم، على الخصوص، على اعتبار « الفن الإسلامي هو ما وافق مقاصد الشريعة، وأن ما خالفها يخرجُ عن كونه فناً إسلامياً، لخروجه على ضوابط الشرع ومنهاج الإسلام»62.
وعملاً بالفائدة المعرفية والمنهجية من كل ما تقدم من المنظورات الحضارية والفلسفية وغيرها للفنون الإسلامية؛ حاولنا صياغة تعريف أكثر دقة وشمولية وتحقيقاً لقواعد كل من علم الجمال وعلم المقاصد لمفهوم الفنون الإسلامية؛ يقوم على أنها: « الفنون التي تنطلق من حيث الرؤية المعرفية من الوعي الإسلامي للخلق والكون والوجود والإبداع الإنساني، والتي تلتزم من حيث الموضوع العلمي بقيم الحكمة الإسلامية ومقاصد الدين المتمثلة في معرفة الحق وعمل الخير ومحبة الجمال، والتي تنبني من حيث الصورة على عناصر وأشكال فاضلة في مناسباتها الهندسية والرياضية والتأليفية الموسيقية في تكوين العمل الفني وصناعته الجمالية، والتي يتوجب أن يكون خطابها الجمالي من حيث التعبير والوظيفة نافعاً ومفيداً في تلبية حاجات النفس؛ من الحسن في التربية والتزكية والتذوق والترقي في حوارها الذاتي مع الموضوع والآخر الإلهي والطبيعي والإنساني63».
ويبدو هذا التعريف، أكثر من غيره، شمولية ودقة وصحة وتناسباً مع الفكر الإسلامي ونظامه المعرفي وتطبيقاته الحضارية المتميزة في الكثير من الأعمال الفنية الإسلامية الخالصة؛ التي منها على سبيل المثال لا الحصر: منبر المسجد الأقصى المبارك64 الذي كان تحفةً فنية مميزة لا مثيل لها في العالم الإسلامي؛ عملاً فنياً نادراً في هندسته وتصميمه وشكله وصناعته؛ ضخماً في حجمه الذي يبلغ خمسة أمتار وخمسة وثلاثين سنتمتراً طـولاً، وأربعة أمتار عرضـاً. وكان هذا المنبر القدسي مصنوعاً بشكل رئيس من الخشب المطعم بالعاج والمنقوش بالزخرفة والكتابة؛ فقد استُخدمت في صناعة هذا المنبر أنواع عدة من الخشب والعاج، وكانت المواد الخشبية المأخوذة من أشجار من الآرز والصنوبر والأثل، والداخلةُ في بناء هذا المنبر وتكوينِ هيكله الرئيس؛ تتصفُ بالمتـانة والمقاومة الكفيلة بتحقيق البناء الصلب والمتماسك والمعمر لهيكل المنبر، الذي ظل قائماً على مدى أكثر من ثمانية قرون. ودخلت في تطعيم هذا الهيكل الخشبي الكبير أنواع أخرى من الخشب النادر والنفـيس مثل: التـك، أو الساج الهندي الأصل، والآبنوس السوداني. أما العلوم والفنون والصناعات التي قام عليها إنتاج هذا المنبر القدسي المبارك والجميل فهي: الهندسة، والتصميم، والزخرفة، والخط، والمقرنص، والخراطة، والتطعيم، والتعشيق؛ الذي هو سر الأسرار في البناء الهندسي المتماسك بقوة لهيكلِ المنبر الذي يتألف من حوالي 16000 ستة عشر ألف قطعة خشبية متصلة ببعضها البعض دون لاصق أو مسمار.
ولو تأملنا في العلاقة بين منبرِ المسجد الأقصى المبارك ومفهوم الفنون الإسلامية؛ فإن التحليلَ المصطلحي لهذا المفهوم يتوفرُ على العناصر الأساسية لبناء أيِ وحدة مصطلحية بناءً علمياً سليماً ومتكاملاً، من النواحي التي يقوم عليها التعريفُ الاصطلاحي الجامع المانع؛ كالرؤية الفكرية والمرجعية المعرفية، والموضوع أو المحتوى، والبنية أو الشكل أو الصورة الفنية، والخطاب أو التعبير أو الوظيفة؛ إذ إن مفهومَ الفنون الإسلامية هذا؛ بوصفه مصطلحاً فنياً، يتجسدُ بأبعاده وعناصره ومضامينه ومقاصده، كالوعي الإسلامي والإبداع الإنساني، وعناصر العمل الفني وصناعته، وخطابه النافع والمفيد، ووظيفته الحضارية المتميزة في منبر المسجد الأقصى المبارك بوصفه عملاً فنياً إسلامياً خالصاً.
ثانياً: المقاصد الجمالية وتأصيل الفنون الإسلامية:
تعدُّ الفنون الإسلامية نسقاً معرفياً مركباً من علوم الدين والفكر والعمل والإبداع الإنساني، شأنها في ذلك شأن الآداب والعلوم والصناعات التي هي جميعاً أركانُ المعرفةِ الإسلاميةِ الكلية. وهناك نخبةٌ من العلوم الإسلامية التي تدخلُ في فلسفة الفنون الإسلامية وتكوينها الجمالي والوظيفي. واحدٌ من هذه العلوم هو: علمُ المقاصد، بنظرياته الأصولية والأخلاقية والجمالية؛ فهو رافدٌ معرفي تأصيلي لفلسفة الفنون الإسلامية وبنيتها التشكيلية65.
وتكادُ أغلبُ المقاصد الجمالية لمذكورة أعلاه، وغيرها؛ تدخلُ في تأصيل الفنون الإسلامية، لكنَّ أمهاتِ هذه المقاصد الجمالية التي يمكن للفنون الإسلامية أن تتمثَّلها تمثلاً معرفياً قابلاً لأن يجعل منها نسقاً جوهرياً لفلسفة هذه الفنون؛ هي: التوحيدُ وما يتعلق به من الوحدة والتنوع في العناصر الوظيفية المتنوعة من حيث الطبيعة المقاصدية التي قد ترقى ببعضها إلى أن تكون غاية جمالية مطلوبة في البناء والتركيب والتأليف والتكوين الفني، والتقويمُ وما يتعلقُ به من المحاكاة والتسوية والتصوير الفني، وغيرها من المقاصد التي قد يرقى بعضها الآخر إلى أن يكون غاية أخلاقية فاضلة ونافعة ومفيدة، والإحسانُ وما يتعلقُ به من الإتقان والفضل والكمال الفني... حيث يمكن أن تكون هذه المقاصدُ الجماليةُ بمثابةِ المبادئ والأصول والأسس والمصادر التي تنبثقُ منها الأحكامُ الذوقيةُ، أو تبنى عليها القواعدُ العمليةُ، أو تتحدد في ضوئها الوظائفُ النفعيةُ للفنون الإسلامية:
فالتوحيد أولاً؛ بوصفه الأصل والمصدر والمرجع الأول والأخير لكل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين من الآداب والقيم، والمعارف والصناعات، والأعمال والأحكام، هو: الجوهرُ المفهومي والمعرفي والمنهجي والمقاصدي لفلسفة الدين التي تقوم بشكل مطلق على معرفة الله تعالى وعبادته الخالصة Monotheism أولاً وقبل كل شيء يتعلق بمفهوم التوحيد:﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾[البقرة: 163].
وتنعكسُ هذه الفلسفة الإيمانية بشكلٍ معرفي عميق ومؤثرٍ في علم الجمال وفلسفة الفن الإسلامي؛ حيثُ يكون التوحيد هو المبدأ الأول للجمال66 وانعكاسه في الفن من حيث هو عمل إنساني « مؤلف من شكل ومضمون، من فكر هو الحكمة، وإبداع هو البلاغة (الفن)، وهو لرِيِّ العقول الظامئة والنفوس التواقة للجمال»67.
وهكذا؛ تعمل المعرفةُ التوحيديةُ بتأثير كبيرٍ على تأصيلِ الفن الإسلامي وتأطيرِه وتوصيفِه المطلقِ بخصائص الوحدة المقاصدية المتوالية رياضياً وهندسياً وموسيقياً لضمان حسنِ التأليفِ وجودةِ التكوين وصحة الترميز في العمل الفني الإسلامي؛ شأنه في ذلك شأن أيَّ صناعةٍ إنسانية؛ حيث يقول أبو حيان التوحيدي: «... وأنا أعوذ بالله من صناعة لا تحققُ التوحيد ولا تدل على الواحد، ولا تدعو إلى عبادته والاعتراف بوحدانيته، والقيام بحقوقه، والمصير إلى كنفه، والصبر على قضائه، والتسليم لأمره68».
ومن هنا؛ فإن التوحيدَ الفلسفي الديني هو المقصدُ الأول، والأصلُ الذي تنشأ عنه الأحكام الذوقية للفنون الإسلامية حول خصائص الفن الإسلامي الأساسية المتمثلة بشكل عامٍ في التجريد Abstraction الذي يوحي بالإكرام والتجليل والتسبيح والتنزيه المطلق لله سبحانه وتعالى.
ومن فلسفة الدين إلى فلسفة الحياة؛ يبدو التوحيدُ مفهوماً معرفياً يقوم بشكل عامٍ على فكرة الوحدة والكثرة Synthesis في الخلق والوجود والطبيعة، حيث ينعكس التوحيدُ بمفهوميه: الأصل والفرع؛ معرفياً ومنهجياً، أو نظرياً وعملياً، فيما يمكن أن نطلق عليه: التوحيد الفني؛ وهو مفهوم جمالي يقوم على مبادئ الوحدة في التنوع، أو أسس التنوع في الوحدة؛ التي يقوم عليها علمُ عناصر الفن في مجالات الإبداع والتأليف والتكوين Composition المتعلق بالفنون الإسلامية69.
ثانياً. وتنبني القواعدُ العمليةُ من التقنيات التأليفية والتشكيلية لعلم عناصر الفن الإسلامي على مقاصد التقويم الجمالية من حسن الشكل وهندسته الفاضلة، بالتناسب والتكامل والتفاضل؛ إذ إنَّ النظامَ والتأليفَ والتقويمَ هي مقوماتُ الحسن الفطري، وهي قوانيُنه في أصل الخلق الإنساني والطبيعي والكوني، وأيضاً لإنَّ الحسن هو قيمة ضرورية ذاتية في الأشياء.
ومن هنا؛ يمكن القول: إن هذا الجمال القياسي؛ الرياضي، والهندسي، والموسيقي، المتعلقَ بصورِ الأشياء وأشكالها المنظورة والمحسوسة بالبصر؛ هو أصلُ الإبداعِ الفني وأساسه الماثل بشكل خاص ومباشر في الصورِ والأشكال والأعمال والمصنوعات الجمالية التي تتألف منها بنيات الفنون، أي؛ البنيات المكانية والكتابية والتشكيلية والتطبيقية، الإسلامية كالعمارة والخط والزخرفة وغيرها.
إن المرجعيةَ الجمالية لفلسفة التكوين الفني الإسلامي هي الآيةُ القرآنية الكريمة:﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان فِي أَحْسَن تَقْوِيم﴾ [التين: 4]، فحسنُ التقويم هو المقصدُ الجمالي القرآني الذي يتمثّله معرفياً ومنهجياً أو فلسفياً وإبداعياً، العديدُ من الفنون الإسلامية؛ منها على سبيل المثال لا الحصر: فن الخط Calligraphy الذي يتظافرُ في تقويمِه الجمالي كلٌ من فلسفة اللغة، وفلسفة الدين، وفلسفة الفن التي تقوم على محاكاة صورة الإنسان وهندسته الفاضلة؛ وذلك لأنَّ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، «وجعل صُورته أحسن الصُّور، وشكله أفضل الأشكال»70. واعتبر بعضُ فلاسفة الجمال المسلمين القدامى«انتصاب قامة الـجسد الإنسانيِّ أجلَّ أشكال الـحَيَوان، وأجملَها خِلْقةً وأعلاها درجة... [وأن] طولَ قامة الإنسان ثـمانية أشبار بشبره سواء » أي: أنَّ مقدار التَّناسب بين عَرْض جُثَّته وطوله هو: الثُّمُن71؛ هذا التناسب هو من أهم خصائص الشَّكل الإنسانيِّ التي اعتمدت أساساً ومُنْطَلقاً في بناء أشكال الحروف الخطية وتكويناتها التشكيلية؛ إذ حاول أهل الـخطِّ الفقهاء والفنانون، على حدٍ سواء، تفسيرَ بناء أشكال الـحروف على وفق مناظرتـها لأوضاع الإنسان وحالاته الـمختلفة فيما بين السُّكون والـحركة؛ كالانتصاب، والانكباب، والاستلقاء، والانـحناء، والاستدارة، وغيرها، انطلاقاً من مُـحَاكاة الأصل والـمثال الفنِّيِّ للخطِّ؛ وهو حرف الألف للأصل والـمثال الطَّبيعيِّ، وذلكم هو جسد الإنسان.
ثالثاً. أما الوظائف النفعية للفنون الإسلامية فتتحدد في ضوء مقاصد الإحسان الأخلاقية القائمة على الالتزام بالقيم الدينية كالإخلاص، وعلى الالتزامِ بالقيم الإنسانية كالتزكية، وعلى الالتزام بالقيم الاجتماعية كالنفع، وعلى الالتزام بالقيم العملية كالإتقان؛ فقد «كتب الله الإحسان على كل شيء72»، لاسيما وإن حُسْن المقصد يبدو موضوعاً جوهرياً ورئيساً في العلوم والآداب والفنون والصناعات الإسلامية، وهو ما يمكن أن يكون هنا مضمون العمل الفني ومحتواه المتصل أساساً بـعلم الأخلاق بشكل خاص، والملتزم بقيم الحق والخير بشكل عام73. ومن هنا؛ لاحظ دارسو الفنِّ الإسلامي أنَّ أبرزَ خصائصه التي تميزه عن غيره من الفنون العالمية هو: الجمع بين الجمال والاستعمال، أو الشكل والوظيفة في عمل فني واحد؛ كما نلاحظ ذلك على سبيل المثال لا الحصر في بعض الأواني الباذخة في الصنعة والفن، وفي بعض المشكاوات رائعة الجمال.
ثالثاً: المقاصد الجمالية وتصنيف الفنون الإسلامية:
تُعدُّ مسألةُ تصنيف الفنون، بعامة، من المشكلات العويصة في الفكر الجمالي الإنساني؛ إذ لم يتفق فلاسفةُ الفن على تصنيفٍ بعينه للفنون الجميلة، وتعددت محاولاتُ تصنيف الفنون بحسب طبيعتها المعرفية وعلاقاتها البينية وخصائصها الفلسفية، وغير ذلك من معايير التصنيف الفني وعوامله74. ولعلَّ السبب هو أن هذه الفنون متنوعة ومتجددة ومتغيرة باستمرار لأنها متعلقةٌ بالإبداع الإنساني اللامحدود في قدراته وفي مجالاته وفي نتاجاته.
ولم تكن الفنون الإسلامية أقلَّ إشكالية تصنيفية من تلك الفنون الإنسانية الجميلة؛ فقد تعددت محاولاتُ تصنيف الفنون الإسلامية وتباينت على نحو واسع وكبير، حتى بدت وكأنها مختلفة (بعضها عن بعض) من حيث الطبيعة والبنية والوظيفية. وباختصار شديد؛ يمكن رصدُ أبرز المحاولات التصنيفية للفنون الإسلامية على النحو الآتي:
التصنيف الاستشراقي الذي يكاد يكون هو الاتجاه المهيمن في هذا السياق الخاص بالفنون الإسلامية، فقد ذهب المستشرقون إلى تصنيف هذه الفنون إلى صنفين أساسيين هما: الفنون الرئيسة كالعمارة والخط والزخرفة والتصوير وغيرها من الفنون الجميلة، والفنون الفرعية المتعلقة بالمعدنيات والزجاجيات والقماشيات وغيرها من الصنائع الفنية للمسكوكات والمخطوطات والتحف وغير ذلك من الآثار والأعمال التاريخية.
اقترح إسماعيل الفاروقي (وزوجته لويزا) تقسيم الفنون الإسلامية إلى الأقسام الأربعة الآتية: فنون الخط، والفنون المكانية، والفنون الزخرفية، وفن الصوت75.
تصنيف الفنون الإسلامية من خلال تأثيرها في الحواس؛ حيث قُسمت إلى فنون: سمعية، وبصرية، وسمعية بصرية، ولغوية76.
التصنيف التاريخي الذي غالباً ما يتعلق بعرض مجموعات الفنون الإسلامية باعتبارها محفوظات أثرية؛ في المتاحف والمكتبات والمعارض والمزادات العالمية77.
التصنيف الببليوغرافي للفنون الإسلامية بحسب موضوعاتها وموادها العلمية في الكتب وترتيبها في المكتبات العامة والخاصة78.
التصنيف المقاصدي الذي يقوم على ثنائية الجلال والجمال؛ بوصفهما كليات أو أصول المقاصد الجمالية الخاصة بتأصيل هذه الفنون شكلاً ومضموناً وغاية. ولعل هذا التصنيفَ هو أفضلُ المقترحات المعرفية والمنهجية لتصنيف الفنون الإسلامية؛ فهو أقربُ ما يكون صلة بالفكر الإسلامي بعامة، وبعلم المقاصد بخاصة، حيث يمكن القول إنه ينبع من فلسفة الدين الجمالية التي تقوم على نظرية شمولية لطبيعة الجمال ووجوده الكلي في مراتب نوعية لا تتماثل، ولكن بعضها الأعلى يفيض على بعضها الأدنى؛ فيما يشبه النسغ النازل والنسغ الصاعد في سلم الوجود والكون والطبيعة والوعي والمعرفة والإبداع والعمل الفني على التسلسل الآتي:
الجلال هو مطلق الجمال وكماله الذي يختص الله تعالى به وحده، أي هو الجمال الإلهي الذي غالباً ما يصفه الفكر الإسلامي بالجمال الحقيقي ﴿ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: 27]،
الجمال هو حقيقةٌ من حقائق جلال الله سبحانه؛ وصفةٌ من صفاته تعالى: « إن الله جميل يحب الجمال79».
الجمال الطبيعي؛ وهو تماماً: الفطرة 80؛ أي ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾[النمل: 88]:﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾[السجدة: 7]
الجمال الإنساني؛ وهو ما يمكن أن نفهمَه قرآنياً في تفسير آيات خلق الإنسان ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ [السجدة: 7]، وتسويته ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ [الأعلى: 2]: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾ [الانفطار: 7]81، وأخيراً: تصويره في أحسن صورة ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ [غافر : 64]، أي إن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم بين سائر المخلوقات، فإن الله هو المحسن على الكافة، والمتفضل على جميع أصناف الخلائق؛ أولاً: بإيجادهم، وثانياً: بتكميلهم بالأعضاء والأسباب التي هي ضرورتهم، وثالثاً: بترفيههم وتنعيمهم بخلق الأسباب التي هي من مظان حاجاتهم، وإن لم تكن من مظان الضرورة، ورابعاً: بتجميلهم بالمزايا والزوائد التي هي في مظنة زينتهم؛ وهي خارجة عن ضرورتهم وحاجتهم82.
الجمال الصناعي؛ ويتمثل بشكل مكثفٍ في حسن العمل وإحسانه الخالص لله تعالى في كل شيء: نيةً وسلوكاً ومقصداً؛ فالعلاقة المقاصدية بين كلٍ من: الحسن بوصفه مفهوماً شاملاً لمعاني الجمال وما وراءها من القيم المتصلة بالأخلاق من جهة؛ والإحسان بوصفه مفهوماً شاملاً لمعاني الأخلاق وما وراءها من الأعمال المتصفة بالجمال من جهة أخرى؛ تفيدُ إمكانيةَ استجلاء البُعد أو الوجه الآخر لمعاني الحسن والإحسان ودلالاتهما؛ ويتمثل هذا البعد في العلاقة الرمزية بين الجلال والجمال بوصفه المفهوم الأكثر دقة في المعنى الواقعي المحسوس، والأكثر خصوصية في الدلالة الثقافية على العمل الإنساني المحض، فيبدو الجمالُ بذلك قيمةً نوعية من قيم الدين الفلسفية المعروفة عادة بقيم الحق والخير والجمال، وكليةً خاصة ومميزة ونوعية من كليات الدين المقاصدية التي غالباً ما تجمع كلاً من الجمال بوصفه شكلاً مقاصدياً، والأخلاق الدينية بوصفها مضموناً مقاصدياً في صيغة معرفية فلسفية ودينية ومنهجية وسلوكية عملية واحدة؛ يمكن أن نسميها: الجمالية المقاصدية، أي: الأخلاقية الدينية بوصفها القيمة المعيارية المثالية والأعلى لاختبار العمل الإنساني﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [تبارك: 2]، مهما كانت طبيعة هذا العمل الحضارية بين السياسة والاجتماع والاقتصاد وغير ذلك، ومهما كان مجاله المعرفي بين العلم والأدب والفن والصناعة.
الجمال الفني؛ وهو الفضاء الفلسفي والإبداعي للفنون الإسلامية وتمثُّلاتها المعرفية والمنهجية لقيم القرآن الكريم ومقاصده الجمالية العامة والخاصة، كتمثُّلِ فن التذهيب الإسلامي، على سبيل المثال لا الحصر، لنظرية النور والإشراق القرآنية:﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ﴾[النور: 35]:﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ [الزمر: 69] مقصداً جمالياً في تذهيب المصحف الشريف، ورمزاً متعالياً لنورانية التجلي الإلهي83.
ومن كل ما تقدم؛ يمكن أن نقف على الآتي:
أولاً: أن هناك مفهوماً إسلامياً فلسفياً دينياً مقاصدياً للجمال؛ يتسمُ بالوحدة والكلية والشمول والتراتب، فالجمال هو صفة أزلية لله سبحانه وتعالى، وهو قيمة من قيم الوجود والكون والوعي والعمل والصورة، وهو ثقافة الحياة والعيش والسلوك، وهو معرفة مركبة من الدين والفلسفة والعلم، وهو صناعة وإبداع وفن بالمفهوم الجمالي (Aesthetics) المعاصر لكلمة: فن (Art).
ثانياً: تصور مقاصدي خاص لطبيعة الفنون الإسلامية؛ يقومُ على أن هذه الفنون ذات أبعاد فلسفية ثلاثة؛ هي84: الظاهر، والباطن، والروح: فالظاهرُ يتمثل في الشكل الفني الخارجي المتكونِ من الخط والمساحة والكتلة، وغير ذلك من العناصر القابلة للوصف والتاريخ. والباطنُ يتمثل في القيم التي يعبر عنها هذا الظاهر من الوحدة والتنوع والأصالة، وغير ذلك من القيم المتصلة بفلسفة الجمال، أما الروحُ فهي السر أو الكنه الماورائي المتصل بالحقيقة المطلقة المنعكسة حضوراً فطرياً في كل الأشياء بعامة؛ ويتجلى حضورها الرمزي الفاضل في الفنون الإسلامية بخاصة.
ثالثاً: تصنيف الفنون الإسلامية إلى: فنون جلالية صادرة عن المسجدِ بوصفه مركز العمل الديني الإسلامي كفن ترتيل القرآن، وفن العمارة المقدسة، وفن الخط العرب، وإلى فنون جمالية تتمتع برعاية البلاط والمجتمع كله كالموسيقى والشعر والمنمنمات85.
ولعل من أهم ثمرات هذه العلاقة العميقة والوطيدة بين علم المقاصد وعلم الجمال هو ما يمكن أن نخرج به من تطوير هذا التصنيف الرمزي للفنون الإسلامية وتمثلاتها الفنية للمقاصد الجمالية الإسلامية؛ إلى تصنيف مقاصدي للفنون الإسلامية على النحو الآتي:
أولاً. الفنون الجلالية المتعلقة بالمقاصد القرآنية الضرورية والأصلية كالتوحيد والإلهام والنور مثلاً. ولعل من أبرز الفنون الإسلامية القابلة للتأصيل والتصنيف في دائرة الفنون الجلالية: فنُّ الخط، وفنُّ التذهيب لكونهما الفنيين الأكثر اشتغالاً وتداولاً وتوظيفاً في كتابة القرآن الكريم، وفي تزيين عمارة الكعبة المشرفة وكسوتها.
ثانياً. الفنون الجلالية -الجمالية المتعلقة بمقاصد القرآن الحاجية والتابعة كالعمران مثلاً. ولعل من أبرز الفنون الإسلامية القابلة للتأصيل والتصنيف في هذه الدائرة: فنُّ العمارة المسجدية الذي يعد الفنَّ الإسلامي الأكثر تعبيراً عن فلسفة الإسلام الدينية الثقافية الدينية والحضارية في العالم.
ثالثاً. الفنون الجمالية المتعلقة بمقاصدِ القرآن التحسينية والتابعة؛ مثل: فن الزخرفة، وهندسة الحدائق الإسلامية التي تقوم، من حيث التصميم والإنشاء والتكوين، على ما يمكن أن يُسمّى بالنظرية الفردوسية86 التي تقوم على التصور الجمالي المدهش لصورة الجنة الإسلامية وهندستها المكانية التي فيها: «ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر87»، وهو ما يبعث على تهذيب النفس الإنسانية وتغذيتها الدائمة بالرضا والسرور والسعادة.
الخاتمة:
لعل من أهم النتائج الطيبةِ التي يمكن أن نتحراها ونتلمسها ونخلص إليها نظرياً من هذه العجالةِ البحثية: أهمية علم المقاصد ودوره النظري والعملي في تعريف الفن الإسلامي وتأصيله وتصنيفه على أساس المقاصد الجمالية؛ التي هي أشبه ما تكون بنظرية معرفية ومنهجية رديفة لنظرية القواعد الدينية لعلم أصول الفقه، والقيم الأخلاقية التي يقوم علم المقاصد عليها (بشكل رئيس).
أمَّا أهمُّ التوصيات العملية التي يمكن أن نبنيها على نظرية المقاصد الجمالية فهي: تأسيس علم خاص لعناصر الفن الإسلامي، يعمل أولاً على تحديد طبيعته المعرفية الخاصة من النواحي الفلسفية والتشكيلية والوظيفية، ويعملُ أخيراً على إبراز أصالته الجمالية الخالصة، وشخصيته الفنية المتميزة، وهويته الحضارية الفريدة.
قائمة المراجع
ابن تيمية، الجمال؛ فضله وحقيقته وأقسامه، تحقيق: إبراهيم عبد الله الحازمي، دار الشريف للطباعة والنشر، 1413 هـ.
ابن رشيق القيرواني، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، 1955م.
ابن قدامة المقدسي، روضة الناظر وجنة المناظر، تحقيق: شعبان محمد إسماعيل، مكة المكرمة: المكتبة المكية، 1998م.
ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، تحقيق: عبد العزيز الجليل، الرياض: دار طيبة، 2004م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، تحقيق: زائد بن أحمد النشيري، جدة: مجمع الفقه الإسلامي، 1428 هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، روضة المحبين ونزهة المشتاقين، تحقيق: محمد عزير شمس، جدة: مجمع الفقه الإسلامي، 1431 هـ.
ابن منظور، لسان العرب، بيروت: دار صادر، 2000م.
أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق: محمد عبد الله دراز، بيروت: دار الكتب العلمية، 2004م.
أبو بكر محمد بن علي بن الشاشي المعروف بالقفال الكبير، محاسن الشريعة في فروع الشافعية (كتاب في مقاصد الشريعة)، تحقيق: أبو عبد الله محمد علي سمك، بيروت: دار الكتب العلمية، 2007م.
أبو الحسين مسلم بن حجاج، صحيح مسلم، بيروت: دار الكتب العلمية، 2000م.
أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، بيروت: المكتبة العصرية، 2011م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، جواهر القرآن، تحقيق: الدكتور الشيخ محمد رشيد رضا القباني، بيروت: دار إحياء العلوم، ط3، 1990م.
أحمد الريسوني، الذريعة في مقاصد الشريعة، القاهرة: دار الكلمة للنشر والتوزيع، 2016م.
أحمد الزرقا، شرح القواعد الفقهية، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1403 هـ.
أحمد بسام ساعي، إدارة الصلاة، أمريكا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2015م.
أحمد السمين، عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، تحقيق: محمد عيون السود، بيروت: دار الكتب العلمية، 1996م.
أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، بيروت: دار المعرفة، 1379هـ.
أحمد مصطفى الكمشخاوي، جامع الأصول في الأولياء، تحقيق: أحمد فريد المزيدي، بيروت: دار الكتب العلمية، 2010م.
أحمد الريسوني، مقاصد المقاصد؛ بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2013م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية، الكويت: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2009م.
إدهام محمد حنش، علوم الفن الإسلامي؛ التصنيف المعرفي والعلاقات البينية، مسقط: المؤتمر العلمي الثالث لكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة السلطان قابوس، 2016م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، فقه الحسن: التأصيل المقاصدي لمفهوم الفن الاسلامي وحدوده المعرفية، فصل في كتاب: الفنون في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية، تحرير: إبراهيم البيومي غانم، لندن: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، 2017م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، منبر المسجد الأقصى المبارك، دبي: فنون إسلامية (مجلة ثقافية فصلية)، العدد الأول، 2012م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، مدخل لدراسة التذهيب الإسلامي، الكويت: المجلة العربية للعلوم الإنسانية، السنة 29، العدد 115.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، المرئي واللامرئي في الفن الإسلامي، الكويت: المجلة العربية للعلوم الإنسانية، السنة 31، العدد 121.
إسماعيل الفاروقي، التوحيد ومضامينه في الفكر والحياة، ترجمة: السيد عمر، الأردن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2016م.
إسماعيل ولويزا الفاروقي، أطلس الحضارة الإسلامية، ترجمة عبد الواحد لؤلؤة، القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1998م.
إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي، الفطرة وقيمة العمل في الإسلام، مكة المكرمة: رابطة العالم الإسلامي، 1989م.
أسامة القفاش، مفاهيم الجمال: رؤية إسلامية، القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996م.
الحسان شهيد، نظرية النقد الأصولي: دراسة في منهج النقد عند الشاطبي، أمريكا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2012م.
الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، دمشق: دار القلم، 2009م.
تيتوس بيركهارت (الشيخ إبراهيم عز الدين)، أسس الفن الإسلامي، في كتاب: مقالات في الفنون الإسلامية، الأردن: معهد الفنون الإسلامية التطبيقية (جامعة البلقاء التطبيقية) ومؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي، د.ت.
ديماند، الفنون الإسلامية، ترجمة أحمد محمد عيسى، مراجعة أحمد فكري، القاهرة: دار المعارف، 1958م.
رفيق العجم، موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 1999م.
ريحانة اليندوزي، التحقيق في دعوى حصر المكارم الخلقية في المقاصد التحسينية، أعمال الندوة العلمية التي نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء: «مقاصد الشريعة والسياق الكوني المعاصر»، الرباط: مطبعة المعارف الجديدة، 2013م.
زكي محمد حسن، في الفنون الإسلامية، القاهرة: مطبوعات اتحاد أساتذة الرسم، 1938م.
سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داود، تحقيق: سعيد محمد اللحام، بيروت: دار الفكر، 2006م.
سيد أحمد بخيت علي، تصنيف الفنون العربية الإسلامية، أمريكا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2012م.
سيد حسين نصر، العلاقة بين الفن الاسلامي والروحانية الاسلامية، في كتاب: مقالات في الفنون الإسلامية، الأردن: معهد الفنون الإسلامية التطبيقية (جامعة البلقاء التطبيقية) ومؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي، د.ت.
شعبان الآثاري، العناية الربانية في الطريقة الشعبانية، رسالة محققة في: موسوعة تراث الخط العربي، تحقيق: هلال ناجي، القاهرة: الدار الدولية للاستثمارات الثقافية، 2002م
شوقي الأزهر، «تطور التنظير المقاصدي في العصر الحديث»، إسلامية المعرفة (مجلة علمية عالمية فصلية يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي)، السنة 23، العدد 90، خريف 1438 هـ/ 2017 م.
صفي الدين حامد، جنات وعيون: دراسات في عمارة الحديقة الإسلامية، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2009م.
صلاح الدين سلجوقي، أثر الإسلام في العلوم والفنون، القاهرة: مطبعة أيمن عبد الرحمن، 1956م.
طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، بيروت: المركز الثقافي العربي، 1993م.
عادل عبد الشكور الزرقي، ذوق الصلاة، الرياض: دار الحضارة، 2009م.
عارف تامر(محقق)، رسائل أخوان الصفا وخلان الوفا، بيروت: منشورات عويدات، 1995م.
عبد الرحمن إبراهيم الكيلاني، قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي، أمريكا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2000م.
عفيف بهنسي، فلسفة الفن عند التوحيدي، دمشق: دار الفكر للطباعة والنشر، 1987م.
فتحي حسن ملكاوي، منظومة القيم العليا: التوحيد والتزكية والعمران، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2013م.
فريد الأنصاري، جمالية الدين من معارج القلب إلى حياة الروح، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر، 2016.م.
فهمي محمد علوان، القيم الضرورية ومقاصد التشريع الإسلامي، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1989م.
ماهر حسين حصوة، مقاصد القرآن الكريم في بناء الحضارة والعمران، إسلامية المعرفة، السنة 23، العدد 89، 2017م.
محمد بغدادي، موسيقى الخط العربي عند التوحيدي، القاهرة: فصول (مجلة النقد الأدبي)، المجلد 15، العدد 1، ربيع 1996م.
محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، الرياض: دار السلام، 1997م.
محمد سعيد رمضان البوطي، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، دمشق: مؤسسة الرسالة، 1973م.
محمد بن علي الترمذي الحكيم، المسائل المكنونة، تحقيق: محمد إبراهيم الجيوشي، القاهرة: دار التراث العربي، 1980م.
محمد صديق المنشاوي، مراصد الصلاة في مقاصد الصلاة، تحقيق: القاهرة: دار الفضيلة، 1998م.
محمد عبد السلام السلاطين(محقق)، كتاب الصلاة ومقاصدها، القاهرة: المكتبة المصرية، 2004م.
محمد قطب، منهج الفن الإسلامي، القاهرة: دار الشروق، 1983م.
محمد ناصر الدين الألباني، صفة صلاة النبي (ص) من التكبير إلى التسليم كأنك تراها، الرياض: مكتبة المعارف، 2006م.
نور الدين الخادمي، الاجتهاد المقاصدي حجيته ضوابطه مجالاته، قطر: رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية، 1998م.
نجم الدين الطوفي، رسالة في رعاية المصلحة، تحقيق: أحمد عبد الرحيم السايح، القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 1993م.
Titus Burckhardt , Art of Islam: Language & Meaning, London: 1976.
June Turner. Ed, Dictionary of Art, New York: Macmillan Publisher Limited. 1996.
ملاحظة: نشر هذا النص في الكتاب التالي: الفنون في ضوء مقاصد الشريعة 2 ، 2019، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، لندن، ص 139-194. يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني. |