محمد سليم العوَّا
- العدل هو ما قام في النفوس أنه مستقيم، وهو اسم من أسماء الله، تعالى، إذ هو، سبحانه، لا يميل به الهوى فيجور في الحكم. والعدل الحكم بالحق. والعدل من الناس المرضيُّ قوله وحكمه وشهادته[1] والعدل هو الاستقامة، يقال هذا قضاء عدلٌ غير حَدْل، فالحدلُ ضدُّ العدل.[2] والعدل هو الإنصاف.[3] والعدل تقويم الشيء إذا مال ولو أدنى ميل، والعدل الحكمة.[4] والعدل القسط، يقال أقسط إذا عدل وقسط إذا جار.[5] وعَدَلَ الشيء بالشيء أي سواه به، وعَدَّلتُ الشهود: إذا قلت إنهم عدول.[6] والعدل هو الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، وهو الاعتدال والاستقامة والميل إلى الحق.[7] والعدل نقيض الجور، يقال «عَدَلَ بين الخصوم أي أنصف ولم يظلم».[8] وعلى هذه المعاني المتقاربة يدور استعمال كلمة العدل، وكلمة القسط، في لغة العرب.
- والعدل عند المعتزلة هو أحد أصولهم الفكرية الخمسة التي لا يعد معتزليًا من لم يجمع القول بها.[9] وحاصل قولهم في العدل أنه «التصرف على مقتضى الحكمة».[10]وهم يقصدون بالعدل تقرير حرية الإنسان ومسؤوليته عن أفعاله،[11] ولهم في تعريفات العدل عبارات كثيرة يواجهون بها فكرة الجبر التي نشأت زمن بني أمية.[12] ولأهل السنة والجماعة مناقشات مستفيضة لهذا الأصل، ردًا على وجهة النظر المعتزلية.
- ولأهل اللغة استعمال خاص لمصطلح العدل، لا يريدون به أيًا من المعاني السابقة لهذه الكلمة، بل يريدون به العدول عن باب الأصل إلى باب فرع من فروعه أو صيغة من صيغه.[13]
- وشيوع استعمال اللفظ في مجالات معرفية متعددة، أو تعدد تصريفاته التي يؤدي كل منها معنىً مغايرًا للمعنى الذي يؤديه سواه، يجعله من زمرة الألفاظ التي يسميها علماء اللغة الألفاظ «الشريفة». وهكذا نجد لفظ (العدل) شائعًا في علوم كثيرة بمعانٍ متعددة ونجد المعنى – معنى العدل – شائعًا تعبِّر عنه في لغة العرب كلمات مختلفة المباني. وهذا وذاك دليلان على أهمية العدل من الجهتين جميعًا: جهة اللفظ المعبِّر عنه أصلا، وجهة المعنى الذي يهدي اللفظ إليه.[14]
- فإذا تركنا جانبًا العدل الاعتزالي، والعدل في مصطلح أهل اللغة، إذ كل منهما مستعمل في نطاق لا صلة له بمقاصد الشريعة، وعلى رأسها المقاصد القرآنية، فإن الأمر يقتضينا أن نيمم الوجه شطر القرآن الكريم لنقف على مواطن ذكر العدل والقسط فيه، وما إذا كان ذكره إياها يشير إلى «مقصد قرآني» أم هي أحكام – بأنواعها – لا يستفاد منها مقصد قائم بذاته، كما زعم الشيخ المعمم؟!
[1] ابن منظور، لسان العرب، دار المعارف بمصر، القاهرة 1979، مادة (عدل)؛ أبو بكر بن دريد، الاشتقاق، تحقيق عبد السلام هارون، دار الجيل 1991، ص 345؛ ابن سيده، المحكم، طبعة معهد المخطوطات العربية الثانية، القاهرة 2003 بعناية د. عبد الفتاح سليم ود. فيصل الحفيان، المجلد الأول، ج2 ص 9؛ دكتور أحمد أبو حماقة (مشرفًا)، معجم النفائس الكبير، دار النفائس، بيروت 1428هــ / 2007م ج2 مادة (عدل)؛ سلمة بن سالم العوتبي، الإبانة، تحقيق عبد الكريم خليفة وزملاؤه، وزارة التراث القومي والثقافة، عُمان 1999، ج2 ص 561.
[2] الأزهري، تهذيب اللغة، تحقيق دكتور رياض زكي قاسم، دار المعرفة، بيروت 2001؛ ابن سيده، المخصص، بعناية د. محمد نبيل طريفي، دار صادر، بيروت 2012، ج3 ص 485.
[3] الحسين بن محمد الدامغاني، الوجوه والنظائر لألفاظ كتاب الله العزيز، تحقيق محمد الزفيتي، وزارة الأوقاف، القاهرة 2008، ج2 ص 79؛ أشرف طه أبو الدهب، المعجم الإسلامي، دار الشروق القاهرة 2002 مادة (عدل)؛ معجم النفائس الكبير، الموضع السابق ذكره.
[4] ابن سيده، المخصص، السابق ص 415 و490.
[5] المصر السابق، ص 491؛ اللسان، مادة (قسط)؛ محمد عتريس، المعجم الوافي لكلمات القرآن الكريم، مكتبة الآداب، القاهرة 2006، مادة (قسط)؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، دار الحديث بالقاهرة 2008، ص 744.
[6] أبو إبراهيم اسحق بن إبراهيم الفارابي، ديوان الأدب، تحقيق دكتور أحمد مختار عمر، مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1975، ج2 ص 179 و373؛ أبو البقاء الكفوي، الكليات، تحقيق د. عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت 1419هــ / 1998م، ص 150؛ ابن فارس، السابق، ص 646.
[7] الشريف الجرجاني، كتاب التعريفات، تحقيق د. عبد المنعم الحفني، دار الرشاد، القاهرة 1991، ص 170؛ محمد عبد الرؤوف المناوي، التوقيف على مهمات التعاريف، تحقيق د. محمد رضوان الداية، دار الفكر المعاصر، بيروت 2002، ص 506؛ دكتور علي سليمان الزوبي، المساواة وعدها من المقاصد الكلية للشريعة، مجلة السراج المنير التي تصدرها رابطة علماء ليبيا، العدد الثاني، ربيع الأول 1437هـ / يناير 2016م، ص 55.
[8] دكتور أحمد مختار عمر، المكنز الكبير، سطور 1421هــ / 2000م، مادة (عَدَل).
[9] أبو الحسين الخياط، الانتصار والرد على ابن الراوندي، نقلا عن مقدمة الأستاذ فؤاد سيد لمجموع رسائل معتزلية لأبي القاسم البلخي، والقاضي عبد الجبار، والجشمي، نشرها بعنوان (فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة)، الدار التونسية للنشر 1974، ص 17؛ وانظر: محمد سليم العوَّا، المدارس الفكرية الإسلامية، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت 2016، ص 202.
[10] علي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، الطبعة الثامنة، ط دار المعارف 1996، ج1 ص 433؛ وتفصيل المسألة ملخص في: العوَّا، السابق، ص 224-232.
[11] العوّا، السابق ص 224 و225.
[12] القاضي عبد الجبار، طبقات المعتزلة، ضمن المجموع سالف الذكر، ص 144.
[13] أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، تحقيق الشيخ محمد علي النجار، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1999، ج1 ص 53 وج3 ص 184 و264 و270؛ وفهارسه، صنعة الدكتور عبد الفتاح السيد سليم، معهد المخطوطات العربية، القاهرة 1997؛ وتجب مراعاة الفارق بين صفحات الإحالة في الفهارس وصفحات الأصل، وهي نحو ثلاث صفحات نقصًا.
[14] قرَّب من هذا المعنى ما كتبه صديقنا العلامة الدكتور محمود الطناحي، رحمه الله، في مجموع مقالاته المنشورة تحت عنوان «مستقبل الثقافة العربية»، دار الهلال، القاهرة 1999 مع مقدمة بقلم العلامة الأستاذ الدكتور محمود علي مكي، وبوجه خاص مقالاته عن علي الجارم لغويًا نحويًا (ص 51)، وعن الشيخ محمد متولي الشعراوي (ص 34)، وعن كتاب الأستاذ الدكتور الطاهر مكي «دراسة في مصادر الأدب» (ص 236 وبوجه خاص ص 247 و248). وقد أعيد نشر هذه المقالات جميعًا ضمن مجموع مقالات الدكتور محمود الطناحي، دار البشائر، بيروت 1422هـ / 2002م.
ملاحظة: نشر هذا النص في الكتاب التالي: مقصد العدل في القرآن الكريم، 2016، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، لندن، ص 11 -16. |