إشكالية الفنون الجميلة في علاقتها بمقاصد الشريعة

شارك:

إبراهيم البيومي غانم؛ عضو مجلس خبراء مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ومستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، مصر.

محتويات المقال:
تمهيد
أولاً: في النظرية العامة للفنون الإسلامية: أصولُها ومقاصدُها
ثانياً: إسهامُ نظام الوقف في تكوين جماليات الفنون الإسلامية
خاتمة
المصادر والمراجع

تمهيد

مجموعة خليلية للفن الإسلامي رقم 0463

يُخَيِّمُ الغموضُ في الوعي الإسلامي المعاصر على وظائف الفنون ومقاصدها بعامة، وعلى وظائف الفنون الجميلة ومقاصدِها بخاصة. ويمتدُّ هذا الغموض إلى علاقة الفنون بمجملها بمقاصد الشريعةِ ومكارمها بمجملها. ويتسبب هذا كلُّه في نمو الارتباك والحيرة والنفورِ، أحياناً، لدى جيل الشباب تجاه مسألة الفن ودوره في الحياة. وفي الوقت الذي يجد فيه هذا الجيلُ فرصةً كبيرة للانفتاح على مختلف ألوان الفنون والآداب العالمية والمحلية عبر الوسائط المتطورة لنقل المعلومات، ومن خلال السياحة والتجوال والمشاهدة المباشرة؛ فإنه يجدُ نفسَه في كثيرٍ من الأحوال، لا يمتلك رؤيةً واضحةً عن هذه الفنون ولا عن وظائفها، وتغيب عنه أهميتها في الحياة، ولا يستطيع التفريق بين النافع منها والضار، ولا يكاد يهتدي إلى معرفة موقعها على سُلم أولويات العيش وتكاليف الحياة اليومية؛ ناهيك عن علاقتها بقيم المرجعية الإسلامية وأصولها المعرفية، ومقاصدها العامة. وهذا هو لب إشكالية «الفنون الجميلة» تحديداً؛ وهي التي أبحثها هنا في علاقتها بمقاصد الشريعة.

 إن فتحَ باب النظر إلى مقاصد الشريعة من جهة كيفيات تحصيلها ابتداءً؛ يكشف -ضمن ما يكشف- عن أن «الفن والفنون الجميلة» بكل صورها داخلةٌ بالضرورة في خدمة المقاصدِ العامة للشريعة؛ ليس باعتبارها وسيلة من وسائلها فحسب، وإنما باعتبارها تلبية لنداء الفطرة التي فطرالله الناسَ عليها. فبصرُ الإنسان –مثلاً- إذا كان لا يقع غالباً إلا على مشاهد جميلة، وسمعُه إذا كان لا يستمع إلا إلى الطيب من القول، وشمُّه إذا كان لا يستنشق إلا الروائح العطرة؛ فإنه سيتمتع ـ على الأرجح ـ بصحةٍ عقلية ونفسية وبدنية تجعله أكثر إيجابية، وأكثر إقبالاً على تعمير الحياة، وأعظم محبةً لغيره. وعمرانُ الحياة من أعظم التكاليف التي عهد بها الخالق سبحانه إلى الإنسان. أما إذا حدثَ العكسُ، ووقع بصره غالباً على مشاهد قبيحة المنظر، واستقبل سمعه ما يُسترذل من القولِ، وامتلأت أنفاسُه بالروائح الخبيثة؛ فإنه سيعاني غالباً من اعتلال في صحته العقلية، وسيئِنُّ من اختلالٍ في صحته النفسية، ومن ضعف صحته البدنية، وسيعاني كثيرون من حوله معه، وبسببه، وكل هذه الأحوال والسلوكيات تكرُّ على أصول المقاصد بالتعطيل والِإهدار.

ولستُ معنياً في هذا البحثِ بالإجابة على السؤال الذي يقول: هل الفنُّ أو الفنون الجميلة حلال، أم حرام؟ مندوبة، أم مكروهة، أم مباحة؟. ذلك لأنني أعتقد أن مثل هذا السؤال قد تجاوزته الاجتهادات المعتبرة في الفقه الإسلامي، ولم يعد الجدلُ حولَه ذا شأن. وهناك أدلةٌ قوية، وتحظى بقبول واسع؛ تؤكد في مجملها على أن القاعدة العامة هي: أن كلَّ الفنون مباحةٌ ما لم تناقض وحدانية الله تعالى، أو تتعدى على أنبيائه ورسله، أو تمجد الوثنية ومعتقداتها، أو تدعو إلى الفواحش والرذائل.

إنَّ كونَ الإسلام منهجاً شاملاً للحياةِ يعني –بالضرورة- أن الفنون والآداب بمختلف أشكالها هي جزء أصيل من هذا «المنهج»؛ ليس هذا فحسب، وإنما ثمة نظرية عامة للفنون (هي غير مكتوبة حتى الآن، ولكن مادتها موجودة) تضعها في مكانها الصحيح من هذا المنهج الشامل، وتوضح مكانتها باعتبارها وسيلةً تخدم المقاصد، وباعتبارها مقصداً فطرياً في ذاتها أيضاً. ولا مجادلة في ذلك؛ وخاصة إذا علمنا أن ميدان عملِ الفنون الجميلة وحواشيها هو بناء «الوجدان»، وترقية «الذوق»، ومن ثم السمو بالعواطف والمشاعر، وتغذية «الروح» بما يسهم في تحقيق السكينة والطمأنينة الفردية والجماعية، وبما يسهم كذلك في شحذِ الهمم للكدح والعمل. وميدانُ الوجدانِ هو ذاتُه الميدان الأول لعمل رسالة الإسلام في النفس الإنسانية المهيأة بحكم الفطرة للاختيار بين الخير والشر، وبين النافع والضار، وبين الحسن والقبيح، وبين الهداية والضلال؛ بل بين الإيمان والكفر.

والسؤال المركزي هنا هو: هلْ خدمت الفنونُ الجميلةُ المقاصدَ العامةَ للشريعةِ؟. الإجابةُ التي أقترحها في هذا البحث على هذا السؤال هي: أن كل النظم الشرعية ومؤسساتها التي عملت في خدمة المقاصد العامة للشريعة قد استفادت من الفنون الجميلة بأنواعها المختلفة؛ بل إن بعضَ هذه النظم الشرعية (مثل نظام الوقف)  أسهمت بشكلٍ مباشر، أو غير مباشر في إبداعِ كثيرٍ من أشكال الفنون الجميلةِ
وفي تطويرها.

إن نقطةَ البدءِ في تكوين النظرية العامة للفنون الجميلة هي «القرآن الكريم»، و«سنة النبي» ﷺ، ويليهما اجتهاداتُ العلماءِ على مر الأزمان. وإن «توحيد الله سبحانه وتعالى» هو محور ارتكاز أي جهد تنظيري في هذا الموضوع على ما ذهب إليه الدكتور إسماعيل الفاروقي $.  فالتوجيهاتُ القرآنية والنبوية بشأن الجماليات والفنون المختلفة تؤكد على أن الفنونَ والجمالياتِ شأنٌ عام لكل الناس، وتدعوهم لاكتشافه والاستمتاع به، والاستفادة منه، واتخاذه وسيلة لمعرفة الخالق وتوحيدِه وتمجيده. وقد شجعت آيات الكتاب العزيز وأحاديث النبي الكريم على ظهور ألوان كثيرة من الإبداعات الفنية والجمالية؛ وكان «المسجدُ» هو ميدانها الأول؛ لأنَّهُ هو الحيز المادي والروحي للمسلم. ومنه انطلقت إبداعاتُ الفنون وجمالياتُها في أنواع العمارة المختلفة بما فيها القصور المرفهة، ومقرات الحكم ومؤسساته؛ حتى إن بعض المهندسين المعماريين حاولوا محاكاة الأوصاف الجمالية القرآنية للجنة على الأرض؛ وقصر الحمراء بغرناطة من أشهر الأمثلة على مثل هذه المحاولة!. وتجلت تلك الإبداعات أيضاً في هندسة النظم المعمارية المدنية والحربية، وفي كيفيات تخطيط المدن وبناء الأمصار؛ إضافة إلى أن  بعض النظم الشرعية، مثل نظام الوقف كما سلف القول؛ قد اقتضى تطبيقه إبداعَ كثيرٍ من ألوان الفنون الجميلة وتخليدها، ومن ثم أسهم في خدمة المقاصد العامة للشريعة.

أولاً: في النظرية العامة للفنون الإسلامية: أصولُها ومقاصدُها

من معاني كلمةِ «فن»، في لسان العرب: الإبداعُ. وبتعبير ابن منظور: «رجلٌ مِفَن: يأتي بالعجائب»1. ومن العجائب ما يأتي على غير سابق مثال، وهو ما يسمونه الإبداع في لغة الفن المعاصر. ولهذه الكلمة معان أخرى كثيرة تردُ في قواميس اللغة العربية ومعاجمها القديمة، وهي -في أغلبها- تجعلُ كلمةَ «فن» مرادفة لمعنى «نوع». وهي تشير أيضاً -في معنى متقدمٍ- إلى «القواعد الخاصة بحرفة أو بعملٍ أو بعلمٍ». أما في القواميس والمعاجم العربية الحديثة فقد اكتسبت كلمةُ «فنٍ» معاني جديدةً منها: ما ينتجه الفنان ليعبر به عن مُثلِ الجمالِ الأكمل. وثمة ثلاثة مداخل علمية كبرى للنظر في الفنون: الأولُ لغوي نقدي، والثاني عقلي منطقي يبحث في المواقف والاستجابات والاتجاهات المتعلقة بموضوع الجمال، والثالثُ فلسفيٌ تأمليٌ يبحثُ في موضوع الجمالِ ذاته وفي غائياته. وتغطي هذه المداخل في مجملها مسائل كثيرة من أهمها: العلاقة بين الشكل والمضمون، والاستجابة للجمال والاستمتاع به، والتمثيل والتعبير، وتذوق الفن ونقده والحكم عليه، وأثر الخبرة الجمالية على حياةِ الإنسان، ودور المحاكاة والخيال والعواطف في إبداع الفنون، والرمز في الفن...إلخ.

ولم أجد في المعاجم والقواميس اللغوية العربية القديمة تعريفاً اصطلاحياً لكلمة «فن». فالجرجاني صاحب «التعريفات» لم يضع لها تعريفاً اصطلاحياً، واستخدم كلمة أخرى عوضاً عنها هي: «الصناعة»، وعرفها بأنها «ملكةٌ نفسانيةٌ تصدرُ عنها الأفعالُ الاختياريةُ من غيرِ رويةٍ. وقيل هي: العلمُ المتعلقُ بكيفية العمل»2، ولكنه أتى بتعريف غاية في دقة التعبير وعمق النظر لكلمة «الجمال»؛ إذ هو، عنده، «من الصفات: ما يتعلق بالرضا واللطف»3.

أما في المعاجم الحديثة فكلمةُ «فن» لها معانٍ اصطلاحية متعددة تتلخص في «جملة الوسائل التي يستعملها الإِنسانُ لإِثارة المشاعر والعواطف وبخاصة عاطفة الجمال»، وهي «مهارة يحكمها الذوق والموهبة». وتغطي الفنونُ بمدلولاتها المعاصرة «كُلَّ الإِبْدَاعَاتِ الَّتِي تَرْتَقِي إِلَى الْكَمَالِ وَالْجَمَالِ، وَتَسْمُو بِالْخَيَالِ إِلَى َالإِبْدَاعِ كَالشِّعْرِ وَالْمُوسِيقَى وَالرَّسْمِ وَالنَّحْتِ وَالزُّخْرُفِ وَالْبِنَاءِ وَالرَّقْص، وأَجْنَاسُ الأَدَبِ من: الشِّعْرُ وَالْمَسْرَحُ وَالْقِصَّةُ وَالرِّوَايَةُ. وللفنون عامة عدةُ تصنيفات منها: «الفنون الجميلة»، و«الفنون التشكيلية»، و«الفنون التعبيرية»، و«الفنون التطبيقية، و«الفنون الأدائية»4.

وتكشف القراءةُ الجماليةُ للقرآن الكريم عن أن للفنونِ والجماليات بمختلف أنواعها أصولاً شرعية واردة في المرجعية القرآنية العليا. وأقتصر هنا على بيان الرؤية القرآنية لفن صناعة التماثيل؛ وهو الفن الأكثرُ إثارةً للجدل من حيث «الحل»، و«الحرمة». ففي القرآن نجد حديثاً عن التماثيل في مشْهَدَيْن:

المشهد الأول خاص بسيدنا إبراهيم ڠ ففي شأنه ورد في سورة الأنبياء قولُه تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ. إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ. قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ. قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ. قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ. فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ. قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [سورة الأنبياء: 51-59].

والمشهد الثاني يخص سليمان ڠ في سورة سبأ. قال تعالى:﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِوَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ. يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 12-13].

 وفي ضوء هذين المشهدين اللذَيْن حكاهما القرآن، يتضح أن التماثيل حرامٌ في الموقفِ الأول مع سيدنا إبراهيم، وحلال في الموقف الثاني من سيدنا سليمان؛ بل إن عملَها معه كان فضلاً من أفضال الله تعالى على آل داود يستحق الشكر. ولم يكن سليمانُ يهدفُ بطبيعة الحال أن يتخذَها أصناماً يعبدُها من دون الله.

وعلى أساس هذا التوجيه القرآني يمكنُ فهم الأحاديث النبوية المتعلقة بالتصوير وغيره من صيغ الفن والفنون الجميلة. فبعض ما رود في الأحاديث النبوية بشأن تحريم صناعة التصوير إنما كان يعني ما يصنع منها بقصد العبادة؛ أي صناعة الأصنام5. ويؤيد ذلك أن العمل الأساسي لصانع التصاوير في الجاهلية هو «صناعة الأصنام»6. وإذا كان الإسلام قد نهى عن عبادة التصاوير، إلا أنه لم يحظرْ صناعتها. ومن الأدلة على ذلك أن ابن عباس أباحَ لصانع التصاوير -الذي جاء ليستشيره في أمر صناعته- أن يصور فقط الشجر وكل ما ليس فيه روح»7. أي أنه أباحَ تصوير ما ليس له قدرة ظاهرة؛ حتى لا يظن المصور أنه قادر على الخلق، وحتى لا يزعم إنسانٌ أن الصورة لها قدرة، أو قوة، أو عمل؛ وبذلك تزول شبهة الرجوع إلى عبادة الأوثان والأصنام، ولا سيما أن القومَ كانوا حديثي عهد بتلك العبادة.

ويتبينُ باستقراءِ كثير من آيات القرآن الكريم، أن إبداعات الله سبحانه وتعالى تجمع بين النفعية والجمال والزينة، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾[الصافات:6]. وقوله سبحانه: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾[النحل:6]. وقوله:﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[الكهف:7]. وقد عرض القرآن الكريم مجالات الجمال المتعددة ومنها الجمال الظاهري، كما في قوله تعالى:﴿يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾[الأعراف:31]». ومنها الجمال المعنوي؛ الذي يتجلى في الصبر، والهجر، والصفح، والتسريح. قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾[المعارج:5]. وقال:﴿ واهجرهم هجراً جميلاً﴾[المزمل:10]. وقال: ﴿فاصفح الصفح الجميل﴾[الحجر:85]. وقال سبحانه: ﴿..وأسرحكن سراحاً جميلاً﴾ [الأحزاب:28].

وقد  بذلتُ وسعي في حصر ما ورد في آيات القرآن الكريم من مفردات تعبر عن الجمال وفنونه، فوجدتها كثيرةً ومتنوعة وبالغة الثراء. ووجدت أن أوَّلها وواسطةَ عقدها هو: لفظ الجلالة «الله» بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وذاته التي لا يدركها كما هي إلا هو ذو الجلال والإكرام. ثم تأتي المفردات الأخرى ومنها: «الجنة»، و«جميل»، و«حسن»، و«الجلال»، و«زينة»، و«طهور»، و«مطهرة»، و«حور العين»، و«الزخرف»، و«التماثيل»، و«الآثار»، والألوان المختلفة، و«الخير». إضافة إلى الصور الجمالية الكونية والبيئية في الأرض وفي السماء، والتشبيهات التي رسمتها آيات كثيرة في عديد من سور الكتاب العزيز. وتحتاج هذه المفرداتُ إلى دراسة نصية ومقاصدية متعمقة في سياقاتها.

ومن هذا المنطلقِ القرآني تشكلت فلسفةُ فنان الحضارة الإسلامية. فغالباً ما استخدم فنه لخدمة غرض مشروعٍ، ولتحقيق مقصد من مقاصد الشريعة؛ مستعيناً بإضافة عناصر فنية تضفي على عمله الفني جمالاً في المظهر، وعمقاً في المعنى بما يدعم القيم الروحية، واضعاً نصب عينيه عقيدته التوحيدية الدينية. ولم يعرف هذا الفنان اللوحاتِ المستقلة كما عرفها الغربيون؛ حيث كان يرمزُ إلى الطبيعة، ولا يصورها؛ خشية تقليد خلق الله تعالى. واستخدم الرسوماتِ الزخرفيةَ المحتويةَ على عناصر نباتية وحيوانية بشكل محوري؛ بعيداً عن مشابهة خلق الله، ولم يحترم النسب الطبيعية، ولم يكنْ لعلم التشريح أي دورٍ في فنونه بخلاف الفنون الغربية. ولجأ أيضاً إلى التجريد بطريقة مختلفة عن فنون الحضارات الأخرى؛ فالتجريد في الفن الإسلامي عبارة عن رؤية روحية للأشياء؛ بمعنى رؤيتها في شكلها المعنوي، وليس في شكلها المادي.

وثمة سؤال تاريخي هنا هو: متى نشأت الفنونُ الجميلةُ في الإسلام؟. والأرجح في رأيي هو أن نشأتَها العمليةَ الأولى قد بدأت في العام الأول للهجرة النبوية من مكة إلى المدنية؛ حيث ظهر نموذجُها الأولُ في تخطيط مسجد قباء؛ وهو أول مسجد بناه الرسول ﷺ في المدينة المنورة. وكان نزولُه ﷺ أرضَ قباء في ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة، الموافق سبتمبر من سنة 622. ورغم ندرة المعلومات التي وصلتنا عن تفاصيل تصميم ذلك المسجد ومكوناته المعمارية؛ إلا أن المتوافرَ من تلك المعلومات يؤكد، في أغلبه، على أن البساطةَ والانتظامَ والانسجامَ بين عناصر المسجد المعماريةِ والوظيفية هي أوضحُ المعالم الجمالية الأولى التي تجلت في مسجد قباء، ومنه انتقلت تلك العناصر إلى بقية المساجد والعمائر الإسلامية الأخرى. ولم يمض وقت طويل حتى «اتخذ الفنُّ الإسلامي المعماري الجديد أهم أشكاله المميزة خلال العقدين الأخيرين من القرن الأول الهجري، وهما العقدان الأولان من القرن الثامن الميلادي. وأشهرُ الأمثلة على ذلك هو الجامع الأموي في دمشق»8، وهو من آيات الفنون المعمارية الجميلة. ودخل «المسجدُ» في صلب التخطيط العمراني للمدن والأمصار؛ وأصبح لا يمكن تصور مدينة إسلامية إلا بوجود المسجد الجامع في وسطها. ثم تكاثرت الفنونُ المرتبطة بتصميم المساجد وتشييدها، وتطورت بمرور الزمن مع انتشار الإسلام ودخول أمم ذات حضارات عريقة فيه، ومنها حضارات: الصين، والهند، وفارس، وروما، واليونان9.

ومن المهم التأكيد هنا على أن ازدهار الفنون الإسلامية الجميلة ترافق مع ازدهار الحضارة الإسلامية وقوتها. وشملت ما يعرف حديثا باسم «الفنون التطبيقية» وهي: العمارةُ (أو: «الريازة» بتعبير الأندلسيين)، والخزف، والزجاج، والمعادن، والنسيج، وما إلى ذلك من فنون تخدم غرضاً ما، أو تؤدي وظيفة معينة. وشملت أيضاً فنون العمارة: المدنية، والدينية، والحربية. وكان الفنان المسلم في أغلب أعماله يقوم بتوظيف مهاراته في خدمة المقاصد الشرعية؛ فبدلاً من أن يرسم صورة بغرض الإمتاع البصري وحده؛ كان يزخرف بها إناءه، أو يزين بها سيفه، أو سجادته؛ لتسهم في التذكير ببعض القيم الإيمانية الكبرى التي حضت عليها تعاليم الإسلام.

ودون الدخول في تفاصيل تاريخ الفنون التي عرفتها الحضارة الإسلامية في تاريخها الطويل؛ فإن مقتنيات المتاحف والمعارض المتخصصة في الفنون الإسلامية وآثارها شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً10 -وأحدثها هو متحف «السلام عليك أيها النبي»11- كلُّها تشهدُ على أن الفنون الجميلة بمختلف أنواعها نالت حظاً وافراً من العناية والاهتمام من المسلمين، وأنها أيضاً قد انفتحت على مختلف الخبرات الحضارية وهذبتها واستوعبتها وأضافت إليها وصبغتها بطابعها الإسلامي الخاص. كما تدلنا تلك الآثار على أن «وجود الله» هو الأساس العقيدي الذي صبغ جل أعمال الفن الإسلامي، وكما يقول روجيه جارودي: « إن كلَّ غرض حتى ذلك الأكثر استعمالاً ؛ سواء كان سيفاً، أو إبريقاً، أو طبقاً من نحاس، أو سرجَ حصان، أو منبراً، أو محراباً في مسجد؛ هو محفور ومرصع أو مطروق ليشهد أنه علامة على وجود الله»12. وأضيفُ: وأنه علامة أيضاً على وحدانيته سبحانه وتعالى.

ورغم كثرة البحوث في قضايا الفنون الإسلامية ومشكلاتها النظرية والعملية؛ إلا أن السؤال عن علاقة هذه الفنون بالمقاصد العامة للشريعة، لم يحظ للساعة بما يستحقه من الدرس- والتأصيل. ولا تزالُ أغلبُ البحوث في الفنون الإسلامية معنية بالجوانب التاريخية، أو الفقهية (الحلال والحرام)، أو المعمارية والهندسية، أو بعلاقات التأثير والتأثر بين الفنون الإسلامية وغيرها من فنون الحضارات الأخرى. أو هي معنية بمسائل وموضوعات مفردة مثل: الرسم، أو التصوير، أو التمثيل، أو الشعر، أو الموسيقى، أو الغناء، أو الزخرفة والزركشة ؛ دون محاولة صوغِ نظريةٍ عامة ورؤية معرفية شاملة لها، واكتشاف علاقة كل هذه الفنون بالمقاصد العامة للشريعة. ومع هذا فإن «مادة» النظرية العامة للفنون وجمالياتها وعلاقتها بمقاصد الشريعة مبثوثة، ومتناثرة في اجتهادات قدماء العلماء وبعض محدثيهم.

 قديمًا؛ تناولَ علماءُ المسلمين الفنونَ الجميلة ومسائلَها بقدر كبير من التوسع مع التعمق الفلسفي. فالمعتزلة مثلاً ربطوا الأخلاق والجمال بالعقل وبالشرع معاً؛ وذهبوا إلى أن ما حَسُنَ في نظر العقل يكون حسناً في نظر الشرع. وابن سينا (370-428ھ /980-1037م) رأى أن «جمالَ الشيء وبهاءه هو أن يكون على ما يجب له»13. وابن طفيل كتب رسالة في «فن الموسيقى» استعاد فيها النظرية الكلاسيكية حول التوافق بين أجناس الألحان والأمزجة البشرية؛ وأكد على الامتدادات التربوية والتطبيقية لهذا التوافق؛ بما في ذلك التطبيقات الطبية عنده 14.

أما الإمام الغزالي فقد سبق غيرَه من من قدماء العلماء في التأصيل للنظريةِ العامة في الفن والفنون الجميلةِ الإسلامية، وتلاه آخرون منهم ابن قيم الجوزية.

قسَّم الغزالي الجمالَ إلى «جمال الصورة الظاهرة المدركة بعين الرأس، وجمال الصورة الباطنة المدركة بعين القلب ونور البصيرة»15. ووظف مفهوم الجمال في شرح أسرار المحبة الواجبة بين العبد وربه، وهي محبة مبنية على جبلِّية الانجذاب البشري للجمال وفطريته، وهو«حبُّ كلِّ جميلٍ لذاتِ الجمال، لا لحظ ينال من وراء إدراك الجمال؛ فذلك مجبول في الطباع»16. وشرح الغزالي كيف أن الموسيقى أو فن «السماع» «يثمر حالة في القلب تسمى الوجدَ، وأن الوجدَ يؤدي إلى تحريك الأطراف بحركات غير موزونة تسمى اضطرابا، أو بحركات موزونة تسمى التصفيقَ والرقص. وأكد على أن كل سماع يتم عن طريق قوةِ إدراك. وأن قوى الإدراك الحسية هي الحواس الخمس... وأما القوى الباطنة فمنها قوة العقل وقوة القلب، وكل قوة من هذه القوى تلذذ بموضوعها إذا استحق هذا الموضوع هذا الشعور باللذة17. ويرجع الإمام الغزالي كل ألوان الجمال والخير إلى الله تعالى المتصف بصفات الجمال والجلال فيقول: « لا خير ولا جمال ولا محبوب في العالم إلا وهو حسنة من حسنات الله، وأثر من آثار كرمه، وغرفة من بحر جوده؛ سواء أُدرك هذا الجمال بالعقول، أو بالحواس. وجماله تعالى لا يتصور له ثان، لا في الإمكان ولا في الوجود»18.

أما ابن قيم الجوزية فيبدأُ تأصيلَه للفنون والجماليات بحديث النبي ﷺ «إن الله جميل يحب الجمال»19، ويبين أن المطلوبَ هو جمال الظاهر والباطن. ثم يربط المعرفة بالجمال بالإيمان فيقول: «إن من أعز أنواعِ المعرفة؛ معرفة الرب سبحانه بالجمال»20. وخلاصة ما ذهب إليه هو أن معرفةَ الله تكون ميسورة وقليلة الأعباء على من سلك طريق الذوق الجمالي، وأن عبادة الله تعالى يجب أن تكتسي لونا جمالياً شفافاً في العقيدة والشريعة والسلوك، وعلى المؤمن أن يكشف تجليات الجمال العقيدية والتشريعية والسلوكية ليستمتع بتطبيقها، وهو يعبد الله ويعرفه «بالجمال الذي هو وصفه، وبالجمال الذي هو شرعه ودينه»21.

ومن مثل تلك الرؤى الكلامية والفلسفية (لابن سينا والكندي والفارابي، مثلاً، إسهامات عميقة الغور في هذا الموضوع لا يتسع المجال الذكرها) ومن الاجتهادات الأصولية والمقاصدية للفنون والجماليات الكونية والنفسية؛ نستنتج أن قدماء علماء المسلمين قد أدركوا عمقَ علاقة الفنون بمقاصد الشريعة، ولكنهم لم يضعوها في صياغات مباشرة في علاقتها بكلياتها ومقاصدها العامة؛ وخاصة المقاصد والكليات الكبرى: الدين، والعقل، والنفس، والعدالة، والحرية. ومقتضى كلامهم أن التأملَ في الجماليات مؤدٍ حتماً إلى الإقرار بوحدانية الله تعالى، وإلى الاتزان العقلي، والهدوء النفسي؛ على مستوى الأفراد والجماعات. ومن ثم يسهم الاهتمام بتلك الجماليات وفنونها في تهيئة الذهن والقلب للإيمان بالله وتوحيده، وفي بناء العمران والتمدن، وفي تقوية ما نسميه «الصحة العامة»، و«السلم الأهلي» وفق مصطلحاتنا المعاصرة.

أما حديثاً؛ فبحوثُ العلماءِ في موضوع الفنون الجميلة كثيرة جداً باللغة العربية22، وبغيرها، ولكن قليل منها يبحث في علاقتها بمقاصد الشريعة؛ بل نادر جداً، ومنها مثلاً: كتاب الدكتور محمد عمارة «الإسلام والفنون الجميلة». وكتاب الرئيس على عزت بيجوفتش «الإسلام بين الشرق والغرب».

فالدكتور عمارة بيَّن في كتابه أن الفنون يجب أن تكون جميلةً في ذاتها، وجميلةً في تأثيراتها ووظائفها ومقاصدها، وأن «فنون الدَّعة والبطالة والتواكل والاسترخاء والسطحية والتفاهة، غير فنون الحمية والعمل والعزم والانتماء والنهوض»23. وهو يرى أن «الفن الجميل... مهارة يحكمها الذوق الجميل والمواهب الرشيدة؛... لإثارة المشاعر والعواطف». وذهب الدكتور عمارة إلى أن خروجَ المهارات والفنون عن المقاصد الرشيدة يجردها من شرف الاتصاف بالجمالِ»، واستشهد على ذلك بقول ابن سينا الذي أوردناه قبل قليل وهو أن «جمال كل شيء وبهاءه هو أن يكون على ما يجب له».  وينتهي الدكتور عمارة إلى أن الفن المتسق مع الإسلام هو الذي يحقق مقاصدَه في أمته، وفي الإنسانية؛ عندما تشيع فيه الصبغة التي صبغت بها عقيدته، وميزت بها أيديولوجيته إبداع الإنسان الفنان، إنها خيوط غير مرئية تلك التي تربط الوضع الإلهي بالإبداع الإنساني الجميل»24.

أما الرئيس علي عزت بيجوفتش، فقد رسم معالم نظرية إسلامية في الفنون من منظور إسلامي وبرؤية مقاصدية وفلسفية عميقة. وذهب إلى أن وجودَ عالم آخر ونظام آخر إلى جانب عالم الطبيعة هو المصدر الأساسي لكل دين وفن؛ فإذا لم يكن هناك سوى عالم واحد لكان الفن مستحيلاً. وهو يعتبر العمل الفني من حيث هو إبداع «ثمرة للروح». وبينما يكون المطلوب في العلم أن يكون دقيقاً؛ فإن المطلوب في الفن هو أن يكون صادقاً؛ لأنه يعكس النظام الكوني دون أن يستفسر عنه25.

إن ما ذهب إليه قدماءُ العلماء مثل الغزالي وابن قيم الجوزية، ومحْدثوهم مثل الدكتور عمارة والرئيس بيجوفيتش، بشأن التأصيل النظري والفلسفي للفنون والجماليات، لا يزال -رغم أهميته- غير كاف لصوغ «نظرية عامة» للفنون والجماليات وفق معايير المرجعية الإسلامية. وهنا يكمن أحد أهم وجوه إشكالية العلاقة بين الفن والفنون الجميلة وبين المقاصد العامة للشريعة: إنه النقص في الكتابة التأصيلية للنظرية العامة، والاكتفاء ببعض الجزئيات والاجتهاداتِ الفرعية، دون الوصول إلى رؤيةٍ معرفية شاملة تغطي الجوانب المختلفة للفنون والجماليات، وتجيب على الأسئلة الفلسفية الكبرى التي يثيرها موضوع الفن والجمال في حياة الإنسان الدنيوية والأخروية.

من المفيد في سياقِ السعي لحل هذه الإشكالية أن ننفتحَ على نظريات المدارس الغربية الحديثة في مجال الفنون الجميلة من حيث فلسفتها ووظائفها وأنماطها المختلفة؛ فهي بالغةُ الثراء، وفيها ما لا يجافي الرؤية الإسلامية ويتفق معها حيناً، كما أن فيها ما يجافيها ويتناقضُ معها أحياناً. ولا يصح أن نتجاهل «جماليات» الرؤية الغربية ومقاصدها بحجة أن لها قبائح؛ مثلما لا يصح أن نتهاون بشأن قبائحها بحجة أن لها جماليات.

هناك من علماءِ الغربِ وفلاسفتِه المعاصرين من ذهب إلى أن الشيء الجميل هو ناتج الممارسة الاجتماعية التاريخية. ويعتبر الفيلسوف «هيجل» من أشهر القائلين بذلك. وهناك من لاحظ –بحق- أن ظاهرة الانسجام؛ وهي أساس الشعور بالجمال، وكذلك «عدم الانسجام»، الذي هو أساس الشعور بالقبح؛ ترجعان إلى تاريخ طويل في حياة الإنسان. ومنهم من ركز على علاقة الفن بالحياة، وبالدين، وبالعلم؛ وخلصوا إلى أن الفن أداة ربط اجتماعي، ووسيلة تطهير للنفس الإنسانية، وضمانة للتماسكِ والتجانس بين أبناء المجتمع الواحد. وهناك علماء وفلاسفة آخرون ربطوا بين الجمال والأخلاق ونبهوا إلى الدور التربوي لكليهما، بل وأقاموا علاقة وثيقة بين «الخير ـ والحق ـ والجمال»26. ومن هؤلاء مثلاً الأديب الروسي بلنسكي (1811ــ 1848م) الذي قال: «إن الجمال شقيق الأخلاق. والصور الفنية الإيجابية التي تعكس حياة الناس ونبلها وجمالها تفرض الاحترامَ والحبَّ والإعجابَ المخلص. وتعطي أنماط الأبطال الحقيقيين في الحياة للقارئ والمتفرج متعةً وبهجةً جماليتين. أما الصور السلبية فهي تثير مشاعر الاستنكار الأخلاقي، والاحتقار التي ترتبط ارتباطًا وثيقا في طابعها بمشاعر الازدراء والاحتقار التي نحسها عندما ندرك ما هو قبيح ودنيء. ومن ثم فإن وحدة الجمالي والأخلاقي هي أساس الدور التربوي ودور التحويل الأيديولوجي اللَّذَيْن تقوم بهما الفنون في الحياة الاجتماعية»27.

للفنون ـ إذن ـ مهماتٌ لا غنى عنها في كل حضارة من الحضارات؛ وإن اختلفت مرجعياتها الفلسفية، أو تباينت مقاصدها وغاياتها النهائية. وتكاد أغلبُ الرؤى الحضارية والفلسفية تشترك في أن أهم مقاصد الفنون تتمثل في: تنمية العاطفة والوجدان، وتنمية مهارات الحواس وتدريبها على الإجادة والإتقان، وتعزيز الشعور بالهوية الذاتية، وحفز الإنسان على الإبداع والابتكار وتأكيدِ الذات، وضبط الانفعالات وترويض النزعات الجامحة ووضعها في حالة اتزان، وتقدير العمل اليدوي ومهارات الصناعة، وفتح المجال أمام الخيال واستثماره في خدمة الإنسان والعمران. ووحدها؛ تربط الفلسفة الإسلامية الجمال وفنونه بعقيدة توحيد الله سبحانه وتعالى؛ فهي في مجملها: تدل عليه، وتهدي إليه.

ورغم نبل تلك الغايات؛ إلا أن الفنونَ لم تسلم من سوء الاستخدام لتأجيجِ الصراعات الدينية والمذهبية، وتحقيق مآرب اقتصادية وسياسية على حساب الغير؛ حتى إن بعض الحركات ذات «النزعة الإنسانية» العالمية لا تخفي رغبتها في استبدال الفن بالدين28. وفي سبيلِ ذلك تقوم تلك الحركات بتوظيف المعارض الفنية والمسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية، والأعمال المسرحية والغنائية، ومختلف الفنون التشكيلية من أجل إزاحة منظومات القيم المستمدة من المرجعيات الدينيةِ -وأولها المرجعية الإسلامية- ووضع منظومات جديدة مكانها تكون مستمدة من مرجعيات إنسانية أو وضعية فحسب. وهذه ظاهرة يتعين التعامل معها ومواجهتها بأدوات من جنس أدواتها؛ بشرط أن تكونَ بنفس درجة الإحكام والإتقان والمهارة والاحتراف.

وإذا كانت الفنون الإسلاميةُ تشتركُ مع غيرها من الفنون في أغلب تلك الغايات، إلا إنها تظلُّ مرتبطةً بتصور الوجود من خلال تصور الإسلام للكون والحياة والإنسان والخالق سبحانه وتعالى. ووفق هذا التصور فإن الفنونَ الإسلامية ترسم صورة الوجود من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود وخالقه الواحد سبحانه وتعالى. ولهذا اتسع نطاق عمل الفنون الجميلة في حضارتنا الإسلامية. ولحضارتنا سوابق بارعة الجمال في: النقش والنحت، والرسم والزخرفة، والتصوير والحفر، والموسيقى والشعر، والغناء، والخط، والمنمنمات، وأيضاً في ألوان مختلفة من الرياضة، وفي أصول تنظيم المدن والأمصار وتخطيطها، وهندسة البناء،..إلخ.

ومن الأمثلة على ذلك: ما سجلته كتب أصول البنيان والخطط العمرانية للأمصار والمدن الإسلامية29؛ حيث يرد التشديد على ضرورة توافر الجوانب الجمالية، والتأكيد على وجوب مراعاة معايير الجودة في التخطيط وهندسة البناء. وتحظى جماليات «المجال العام» من السقايات، والفوارات (الشاذروانات)، والمفترجات، والميادين الرحبة، والأشجار الوارفة...إلخ، باهتمام كبير أيضاً. وقد أوصى كُتَّاب الحكمة السياسية بمراعاة المقاييس الجمالية في الجوانب المعمارية عند إنشاءِ الأمصار، ومن ذلك الشروط التي ذكرها الماوردي في كتابه «تسهيل النظر» ومنها : «سعةُ المياه المستعذبة»، وإمكانُ الميرةِ المستمدة، واعتدالُ المكان الموافق لصحة الهوى والتربة، وقرب المكان مما تدعو إليه الحاجة من المراعي والأحطاب، وتحصين المنازل من الأعداء30.

إن مراعاة معايير الجمال في تأسيس المدن كان تعبيراً عن تفكيرٍ مقاصدي من الطراز الأول؛ حيث رأى أولئك العلماء أنه لا غنى عن تلك الجماليات لضمان الصحة النفسية والاتزان العقلي لسكان المدينة؛ فالمشاهدُ المبهجة، والألوان المتناسقة، والمساحات الخضراء، والزهور المفرحة، والنظافة العامة؛ كلها تؤثر إيجابياً على المزاج النفسي العام؛ بخلاف مشاهد القبح والفوضى والقذارة والعشوائية التي تضر بالصحة النفسية وتشجع على العنف، ومن ثم تسهم في إلحاق الأذى بالنفس، والمال، والنسل، والعقل، والدين في آن واحد.

إن أحوالَ أغلب مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة تشيرُ إلى ضعف ما يقدمه مبدعو الفنون الجميلة في هذا المجال العام العمراني. وتكشفُ المشاهدات المباشرة في هذا الواقع عن قلة الابتكار، وتؤكد التبعية لمدارس الفنونِ الغربية. وقد أضافت إليها سلوكيات التخلف مزيداً من السلبيات، ومنها: ازدواجية الجمال والقبح؛ فالجمال داخل البيوت، أو في أغلبها، والقبح في الشوارع، أو في أغلبها. والكل متعايش مع الكل ويساكنه!.

وقد أسهمتْ بعض الرؤى السلفية المتشددة في تكريس هذه الحالة، مثلما أسهمت بعض الرؤى المتغربة في ذلك أيضاً. وكانت النتيجة هي شيوع التشوه في الوعي، والتمزق في الوجدان، والاختلال في عمليات التنشئة على المستويات الفردية والجماعية. ومن ثم تكونت، في التاريخ الحديث والمعاصر لأغلب مجتمعات الأمة، أجيالٌ مجروحة الهوية. وتكفي الإشارة هنا إلى أن ثلاثةَ آلافِ مدرسة أجنبية نشأت في أرجاء الدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر، واستمرت إلى أن ألغيت الخلافة في سنة 1924م؛ وكانت تلك المدارس كفيلة بتكوين نخبة منفصلة عن هويتها؛ نتيجة ما تلقته من مقررات تربوية وفنية وأدبية تنتمي لتراث فلسفي وحضاري له مقاصدُ وغايات لا تنسجم بالضرورة مع غايات المجتمعات الإسلامية ولا مع مقاصدها العامة.

ولعل أهمَّ ما يكشف عنه التاريخ الحديث والمعاصر للفنون في مجتمعات الأمة الإسلامية هو أنها أصبحت في خدمة عمليات إعادة تشكيل الوجدان الفردي والجماعي وفق رغبات المستبدين والطغاة؛ وبعيداً عن المرجعية الإسلامية ومقاصدها العامة. ونعتقد أن «الفنون الحديثة» في بلادنا بجملتها قد أسهمت في تعميق حالةَ الانقسام الثقافي بين اتجاهات متعارضة؛ بعضها يتمسك بهويته الأصيلة، وبعضها  ينفتح على هويات وثقافات أخرى وافدة، ويحلها محل الهوية الأصيلة. وكان من نتائج ذلك أن مجتمعاتنا تعيش سيناريوهات سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية ليست فاعلة فيها ولا منتمية وجدانياً إليها؛ بل كانت في أغلب الأحوال مادة استعمالية لها. وبمرورِ الوقت زادت التحدياتُ التي تواجهُ مبدعي الفنون الجميلة الإسلامية؛ وزاد انفصالها عن استلهام مقاصد الشريعة، وزاد ابتعادها عن خدمة هذه المقاصد. وعليه فإن الذي يتصدى للإبداع الفني والجمالي بمرجعية إسلامية يحتاجُ إلى تأهيل رفيع المستوى، وحرفية بارعة، ورؤية فنية رسالية واسعة الأفق تستجيب لمقاصد الشريعة وتكون في خدمتها؛ على النحو الذي كان عليه أسلافه من مبدعي الفنون الجميلة في عصور الازدهار الحضاري الإسلامي.

ثانياً: إسهامُ نظام الوقف في تكوين جماليات الفنون الإسلامية

أسهمت بعضُ النظم الشرعية ـ كما أسلفنا ـ في ظهور الفنون الإسلامية الجميلة، وكان لها دور في غرسها في الوعي الاجتماعي العام. وكان نظامُ الوقف من أهم تلك الأنظمة الشرعية التي نمت في ظلها الفنون الجميلة وتنوعت وازدهرت على مر العصور. وقد كَشَفْتُ في دراسةٍ سابقة عن أن نظام الوقف الإسلامي كان له دور فاعل وحيوي في خدمة  المقاصد العامة للشريعة بصفة عامة31. وأُبَيِّن هنا كيف أن «نظام الوقف» قد دعم القيم الجمالية والفنية في حضارتنا الإسلامية، ووضع تلك القيم في خدمة مقاصد الشريعة بشكل مباشرٍ، وذلك لأنه انبثق من عقيدة الإيمان بالله ووحدانيته سبحانه وتعالى. وأُحاول الكشف هنا أيضاً عن بعض أسرار العلاقة بين نظام الوقف والآثار والفنون الجميلة؛ حيث لا يعرفُ كثيرون أن الفضلَ يرجعُ إلى «نظام الوقف الإسلامي» في وجود وبقاءِ عدد من المباني والمنشآت الأثرية ذات القيمة التاريخية والفنية والمعمارية التي نستمتع بمشاهدتها، وتزخر بها معظمُ المدنِ والحواضر العربية والإسلامية. ومن أهم هذه الآثار الوقفية: المساجد، والجوامع، والأسبلة، والتكايا، والحمامات الشعبية، والأسواق، والقيساريات، والقصور، والقباب، والفنادق، والخانات، وزركشات المصاحف والكتب والصحون. ومثل تلك الآثار تزينها -في أغلب الحالات- نقوش بديعة، وزخارف ورسومات رائعة الجمال، فضلاً عن محتوياتها من أعمالِ الفنون الجميلة مثل التحف، والمقتنيات النادرة من: السيوف، والخناجر، والمنابر، والمصاحف، والمخطوطات، والقناديل، والثريات، والأواني، والمشغولات الذهبية والفضية، والسجاجيد، وما شابه ذلك.

من أين أتت العلاقة بين الوقف من ناحية ومقاصد الشريعة والآثار وأعمال الفنون الجميلة الموروثة عن العهود الإسلامية السالفة من ناحية أخرى؟ وما الذي يفسرُ الارتباطَ بين نظريةٍ عملاقةٍ مثل «نظرية المقاصد»، و نظام اقتصادي اجتماعي ذي طابع ديني -هو الوقف- وبين عالمِ الفنون الجميلة وروائع الآثار؟ إن ثمة أكثر من مصدر لتلك العلاقة منها الآتي:

1 – قيامُ الوقف على فكرة «الصدقة الجارية» التي ذكرها الرسول  ﷺ في حديثه الذي يقول: «إذا ماتَ ابن آدمَ انقطعَ عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له»32. وقد أسهمت سعةُ أفق المسلمين الأوائل في فهمهم للحكمة من فكرة «الصدقة الجارية»، في توسيع مجال الأعمال الخيرية، وفي إدخال كثير من هذه الأعمال في حيز الفنون الجميلة. فقدماء العلماء لم يقصروا هذه الفكرة على مجرد إعطاء إحسانات نقديةٍ أو عينية للفقراء وذوي الخصاصة؛ وإنما انطلقوا بها إلى ميادين الخدمات والمرافق العامة كافة، وحولوها إلى مؤسساتٍ نافعة منها: الجوامع، والمدارس، والأسواق، ومشافي العلاج (البيمارستانات)، وأسبلة مياه الشرب النقية، والتكايا، والمكتبات العامة… إلخ. ولما كان الأصلُ المعنوي للوقف هو أنه عملٌ من أعمال التقوى، وقربةٌ إلى الله تعالى طمعاً في نيل ثوابه ودخول جنته، وبما أنه جل شأنه جميل يحب الجمال، وطيب لا يقبل إلا طيباً؛ فقد اجتهد الواقفونَ على مرِّ الزمن في أن تكون قرباتهم الوقفية -وتلك المؤسسات التي أشرنا إليها- في غاية الإتقان، وآية من آيات الجمال الفني والمعماري الأثرى طمعاً في أن يقبلها الله تعالى «ذو الجلال والجمال»؛ وبخاصة أنها حملتْ أسماءهم في كثير من الحالات، وخلدت ذكراهم. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: الجامعُ الأزهر، وقبة السلطان الغوري، وسبيل محمد علي بشارع المعز لدين الله، وشقيقة النعمان بالخيامية (وهي كلها من أوقاف وآثار مدينة القاهرة)، والجامع الأموي بدمشق33، والتكية السليمانية التي أمر بإنشائها ووقفها السلطان سليمان بن سليم الأول على أنقاض القصر الأبلق للملك الظاهر بيبرس عند المدخل الغربي لمدينة دمشق، وهي من آثارها المعمارية الرائعة إلى الساعة. وقد وردت أوصافُها المعماريةُ في حجة وقف السلطان سليمان القانوني34.

2 - ساعد في توثيق العلاقةِ بين الوقف والآثار والفنونِ الجميلة أن الفقهاءَ قد جعلوا للوقف حرمةً مصانة، ولمؤسساته قدسية تجب المحافظة عليها. وقد تجلَّى ذلك فيما ذهبوا إليه من أن «شرطَ الواقف كنصِ الشارع في لزومه ووجوب العمل به»؛ أي أنَّ ما يضعه «الواقف» من شروط ومواصفات خاصة بكيفية إدارة الأعيان الموقوفة تكون ملزمةً وواجبةَ التطبيق، كلزوم تطبيق الأحكام والأوامر الشرعية، سواء تعلقت تلك الشروط بإنشاء مؤسسات خدمية أو خيرية، أو تعلقت بمواصفاتها المعمارية والفنية، أو كانت ذات صلة بحجم الإنفاق عليها وصيانتها وتجميلها وتجديدها كلما لزم الأمر.

وقد دعمت الأحكام التفصيليةُ لفقه الوقف مبدأَ حرمته. ومن تلك الأحكامِ ما يتعلقُ بصرفِ ريع الأعيان الموقوفة؛ إذ نص الفقهاء على أولوية الإنفاق على ما فيه بقاؤها، والمحافظة على المؤسسات الوقفية كالجوامع والمدارس والتكايا... إلخ، حتى ولو استغرقَ هذا البند كلَّ الريعِ. كما نصوا على تأبيد الوقف ودوامه، وحذروا من تبديله أو إلغائه، وخاصة إذا كان مخصصاً للخيرات والمنافع العمومية. وقرروا كثيراً من الأحكام التي جعلت للوقفِ ولمؤسساته ومنشآته المختلفة شخصية قانونية «اعتبارية» قائمة بذاتها، ومستقلة عن شخصية الواقف وعن ذمته القانونية؛ بحيث لا تزول شخصية المؤسسة الوقفية بموت الواقف، بل تستمر وتبقى صالحة لتحمُل الالتزامات والتمتع بالحقوق. وإذا أضفنا إلى ذلك أنهم أسندوا للقضاء سلطةَ الولاية العامة على الأوقاف، وعقدوا له، وحده، الاختصاصَ الولائيَّ إلى جانب الاختصاص القضائي في النظر في جميع المسائل المتعلقة بالوقف وشئونه35، فسوف يتضح لنا أن تلك القواعد الفقهية والمبادئ التشريعية والتقاليد القضائية قد أسهمت على نحوٍ مباشر في خدمة المنشآت والمباني الأثرية؛ إذ أحاطتها بكثيرٍ من الضمانات المعنوية والقانونية التي كفلت لها البقاءَ والاستمرار؛ حتى صارت -بمرور الزمن- في ذمة الآثار وفنونها الجميلة، ونظمتها القوانين والتشريعات الحديثة، ودخلت في مسئولية هيئات حكوميةٍ رسمية مختصة بشئون الفنون والآثار والثقافة في أغلب البلدان الإسلامية.

3- أسهمت التشريعات القانونية واللائحية الحديثة والمعاصرة أيضاً في المحافظة على الآثار الوقفية وفنونها ومقتنياتها النادرة؛ وذلك بتنظيم مهمةِ الإشراف عليها وإسنادها إلى هيئات رسمية متخصصة ومسئولة. وكانت تلك الهيئات في أولِ الأمر متمثلةً في الدواوين الحكومية للأوقاف أو وزاراتها، ثم انتقلت إلى هيئات الآثار والسياحة والثقافة؛ حسب النظام المعمول به في كل بلدٍ من بلدان العالم الإسلامي.

وحب الحصيد هنا هو: أن «الوقفَ» كانَ إحدى آليات تكوين الثروة الفنية الجمالية والأثرية ومصدراً من مصادر تراكمها عبر العصور في مختلف البقاعِ الإسلامية36. ويدعم هذا الاستنتاج أن نموذج العمارة الوقفية قام على خمسة مبادئ رئيسية تمثلتْ في: الإتقان والمتانة، والمنفعة والوظيفية، والنمو والاستمرار، والذوق والجمال37؛ وذلك طمعاً في أن تلقى هذه الصدقات القبول عند الله سبحانه. وكانت فنون العمائر الوقفية وجمالياتها ذاتَ إشعاعٍ روحي يبعث في النفس الطمأنينة والراحةَ بما أنه تذكير دائم بمعنى الخير وأهميته في دنيا الإنسان وفي آخرته؛ كما كانت ذات جمالٍ مرئي عبرت عنه معايير الجودة والإتقان واختيار الأفضل لأنه قربة إلى الله تعالى. وحافظت أعمال الصيانة والترميم على بقاء تلك العمائر وزيادة قدرتها على تحدي عوامل التعرية بفعل مرور الزمن. وإذا كان «الخلود» هو السمتُ الأول للآثار، فإن التأبيد هو السمت الأول للأوقاف الخيرية؛ ومن هنا أسهمت سمةُ «التأبيد» في دخول عديد من العمائر الوقفية في ذمة الآثار، وضَمِنَ مبدأ «القربة» إبداعَ كثير من الفنون الجميلة في تلك العمائر الوقفية. إن سمةَ «الخلود» هي أبرز سمات الوقف الخيري. و«الخلود» هو أبرز سمات الآثار والفنون الراقية أيضاً، وهذه وتلك تعتز بها الأمم، وتعتبرها من رموزها الحضارية الباقية على مر الزمن وشاهدة على أصالتها التاريخية وعراقتها الحضارية. وعلى قاعدة الوقف التقت مباديء «الخير، والجمال، والحق» وهي من صفات الله العليا وأسمائه الحسنى.

خاتمة

ما أود التأكيد عليه هو: أنَّ بحوثَ النظرية العامة للفنون وعلاقتها بمقاصد الشريعة ومحاسنها ومكارمها لا تزال محدودةً. ولا يزالُ الموجودُ من تلك البحوث متفرقاً وغير ناضجٍ، وغير مسبوكٍ أو مسلوكٍ في نظريةٍ عامة. كما لا تزال تلك البحوثُ أيضاً بعيدةً، في أغلبها، عن المضامين التطبيقية والميادين العملية ذات الصلة المباشرة بوقائع الحياة اليومية وما تعج به من تحديات.

وقد حاولتُ إلقاء بعض الأضواء على إشكالية الفنون الجميلة وأهميتها في الإسهام في تحقيق «مقاصد الشريعة» بمعناها الواسع الذي لا يختزلها في جانب «الزجر والعقوبة» وإنما يجمع بين طرفي تحصيل المقصد ابتداءً، وتنميته وحفظه وصيانته انتهاءً. ومن هذا المنظور المقاصدي تبين لي أنَّ أهميةَ الفنون الجميلة نابعة من كونها تعمل في نفس مجالات عمل الدين ومقاصده العليا، وهي: بناء الوجدان، وتهذيب النفس، وترقية الإحساس، ورياضة الروح بما يسهم في حفظ الصحة العقلية والتوازن النفسي للإنسان؛ وعندما يصبح هذا الإنسانُ في صحةٍ عقلية ونفسية فإنه يكون أقدر على أداء واجباته الدينية، والدنيوية معاً، ومن ثم تتجلي أمامنا الصلة الوثيقة بين مقاصد الشريعة في حفظ العقل وحفظ النفس وحفظ النسل وحفظ المال وحفظ الدين وحفظ الحرية من جهة، والفنون الجميلة بمختلف ألوانها كخادم لتلك المقاصد ومعينٍ على تحقيقها من جهة أخرى.

  وقد لاحظتُ في التاريخ الاجتماعي « للوقف» كنظام شرعي؛ أنه كان في خدمة المقاصد العامة للشريعة، وكان مصدراً لإنتاج كثيرٍ من الفنون الجميلة عندما كان نظاماً حراً ومستقلاً عن سيطرة السلطات الحكومية. أما بعدما أمسى حبيس تلك السيطرة؛ فإنه لم يفقد وظيفتَه الجمالية فحسب، وإنما أضحى مصدراً من مصادر الفساد والإخفاق والقبح العام في المجتمع.

ولسائلٍ أن يسأل: إذا كان الحال على ما وصفت؛ فما العمل ؟. وهذا سؤال ليس مشروعاً فحسب؛ وإنما له أولويةٌ على ما عداه من الأسئلة ذات الصلة بهذا الموضوع. وتحتاج الإجابة عليه إلى اجتهادات نظرية تأصيلية، وإلى جهود عملية تطبيقية. وهنا بعض الأفكار الأولية:

من المهمات المطلوب أداؤها على مستوى التأصيل النظري الآتي:

1-  تجديد البحث في مسألة الفن والفنون والجميلة وعلاقتها بالمقاصد العامة للشريعة. ويتعين في الوقت ذاته الاجتهادُ في بناء نظرية عامة للفنون بمعايير المرجعية الإسلامية انطلاقاً من «القرآن الكريم» ثم من أحاديث النبي ﷺ في هذا الموضوع، ثم تكون الاستعانة باجتهادات العلماء وكبار حكماء الإسلام، وليس انطلاقاً من أقوال الفقهاء أو من الفتاوى التي تحصرُ المسألةَ في نطاق جزئي ضيق.

2- القولُ بأن الفنون وجمالياتها هي من مكونات الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها (كما قال الإمام الغزالي وغيره) يفترضُ إعادةَ النظرِ في تصنيفها مقاصدياً ونقلِها من حَيِّزِ «التحسينيات»، أو «الحاجيات» إلى حيز «الضروريات». فكل ما هو فطري هو ضروري بحسب النظرية العامة لمقاصد الشريعة وكلياتها. ويترتب على ذلك وجوبُ العنايةُ بما يحقق هذه الضرورة من جهة الطلب والإيجاد، وبما يصونها من الانحراف أو الزوال من جهة الحفظ. وقد يحتاج الأمرُ إلى إعمالِ المنهج الأصولي/المقاصدي للبرهنة على رعاية الشريعة لمسألة الفن والفنون الجميلة باعتبارها من المصالح الكبرى على المستوى الفردي للإنسان، وعلى المستوى الجماعي للإنسانية.

3 - استيعابُ النظرياتِ الكبرى السائدة في الحضارات الأخرى بشأن فلسفة الفن والجمال، والدخول في جدالات نظرية معها لاكتشاف ما بينها وبين النظرية الإسلامية من قواسمَ مشتركةٍ تدعو للتقارب والتعارف والتعاون، ولمعرفة ما هنالك من فواصل مميزة تختصُّ بها فنون كل حضارة أو ثقافة وتعتبر من صميم خصوصيتها وهويتها الذاتية. وهناك ثلاث نظريات كبرى على الأقل: الأولى مستمدة من فلسفة أفلاطون، وهي تؤكدُ على أن «التقليدَ» والقدرةَ على محاكاة الطبيعة والعالم الخارجي هي السمةُ التي تميز الفن عن غيره من أعمال الإنسان. والثانية قال بها «ليو تولستوي» ومشايعوه، وهي تؤكدُ على أن السمةَ المميزة للفن هي قدرة الفنان على نقل إحساسه الداخلي إلى المخاطب بفنه، وهذا هو المذهب التعبيري. والثالثةُ هي نظريةُ المدرسة الشكلية التي قال بها بيل كليف وأنصارُه، وهم يؤكدون على أن سمةَ الفن وخصيصته الذاتية تكمن في تقديم صورةٍ ملفتة للانتباه، وليس شرطاً أن تبدو هذه الصورة جميلةً لكل الناس، أو لعدد كبير منهم، وإنما يكفي، حسب رأيهم، أن تشدَّ انتباه شخصٍ واحد لينطبق عليها تعريف الفن، وتترك أثراً فنياً.

والسؤالُ هنا هو: ما النظريةُ الإسلامية في هذا الموضوع؟ البعضُ -ومنهم ابن سينا، وصدر الدين الشيرازي، ونصير الدين الطوسي مثلاً- يقترح أن: الفن «هو ما يقوم به الإنسان من الجمال»، وأن الجمال نسبي، ومطلق. مادي، ومعنوي. دنيوي، وأخروي. وأن منشأَ الفنون الجميلة في الرؤية الإسلامية ومبعثَ اللذة فيها هو: الأنغامُ والحركات والمشاهد الجميلة التي رآها الإنسان في الجنة وارتكزت في فطرته، ووعتها ذاكرته من أيام وجوده في عالم الذر قبل نزول آدم ڠ من الجنة. وما حدث بعد نزوله هو: أن بعضهم من ذوي الأرواح الشفافة -بفضل التزكية والتربية الحسنة- يتذكرون تلكَ الأصوات والأنغام والصور الجميلة، وهذا هو منشأُ اللذةِ، ومبعثُ الفرحِ عند رؤية تلك الجماليات أو عند التأمل في فنونها المتنوعة؛ لأنَّ الذي يدعو إلى اللذة والبهجة والسعادة والسرور؛ حتى في عالم المحسوسات؛ إنما هو تذكارٌ لتجربة اللذائذ والأفراحِ في الجنة، و«هي لذائذُ راسخة ومتجذرة في أعماق روح الإنسان إلى الأبد» بحسب تعبير نصير الدين الطوسي38.

وتستوعب تلك الأفكارُ كثيراً من المفاهيم المقاصدية مثل: الفرح، والغم، واللذة، والألم، والحسن، والقبح. والأمر بحاجة لمزيد من الجهد والاجتهاد في كل الأحوال.

أما على مستوى التطبيق العملي فمن المهمات المطلوب إنجازُها الآتي:

1- لردم الفجوة الحاصلة في وعي الأجيال المعاصرة بشأن الفنون ووظائفها وعلاقتها بمقاصد الشريعة؛ يتعين إنشاءُ «كلية الفنون الجميلة» في كل جامعة من الجامعات «الدينية» العريقة الكبرى: جامعة الأزهر، وجامعة الزيتونة، وجامعة القرويين، وجامعة الإمام محمد بن سعود، وجامعة الإيمان، وجامعة ديوبند، والجامعة العالمية الإسلامية، وغيرها من الجامعات الإسلامية. على أن تكون هذه الكلية مختصة بدراسة نظريات الفن والفنون الجميلة، وفلسفاتها، وتاريخها، ومؤسساتها، ونماذجها التطبيقية المختلفة من منظور شرعي، وتخريج متخصصين وخبراء وفنانين مهرة، وتدريبهم على الإسهام في إبداع مختلف ألوان هذه الفنون وفقَ أرقى المعايير الأكاديمية والفنية والعملية. 

2- تطويرُ منظومةٍ من المعايير القياسية تعبر عن القيم الجمالية الإسلامية، وإعدادُ نماذجَ إرشادية لكيفية الالتزام بتلك القيم. ومناقشة هذا الموضوع مع الغرف الصناعية والنقابات والاتحادات المهنية والحرفية في مختلف المجالات، ومطالبتها بأن يلتزمَ بها منتسبوها فيما ينتجونه من سلعٍ أو يقدمونه من خدمات. وتشجيع تلك الجهات على الالتزام الطوعي بالمواصفات والمعايير الفنية الإسلامية من خلال حث الجمهور على شراء منتجاتها، ومنح جوائز وأوسمة للمؤسسة الصناعية أو الحرفية أو الخدمية التي تتفوق في الالتزام بتلك المعايير...مثلاً.

3-  إنشاءُ هيئةٍ للمواصفات القياسية الفنية الشرعية، أو إدراج هذه المواصفات ضمن منظومات المواصفات التي تعتمدها هيئاتُ الرقابة والمواصفات القياسية القائمة فعلاً. وتكون مهمةُ هذه الهيئة فحص المنتجات والسلع والخدمات التي يرغبُ أصحابها طواعية في إدراجها ضمن منظومة المنافسة في الالتزام بالمواصفات الفنية الشرعية الإسلامية، مع التركيز في المراحل الأولى للدعوة إلى الالتزام بتلك المعايير الجمالية والفنية على قطاعات: العمارة والبناء، وصناعة الملابس الجاهزة وبيوت الأزياء، وفنون المسرح والتمثيل والغناء. وما تجيزه الهيئة المختصة وفق المعايير الفنية الإسلامية يصدر له «بطاقة خاصة»؛ تكون شهادة تنص على أن هذا المنتج «صنع في بلد (كذا) بمواصفات إسلامية للذوق والجمال». وسيكون اليومُ الذي تحل فيه هذه «البطاقة» محل بطاقة «صنع في الصين»، أو «صنع في فرنسا» أو «صنع في أمريكا» مثلاً، هو يوم انتصار النظرية الإسلامية في الفن والفنون الجميلة.

إن علامة نضج الاجتهاد والتجديد في فقه الفنون ومقاصدها في الواقع المعاصر لمجتمعاتنا هو: أن تنجح الجهود النظرية مع المساعي التطبيقية في إنتاج خط جمالي وثقافي ووجداني رسالي؛ يكون واسع الانتشار، وتكون مرجعيته إيمانية، ورسالته إنسانية/إسلامية، أو إسلامية/إنسانية، وساعتها سيكون هذا الخط الفني والجمالي الجديد قادراً على مواجهة الخط الجمالي والثقافي والوجداني الاستبدادي، والمتحلل من تلك المعايير والمضاد لها. 

هذا ما تَبيَّنَ لي بعدَ البحث والنظرِ في الموضوعِ، والله تعالى أعلى وأعلمُ.

آخر تعديل يوم الخميس 5 من محرم 1438، الموافق 6 من أكتوبر  2016

المصادر والمراجع

ـ إبراهيم البيومي غانم، الأوقاف والمجتمع والسياسة في مصر، القاهرة: مدارات للأبحاث والنشر، 2016م.

ـ مقاصد الشريعة في مجال الوقف، في: محمد سليم العوا (محرر)، مقاصد الشريعة الإسلامية: دراسات في قضايا المنهج ومجالات التطبيق، لندن: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، 2006م.

ـ أحمد مصطفى القضاة، الشريعة الإسلامية والفنون، بيروت: دار الجيل، عمان :دار عمار،  1408ھ/ 1988م.

ـ أبو الحسن على بن حبيب الماوردي (ت:450ھ): تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك وسياسة الملك، تحقيق ودراسة: رضوان السيد، بيروت: مركز ابن الأزرق لدراسات التراث السياسي، 1432ھ/2012م.

ـ  ابن منظور، لسان العرب، بيروت: دار صادر، 2003م.

ـ أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، بيروت: دار المعرفة للنشر، د.ت.

ـ ابن سينا، كتاب النجاة، القاهرة: معهد المخطوطات العربية، 1938م.

ـ أبو عبد الله اللخمي بن الرامي البناء، الإعلان بأحكام البنيان، تحقيق فريد بن سليمان، تونس: دار النشر الجامعي، 1999م.

ـ الشريف الجرجاني، معجم التعريفات، تحقيق محمد صديق المنشاوي، القاهرة: دار الفضيلة، د. ت.

ـ جوزيف شاخت، وكليفورد بوزورث : تراث الإسلام ـ الجزء الأول، ترجمة محمد زهير السمهوري وآخرين، الكويت: عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكتاب رقم 11.

ـ جعفر الحسني، التكية السليمانية في دمشق، مجلة المجمع العلمي العربي، دمشق، الجزء الثاني، المجلد الحادي والثلاثون، 1 نيسان/أبريل 1956، 19 شعبان 1357.

ـ حسن الباشا، فنون التصوير الإسلامي في مصر، القاهرة: دار النهضة العربية، د. ت.

ـ  دومينيك أورفوا، تاريخ الفكر العربي الإسلامي، ترجمة رندة بعث، مراجعة سهيل سليمان، بيروت: المكتبة الشرقية، 2010م.

 ـ روجيه جارودي، وعود الإسلام، القاهرة: مكتبة غريب، 1976م.

ـ زكي محمد حسن، أطلس الفنون الزخرفية والتصاوير الإسلامية، القاهرة، مطبعة مصر 1937م.

 ـ عبد العظيم صغيري، علم الجمال: رؤية في التاسيس القرآني، الدوحة: كتاب الأمة، العدد رقم 151، رمضان 1433، السنة 32.

ـ  عمر رضا كحالة، الفنون الجميلة في العصور الإسلامية، دمشق: المطبعة التعاونية، 1972م.

ـ على عزت بيجوفتش، الإسلام بين الشرق والغرب، ترجمة محمد يوسف عدس القاهرة: دار النشر للجامعات، ط2، 1997م.

ـ عفيف البهنسي، الجامع الأموي الكبير: أول روائع الفن الإسلامي، دمشق: دار طلاس للترجمة والدراسات والنشر، 1988م.

ـ محمد عمارة، الإسلام والفنون الجميلة، القاهرة: دار الشروق، 1411ھ/1991م.

ـ محمد علي أبو ريان، فلسفة الجمال ونشأة الفنون الجميلة، الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1993م.

ـ محمد عبد الستار عثمان، المدينة الإسلامية، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أغسطس 1988.

ـ معجم المعاني الجامع ـ عربي  ـ  عربي، على موقع:
http://www.almaany.com/ar/dict/ar-a

ـ الموسوعة الفلسفية السوفيتية، إشراف ف روزنتال، وب. يودين، ترجمة سمير كرم، بيروت: 1974م.

ـ نصير الدين الطوسي، أساس الاقتباس، ترجمة منلا خسرو، حققه وراجعه حسن الشافعي، ومحمد السيد جمال الدين، طبعة المجلس العالمي للثقافة.

ـ نعمان ترك أوغلو، مؤسسة الأوقاف والاقتصاد العثماني: الأوقاف والخدمات العامة. مجلة حراء، اسطنبول، العدد 31 ـ يوليو/أغسطس 2012.

ـ نوبي محمد حسن، قيم الوقف والنظرية المعمارية: صياغة معاصرة، مجلة «أوقاف»، الكويت، العدد 8 ـ مايو 2005.

ـ هشام بن محمد ابن السائب الكلبي أبو المنذر، كتاب الأصنام، تحقيق أحمد زكي باشا القاهرة: دار الكتب المصرية، ط3، 1995م.

ملاحظة:
نشر هذا النص في الكتاب التالي:
الفنون في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية، 2017، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، لندن، ص 137-168.

يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني.

صوت وصورة

مقالات مختارة

إقرأ المزيد

الفنون الخادمة للمقاصد، والمقاصد الخادمة للفنون

نور الدين بن المختار الخادمي؛ وزير الشؤون الدينية السابق بالجمهورية التونسية، وأستاذ جامعي. محتويات المقال:أولا: تأطيرُ البحث وأهميتهثانيا: أهداف البحثثالثا: إشكالية الموضوعرابعا: موضوعات البحث ومنهجهخامسا: خطة البحثسادس...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

فقه الحسنِ: الـتأصيل المقاصدي لمفهوم الفن الإسلامي وحدوده المعرفية

إدهام محمد حنش؛ عميد كلية الفنون والعمارة الإسلامية، جامعة العلوم الإسلامية العالمية، الأردن. محتويات المقال:المقدمةفقه الفنأسلمة الفن وإسلاميتهالالتزام والفن الإسلاميإشكاليات التكييف الفقهيمن التكييف الفقهي إلى التأصيل ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

المسألة الفنية في النظرِ المقاصدي من خلال مدخل التكييف والتوظيف

أحمد الريسوني؛ مدير مركز المقاصد للدراسات والبحوث بالرباط – المغرب، وعضو مجلس خبراء مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية بمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي. محتويات المقال:تقديمالمبحث الأول: المسألة الفنية من خلال مدخل التكيي...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

الفنون ومقاصدها عند الإمام القرضاوي: الرؤية والتطبيق

وصفي عاشور أبو زيد؛ دكتوراه في مقاصد الشريعة الإسلامية، كلية دارالعلوم، جامعة القاهرة. محتويات المقال:مقدمةالمبحث الأول: الفنون عند الإمام القرضاوي: تتبعٌ واستقراءأولا: الفنون الإبداعية أو ما كتبه الشيخ في الفنونثانياً: ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

اللغة الكونية للفن الإسلامي

منور ثامر المهيد؛ مدير عام مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي- عمان - الأردن محتويات المقال:انعكاس الحقائق في الظواهر الطبيعيةالجيومتري وانعكاسها في الطبيعةالدائرةالنسق الهندسي في الفن المقدس وتجلياته الوجوديةالنِسبُ ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

روح العمارة الدينية: أنموذج جامع السليمانية

رجب شنتورك؛  رئيس جامعة ابن خلدون، اسطنبول. محتويات المقال:1- علاقة الرمز والمرموز له وطريقة التأويل في الفكر العثماني2- جامعُ السليمانية بلسان المهندس المعماري سنان3- القانوني وسنان: سلطانا ومهندسا من حيث الخلفية ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد الشريعة وهندسة الحروف كمقبسين للإرادة الإلهية

أحمد مصطفى؛فنّان وعالم معروف دوليًا، وزميل في الفن الإسلامي والتصميم بمركز الدراسات الإسلامية بأكسفورد- المملكة المتحدة. على النقيضِ مما يفترضه عديد من الغربيِّين؛ فإنَّ الإسلامَ لا يعتريه أي إجهادٍ في الجمع بين العلم وا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

رؤية فلسفية للجمال في النظر الإسلامي الأصولي

الشيخ محمد غورماز، الرئيس الأسبق لهيئة الشؤون الدينيَّة بتركي إنَّ علمَ المقاصد والغايات، هو من العلوم المفتخرة لدى المسلمين، فهو - وإن ظن البعض بساطته - ذو أثرٍ ضخم، وامتدادٍ عريض؛ يلقي ظلالَه على كل العلوم الإسلامية، ب...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

ترقية الإيمان مقصداً للفنّ

عبد المجيد النجار: رئيس المركز العالمي للبحوث والاستشارات العلمية تونس. محتويات المقال:توطئةأولاً: الدين والفنّثانياً: دور الفنّ في ترقّي الإيمان التصديقي1 - دور الفنّ في حصول الإيمان2 - دور الفنّ في تقوية الإيمانثالثاً:...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

الأصول المُعْربة عن الفنون، والفنون المُعَبرة عن الأصول

نورالدين بن مختار الخادمي: وزير سابق، وأستاذ التعليم العالي بتونس. محتويات المقال:تمهيدإشكالية البحثالدراسات السابقةموضوع البحثالمحور(1) تأطير الأصول للفنونالمحور(2) تعبير الفنون عن الأصولالمحور(3) محور الأدلة الشرعية أو...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصد القرآن الجمالية وتمثُّلاتها المعرفية في الفنون الإسلامية (التعريف والتأصيل والتصنيف)

إدهام محمد حنش: عميد كلية الفنون والعمارة الإسلامية جامعة العلوم الإسلامية العالمية (الأردن). محتويات المقال:المقدّمةعلمُ المقاصدِ: الدينُ والفلسفةُالنظريات المقاصديةنظرية العمل المقاصديالمقاصد؛ غايات، ووسائل، وطرائقالطر...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

إسلامية الفنون الإسلامية: بين التنظير المعرفي والتطبيق الإجرائي

صلاح الدين شيرزاد: دكتوراه في تاريخ الفن الإسلامي، عضو هيئة التدريس في جامعة السلطان محمد الفاتح بمدينة إستانبول- تركيا. محتويات المقال:تمهيدبدايةُ التسميةالدافع لضبط المصطلحميادين فنون المسلمينفن العمارةأصناف العمارة- ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

مقاصدُ الفنونِ العُمرانِية في المدينةِ الإسلامية: قراءةٌ في نصوصٍ تراثيةٍ ورؤيةٌ في الواقعِ المعاصر

إبراهيم البيومي غانم: أستاذ العلوم السياسية ومستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (مصر)، وعضو مؤسس وعضو مجلس خبراء مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية مؤسسة الفرقان لندن. محتويات المقال:استهلالأولاً: المدينة ...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

وظائف الفنون الأدبية في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية (دراسة تأصيلية في طبيعة الفنون الأدبية ومقاصدها الجمالية)

عبد الملك بومنجل: مدير مخبر المثاقفة العربية في الأدب ونقده، جامعة سطيف، جمهورية الجزائر محتويات المقال:1: أسئلة الجوهر والغاية في فلسفة الفن وعلم الجمال.1.1: جمال المُدرَك أم ذوق المدرِك؟2.1: جمال الشكل أم جمال المضمون؟...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

المسرح الإسلامي وفق النسق المقاصدي

جميل حمداوي: أستاذ التعليم، وأديب وناقد، وكاتب ـ المملكة المغربية. محتويات المقال:المقدمةأولاً: مفهوم المسرح الإسلاميثانياً: التصورات المسرحية الإسلامية1ــ نجيب الكيلاني ومقصديةُ المتعة والفائدة2: محمد عزيزة، ومقصدية الص...

مقالات متعلقة بأيام دولية
إقرأ المزيد

الخطاب الجمالي للفن الإسلامي وسياقاته المقصدية

عَمَّارة كحلي: مدرس بـكلية الأدب العربي والفنون بجامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم ـ جمهورية الجزائر.  محتويات المقال:مقدّمة1: نحو تجديد الفهم المقاصدي في باب نوازل الجمال والفنون2: صناعة الزينة والجمال في المصادر ا...

مقالات متعلقة بأيام دولية

أنشطة ذات صلة

Back to Top