فتحي حسن ملكاوي؛ المدير الإقليمي للمعهد العالمي للفكر الإسلامي.
مقدمة
لمقاصدِ الشريعة موقعٌ مهم في العلوم الإسلامية. وقد تطوَّر مفهومُ المقاصد وموقعُه وأهميتُه عبر الجهود المتوالية للعلماء. لكنه تعرَّض أحياناً لشيء من سوء الفهم، أو سوء التوظيف، في ألوان الخطاب العلمي والدعوي والسياسي؛ ما بين التركيز على جزئيات الأحكام الشرعية، إلى جعله إطاراً مرجعياً للفهم الإجمالي للدين، وما بين الإعلاء من شأنه ليصادر على المعلوم من الدين بالضرورة، إلى الغضِّ من قَدْره بحجّة أنه يستخدم أحياناً للتهرب من متطلبات الالتزام الديني.
ومثل هذا التنوع في الفهم والاستعمال وقع كذلك لموضوع الفن في التفكير الإسلامي، وفي الممارسة الإسلاميةِ كذلك؛ ما بين اعتباره مقصداً من مقاصد الدين، أو قصره على الأحكام الفقهية التي تختص بوظيفته في المجتمع والحياة، أو فهمه في ضوء مرجعية مستمدة من خارج الدائرة الإسلامية.
ومع ذلك فإننا نستطيعُ أن نؤكِّد بقدْرٍ من الاطمئنان أنَّ موضوع «الفن في الحضارة الإسلامية» لم يَحْظ بقدرٍ مناسب من انتباه واهتمام المفكرين الإسلاميين، مثل مواضيع أخرى كفقه العبادات، والاقتصاد، والحكم، والسياسات الدولية، وغيرها. لذلك، فإنَّ الإنجازاتِ الفنية في العالم الإسلامي المعاصر، التي أبرزتها طبيعة التغيُّر والتطوُّر في الحياة البشرية، قد أُنتجت دون أن تجد مكاناً مهماً في مفردات العلوم الإسلامية، أو تفاعل وثيق مع النظام المعرفي الإسلامي. حتى إنّ الأدبيات التي تدرس الفن الإسلامي وتتناول معظمها تاريخ هذا الفن، كُتب الكثير منها بأقلام مفكرين غير مسلمين.
وليس من السهل حصرُ الكتابات التي تناولت الفنَّ الإسلامي، أو الفنَّ في الإسلام، أو فنَّ الشعوب الإسلامية، لدى المؤرخين والباحثين في الغرب، فهي كثيرة جداً. وقد بدأت هذه الكتابات في وقتٍ مبكر مع حركة الاستشراق، ولا تزال تتصفُ بقدر من الزخم. ومع أنَّ كثيراً منها كان أقرب إلى الدراسات التاريخية والآثار ومقتنيات المتاحف؛ فإنَّ بعضها تناول الفنَّ الإسلامي بصورة عامة مع التركيز على العمارة1، وتناول بعضها الفنون البصرية باهتمام خاص2، وتناول بعضها النظرية الجمالية في الإسلام3، بينما تناول بعضها الفن الإسلامي في تنظيم الحدائق4، وتناول بعضها موضوع الإنارة والزخرفة بالتذهيب5، وغير ذلك.
ومن المؤكَّد أنَّ أيَّةَ حضارةٍ بشريةٍ في القديم والحديث لم تصطبغ بطابع ديني كما حصل ذلك في الحضارة الإسلامية؛ ذلك أنَّ خصائص الإسلام تجعل حياة الإنسان في الدنيا خلافةً في الأرض بأمر الله، وحملاً للأمانة الربانية، حتى إنَّ جهود بناء الحضارة في أشكالها المعنوية والمادية أصبحت عملاً دينياً، وأصبح شعار هذا الدين، وهو التوحيد الخالص، يدفع سعْيَ الإنسان للتحقق بالدين وهو يمارس الإنتاج والاستهلاك، والتشييد العمراني، والإبداع الفني، والتنظيم الاجتماعي. وأصبحت تجلياتُ التوحيد تصبغ الحضارة الإسلامية في سائر منجزاتها6.
لقد تعرَّضَ موضوع «الفن الإسلامي»، ولا يزال يتعرَّضُ، لكثير من الجدل حول وجوده من حيث المبدأ، وحول مرجعية ما أطلق عليه فنون الشعوب الإسلامية، وحول ما يمكن أن يطلق عليه نظرية الفن الإسلامي. وقد عُرض بعضُ هذا الجدل في عدد من الأوراق التي نوقشت في مؤتمر الفن في الفكر الإسلامي الذي نظمه المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالتعاون مع وزارة الثقافة الأردنية وجامعة العلوم الإسلامية العالمية في الأردن، في عام 2012م، وصدرت أعماله في عام 2013م7. كما تكررت الإشارة إلى التأثير الواضح للمعرفة الاستشراقية عن الفن الإسلامي، ونظرية الجمال الإسلامية في معظم الكتابات الرائجة عن الفن الإسلامي8.
وتنطلقُ هذه الورقةُ من التأكيد على أنَّ البنيةَ المعرفيةَ للفنِّ الإسلامي تنبع من أسس فكرية ومبادئ عقدية واضحة. يأتي في مقدمة ذلك كلِّه مبدأُ التوحيد، بوصفه واحداً من المقاصد الأساسية التي جاء من أجلها الإسلام، وجاءت بها كل الديانات السماوية السابقة عليه.
إلا أنَّ التحول واسع النطاق في النشاط الفني-بتعابيره البصرية، والسمعية، واللغوية، والحركية- التي انتشرت في المجتمعات البشرية خلال القرنين الماضيين، أفرغَ معظمَ الإنتاج الفني من قيمته الجمالية، وهيمنت عليه نزعة العمل التجاري والتسويق؛ مما يتطلب جهوداً إصلاحية مكثفة تستهدف إعادة الإبداع والتذوق الفنّي إلى جهود التطور الثقافي في المجتمعات الإسلامية، وتقديم الإسهام الضروري للفكر والحضارة البشرية المعاصرة. وربما يصلحُ الاستدراك على هذا التعميم بالقول: إن ساحةَ الاهتمام بالإنتاح الفني، بمرجعية قيمية إسلامية، في عدد من المجالات السمعية، والتمثيل السينمائي، والخطوط العربية، لا تخلو من إنجازات مهمة؛ لكنها في محدودية أمثلتها وجمهورها، لا تكاد تُقاس بالحجم الهائل من الإنتاج الفني الذي يخلو من تلك المرجعية. ومع ذلك نجده يتصف بجاذبية شديدة لقطاع كبير من الجماهير.
وقد بيّنا في مقام آخر أنَّ رؤية العالَم الإسلامية تتضمَّن منظومةً من القيم العليا هي: التوحيد والتزكية، والعمران. وتتكاملُ عناصر هذه المنظومة في التعبير عن مقاصد الحقِّ من الخلق، وتنبثقُ عنها سائر القيم الرئيسية والفرعية في الإسلام، وأنَّ هذه المنظومة القيمية هي تعبير عن حقائق الأمور ووقائِعها كما أرادها الله، وليست شيئاً خارجاً عنها أو مفروضاً عليها. وتُكوِّن هذه القيم الثلاث معاً مرجعية معيارية، لتحديد المقاصد الكلية للدين الإلهي الذي أراد الله سبحانه أن تتقوم حياة الإنسان في هذه الأرض على أساسها. فالتوحيد قيمةٌ معيارية تختص أساساً بالرؤية الإسلامية للإله الخالق المدبِّر، وتتقوَّم بها معتقداتُ الإنسان، ونتائجُ هذه المعتقدات وآثارُها في فكر الإنسان وحياته. والتزكية قيمةٌ معيارية عُليا تختصُّ بالرؤية الإسلامية للإنسان المخلوق والمستخلف في الأرض، ويتقوَّم بها سلوك الإنسان وجهودُ ترقيته في مراتب التزكية، في جسمه وعقله وقلبه، وفي سلوكه وتصرفاته، وفي ماله وممتلكاته، وفي أنظمته وعلاقاته في حياة الفرد والمجتمع. والعمرانُ قيمةٌ معيارية عليا، تختصُّ بالرؤية الإسلامية لوظيفة الإنسان في الكون المستخلف فيه، وتقاس بها قيمة الحياة في عُمُر الإنسان الفرد، أو عُمُر الجماعة أو الأمة، وسائر الجهود والإنجازات الحضارية و«العمرانية» للفرد والجماعة والأمة والإنسانية.
وحين نتحدث عن منظومةٍ، فإنَّنا نؤكِّد خصائص الترابط والتكامل بين مكونات هذه المنظومة، التي تجمع جوانب الحياة البشرية، وما يتخللها من صور النشاط الإنساني. ولكننا مع ذلك لا نتحدث عن تكافؤ بين عناصر المنظومة، فثمَّة أصل تنبثق عنه فروع؛ فصياغة شخصية الإنسان فرداً وجماعة باتجاه التزكية، وبناء العلاقات والنظم الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، إنما هو انبثاق من مبدأ التوحيد، بوصفه نقطة البدء في أي تفكير أو أي عمل. وصياغة الشخصية وبناء العلاقات إنَّما تكون تجليات عملية لهذا المبدأ9.
فالتوحيد هو جوهر العقيدة الإسلامية، والأساس الذي يمكن الإنسانَ المسلم
-مهما كان مجال عمله واهتمامه- من بناء هويّته وثقافته. لذلك فإنَّ الفنان المسلم تمكَّن من بناء عمله الفني على معايير، وأسس، وأفكار خاصة به؛ تعكسُ الحضور القوي للجانب الاعتقادي في الفن.
وثَمَّة جهودٌ مقدَّرة اجتهدَتْ في تجاوز حالات الإفراط والتفريط في فهم كل من مقاصد الشريعة والفن في الإسلام. وسوف نجتهد في هذه الورقة في عرض نموذج للاجتهاد، جعل الفنَّ الإسلامي ممارسة فعلية في التفكير الإسلامي والحياة الإسلامية، وجعل التوحيد تعبيراً عن أعلى المقاصد التي جاء من أجلها الإسلام. والنموذج الذي نقصده هو جهود المرحوم الشهيد إسماعيل الفاروقي في كتاباته المتعددة عن الفن الإسلامي، وفي تأكيده على أنَّ التوحيد هو جوهر الحياة الإسلامية، وأعلى مقصد من مقاصد الإسلام.
لن تتوقف هذه الورقة عند مفهوم المقاصد ومراتبها وجهود العلماء السابقين والمحدثين في تطوير البحث فيها، فتلك مهمة تكفلت بها جهودٌ بحثية أخرى.10 وسوف تكتفي بالإشارة العابرة إلى أنّ الورقة تتعامل مع موضوع المقاصد على أساس رؤية العالم الإسلامية للوجود والحياة والإنسان. فتنظر إلى مقاصد الوحي الإلهي ذات الصلة بالجوانب الثلاثة الأساسية لهذه الرؤية؛ وهي ما يختص بالله سبحانه وهو مقصد التوحيد، وما يختص بالإنسان وهو مقصد التزكية، وما يختص بالكون المسخر للإنسان وهو مقصد العمران. ومع أنَّ الفنَّ الإسلامي يتداخلُ بعمق في هذه المقاصد الثلاثة. لكن الورقة سوف تركز على مقصد التوحيد فقط، وترصد بعض تجليات التوحيد في الفن الإسلامي.
وسوف تعتمد الورقة أساساً على تراث المرحوم الفاروقي لا سيما كتاباته عن الفنّ الإسلامي، وصلة هذا الفنّ بالقرآن الكريم ومقصده الأساس وهو: «التوحيد». وستنظرُ الورقةُ، كذلك، في عدد من الكتابات الأخرى التي تحدثت عن رؤية الفاروقي للفنّ الإسلامي، وصلة هذه الفنّ بالعلومالإسلامية. وقد شارك كاتب هذه السطور في ثلاث مناسبات حاولت أن تعبر عن بعض الوفاء للفاروقي، كان منها مؤتمر «إسماعيل الفاروقي وإسهاماته في الإصلاح الفكري الإسلامي المعاصر»، وهو المؤتمر الوحيد الذي عقد في البلاد العربية عن الفاروقي11. ومنها مؤتمر آخر عقد في الأردن كذلك بعنوان: «الفنّ في الفكر الإسلامي»، حضر فيه الحديث عن الفاروقي في ورقتين من أوراقه، ونشرت أعمال المؤتمر في كتاب12. أما النشاط الثالث فكان مؤتمراً عقد في حيدرأباد/الهند، بعنوان: الثقافة الإسلامية والفنون. قدمت فيه ورقة باللغة الإنجليزية عن نظرية إسماعيل الفاروقي في الفنّ الإسلامي، لكن أعمال المؤتمر لم تنشر13.
لم تحظ إسهامات الفاروقي وأعماله بكثير من الدراسات لا سيما باللغة العربية. ومن المتوقع أن لا نجد دراسات كثيرة عن الرؤية المقاصدية عند الفاروقي، فضلاً عن أن نجد دراسات كثيرة عن مقاصد الفن الإسلامي عند الفاروقي. لكن عدداً من الباحثين المشاركين في مؤتمر إسماعيل الفاروقي وإسهاماته في الإصلاح الفكري الإسلامي المعاصر للفكر المقاصدي عند الفاروقي، تمكنوا من التقاط إشارات متعددة للفاروقي تشير إلى وعيه بالمرجعية المقاصدية، واشتراطه للمجتهد أن يتصف «بفهم مقاصد الشريعة الحضارية وأن يتمتع المجتهد بإرادة تحقيق المقاصد»14. وتعرضت إحدى أوراق المؤتمر بصورة متخصصة إلى الفكر المقاصدي عند الفاروقي، حيث بيَّن الباحث أن الفاروقي رغم أنه لم يكن معنياً بالكتابة التأصيلية للمقاصد، فإنه انطلق في جل كتاباته من مقاصد الشريعة، وأكثر من الإشارة إلى حكم الشريعة وغاياتها وأسرارها ومقاصدها15.
وتتضمن الورقةُ تعريفاً موجزاً بالمرحوم الفاروقي، ومحاولة اكتشاف الإطار المرجعي الذي يعتمده في دراسته للفنون الإسلامية، ثم تصنيفه لمجالات الفنون الإسلامية الخمسة: في الأدب، والخط، وفنون المكان، والزخارف، وهندسة الصوت، وأخيراً بيان عناصر نظريته في الفنّ الإسلامي.
أولاً: من هو إسماعيل الفاروقي؟
وُلِدَ الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي في يافا، فلسطين، في العام 1921م، لعائلة ثرية معروفة. تخرج من كلية الدومينيكان الفرنسية- الفرير (القديس يوسف) في العام 1936م، ثم حصل على شهادة البكالوريوس في الفلسفة من الجامعة الأميركية في بيروت في العام 1941م. عُيّن بعد التخرج في عدد من المناصب الحكومية في ظل حكومة الانتداب البريطانية في القدس. ومع اندلاع الحرب في فلسطين في العام 1948م. شارك الفاروقي في عدد من عمليات المقاومة، وبعد تمخض الحرب عن سقوط فلسطين، غادر متوجها إلى الولايات المتحدة، حيث حصل على درجتي ماجستير في الفلسفة من جامعة إنديانا في العام 1949م، ومن جامعة هارفارد في العام 1951م. ثم شهادة الدكتوراه في الفلسفة في العام 1952م، من جامعة إنديانا وكان عنوان رسالته: «نظرية الخير: الجوانب الميتافيزيقية ونظرية معرفة القيمة».
بدأ الفاروقي التدريس في الجامعات الأميركية، حيث واجه تحديات كبيرة في الساحة الأكاديمية الأمريكية، وأدرك أن خلفيته العلمية في الإسلام غير كافية لمواجهة تلك التحديات. فقاده ذلك إلى الانتقال إلى القاهرة، حيث درس العلوم الشرعية في جامعة الأزهر (من سنة 1954م إلى سنة 1958م)، حيث أصبح متمكناً في العلوم الإسلامية، إضافة إلى تعليمه الغربي. عاد بعدها إلى الولايات المتحدة ليصبح أستاذا لمادة فلسفة الأديان في عدد من الجامعات، ويكتسب مكانة بارزة في تدريس الأديان المقارنة، ويؤسس عددا من مجموعات البحوث في الدراسات الإسلامية.
لم تغب القضيةُ الفلسطينيةُ عن بال المرحوم الفاروقي أبداً؛ خاصة مع المضايقات التي واجهها من الأساتذة اليهود وتتبعهم لحركاته في الجامعات الأميركية. وقد وجهت هزيمة عام 1967م ضربة قوية لآمال الفاروقي في قدرة الأنظمة العربية على تحرير فلسطين. فاستغل خبرته الأكاديمية في الكتابة عن القضية الفلسطينية وطبيعة خصومها. وألف عدة كتب من ضمنها «الإسلام ومشكلة إسرائيل»، و«الملل اليهودية المعاصرة»، و«دراسة تحليلية لنمو ظاهرة شعب الله المختار في الكتاب المقدس العبري». وقد تميز بقدرته على تجاوز الأبعاد السياسية ومضامينها العملية، ليركز بدلا من ذلك على العمق الفكري والمعرفي للقضايا اليهودية.
نشط الفاروقي، منذ العام 1968م، في المشاركة في اتحاد الطلبة المسلمين في الولايات المتحدة (MSA). وقام في وقت لاحق بالتعاون مع أعضاء الجمعية بتأسيس جمعية علماء الاجتماع المسلمين في أمريكا الشمالية (AMSS)، التي شغل الفاروقي منصب رئيسها حتى العام 1978م. كما أسهم في تطوير فكرة «التوجه الإسلامي» أو «الأسلمة» في كتاباته ومحاضراته.
ألَّف الفاروقي عدداً من الأعمال الموسوعية المميزة حول تاريخ الأديان، والأديان المقارنة، وفلسفة الدين، من ضمنها «الأطلس التاريخي لديانات العالم»، و«ديانات آسيا الكبرى»، و«الأخلاق المسيحية: تحليل منهجي وتاريخي لأفكارها المهيمنة»، و«التوحيد: ومضامينه في الفكر والحياة». ولديه عديد من المقالات البحثية التي نشرت في مجلات علمية. وقد نشر معظم كتبه وأبحاثه باللغة الإنجليزية، ونُشر عددٌ قليل منها باللغتين العربية والفرنسية. زاد عدد الكتب التي ألفها عن عشرين كتاباً، ونشر أكثر من مائة ورقة بحثية. وكان آخر أعماله «الأطلس الثقافي للإسلام»، الذي دفعه إلى مطبعة ماكميلان عام 1984م، ونشر بعد استشهاده في عام 1986م.
ورغم الاعتراف بالمكانة العلمية والفكرية للفاروقي في كل من الغرب والعالم الإسلامي؛ فإنه لم يكن مرتاحاً لأي من هذين العالَمَيْن. لقد قضي الفاروقي عامين في جامعة ماجيل الكندية المشهورة لإعداد كتاب عن الأخلاق المسيحية، وكان عملاً علمياً استثنائياً في عمقه وشموله وقيمته. وقد وصف ستانلي برايس فروستStanley Brice Frost الفاروقي، فقال: «لقد أصبح الفاروقي رجلاً من عالَمَيْن يتعامل مع كليهما بذكاء، ولكنه لم يكن مرتاحاً لأي منهما». وقد جاء هذا الوصف في المقدمة التي كتبها فروست لكتاب الأخلاق المسيحية، الذي نشرته الجامعة، وفروست هذا كان عميداً لكلية الإلهيات في جامعة ماجيل في الفترة التي قضاها الفاروقي في تلك الجامعة16.
أما الفاروقي نفسه فقد اعترف بالقلق الذي كان يساوره في حياته العلمية والعملية، قبل أن يستقر على الصفة الأساسية التي رضيها لنفسه وهي الإسلام. يروي طارق قريشي الذي كان على صلة وثيقة به قبل وفاته أنّ الفاروقي قال:
«في وقت ما من حياتي... عندما كان كل ما أهتم به هو أن أثبت لنفسي أنني أستطيع تحقيق وجودي المادي والفكري في الغرب. ولكن عندما تحقق لي ما أريد، أصبح ذلك لا معنى له. لقد سألت نفسي: من أنا؟ فلسطيني؟ فيلسوف؟ إنساني متحرر؟ فكان الجواب: إنني مسلم!»17.
ورغم أن الفاروقي كان باحثاً متميزاً في مجال الفلسفة والأديان المقارنة، فقد كان في الوقت نفسه ممارساً للإصلاح في حقول عدة. فقد تعرّف على جهود الإصلاح السابقة، من زمن أبي حامد الغزالي وابن تيمية، إلى أواسط القرن العشرين. وتنقل عبر العالم الإسلامي داعياً إلى الإصلاح ومشاركاً في برامجه، خاصة تلك التي لها علاقة بالإصلاح الفكري والتعليمي.
اشتهر الفاروقي بكونه رائد مشروع «إسلامية المعرفة»؛ وهي الفكرة التي ركز عليها كثيرون من ناشطي جمعية الطلاب المسلمين وجمعية علماء الاجتماع المسلمين في سبعينيات القرن العشرين. اكتسب الفاروقي وزملاؤه رؤيةً إصلاحية للفكر الإسلامي ولواقع المسلمين. واعتمدت هذه الرؤية بشكل أساسي على إصلاح الدراسة الجامعية في العالم الإسلامي؛ حيث تضاءلت روح الإسلام في التعليم بطريقة باتت تقوِّض جهود الإصلاح وترسخ التخلُّف والتبعيّة.
اغتيل الفاروقي وزوجته، لويز لمياء الفاروقي، في منزلهما في بنسلفانيا في العام 1986م؛ في ظروف غامضة مرتبطة بأنشطته في زيادة الوعي بالقضية الفلسطينية ومواجهته لمجموعات الضغط الصهيونية.
من المؤسف أنَّ الفاروقي لم يُعرف جيداً في البلاد العربية، فمعظم إنتاجه العلمي المتخصص كان باللغة الإنجليزية، وأكثره كان عملاً علمياً أكاديمياً. وحتى عندما ترجمت بعض أعماله إلى العربية، بقيت هذه الأعمال العلمية المتخصصة في دائرة ضيقة من الاهتمام والانتشار. ولكننا نجد مادة غنية كُتبت عن الفاروقي باللغة الإنجليزية، وكان الفاورقي موضوعاً لعدد من الدراسات العلمية المتخصصة، فقد عده كتاب «المسلمون في أمريكا» أهم ثلاثة أثروا الفكر الإسلامي18. واعترفت جامعة ماجيل بأهمية الفاروقي، فأوكلت إلى أحد طلبتها إعداد أطروحة دكتوراه عنه19. ثم نشرت هذه الأطروحة في كتاب20.
لقد حدد العالِمُ الراحل إسماعيل الفاروقي دوراً عملياً للمسلمين يمارسونه في التعليم في الجامعات الغربية، وترك إرثاً ثرياً في حقول فلسفة الدين، والأديان المقارنة، والحوار بين الأديان، وساهم في جهود إصلاح الفكر الإسلامي المعاصر، وفي بناء مؤسسات فكرية إسلامية. كما قدم الفاروقي مساهمات فريدة لإحياء مكانة الفنون في الثقافة الإسلامية وتحرير منظورها الفكري. وإنّ من أهداف هذه الورقة إبراز إسهام الفاروقي في عرض طبيعة الفن الإسلامي ومكانته في الثقافة الإسلامية، وعناصر نظريته في الفن الإسلامي، ورؤيته للأسس الفكرية والدينية، التي كانت أساس الإنجازات الفنية في الحضارة الإسلامية.
لاحظ الفاروقي اهتمام الباحثين الغربيين بدراسة الفن الإسلامي، سواء في حقول النحت، أو الخزف، أو النقش، أو الخط، أو تجليد الكتب، أو المنسوجات، أو السجاد، وغيرها من الفنون التي أنتجتها المجتمعات الإسلامية في حقب مختلفة، ورأى أنَّ هذا الاهتمام يستحق التقدير والامتنان. إلا أنَّ المشكلة تبقى في أنَّ الباحثين الغربيين يبدون حائرين في تقييمهم للفن الإسلامي، وكأنَّهم فشلوا في فهم جوهره وإدراك «إسلاميَّته»، وسبب ذلك أنهم اعتمدوا في تقييمهم على جوهر الفن الغربي ومعاييره، الذي يختلف كثيراً في إطاره المرجعي عن الفنّ الإسلامي وعن معاييره وأهدافه.
وقد اخترنا إسماعيل الفاروقي في سياق الفنّ والثقافة في الإسلام بالنظر إلى مساهماته المتميزة في هذا الحقل؛ وهي إسهامات ملحوظة في عديد من كتاباته؛ خاصة عمله الموسوعي «الأطلس الثقافي للإسلام»، وفي كتابه الفريد «التوحيد: ومضامينه في الفكر والحياة». هذا إضافة لعدد من المقالات المتخصصة التي نشرت في مجلات علمية حول الفنّ في الإسلام. كما أشرنا إلى إسهامات زوجته الراحلة، لويز لمياء الفاروقي الحاصلة على درجة الدكتوراه في الفنون الإسلامية التي أسهمت مع زوجها في تأليف «الأطلس الثقافي للإسلام». وقد كانت فريدة في تفكيرها، وتأملها، وتقديرها لخصائص الفنّ الإسلامي، وتصوير مشاهد الفن الإسلامي البارزة خلال سفرها مع الفاروقي عبر العالم.
توسع الدكتور الفاروقي في الكتابة عن الفنون الإسلامية؛ ففي بداية الثمانينات، نشر الفاروقي أربع مقالات عن الفنون الإسلامية باللغة العربية في مجلة «المسلم المعاصر»الصادرة بالعربية21. ونشر، في الوقت نفسه، كتاباً بالغ الأهمية، هو: «التوحيد: ومضامينه في الفكر والحياة»؛ اختتمه بفصل عن: «التوحيد: مبدأ الجماليات». ولعل الكثير مما كتبه عن الفنون الإسلامية ظهرفي فصول كتابه الأخير «الأطلس الثقافي للإسلام»22.
ثانيا: التوحيد: إطاراً مرجعياً للفنّ الإسلامي عند الفاروقي
تنوَّعت مداخلُ النظر إلى موضوع الفنّ في المجتمع الإسلامي قديماً وحديثاً، والمدخلُ الفقهي هو أحد أهم هذه المداخل. بل إنَّ المدخل الفقهي كان هو الغالب في كثير من الأحيان لحرص المسلم على معرفة ما يجوز وما لا يجوز من الممارسات الفنية بأنواعها. وليس ثَمَّة غرابة في ذلك؛ إذ إنّ للفقه موقعَ الأولوية في الحياة الإسلامية؛ وذلك لأنه وسلة للتأكد من عدم وقوع المسلم في المحذور من الأعمال والأقوال. وثمة مدخلٌ آخر هو المدخل التاريخي، الذي كان يقتصر على وصف ما أنجزه المجتمع الإسلامي من أعمال فنية، لا سيما في مجال المباني والآثار والتحف والنقوش الباقية23.
وكمثال على المدخل الفقهي؛ ناقش الريسوني التكييف الفقهي لمسألة الفنون، ولاحظ أنَّ الفقهاء تناولوا الفنون على أنها نوع من أنواع اللهو والمرح، أوأنها شهوات وملذات، أوأنها نوع من أنواع التحسينات، أوأنها وسائل24. وقد ناقش الريسوني بعض الضوابط التي وضعها الفقهاء لإجازة بعض أنواع الفنون، واستشهد بجملة من آراء عدد من كبار العلماء في عصور مختلفة؛ ولا سيما في موضوع علاقة العمل الفني بالمصلحة التي تحكم نشاط المسلم، مشيراً إلى أقسام المصالح الثلاثة: الضروريات والحاجيات، والتحسينيات. ثم توصل أخيراً إلى القول بأنَّ الحد الأدني من النظر إلى الفنون أن تكون ضمن رتبة التحسينيات من المصالح، وأنَّ: «النظرة إلى الفنون من جميع الزوايا، تمكننا من الوصول إلى مشروعيتها في الأصل وبوجه من الوجوه، لكنها مقيدة بقيود». وما ذكره الريسوني من القيود لا يقتصر على ممارسة الفنّ وحسب، وإنها هي القيود نفسها التي لا بد من مراعاتها في أي عمل آخر25.
أما المدخل التاريخي الآثاري؛ فقد كان مدخل معظم المستشرقين الذين اهتموا بدراسة الفن الإسلامي، ومعهم بطبيعة الحال تلاميذهم، وهم كُثْر.
وقد استخدم الفاروقي في دراسته للفنون الإسلامية مدخلاً مختلفاً تماماً؛ إذ انطلق من إطار مرجعي يوفر له معياراً مهماً لفهم العمل الفنّيّ في فلسفته، وغايته، وبِنْيَتِه. وهذا الإطار المرجعي هو: «القرآن الكريم». ووظف هذا الإطار المرجعي لدراسة جميع الأشكال الفنية التي عرفها المجتمع الإسلامي وصنفها الفاروقي في خمسة أقسام هي: فنون الأدب؛ وتشمل الشعر والنثر والأمثال والمقامات وغيرها. وفنون الخط العربي بأنواعه، وفنون الزخرفة النباتية والهندسية. والفنون المكانية التي تختص بهندسة المباني والعمارة والحدائق، وهندسة الصوت، وما يختص بترتيل القرآن والنَّشيد والذِّكْر والغناء والموسيقى26.
لقد رأى الفاروقي أنَّ القرآن الكريم هو المصدر الأول لجميع أشكال الإبداع الإسلامي، وأنَّ الفنون تمثل مكانة أساسية في الثقافة الإسلامية، سواء في الشكل، أو المضمون، أو التأثير. ويصل الفاروقي إلى حد التأكيد على أنَّ: «الثقافة الإسلامية، هي في الواقع، ثقافةٌ قرآنية؛... فمن دون الوحي القرآني لم تكن لتتولد هذه الثقافة القرآنية... وكما قد يُنظر إلى تلك الجوانب من الثقافة الإسلامية عن حق بأنها قرآنية من حيث الأسس ودوافع التنفيذ والأهداف، فيجب النظر إلى فنون الحضارة الإسلامية بوصفها تعبيرات جمالية من المصدر نفسه، نعم! الفنون الإسلامية هي في الواقع فنون قرآنية»27. ويصر الفاروقي على ضرورة النظر إلى الفنون الإسلامية بوصفها تعبيراً قرآنياً؛ سواءً كان ذلك في فنون اللون أو الخط أو الحركة أو الشكل أو الصوت، ويعتمد في هذا الاستنتاج على ثلاثة مستويات من التفسير28:
1) القرآن مُعَرِّفاً للتوحيد
أوضحَ القرآنُ الكريم بصورة لا تدع مجالاً للشك أو الحيرة أنَّ التوحيد هو لباب الدين الذي ارتضاه الله للبشر، وهو مبدأ كل القيم الأساسية في حياتهم. فالتوحيد مبدأ الحق والحقيقة، ومبدأ المعرفة، ومبدأ الأخلاق، ومبدأ النظام الاجتماعي في حياة البشر، ومبدأ الجمال. وباختصار هو غاية الدين ومقصده الأساس، ووسيلة لتحقيق غاية الحق من الخلق؛ في عبادة الاستخلاف في الأرض، وسعادة المصير في الآخرة. ويبدأ مفهوم التوحيد من الإقرار بوحدانية الله سبحانه، ثم يتجلى في سائر أوجه السعي البشري29.
يرى الفاروقي أنَّ البيان القرآني المتعلق بالخالق يستبعد أيَّ تمثيل أو تجسيم لله سبحانه من خلال أيِّ نوع من الوسائل الحسية؛ لذلك فإنَّ الفنون الإسلامية استبعدت ذلك تماماً، وفاءً لدلالة النفي في«شهادة، أن لا إله إلا الله». ومن أجل الوفاء بالجانب الإيجابي للشهادة، فإنَّه يتعين على الفنون الإسلامية أن تفترض ضمنا أنَّ الله لامتناه (infinite) في كل شأن من شؤونه، وفي مجمل صفاته. وحيث إنَّ جميع تلك الصفات اللانهائية فوق مستوى فهم الإنسان وقدرته على الوصف، فقد طوَّرت الفنونُ الإسلامية أنماطاً معينة ليس لها بداية أو نهاية، لتعطي انطباعا باللانهاية. ومثال على ذلك، فنُّ الزخرفة العربية التي تسمّى (الأرابيسك)، الذي يُعَدُّ مادة فنية تتفق مع المبدأ الجمالي في الاعتقاد الإسلامي: التوحيد.
وقد طوَّرت الفنون الإسلامية خصائص جمالية معينة في الشكل والمضمون؛ من أجل تحفيز انطباع اللانهائية والسمو، وهي الخصائص التي يطالب بها مذهب التوحيد القرآني، وفيما يلي أمثلة على تلك الخصائص:
- التجريد Abstraction: مع غياب التمثيل التشخيصي- التصويري؛
- الهيكل المجزأModular structure : مع وحدات متكاملة هي أجزاء من تصميم أكبر؛
- التركيب التعاقبي Successive combination: مع تعدد المراكز ذات الاهتمامات الجمالية وتعدد المشاهد؛
- التكرار Repetition: دون حدود للوحدات المتعاقبة التي تمنع أحد التصاميم من أخذ الأسبقية على الآخر؛
- الدينامية Dynamism: التي تحتاج لأن تُختبَر عبر الزمن. فالنمط اللامتناهي في الفن الإسلامي، على الرغم من تعامله مع عناصر مكانية، فإنَّه لا يمكن اكتساب الخبرة به بالشكل الصحيح إلا من خلال الزمن؛
- التشابك التعقيدي Intricacy: أو تعدد العناصر الداخلية، لتكوين أنماط، ويحفز هذا التشابك أيَّ نمط على جذب انتباه الناظر، وتُـجْبِرُه على التركيز على الكيانات البنيوية30.
2) القرآن بوصفه نموذجاً فنيّاً
لاحظ الدكتور الفاروقي أنَّ القرآنَ الكريم قد قاد الفنون الإسلامية، بوصفه النموذج الأول والرئيسي للإبداع الجمالي. فالقرآن الكريم رباني في شكله ومضمونه. وقد قدمت حروفه وأفكاره الخصائص الستة الممثلة في الأنماط اللامتناهية للفنون الإسلامية.
- القرآن لا يروي قصصه بتطور سردي حسب مبدأ تنظيمي أدبي. وغرضُه ليس السرد، بل التعليم والأخلاق. القارئ والمستمع تحركهم مشاعر تبدو تجريدية.
- العمل الفنّيّ الإسلامي يحاول اتباع البنية القرآنية، حيث الآيات ومقاطع القصص في السور تبدو وافية قائمة بذاتها.
- جُمعت آيات القرآن الكريم لتشكل كيانات أطول، وتركيبات متعاقبة، تُعرف بالعُشر، والربع، والحزب، والجزء. تشكل الأجزاء الثلاثين مجمل القرآن الكريم. الوحدة الأساسية هي الحرف المفرد. تتضمن الأنواع الأخرى من التقسيم أماكن يمكن للقارئ أن يتوقف فيها من دون تشويه المعنى. يمكن للقارئ أو المستمع أن يقرأ أو يستمع لأيِّ عددٍ من الآيات أو السور؛ حسبما يسمح له وقته من دون تحديد مسبق للبداية أو النهاية؛ الأمر الذي لا يترك أيّ انطباع بنهاية قاطعة.
- الاستفاضة في وسائل التكرار الموجود في جميع أنواع الفنون في الثقافة الإسلامية يُنظر إليها على أنَّها انعكاس لتكرار الأفكار وأنماط الخطاب في القرآن، وهي تُعدّ من ضمن عناصر البلاغة في القرآن، وأنَّها تتصف بالإعجاز.
- تتحقق الدينامية في القرآن من خلال خاصيَّة التعالي والسمو الأدبي؛ التي يتمُّ إدراكها مع الزمن. ففي جميع الفنون الإسلامية ثمَّةَ عمليةٌ متصلة من الإدراك والتقدير ترفض أن تنتهي إلى ذروة واحدة وخاتمة لاحقة.
- أخيراً: يمكن أن نجد تشابكاً تعقيدياً في الفنون الإسلامية صِيغَ على نهج القرآن؛ فالتوازي، والتقابل، والاستعارة، والتشبيه، والمجاز هي أمثلة على الأدوات الشعرية والبلاغية المتعددة التي توفر ثراءً لفظياً وتفصيلاً في القرآن.
3) الخط القرآني بوصفه مادة فنية
أبرز الفاروقي حقيقة أنَّ القرآن الكريم هو مصدر الاعتقاد والتصور المحفز للثقافة والحضارة الإسلاميتين؛ من حيث الشكل والمضمون. وقد أورد مثلاً على ذلك هو ما سماه بالمادة الإيقونية (iconography) التي يوفرها القرآن. فرغم أنَّ الكتابة كانت معروفة ومستخدمة بوصفها شكلاً من أشكال الفنون في الحقبة التي سبقت الإسلام، ومرافقاً منطقياً لشرح المعنى المقصود من عرض مرئي؛ إلا أنه تعين على الكتابة بالخط العربي في الإسلام أن تخضع لتحولات عميقة غيَّرتْها من مجرد رموز للتخاطب إلى مادة جمالية وتصويرية بالكامل. وقد أشار الفاروقي إلى تأثير القرآن فيما طرأ على المسلمين من تطور جذري في حِسِّهم الجمالي والسلوكي. فقد بنيت قبة الصخرة في القدس في بواكير التاريخ الإسلامي في عهد الخليفة الأموي عبد الملك ابن مروان في العام71ھ/691م، وكانت مثالاً على الفن الإسلامي المستقل عن أي فن سابق. وهي برنامج زخرفي مكثف تضمن آيات قرآنية. وقد طور المسلمون الأوائل هذا البرنامج الزخرفي الخاص بالخط العربي، وتم ذلك بسرعة وإبداع مذهل. وقد رأى الفاروقي في نهاية تحليله لتطور الخط العربي أنه ليس هناك من خط قبل الإسلام أو بعده فرض على نفسه التكرار، والتطويع، والمرونة، علاوة على الوضوح، كما تم ذلك على الخط العربي.
ثالثاً: تصنيف الفاروقي لموضوعات الفن الإسلامي
1) فنون الأدب
خصص الفاروقي فصلاً مهمّاً من كتابه «الأطلس الثقافي للإسلام» لفنّ الأدب31. وأشار إلى أنَّ الشعر العربي كان شكلاً من أشكال التعبير الأدبي على أعلى مراتب الاختصاص في صنع الحروف. وكان ذلك الشكل من التعبير الأدبي صيغة تتحدى العرب ليدركوا الطبيعة السماوية للقرآن الموحى به، فكان القرآن الكريم: «معجزةً ذات صيغة سامية، تتناسب تماما مع محتوى سام، وتعطي تأثيرات سامية... لقد كانت حالة نبوة محمد فريدة من حيث إنها بَنَتْ قضيّتَها على خاصية أدبية، وليست
مادية، وجعلت صدق أو صحة ادعائها، تحديدا «ألوهية مصدرها»، متصلاًبحبل من الجمال الأدبي»32.
وقد تجلى السمو القرآني في جوانب عدة؛
- فمن حيث الشكل وجدنا أن القرآن ليس شعرا من النثر الموزون، لكنه يستخدم عناصر من الشعر والنثر بصورة غاية في البلاغة ؛ دون أن تجد فيها أي تشابه أو التباس بهما. إنَّ الآية القرآنية تتكون من كلمات وعبارات تتلاءم مع المعنى بصورة تامة، وتتوازن وتتقابل مع الآيات التي تسبقها أو تلحق بها، سواء من حيث البناء أو المعنى، وبطريقة تعبر عن أكثر المعاني ثراءً وقوة، وفي أقصر تركيب ممكن. وتحمل الأدوات البلاغية القرآنية أعظمَ قدرٍ ممكن من الجاذبية والإبداع المتسامي. ومن الملاحظ أنَّ النص القرآني لم يأت حسب ترتيب موضوعي أو زمني، وليس من غرضه التحليل المنهجي أو مجرد الإخبار أو التأريخ، إنَّه كيان أدبي، جاءت كل وحدة رئيسية أو فرعية فيه مكتملة بذاتها، وترتبط بالوحدات الأخرى بشكل تام. وحين يكون هناك تكرار من أي نوع، فإنَّه يعطي ويؤكد على الدوام معرفة جديدة، تعتمد على جانب جديد لحدث معروف.
- ومن حيثُ المضمون، فإنّ المنطقَ السليمَ للقرآن الكريم هو الاتجاه المثالي للعقل البشري. وفيما عدا بعض التعاليم القليلة المتعلقة بالطقوس العبادية؛ فإنَّ المضمون القرآني مضمون لا يتردد العقل في قبوله. والقرآن الكريم لا يعطي أولوية للعقل على النقل أو النقل على العقل، ولا يعلن المساواة بينهما. ويعد مسألة الأولوية هذه مسألة زائفة؛ وإنما يفسر ما يُدَّعى من تناقض بينهما على أنه فشل في فهم النقل، أو خطأ في ممارسة التعقل.
إنَّ القرآن الكريم يتعامل مع الإنسان كما هو، متحرراً من أية خطيئة سابقة على وجوده على هذه الأرض، ومؤهلاً للقيام بوظيفة الخلافة فيها، وجميع المخلوقات الأخرى مسخّرة له، ويبارك القرآن الكريم النوازع الفطرية التي تتطلبها الحياة؛ من رغبة في الطعام، والجنس، والراحة، والمتعة، والجمال، والأسرة، والمجتمع، إلخ، ويشجعها في حدود ما يَصلُح للإنسان ويُصلِحه، فكلها نزعات شريفة غرسها الله في الإنسان كي يلبِّيها لا ليكْبِتَها.
إنَّ الخطابَ القرآني يختصُّ بنيّة الإنسان في قلبه، وبعمله بجوارحه، ومن ثم فهو ينطلق من رؤية أخلاقية عميقة تجمع بين حسن النية واستقامة العمل. وهو خطاب حافزٌ على الإنجاز والإنتاج، والامتداد في البيئة الاجتماعية الراهنة، وفي المدى الزمني. وسعيُ الإنسان في هذه الحياة لا تكتمل قيمته حتى يأخذ مكانَه في المجتمع ضمن أسرة طبيعية؛ فيها الزوجان الرجل والمرأة، مع أطفالهما، وهي أسرة صغيرة ضمن عائلة ممتدة فيها إخوة وأخوات، وعمّات وخالات، وأجداد وجدّات وأحفاد وأسباط، وأبناء عمومة وخؤولة ... إلخ.
وهذا الخطاب القرآني:
- هو رسالة عامة، تخاطب البشر كافَّة، فكلُّ الناس متساوون في علاقتهم بالله، واجبهم الأساسي هو الوفاء بالخلافة في الأرض؛ دون تمييز في مكانة قبيلة، أو عرق،
أو شعب.
- وهو كذلك خطاب عقلاني، يدعو الجنس البشري إلى قبول رسالته بَعْدَ نَظَرٍ وتفكُّر، وعن قناعة تامة، وبحرية كاملة.
- ويأمرُ هذا الخطابُ المؤمنين برسالته أن يكونوا إيجابيين في حمل الرسالة وتبليغها، مركزين على جوانب الاتفاق ليبنوا على أساسها العلاقات بين الناس، ولبناء مفهوم محدد لكيان بشري يسمى «الأمة». وهذه الأمة في المفهوم القرآني هي أخوة إنسانية تدير علاقاتها من خلال تعدد وتنوع في الأنظمة الثقافية والقانونية.
- ورسالة القرآن هذه تتصف بالشمول والتكامل، فلا تقسم حقائق الحياة الدنيوية إلى مقدَّس ومدنَّس، أو ديني وعلماني، أو أخلاقي وغير أخلاقي، فكل الحقائق والوقائع إنما تخضع لمعايير هذه الرسالة وأحكامها.
- أخيراً: فإن الرسالة القرآنية تدعو إلى الاستمتاع بالجمال والقيم الجمالية بمعناها المطلق. وتعلن أن الجمال واحد من تجليات الوحي، وأنَّ على المسلمين السعي إلى إقامة الجمال وترسيخه في كل مناسبة وكل مكان.
- ومن حيث التأثير، فإنَّ الشكل الجميل سوف يزداد جمالاً حين يقترنُ بفكرة جميلة، وتبقى قيمة المضمون خافية إلى أن تقوم صيغة شكلية جيدة بعرضها للفهم، والاستمتاع، والامتلاك. والعلاقة بين الشكل والمضمون علاقة ديناميكية، لكنَّ التأثير الحقيقي يكمن بشكل رئيسي في تجربة الـمُدرِك. ويقاس التأثير بمقدار حِدَّة الوعي،
أو عمق الالتزام، الذي يقوم به المدرك نتيجة للعرض. إنَّ الأفكار العظيمة التي تعرض بأشكال جميلة لها قوة جبارة، ويمكنها أن تضفي رؤية جديدة للعالم، وأن
تفرض حكماً جديداً وإرادة جديدة، وأن تسيطر على وعي الشخص وتحدث فيه تحولاً جذرياً.
لقد أدرك العرب منذ البداية أنَّ القرآن الكريم هو التمثيل الأكمل للسمو والتعالي في الشكل والمضمون؛ القادر على أن يحدثَ أسمى صورة للتأثير. وقد أصبحت عَرَبِيَّةُ القرآن مقياساً ومعياراً للغة العربية، بمفرداتها، ونحوها، وقواعدها، وبلاغتها. لذلك لم يكن غريباً إدراك تأثير القرآن في جميع مظاهر الثقافة الإسلامية، وحتى وصل هذا التأثير إلى ثقافة المسيحيين واليهود وغيرهم من غير المسلمين في مجتمعات الأمة الإسلامية. وفوق ذلك كله طوَّرت لغات ا لمسلمين من غير العرب، مثل الفرس، والمالاويين، والأتراك، والهوسا، والسواحيليين، إلخ حروفا أبجدية عربية، وورثوا الأدب العربي العظيم، بشعره ونثره وأمثاله ومقاماته، كما ورثوامعه رسالة القرآن العظيمة.
2) فنُّ الخطِّ
لاحظ الفاروقي «أنَّ التأثير القرآني جعل من الخط العربي أكثر أشكال الثقافة الإسلامية أهمية، وأنَّ هذا التأثير وهذه الأهمية يتجليان في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وفي جميع قرون التاريخ الإسلامي، وفي جميع فروع الإنتاج الفني والجمالي، وفي جميع أنواع الفن التي يمكن تخيُّلها. ومن بين كل فئات الفن الإسلامي كان الخط العربي هو الأكثر انتشاراً، والأعظم أهمية، والأوفى حظاً من التقدير والاحترام لدى المسلمين»33.
وقد بدأ هذا الخط بأمر من الخليفة الثالث عثمان I ، فأمرَ بنسخِ القرآن الكريم في كتاب واحدٍ، وأرسلت منه نسخ إلى مراكز العالم الإسلامي لتكون نصوصا معيارية. ومع مرور الوقت عمد الناسخون بالتدريج إلى تطوير خطوط يدوية تحسينية، أو أنماط كتابية مختلفة تتصف بالدقة والجمال. وربما كان الطراز الكوفي أول ما تم تطويره؛ لكن بعد فترة وجيزة، ظهرت أنواع مختلفة من الخط الكوفي اتخذت أسماء مختلفة؛ الكوفي المشرقي، والكوفي المائل، والكوفي المزهر، والكوفي المضفر، والكوفي المنحصر، والكوفي المشجر، والكوفي الموشح. وقد استحدث ابن مقلة (توفى في العام 329 هجرية) قواعد لنسب جميع الحروف لإعطاء قياس دقيق لامتداداتها الأفقية والعمودية وانحناءاتها.
ثم طوَّر الناسخون خطوطاً نسخيةً أخرى فيما بعد. حمل كل واحد منها اسماً مميزاً: الكوفي، والنسخي، والثلث، والمحقق، والرقعة، والريحاني، والتوقيع، ... إلخ. كما استحدثوا خطوطاً أخرى في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي. فطوَّر الخطاطون في شمال أفريقيا والأندلس الخط الأندلسي بأنواعه المختلفة: القيراواني، والمغربي الفاسي، والسوداني. وطور الخطاطون في الأراضي التركية، وشمال الهند خط التعليق، ونسخ تعليق، والديواني، والشيكاستا. وفي الصين وجنوب شرق آسيا طُوِّرت خطوط السني، والجاوي.
وقد استحدثت جميع أنماط الخطوط في الأصل لغرض كتابة القرآن الكريم لما بدا للناس على أنَّه الهدف الأكثر جاذبيةً وقيمة، إلا أنَّ الاهتمام بالخط انتشر من كتابة نُسَخ القرآن إلى استخدامه في زخرفة المصنوعات المختلفة، مثل المعدن، والزجاج، والعاج، والمنسوجات، والأخشاب، والحجارة، والخزف.
إحدى النتائج التي توصل إليها الفاروقي بالنسبة للخط هي أنَّ خصائص الفنون الإسلامية الست التي ذكرت سابقاً، يمكن التعرُّف عليها في الخط؛ وهي تحديدا: التجريدية، والهياكل المجزأة، والتركيبات التعاقبية، والتكرار، والدينامية، والتشابك.
[تصوير لمياء الفاروقي]
إلى جانب الخط التقليدي الذي نجده في العالم الإسلامي اليوم، أشار الفاروقي إلى أنواع أخرى منها: التصويري، والتعبيري، والرمزي، والتجريدي المحض. وقد لاحظ الفاروقي أنَّ قلة من الخطاطين المعاصرين حاولوا تطوير أنماط مختلفة تفتقد لأي معنى، مبتعدين عن التكامل العميق ما بين الحروف والكلمات المرتبطة باللغة العربية والرسالة القرآنية. وهو يرى أنَّه لا يمكن اعتبار مثل تلك الخطوط فنَّاً إسلاميا بأيّ شكل من الأشكال. ومع ذلك فقد أدرك الفاروقي وجود توجُّهٍ قوي لأن يعمد الخطاطون المعاصرون إلى «الاحتفاظ بالسمات التي تشكل منها الفنّ الإسلامي وأوجدوا تقليداً مميزاً عبر القرون وفي كل منطقة في العالم الإسلامي»34.
3) الزخرفة في الفنون الإسلامية
فسَّر الباحثون الغربيون فنون الزخرفة الإسلامية بأنَّها عمل سطحي لا ضرورة له، وبأنَّه وسيلة لما يسمونه: «ملء المساحات الفارغة». وقد رفض الفاروقي هذا التفسير، وعدّه نموذجاً للعجز عن فهم المعاني والوظائف العميقة للزخارف الفنية التي انتشرت على مساحات الأرض التي دخلها الإسلام، وفي كل العهود، ورأى أنَّ وظائف الزخرفة الفنية الإسلامية هي:
- تذكير بالتوحيد، لتجنب تقسيم حياة الفرد و/أو المجتمع المسلم إلى ديني وعلماني،
- تحويل المواد للتأكيد على التجريد وتبديل طبيعة التحف وإخفاء المواصفات الأصلية للمادة، وتجنب القلق على قيمتها النفيسة،
- تحويل البنية لجذب انتباه المشاهد إلى مستوى أعلى من التعبير والمعنى،
- التجميل لإنتاج شيء يسر الناظرين بتناسقه، ولونه، وشكله.
من المؤكد أنَّ العناصر الزخرفية لها خصوصيات إقليمية، تختلف من بلد إلى آخر في البلدان الإسلامية، ولكن من المؤكد كذلك أنَّ هذه العناصر تحتفظ بجملة من الخصائص التي تجعل منها جميعاً فنوناً إسلامية. وهناك ثلاثة عوامل تُعدّ عناصر ممكنة للخصوصية الإقليمية:
- التقنيات المتمثلة في النحت، والرسم، والنسج، والحفر، والنقش على الجلود، والنقش البارز، والصقل، ونفخ الزجاج، والصب، الخ.
- المواد: مثل الجبس، والدهان، والخشب، والمعدن، وألياف النسج، والصلصال، والخزف؛ حسب توفرها في المكان والزمان.
- الزخارف؛ فهناك أنواع معينة من الأساليب الزخرفية المستخدمة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي مثل الخط العربي، والأنماط الهندسية، والزخارف المعمارية، وتجريد أشياء الطبيعة مثل النباتات والحيوانات، وغير ذلك.
بعض الزخارف تقتصر على مناطق معينة. في المغرب، وشمال أفريقيا، وأسبانيا، نجد مَعينات (جمع مَعين) متشابكة، وزخارف صدفية، وأقواساً مفصصة، وأقواساً متشابكة. في تركيا، نجد الأقواس الثلاثية والقباب المخروطية. في إيران وآسيا الوسطى، نجد الأرقام المجردة من الطبيعة. في شبه القارة الهندية نجد الأقواس المفصصة، وزهرات اللوتس المقلوبة، والقباب البصلية. وفي شرق آسيا، نجد الزخارف المتموجة، زخارف مقدمة القارب، والمظلة، والتنين.
ومن أنواع الزخارف الإسلامية المشهورة هياكل الأرابيسك، وهي نمط لامتناه يتشكل من عدد من الأنواع الهيكلية التي تتكرر بأنواع لا تحصى، وحسب الفاروقي، فإنه «يطلق عليها أرابيسك عن حق لأنها عربية، كما أنَّ الشعر العربي، والقرآن العربي عربيان في جمالياتهما»35.
وجد الفاروقي أنَّ فنَّ الأرابيسك يكشفُ -مثل الأنواع الأخرى من الفنون الإسلامية: في الأدب، والصوت، والحركة- بعضَ التشابهات المهمة مع اللغة العربية؛ فالعربية في رأيه لغةٌ معقدة تعتمد على نظام من المعاني الأساسية يتم التعبير عنها من خلال جذور أفعال ثلاثية الحروف. «كل واحد منها معرض للتصريف إلى أكثر من ثلاثمائة صيغة مختلفة عن طريقِ واحدٍ من تغييرات النطق، أوإضافة مقاطع بادئة، أو لاحقة، أو متوسطة،»36؛ فلا حدود لمثل هذا العدد من جذور الأفعال، لذلك فإنَّ اتساع المعاني بالعربية قد يكون لامتناه. ورغم إضافة المقاطع في المواقع المختلفة، أو إضافة أحرف العلة الساكنة أو المشددة، فإنَّ تلك التفعيلات توفِّر جميع الأجزاء المتنوعة من الحديث دون إضاعة العلاقة مع الجذر الثلاثي. إنَّ الصيغ الهيكلية للفنون الإسلامية مشابهة لتفعيلات اللغة العربية. فالتفعيلات الجمالية في فنِّ الأرابيسك هي إطار الزخارف والأشكال الفنية لإبداع الأنماط الفنية الإسلامية.
يصف الفاروقي أربع فئات من الهياكل الإسلامية اللامتناهية في فنِّ الزخرفة الإسلامية، وهي تحديداً: البنية متعددة الوحدات، والبنية المتداخلة، والبنية المتعرجة، والبنية الممتدة. لكل واحدة من هذه البنى صفاتُها الخاصة، لكنَّها جميعا تحمل جوهراً غنيّاً وعميقاً من الفنّ الإسلامي. إنَّ الزخرفة عند الفاروقي «هي جوهر الفنون الإسلامية- جوهر يحدد استخدام المواد، ويضع قوالب تصور الأشكال، ويولِّد سلسلة من البنى التي يمكن تمييزها في كل فرع من فروع الإنتاج الفني. ومن ثم، فإنَّ هذا العنصر الضروري ليس مجرد نتيجة لعوامل اجتماعية، أو اقتصادية، أو جغرافية، أو نفوذ من نوع ما... بل نتج عن الحوافز الكامنة لمجمل ثقافة الشعوب الإسلامية وحضارتها. حتَّمتْها وقرَّرَتْها رسالة الإسلام التوحيدية»37.
4) الفنون المكانية
الفنون المكانية في تعريف الفاروقي لا تقتصر على التماثيل والهندسة المعمارية والتصميم الداخلي؛ وهي الفنون المعروفة جيداً في الحضارات السابقة. فقد ميز بالإضافة إلى ذلك أربع فئات من الفنون الإسلامية المتمايزة:
- الفئة الأولى هي ما أطلق عليه «وحدات الحجم» التي تتضمن بنوداًقائمة بذاتها شبه مترابطة مثل: النوافير، والأعمدة، والأبراج، وأقواس النصر، والجسور، وقنوات الماء. ولهذه الفئة وظائف عملية، إضافة إلى أنهاتخدم أغراض الزينة.
- الفئة الثانية هي الفنون المعمارية أو العمارة، التي تمتلك جميع الصفات والمزايا الإسلامية المذكورة سابقا.
- الفئة الثالثة هي تنسيق المناظر الطبيعية، التي تشمل السمات الإبداعية والجميلة لأعمال البستنة (الزراعة والعناية بالمزروعات) إضافة إلى الاستزراع المائي (علم الاستخدام الفني لقنوات الماء، وأحواض الماء، والنوافير، والشلالات).
- الفئة الرابعة هي تخطيط المدن، وتتناول العلاقة بين المبنى والمباني المجاورة له، والفضاء المفتوح المحيط بها، ومجمع المباني، أو الحي، أو القرية، أو المدينة.
لقد تناول الفاروقي بشيء من التفصيل كل واحدة من الفئات الأربعة، وتوصل إلى أن الفنون المكانية، مثل جميع الفنون الأخرى في الثقافة الإسلامية، تعطي دليلاً على الإصرار على تجليات رؤية العالم الإسلامية المتمثلة بالتوحيد بوصفه المقصد الأعلى في الإسلام. فوحدات الحجم، التي نفذت بتحفيز من الثقافة الإسلامية، تعبر عن الإسلام وعقيدته بقدر ما تعبر فنون الخطّ والمنتجات الفنية الإسلامية الأخرى. كما تبيَّن للفاروقي كيف أنَّ فنون الحجم الإسلامية بفئاتها الأربع تقوم على الخواص الأساسية المتعلقة بجميع الفنون الإسلامية.
إنَّ إسهامات الفاروقي في دراسة الفن في الفكر الإسلامي كانت نتيجة رؤية تتصف بالعمق والشمول في مباحث الفلسفة، وفي تاريخ الأديان والحضارات. وقد بثَّ هذه الرؤية فيما نشر من البحوث في المجلات المتخصصة بتاريخ الأديان، والأديان المقارنة، والفلسفة، وفيما عرضه من هذه البحوث في المؤتمرات المتخصصة في هذه الموضوعات. وقد اختار عطاء الله صديقي بعض هذه الأرواق والبحوث ونشرها في كتاب بعنوان: «الإسلام والأديان الأخرى». وكان من بين هذه الأعمال بحث مطول قدمه الفاروقي في المؤتمر الدولي لأديان العالم في العام 1980م. وكان البحث بعنوان «التعالي الإلهي والتعبير عنه» وهو في مجمله مقارنة بين طرق التعبير عن الذات الإلهية في الثقافة الإغريقية والهيلينية والرومانية، والديانات الأخرى الفرعونية والبوذية والهندوسية واليهودية والمسيحية والإسلام. وتضمن البحث تحليلاً للفنون البصرية في الإسلام وفلسفتها؛ البعيدة كل البعد عن التعبير المادي والتمثيل الرمزي للإله.
وبيَّن الفاروقي أنَّ الفنَّان المسلم كان يستخدم ما هو متاح من وسائل ومواد وخبرات فَنِّيَّة، لكنَّه يعيد صياغتها بصورة تحقق أهدافاً جديدة تمليها عليه الاعتبارات الدينية في الفنَّ والجمال. ومثال ذلك أنَّ الفنَّان المسلم في القرن الهجري الأول اعتمد على ما كان شائعاً من التراث البيزنطي في نظم البناء والعمارة من أعمدة وأقواس وقناطر. واستخدم هذه الخبرة في بناء قبة الصخرة في القدس، والقصور الأموية في الأردن، والمسجد الأموي في دمشق، لكنّ الاعتبارات الدينية الإسلامية في فنون الجمال قد أحالت الفنَّ البيزنطي الذي يتصف بالجمود والثبات إلى فنٍّ من نوع آخر، فنٍّ يتحرك بوعي الناظر إليه بصورة لا يملك معها الثبات على جزء محدد، بل ينتقل في تأمله إلى الجزء اللاحق الذي لا يكتمل كذلك؛ بل ينقل إلى جزء لاحق آخر، وهكذا. فثمَّة تكرارٌ وتناظر يعززان لحظة المشاهدة، ويحرِّضانها على الامتداد في كل الاتجاهات، مما يوحي بالاستمرار في الوقت وفي الفضاء، دون نهاية. والناظر إلى جزء محدد من الفن الإسلامي يسعى إلى الوصول بخياله إلى إدراك حدود ذلك الجزء، ويتحرك في الزمان والمكان، لكنه يفشل في الوصول إلى تلك الحدود، إنّه حدس في اللانهاية، واللانهاية مكون أساسي من التعالي38.
5) هندسة الصوت: الفنون الصوتية
حذَّرَ الفاروقي من استخدام تعبير «موسيقى» للتعامل مع مكانة الصوت بوصفه تعبيراً جمالياً في حياة المسلم؛ لأنَّ تعبير«الموسيقى» -حسب رأيه- مخصص لاستخدام أدوات ونمط حياة من قبل أناس لديهم مكانة مشكوك فيها في الثقافة الإسلامية. لهذا السبب استخدم الفاروقي تعبير هندسة الصوت للإشارة إلى التركيب الفنّي من النغمات والإيقاعات؛ التي نشأت ضمن الثقافة الإسلامية.
لقد أثرت الرسالة الإسلامية، التي تضمنها القرآن الكريم، في هندسة الصوت بطريقتين مهمتين: الأولى هي طريقة اجتماعية؛ تحمل من يؤدُّون الصوتَ، ومن يستمعون إليه، على استعمال فنّ الصوت واعتباره بطريقة إسلامية مميزة. والطريقة الثانية هي طريقة نظرية؛ يتم بموجبها تشكيل خصائص محددة لنماذج من فنون الصوت الفعلية، على الطريقة التي تؤديها الشعوب الإسلامية وتستمتعُ بها.
بالنسبة لما يتعلق بالتأثير الاجتماعي للقرآن على فنِّ الصوت، وجدَ الفاروقي أنَّ فئات الأنواع الموسيقية غير مناسبة لوصف فنِّ الصوت الإسلامي. وأن الأنواعَ المتوفرة من فنون الصوت الإسلامي لا يمكن تصنيفها على أنها دينية وغير دينية. والترتيل القرآني، على سبيل المثال يُتلى في الصلوات، وفي الاجتماعات العامة، وفي الاحتفالات وفي برامج الإذاعة والتلفزيون اليومية. والصلاة الرسمية ليس فيها أيّ نوع من أنواع هندسة الصوت سوى الترتيل. وأناشيد الشعر والأغاني المحتوية على كلمات جادَّة، تؤدَّى في سياقات متعددة. وبسبب الامتعاض الثقافي الذي يبديه «الموسيقيون المحترفون»، فإنَّنا لا نجد إلا القليل من الأفراد الذي كرسوا أنفسهم لأداء الموسيقى. لذلك، فإنَّ معظم من يؤدُّون هندسة الصوت ليسوا محترفين.
وثَـمَّة سماتٌ بارزة في فنِّ الصوت في المجتمعات الإسلامية، منها: مشاركة المستمعين في أداء هذا الفنِّ، ومنها خاصية الاستمرارية التاريخية لفنون الصوت؛ فالعديد من الخصائص الموجودة في فنون الصوت الإسلامية المعاصرة يمكن توثيق وجودها من حيث الأداء في قرون سابقة. ومن هذه السمات كذلك التجانس بين الأقاليم. فعددٌ كبير من الخصائص توحِّد ثقافة هندسة الصوت بين الشعوب الإسلامية.
فئات فنّ الصوت
لاحظ الفاروقي وجود خمس فئات محددة من هندسة الصوت، كما يلي:
تلاوة القرآن، أناشيد دينية أخرى، الارتجال الصوتي بمرافقة الأدوات.
أناشيد بموضوعات جادة، أغاني وموسيقى التسلية
الفئة الأولى: هي التلاوة القرآنية. وقد كان ترتيل القرآن على الدوام نموذجاً للإبداع في العالم الإسلامي. ونجد أنَّ علماء التلاوة القرآنية؛ الذين علَّمُوا أو عمِلوا من أجل الحفاظ على سلامة هذا التقليد الصوتي، موجودون في كل قرن. وقد
وفَّرت التقاليد التي أرساها هؤلاء العلماء، الاستمرارية والتجانس في هذ
الفنّ، فأصبحت التلاوات القرآنية مألوفةً في أيّ جزء من العالم الإسلامي. ويكمن الاختلاف والتنوُّع في تلاوات الأفراد نظراً للتفاوت في قدراتهم اللغوية،
والصوتية، والجمالية.
وتختص الفئة الثانيةُ بالأذان الذي يدعو إلى الصلاة، وتلبية الحجيج، وتكبيرات العيدين، وتلاوة الشعر الديني؛ مما هو ذِكْر أو مديح. وتمارَس جميعُها في جميع مناطق العالم الإسلامي، في أماكن خاصة أو في التجمعات العامة، في المنزل أو المسجد. وقد نجد فيها بعض الاختلافات الإقليمية البسيطة، أكثر مما في تلاوة القرآن.
تضم الفئة الثالثة أداءاتٍ صوتية ارتجالية قد ترافقها الآلات أحياناً، مثل:التقاسيم، والليالي، والقصيد. وتصدر بأسماء مختلفة في العالم الإسلامي. وتوجد في تنوعات إقليمية متعددة أكثر تنوعاً مما لاحظناه في الفئتين الأوليين.
وتبدي الفئة الرابعةُ، تماثلاً أقلَّ مع الفئة الأولى. وتتضمن إنشاد بعض الموضوعات الدينية، وتؤدِّيها مجموعات من الذكور و/أو الإناث الذين ينشدون بانسجام. وقد تُستخدم فيها الأدوات الموسيقية أو لا تستخدم. وقد تكون كلمات النشيد باللغة الفصيحة أو باللهجة المحلية، أو بمزيج من كليهما.
أما الفئة الخامسة والأخيرة فإنَّها ربَّـما تكشف عن تواصل أقل مع المضمون القرآني وشكلِه ونمطِ أدائه. وهي إمَّا أن تكون أناشيدَ أو أَغَاني فرديةً أو جماعية (كورالية)قد تحتوي على موضوعات وأدوات غير دينية بغرض التسلية. ورغم أنَّ هندسة الصوت في هذه الفئة قد تتأثر بأيٍّ من أنواع الفئات السابقة؛ فقد تكون بعيدة عن أيّ من الخصائص الرئيسية للفن الإسلامي حين تصاحبها أنشطةٌ محرَّمة مثل تناول الكحول أو تعاطي المخدرات أو اختلاط الجنسين39.
ومرة أخرى نجد الفاروقي يتتبع أثر القرآن الكريم على فنِّ الصوت، ويرصده في الخصائص الأساسية الست التي سبق أنْ وَجَدَها في الفنون الإسلامي الأخرى، وهي تحديداً: التجريدُ، والهيكلُ المجزأُ، والتركيباتُ التعاقبيةُ، والتكرارُ، والديناميةُ، والتشابكُ. وختم هذا التتبع بالتأكيد على أنَّ «وصف ما تبديه هندسة الصوت من خصائص الفنون الإسلامية يُؤكِّد أنَّ فنون الصوت في الثقافة الإسلامية لم تكن مجرد جمع لنماذج إقليمية تَـمَّ أخذُها من شعوب مختلفة وجُمعت مع بعضها لتشكِّل «موسيقى للشعوب الإسلامية». لكنَّها بدلاً من ذلك تُظهر علاقة متكاملة بالدين وجوهره الأساس وهو التوحيد، وكتابه الخالد وهو القرآن، وترتيله الفنِّي الجميل»40.
رابعاً: نظرية الفن الإسلامي
الحقائقُ والمفاهيمُ والقوانينُ هي مستويات من المعرفة البشرية التي يتم التوصل إليها بالحسِّ والمشاهدة والقياس والتجربة، ولكنَّها تبقى بحاجة إلى تفسير، وهذا التفسير هو مهمة مستوى آخر من مستويات المعرفة البشرية، تقوم به النظرية. فالنظرية في أيّ علم من العلوم هي مجموعة من الافتراضات والمبادئ التي تفسِّر الظاهرة والعلاقات القائمة بين عناصرها. وتتَّصف النظرية بقدرة تفسيرية، وأخرى تنبؤيَّةٍ تعزِّزُ ملاءَمتَها ومصداقيَّتَها.
لقد انشغل الفاروقي بدراسة مظاهر الفن الإسلامي باختلاف أنواعه وتعدد نماذجه، ثم قدم تفسيراً مهما فيما يتعلق بقيمة التعبير الجمالي في الإسلام. فلاحظ أنَّ الفن الإسلامي في الإساس يختلف عن فنون الأمم الأخرى بمسألة مُهِمَّة هي أنَّه ينطلق من محاولة تمثيل ما لا يمكن تمثيله. فالفنان المسلم الذي يستشعر رقابة الله سبحانه في حياته وعمله، يجعل توحيد الله نصب عينيه، لكنَّه يعلم أنّ الله الواحد سبحانه: ﴿ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير﴾ [الشورى: 11]. ومن ثَـمَّ «فليس هناك من شيء من المخلوقات يمكن أن يشبه الله سبحانه، أو يكون رمزاً له، أو يمثِّلُه. فهو سبحانه في الحقيقة، وبالتعريف، أكْبَرُوأَجَلُّ شأناً من أن يتمَّ تمثيلُه»41. فهنا أمران: الأول استحالةُ التمثيل أو الوصف الحسي للذات الإلهية... والأمر الآخر هو إمكانية التعبير عن هذه الحقيقة. ومن المؤكد أنَّ هذا التحدي كفيل بأن يُذهِلَ خيالَ أيِّ فنَّان... وفي هذا المجال بالذات سجلت العبقرية الفنِّيَّة للإسلام أعظم إنجازاتها»42.
أ) تحليلُ التصورات الغربية المتعلقة بالفن الإسلامي، ورفضها
بذلَ الفاروقي جهوداً مقدرةً في تحليل ورفض سوء الفهم لطبيعة الفنِّ الإسلامي الذي وقع فيه المستشرقون عند دراستهم للفنون الإسلامية. وفي الوقت نفسه، كان على الفاروقي أن يحلل ما يسمى بالفنون الدينية في الغرب، وكشف قاعدة المذهب الطبيعي والتوجُّهِ لجعل الإنسان مقياساً لكلِّ شيء. لقد وجد الفاروقي نفسَه في مواجهة الباحثين الأكاديمين المتخصصين في الفن الإسلامي في الجامعات الأميركية، ومع المستشرقين الذين كانوا يعرضون الفنون الجمالية في العالم الإسلامي؛ ولا سيما الفنون البصرية والصوتية، على أنَّها أعمالٌ تتعارض تماماً مع المذهبية الإسلامية؛ لأنَّ هذه الفنون في نظرهم هي صيغ من التطورات التي عبَّرت عن حقائق الحياة الاجتماعية للمسلمين عبر التاريخ. وأنَّ هذا التطور كان في معظم الأحيان ينحرفُ عن التعاليم الروحية للإسلام؛ «وحيث إنَّ الإسلام يعارض الحياة الباذخة، فإنَّ البذخ لن يوجد، وإذا وجد فسوف يكون على حساب الإسلام وتحدياً له»43. و«ينبغي على الإسلام وأيّ دين آخر ألا يشارك في أي مسائل تتعدى الشعائر الدينية وعلاقات الإنسان بالخالق»44.
ب) المبدأُ الأخلاقيُّ في التوحيدِ
يعتمد الفنُّ الإسلامي على المبدأ المتعالي للتوحيد. وهو العامل المشترك بين جميع الفنانين المسلمين وجميع الأشكال الفنية في مناطق العالم الإسلامي كافة. وحيث إنَّ التوحيد هو المبدأ الجمالي، فإنَّ مما ينْبَنِي على ذلك أنَّ هدف الفن الإسلامي هو التأكيد على الترابط التوحيدي بين الدين والفن.
ج) القرآنُ باعتباره إطاراً مرجعياً
لما كان القرآن هو النموذج الفنِّي في بِنْيَتِه، وتأثيره، ومعناه، فإنَّ هذا القرآن هو المأثرة الفنية الأولى في الإسلام.
د) صفات وخصائص الفنِّ الإسلامي
التجريدية، والهياكل المجزأة، والتركيبات التعاقبية، والتكرار، والديناميكية، والتشابك.
ھ) تعريف الفن الإسلامي
في ظل مثل هذه التصورات التي بناها الفاروقي حول الفنّ الإسلامي أصبح عليه أن يُعيد صياغة الفلسفة الجمالية الإسلامية ونظريَّتَها في الفنّ؛ ابتداءً بالتعريف الإسلامي للفنّ، أو تعريف الفنّ الإسلامي. فالفنُّ الإسلامي، وَفْقَ الفاروقي، هو النمط اللامتناهي، أو... «فن اللانهاية»... فالكيانات الفنية الإسلامية هي نماذج تنسجم كل الانسجام مع المبادئ الجمالية للمذهبية الإسلامية، «التي تحفز على التفكُّر في الأنماط النهائية، وتوجِّه العقل نحو الخالق، بحيث يصبح الفنُّ تذكيراً وتعزيزاً للعقيدة الدينية»45. وحيث إنَّ المذهبية الإسلامية، القائمة على التوحيد، تميز بطريقة مطلقة، ما بين الإله الخالق، والخلق الطبيعي، فإنَّ الفنَّ يصبح: «هو عملية الكشف عن جوهر ما بعد الطبيعة، في داخل الطبيعة، وعرضه بشكل مرئي... الفنُّ هو القراءة في الطبيعة لجوهر ما ليس طبيعياً فيها»46.
“The process of discovering within nature that meta-natural essence and representing it in visible form… art is the reading in nature of an essence that is non-nature. ”
ولكي نتعرف بالضبط على ما يمكن أن يُعدَّ فنَّاً إسلامياً، فقد ميَّز الفاروقي بين الحقيقة الإلهية من جهة، والطبيعة المادية من جهة أخرى؛ فأيُّ فنٍّ قد يمثِّل ما لا يمكن تمثيله، لن يكون فناً جيدا؛ أي لن يكون فنَّاً إسلامياً. لقد أنتج الفنانون المسلمون عملاً فنِّيا يتطابق مع نظرتهم العالمية التوحيدية، التي تقول إنَّه لا شيء في الطبيعة يمكن أن يمثِّل الخالق، ولا شيء يمكن أن يكون رمزاً له، سبحانه. لهذا السبب، كان على الفنانين المسلمين أن ينمِّطوا الطبيعي وينزعوا عنه طبيعته بقدر الإمكان. فالنبتة أو حتى زهرة النبتة سوف تفقد هويتها الطبيعية، لتصبح عند الفنَّان المسلم نَسَقاً يتكرَّرُ بصورة لانهائية لنفي أيِّ تشخيص عنه، ونزع أيَّةَ إحالة طبيعية من وعي الناظر إليه. والصفة الجمالية التي يبدعها الفنَّان المسلم بالتكرار النهائي واستحالة التشبية والزمرية الطبيعية، ترقى إلى مستوى التعبير بلغة الخطاب عن شهادة التوحيد: «لا إله إلا الله». وفي الوقت نفسه رفضَ الفنانون المسلمون أن تكون الرمزية فلسفة للفن الإسلامي؛ «المجد الذي ينفرد به الإسلام هو أنَّه خالٍ تماماً من الوثنية؛ أيّ من خطأ اعتبار المخلوق خالقاً»47.
إنَّ مبدأ التوحيد في نظر الفاروقي يمكن بأيسر نظر ٍأن تجدَ تجلياتِه في جميع أنواع الفنِّ الإسلامي، سواءً فنون الصوت: الذي نجده في اللغة، والأدب، والشعر، وتلاوة القرآن، والأناشيد الدينية بأنواعها المختلفة؛ أو الفنون البصرية التي تشمل الكيانات الهندسية، واللدائن، وفنّ الخط، والزخرفة، والعمارة بأنواعها. الفنّ الإسلامي هو فنٌّ بنوعه، ومضامينه، وتعبيراته، وليس بالمادة التي يتشكَّل منها.
تصميم بخط الثلث،
الخطاط: عبد الغني البغدادي 1384. مع صورة معكوسة (مثناة)
[تصوير لمياء الفاروقي]
وبناءً على هذا الأساس فإنَّ الفن الإسلامي فنٌّ توحيدي، انتجته عقيدة التوحيد كما جاء بها الإسلام، وعبر عن الإنتاج الفني الجمالي لجميع المسلمين48.
الخاتمة
كانتْ جهود إسماعيل الفاروقي وبحوثُه في الفنون الإسلامية جزءاً من مشروعه للإصلاح الفكري الإسلامي، الذي تبنَّاه وأسهم في بناء أُسُسِهِ، وهو مشروع إسلامية المعرفة. ويسعى هذا المشروع إلى حفز المسلمين المعاصرين إلى اكتساب المعارف المعاصرة في جميع الحقول وتحليلها نقدياً، والتفوق في فهم واستيعاب هذه المعرفة ضمن الرؤية التوحيدية الإسلامية، وتمكين الأمَّة من الإسهام الفاعل في الحضارة الإنسانية بتوجيه من الوحي الإلهي. وبدلاً من أن يُلقي الفاروقي التَّبِعَة على الآخرين، كان هو نفسه مثلاً على التمكُّن من المتطلبات الضرورية لهذا الهدف. فأتقن كلاً من المعارف الإسلامية والتراث الغربي، ورسم «خريطة طريق»49 للإبداع الإسلامي المعاصر أسهم فيها بصورة مقدَّرة.
لقد كان الفنُّ أحدَ التخصصات التي تعامل معها، ووظَّف فيها رؤيتَه الإسلامية بكثافة، وبطريقة فريدة. ونجح في توضيح التصورات الخاطئة وسوء الفهم، الذي وجده عند مَنْ تعامل مع الفنِّ الإسلامي؛ سواءً من المستشرقين والباحثين الغربيين أو تلاميذهم المسلمين، ليبني بعد ذلك نظريةً متكاملة في الفنِّ الإسلامي.
لقد وجدنا أنَّ من ضمن الإسهامات الرئيسية للفاروقي تأكيدُه على التفريق ما بين الفنون الإسلامية المعبِّرة عن المذهبية التوحيدية القرآنية، من جهة، ومنتجات المسلمين الفنِّية من جهة أخرى، حيث رتَّب الفاروقي هذه المنتجات في مستويات مختلفة وفق المعايير القرآنية الأساسية.
سوف يُلاحِظُ القارئ لمعالجة المرحوم الفاروقي للفنون في الرؤية الإسلامية، أن الأنماط الفنية التي تحدث عنها هي الأنماط التي عرفها تاريخ الإسلام والشعوب الإسلامية، بما في ذلك فنون الأدب والخط والبناء والزخرفة وهندسة الصوت. وربما يفسر ذلك غياب حديثه عن الأنواع الحديثة من الفنون التي لم تكن موجودة في المجتمعات الإسلامية مثل التمثيل والمسرح، وما أصبح يعرض في دور الأوبرا والسينما. ولكن تصنيفه لفنون هندسة الصوت تضمن إشارات محدودة إلى «موضوعات وأدوات غير دينية بغرض التسلية»، والغناء الذي قد تختلط فيها بعض الممارسات غير المقبولة في أخلاقيات الإسلام. ومن الواضح أن هذه الإشارات تُوحِي بأنَّ مرجعية الحكم بإسلامية الفنِّ عند الفاروقي ترتبط بما يتصل مباشرة بالأعمال الأقرب إلى النشاط، والعمل الجادِّ. فهو ينظر إلى الواقع المتخلف في المجتمعات الإسلامية، ويحرِّض أبناءها ويستثير هِمَمَهم إلى استعادة مجد الأمة وحضورها في ساحة العالم، مما لا يفسح لهم مجالاً لغير العمل المثمر والجاد.
إنَّ المتتبع لمعالجة الفاروقي للفنون الإسلامية لا يجده مشغولاً بكثير من اهتمامات الباحثين في الفنِّ الإسلامي قديماً وحديثاً؛ فقد استغرقَ الحديث الفقهي عمَّا هو محرَّم أو مباح من الغناء والموسيقى صفحات واسعة من كتابات الفقهاء والمحَدِّثين والصوفية. لكنَّ الفاروقي انشغل بفهم نَفْسِيَّة الفنَّان المسلم وهو يُنتِج فَنَّه، ونفسيةِ المشاهد المسلم وهو ينطلق بخياله نحو ما يوحي به الإنتاج الفنِّي، ويربط كل ذلك بالمرجعية الدينية الإسلامية التي تتميز عن أي مرجعيات أخرى بعقيدة التوحيد الخالص؛ بصفته أعلى مقاصد الإسلام. وهي رؤية فلسفية قد لا يكون الفنان المسلم بالضرورة واعياً على تلك المرجعية وتضميناتها في فكره وحياته. وربما لا تجد هذا الوعي حاضراً كذلك لدى المشاهد لذلك الفنّ، لكنَّ الفنّان والمشاهد كلاهما ينطلقان من تلك المرجعية ويعودان إليها بالطبع والفطرة.
وبالتأمل في معالجة الفاروقي لموضوع الفنّ الإسلامي، فإننا سوف نلاحظ عدداً من جوانب التميّز في هذه المعالجة؛ فهي معالجة معرفية تتصل بمجمل موضوعات الفن وتجلياته في الزمان والمكان. وهي معالجة منهجية حاولت القراءة في عقل الفنان المسلم وطريقته في التعبير عن سعيه للسمو الوجداني. وهي معالجة مقاصدية بيّنت الصلة الوثيقة للإنتاج الفني الإسلامي بالمقصد الأسمى للدين وهو التوحيد. ولا ننسى كذلك أن معالجة الفاروقي للفن الإسلامي جاءت عنصراً من عناصر الإصلاح الفكري والمنهجي الذي يريد منه إعادة بناء الأمة وخروجها من حالة التخلف، وإسهامها في الحضارة الإنسانية. ولذلك نجد في لغة الفاروق الحرقة والألم، كما نجد التحريض والتحفيز.
وعلى عكس ما يراه كثير من نقاد الفن، ولا سيما بين المستشرقين، من أنَّ الفنَّ إنتاج غامض يصعب تفسيره، ويجعل الإنسان مقيداً في حدود الإنتاج الفني المادي50، فإنَّ الفاروقي يرى أن للحضارة الإسلامية بسائر تجلِّياتها ولا سيما في الفنون جوهراً يمكن معرفته ووصفه وتفسيره، وهذا الجوهر هو التوحيد، وهو المقصد الأعلى من مقاصد الشريعة الإسلامية51.
وبالمقارنة مع معالجات مفكرين آخرين تتجلى جوانب تميز الفاروقي بصورة أكثر وضوحاً. فمفكر وسياسي مشهور مثل علي عزت بيجوفيتش مثلا لم يتحدث عن الفن الإسلامي؛ عندما خصص فصلاً في كتابه «للفن»؛ وإنما تحدث عن ظاهرة الفن بوصفها إحدى تجليات الثقافة البشرية. وباستعراض ما كتبه بيجوفتيش عن الفن52، نجد معالجته تحليلاً فلسفياً لمجموعة من النصوص التي حاول فيها بعض المفكرين الغربيين ربط الفن بالدين، ومن ثم وصف الفن بالغموض واستحالة الفهم والتفسير؛ لأن الفنان ينتج عملاً يعبر فيه عن أفكار ومشاعر بطريقة حرة، لا يسهل تأطيرها علمياً. وعلى هذا الأساس فسر اضمحلال الأعمال الفنية في المجتمع السوفييتي (قبل تفكك الاتحاد السوفييتي) الذي مُنع فيه التفكير الديني وأجبر الفنان على توجيهعمله الفني لخدمة النظام السياسي. وفي المقابل أبرز بيجوفيتش الكثير من المنجزات الفنية في البلدان التي كان فيها المبدعون يتمتعون بالحرية في التعبير الفني بأشكاله المختلفة.
ويَجمعُ بيجوفيتش الفن مع الدين والأخلاق، وينظر إلى هذه الحقول الثلاثة بوصفها فروعاً من سلالة واحدة انبثقت بفعل الخلق الإلهي53. ويؤكد أن العملَ الفني كان دائماً ذا مرجعية دينية: «إنَّ الفنَّ في بحثه عما هو إنساني أصبح باحثاً عن الله... وإذا امتنع وجود حقيقة دينية امتنع بالتالي وجود حقيقة فنية»54. وهكذا «فإن الفنَّ ابن الدين... وإذا أراد الفنُّ أن يبقى حيّاً فعليه أن يستقي دائماً من المصدر الذي جاء منه... إنَّ الفن المعماري، رغم أنه أكثر الفنون وظيفية وأقلها روحية، يثبت لنا صفته الدينية من خلال البناء الذي لا يتوقف لأماكن العبادة»55. إن الفنان يتحدى بنفيه تلك الرؤية المادية «غير الدينية» التي تعتقد بوجود كون بلا إله56.
وأخيراً، فإنَّه لم يكن من المتوقع لهذه الورقة أن تصل إلى ختام القول في مقاصد الفن الإسلامي، وإَّنما اقتصرت على بيان الجهد الاجتهادي الذي بذله علَمٌ واحدٌ من أعلام الفكر الإسلامي. وسيكون من المفيد أن تتواصل الجهود البحثية في بيان اجتهادات أعلام آخرين. وقد اقتصرت الورقة كذلك على رؤية الفاروقي للتوحيد بوصفه مقصداً من مقاصد الإسلام وتجليات هذا المقصد في الفنون التي أبدعتها الشعوب الإسلامية. وربما تكشف دراسات أخرى، يمكن اقتراحها، عن تجليات مقاصد أخرى في الأعمال الفنية، مثل مقصد التزكية ومقصد العمران، وغيرهما.
إنَّ الاهتمام بالفنون الإسلامية، حسب الفاروقي، ليس مسألةً من مسائل التاريخ الثقافي والحضاري في حياة الشعوب الإسلامية وحسب، ولكنَّ هذا الاهتمام هو مسألة تختصُّ بحاضر المسلمين ومستقبلهم. لقد أدَّى الفنانون المسلمون في السابق مهمَّاتِـهم، في إبداعات جمالية قيّمة، فكيف يمكن للفنانين المسلمين اليوم الإسهام في أعمال عالَم الفنّ المعاصر؟ وكيف يمكنهم من تحقيق إبداعات فنية تعين الناظر إلى العمل الفني على تقدير الأفكار بدلاً من الأشياء، ونقد الثقافات والفنون المجردة من القيم؟!
على عكس ما يراه كثير من نقاد الفن، ولا سيما بعض المستشرقين؛ من أن الفن إنتاج غامض يصعب تفسيره ويجعل الإنسان مقيداً في حدود الإنتاج الفني المادي، فإن الفاروقي يرى أن للحضارة الإسلامية بسائر تجليتاتها ولا سيما في الفنون جوهراً يمكن معرفته ووصفه وتفسيره، وهذا الجوهر هو التوحيد57.
ومن الجدير بالذكر أن مصطلحَ الدين عند بيجوفيتش يعني الدين في الثقافة الغربية، وهو أمر يرتبط بالروحية (spiritualism) بمعناها المسيحي في عهد الحداثة. وهو نشاط يسعى للخلاص الفردي، ولا صلة له بالعلم ولا بالواقع الدنيوي. ومع أننا لا نشكُّ في وضوح العقلية الإسلامية لدى بيجوفيتش في تحليله لما يتحدث عنه، فإننا لا بد أن نؤكد مرة أخرى أنه لم يتحدث عن الفن الإسلامي لا في موضوعاته، ولا في تمثلاثه في توالي الزمان وامتداد المكان.
وقد عاصر سيد حسين نصر، المرحومَ الفاروقي في الولايات المتحدة، وانشغل بما انشغل به من دراسات إسلامية، وتدريس الفلسفة والإسلام، في الجامعات الأمريكية، وكان للفن الإسلامي نصيب في كتاباته. ولكن سيد حسين نصر تعامل مع موضوع الفن الإسلامي من مدخل صوفي، وبيّن أن قيمة الفن الإسلامي لا تتبدى في المظهر الخارجي للمادة الفنية؛ وإنما في المعنى الداخلي الذي تشير إليه، وتستثير وعي المسلم على معنى حياته وصلته بالله سبحانه. فالفنُّ وسيلة لدعم الحياة الروحية، وسُلَّمٌ في رحلة العروج من المنظور إلى الغيب، للبحث عن الأثر الإبداعي للمصدر النهائي، وهو عطاء الله وبركته ووسيلة للكشف عن الوحدة في مظاهر التعدد58. ولذلك فإن سيد حسين نصر كان مهتما بالفنّ في تجليات الإبداع الإلهي في المخلوقات، على طريقة الإشراق والعرفان ووحدة الوجود، وهو يخاطب القارئ المسلم وغير المسلم، لأن التجربة الروحية يمكن أن تتحقق في أي دين.
المصادر والمراجع
ـ ابن عاشور، محمد الطاهر، مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق محمد الطاهر الميساوي، لندن: المركز المغاربي للبحوث والترجمة، 2004.م
ـ بني كنانة، أشرف محمود. الفكر المقاصدي عند الفاروقي، في: إسماعيل الفاروقي وإسهاماته في الإصلاح الفكري الإسلامي المعاصر، تحرير فتحي ملكاوي، ورائد عكاشة، وعبد الرحمن أبو صعيليك عمان: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2014م.
ـ بيجوفيتش، علي عزت. الإسلام بين الشرق والغرب، ترجمة محمد يوسف عدس، بيروت: مؤسسة العلم الحدث، الطبعة الأولى، 1994م.
ـ حنش، إدهام محمد، «تحولات المصطلح في لغة الفن الإسلامي»، في: الفن في الفكر الإسلامي: رؤية معرفية ومنهجية، تحرير فتحي حسن ملكاوي، عمان: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2013م.
ـ حنش، إدهام محمد «نظرية الفن الإسلامي عند المفكر إسماعيل الفاروقي»، في: إسماعيل الفاروقي وإسهاماته في الإصلاح الفكري الإسلامي المعاصر، تحرير فتحي ملكاوي، وجميل عكاش، وعبد الرحمن أبو صعيليك عمان: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2014م.
ـ حنش، إدهام محمد «نظرية الفن الإسلامي: المفهوم الجمالي والبنية المعرفية»، عمان: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2013م.
ـ الريسوني، أحمد، الأمة هي الأصل، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2012م.
ـ غنيمة، عبد الفتاح مصطفى.«جهود المستشرقين لدراسة الفنون الإسلامية»، في: الفن في الفكر الإسلامي، عمان: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2013م.
ـ الفاروقي، «إسماعيل، التوحيد والفن-1»، مجلة المسلم المعاصر العدد رقم 23 تموز- أيلول 1980م.
ـ الفاروقي، إسماعيل، «التوحيد والفن-2»، مجلة المسلم المعاصر العدد 24 تشرين الأول- كانون الأول.
ـ الفاروقي، إسماعيل، «التوحيد والفن: نظرية الفن الإسلامي»، مجلة المسلم المعاصر العدد 25 كانون الثاني- آذار، 1981م.
ـ الفاروقي، إسماعيل، «الإسلام وفن العمارة»، مجلة المسلم المعاصر،العدد رقم 34 شباط- نيسان 1983م.
ـ قريسة، نبيل خلدون، «ما معنى الفن الإسلامي؟» في: الفن في الفكر الإسلامي، تحرير فتحي حسن ملكاوي، عمان: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2013م.
ـ ملكاوي، فتحي حسن «جوهر الحضارة الإسلامية وتجلياتها: قراءة في كتاب أطلس الحضارة الإسلامية»، في: إسماعيل الفاروقي وإسهاماته في الإصلاح الفكري الإسلامي المعاصر، تحرير فتحي ملكاوي، ورائد عكاشة، وعبد الرحمن أبو صعيليك، عمان: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2014م.
ـ ملكاوي، فتحي حسن، منظومة القيم العليا: التوحيد والتزكية والعمران، الأردن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2013م.
ـ نزال، عمران سميح، «فلسفة إسماعيل الفاروقي في التعامل مع التراث الإسلامي»، في: إسماعيل الفاروقي وإسهاماته في الإصلاح الفكري الإسلامي المعاصر، تحرير فتحي ملكاوي، ورائد عكاشة، وعبد الرحمن أبو صعيليك عمان: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2014م.
- Al-Faruqi, Ismail Raji. «Divine Transcendence and Its Expression» In: Islam and Other Faiths, edited by Ataullah Siddiqui, Leicester, Uk: Islamic Foundation, and Herndon VA: The International Institute of Islamic Thought, 1998, p. 21-70. Originally published in Henry O. Thompson (ed. ) The Global Congress of the World's Religions (proceedings of 1980-1982 Conference) Washington, DC: The Global Congress of the World's Religions, Inc. , 1982).
- Al Faruqi Ismail and al Faruqi Lois Lamya. The Cultural Atlas of Islam, New York: Macmillan Publishing Company, 1986.
- Al-Faruqi, Ismail. Tawhid: Implication for Thought and Life. Herndon: IIIT, 1402AH/1982AC.
- Clark, Emma. The Art of the Islamic Garden, Crowood press, 2011.
- Esposito, John. «Ismail R. al-Faruqi: Muslim Scholar-Activist,» Haddad, Yvonne Yazbeck, (Editor) The Muslims of America. New York and Oxford: Oxford University Press.
- Ettinghausen, Richard, Grabar, Oleg, and Jenkins-Madina, Marilyn. Islamic Art and Architecture 650-1250, The Yale University Press (Pelican History of Art Series), 2nd edition, 2003
- Flectcher, Charles D. Ismail Al-Faruqi (1921-1986) An Inter-Faith Dialogue: The Man, The Scholar, The Participant, The Institute of Islamic Studies at McGill University, Montrial December 2008, Ph. D Dissertation.
- Gonzalez, Varlerie. Beauty and Islam: Aesthetics in Islamic Arts and Architecture. London: I. B. Tauurs and the Institute of Ismaili Studies, 2001.
- Onat, Sema. Islamic Art of Illumination: Classical Tazhib from Ottoman to Contemporary Times, Blue Dome Press, 2015.
- Nasr, Sayyed Hossein. Islamic Art and Spirituality, New York: State University of New York Press, 1987.
- Quraishi, M. Tariq. Ismail al-Faruqi: An Enduring Legacy, Plainfield, Indiana: The Muslim Student Association,1987.
- Ruggles, D. Fairchild (Ed. )Islamic Art and Visual Culture: An Anthology of Sources. Wiley-Blackwell; 1 edition (April 25, 2011.
- Stanley Brice Frost. «Forward in Ismail R. al-Faruqi,» Christian Ethics, Montreal: McGill University Press, 1967.
- http://digitool. library. mcgill. ca/webclient/StreamGate?folder_id=0&dvs=1474182809452~82&usePid1=true&usePid2=true.
ملاحظة: نشر هذا النص في الكتاب التالي: الفنون في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية، 2017، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، لندن، ص 249-297. |